الاستقامة.. ما بعد الحجّ ـ الشيخ البراك
السؤال: منَّ اللهُ عليَّ بالحج إلى بيته الحرام هذا العام، ولله الحمد، وأريد أن أستقيم على طاعة الله تعالى، لعلّ الله يتقبّلُ حجي وسائر عملي، فما هي الأسباب التي تجعلني أستقيم على الدين، باختصار؟ وأريد منك دعوة لي بالثبات، جزاكم الله خيرًا، ونوَّر الله بصيرتك.
المجيب: عبدالرّحمن بن ناصر البراك
الجواب: الحمدُ لله، وصلّى الله وسلّم على محمد، وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
فإنّ الاستقامة على دين الله بعد الإيمان بالله، هي فعلُ كلِّ ما يستطيعه العبدُ مما أمر اللهُ به ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- وتركُ جميع مناهي الله ورسوله، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا وهذه حقيقة التقوى، وهذا واجبٌ على العبد ما دام حيًّا وعقله حاضرًا، فإنّ العبوديّة لله بطاعته لا تسقط عن العبد إلا بالموت أو زوال العقل، وسواء قبل الحجّ أو بعد الحج، كما قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]
وقد وعدَ اللهُ مَن أقبل على طاعته وجهاد نفسه في ذات الله أن يمدّه بالثبات والهداية، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66-68]
وللاستقامة أسبابٌ، منها:
- الإقبال على كتاب الله تلاوةً وتدبّرًا، وهذا أعظم أسباب الاستقامة، كما قال سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال سبحانه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:102]، ومِن ذلك: تدبّر قصص الأنبياء في القرآن، كما قال سبحانه: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120]
- التفكّر في أسماء الله الحسنى وصفاته، فإنّ ذلك يثمرُ خشيته والمسارعة لمراضيه، والمجانبة لأسباب سخطه، قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، وقال سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:225]، وقال: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29]
- القراءة في كتب السّنّة.
- القراءة في الكتب التي تصفُ سيرَ الصّالحين مِن العُبَّاد والعلماء.
- مجالسة الصّالحين، خاصةً مَن عنده علم تستفيد منه، قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الآية [الكهف:28]
- مجانبة مجالس مَن لا تنتفع منه في دينك، ولا ترجو أجرًا في مخالطته.
- ترك الفضول مِن الأمور التي يتقاضاها الطّبع؛ وهي فضول الكلام، وفضول النظر، وفضول الاستماع، وفضول الطعام، وفضول النوم، وفضول المخالطة، وقد سبقت الإشارة إليه، والمراد بالفضول: ما زاد على الحاجة.
ويعينُ على ذلك كلّه أمران:
الأول: التوجّه إلى الله بسؤاله الثّبات والاستقامة على دينه، كما جاء في دعاء الراسخين: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، وكان من دعاء النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يُكثر منه: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبي على دينكَ).
الثاني: مجاهدةُ النّفس والصّبر والمصابرة حتى تنقاد النّفس وتستقيم على الطريق، وكذلك لا ننسى أنّه يجبُ الإعراض عن كلّ الوسائل التي جدَّت في هذا العصر، وضل بها كثير مِن الناس بسوء الاستعمال، ففي تلك الوسائل أنواع مِن الباطل مِن حرام وفضول، كوسائل الإعلام، وما يسمّى بوسائل التواصل الاجتماعي، وأسأل الله أن يمنَّ عليَّ وعليك بالاستقامة على دينه، وصلّى الله وسلّم على محمّد.
التعليقات