نحو خطبة بانية (2/2)
* اهتمامات الخطبة الموجهة لمختلف مكونات المجتمع.
أما عن مخاطبة باقي مكونات المجتمع، بما فيها من فعاليات ثقافية وتشكيلات مدنية وأطياف سياسية، فإن الخطاب يجب أن يؤسس مفاهيم اجتماعية عديدة منها:
إن الإسلام هو الثابت الجوهري والمكون الأساسي للهوية الوطنية وإنه هو الذي صاغ الشخصية المغربية، بما منحها من عمق ثقافي صدرت عنه الأمة وهي تصنع تاريخها الثقافي وتبني حضارتها التي تشكلت في رحاب البنى الثقافية التقليدية، التي يأتي في طليعتها الكتاب والمسجد ومؤسسة القرويين وروافدها من مدارس علمية على مستويات الحواضر والقرى، ومن ثم وجب اعتبار أي موقف عدائي ضد تلك الثقافة الإسلامية ومؤسساتها موقفا من الذات ومن الهوية والحضارة والذهنية الجمعية للأمة.
إن على الخطيب ألا يستبعد أحدا أو يقصيه من دائرة الاهتمام بالإسلام وإن كانت بعض المواقف موحية بنقيض ذلك، لأن الأكيد هو أن الإسلام يضرب بجذوره في كينونة أفراد هذه الأمة وهو متجذر فيها تجذرا تكشف عنه حالات الأوبة إلى الإسلام والحرص على بعض الشعائر التي يعني إهمالها في نظر المجتمع الانسحاب من الإسلام، وذلك كالختان وإقامة صلاة الجنازة وما إليها من شعائر يحرص عليها حتى أقل الناس حظا من التدين.
إن على الخطيب أن يقنع الآخرين بأن التدين ضرورة إنسانية ونزوع فطري وأن الحلم باجتثاثه هو فعل غير معرفي لا يبوء إلا بالفشل بعد استفراغ جهد غير قليل.
إن على الخطيب أن يقنع الآخرين بضرورة احترام الخطوات المنهجية والعلمية المتبعة في البحث عن المعرفة الشرعية وفي استنباط الحقيقة الدينية، بعد استفراغ المؤهلين علميا جهدهم في استقراء النصوص ومساءلتها وبعد إعمال كل خطوات النظر الصحيح، ومن خلال ذلك الجهد تنبثق الحقيقة الشرعية التي تستحق أن تدعى علما شرعيا يعبد الله به، وأما الآراء الشخصية والاختيارات الذاتية فإنها لا يمكن أن تعتبر قولا في الشريعة التي لا يتأسس فيها حكم شرعي إلا بناء على ما تشهد له الأدلة.
إن المجتمع -وإن اختلفت توجهات بعض مكوناته- لا بد أن يعتبر المعطى الديني عنصرا إيجابيا يجب توظيفه في الانتقال بالإنسان نحو آفاق الارتقاء وولوج مجالات النهوض، وإلا فإن كل محاولة للتغيير تناهض جوهر الإسلام تؤول إلى عامل توتر وصراع يخلخل تماسك المجتمع ، ولعل من إشارات نضج المجتمع العربي ووعيه حاليا بهذه الحقيقة وبعد تجارب أفرزت أزمات عديدة، أن تعقد مؤسسة المرأة والذاكرة التي تضم ممثلات الحركة النسائية مؤتمرها الأخير بالقاهرة يومي 16-17- ماي 2005 لتنتهي إلى وجوب اعتبار الدين ركنا أساسيا في التغيير وفي إصلاح وضع المرأة وإلى التزام المؤسسة بأن تسعى إلى أسلمة التمكين وأسلمة الجندر (النوع الاجتماعي)، بعد ما لمست الناشطات النسائيات المسلمات والمسيحيات ما للدين من دور إيجابي في التمكين للمرأة.
فلذلك وجب ترك السبح ضد التيار الذي تسير فيه الأمة، واعتماد الرصيد الديني في مجال الإصلاح حتى يكون الإصلاح هو المقصود بالذات.
إن على الخطيب أن يشجع على التئام شمل المجتمع والتقاء كل مكوناته على الاشتغال على أوراش مجتمعية تعني كل الناس، فتوضع برامج مشتركة ومندمجة في مجال تحقيق النهوض الاجتماعي، والإقلاع الاقتصادي أو محاربة الجريمة، أو تخليق الحياة العامة، وما شابه هذا من الأوراش التي يعتبر الاشتغال عليها هدفا مشتركا لكل مكونات المجتمع.
إن على الخطيب أن يحاول إقناع كل مكونات المجتمع بضرورة التعامل مع منبر الجمعة من موقع الاحترام اللائق به ومن موقع الإيمان بضرورة توفيرحرية التعبير ليتحرر الخطيب من هاجس التخوف من المساءلة، التي قد تتحول إلى تحريض سافر يمارس على أعمدة الصحف وهو ما يجعل الخطيب على هامش الحياة غير قادر على إبداء الموقف مما يجري حوله.
* الخطاب الموجه إلى أتباع الديانات الأخرى:
يختلف المخالفون للمسلمين دينيا بين أن يكونوا يهودا أو نصارى ومن ألحقوا بهم في بعض الأحكام ممن قال فيهم عليه السلام: سنوا بهم سنة أهل الكتاب (1). وبين أن يكونوا غير متدينين أصلا.
وحديث الخطيب إلى إتباع الديانات الأخرى لا بد أن يستند إلى حقائق تفيد في تصحيح تصورهم للإسلام، ومن ذلك وقوع كثير من المخالفين ضحايا صورة نمطية كالحة عن الإسلام حاولت أن تقيم حاجزا نفسيا يبقيهم في حال بعد دائم عن الإسلام وعداوة غير مبررة له وترتد أوليات هذه الصورة إلى الحملة التي تبناها بطرس المكرم الذي اعتمد إساءة صورة الإسلام، وبذل لذلك جهدا كبيرا من جملة مراحله وخطواته إنجاز ترجمة مشوهة سقيمة لمعاني القرآن، وتوالى تركيب هذه الصورة النمطية حتى غدت آثارها حاجزا سميكا يحول بين أهل الديانات وبين الإسلام.
وقد تعاقبت الجهود بوتيرة متسارعة يذكر عنها إدوارد سعيد أن الغرب أنجز ما بين سنتي 1800 م إلى 1950 أكثر من 000.60 مؤلف كلها تسيء إلى صورة الشرق.
إن الغرب لا زال ينتشي بإحساسه بموقع المركزية الكونية التي تأسست فيه من خلال فلسفة أرسطو وهيجل (2(.
ورينان وكل من سار على طريق التأكيد على الخصوصية الغربية التي بلغت أوج استعلائها في صورة النازية.
وقد عبر المفكر المهتدي رنيه جينو الذي تسمى باسم عبد الواحد يحيى عن هذا الإحساس الغربي لما قال: إن الغرب يعيش حالة التحيز الفلكي إذ يعتقد الناس فيه أنهم الحضارة ولا حضارة إلا هم.
وقد انضاف إلى هذه الصورة القاتمة عن الإسلام والمسلمين وسم الإسلام بأنه دين إرهاب، وأن المسلمين إرهابيون بالتكوين والثقافة ، وقد فات هؤلاء أن الإرهاب ليس وليد اللحظة الراهنة وإنما هو انحراف لا وطن له ولا دين.
وحين نريد أن نلقي بالخطاب إلى إتباع الديانات فإنه لابد من مساعدتهم على تجاوز كل العوائق الفكرية والنفسية التي تمنعهم من الانفتاح على الإسلام وتفهم حقيقته.
ولنا في هذه السبيل أن نبلغهم الحقائق التالية:
– إن المسلمين بحكم استقائهم من القرآن الكريم يضمرون كل توقير واحترام للأنبياء السابقين، ويدركون مبلغ المعاناة التي تحملوها في سبيل إرشاد الناس إلى الخير وتعريفهم بالله، وهم يعتقدون فيهم العصمة ويردون كل خبر يريد إلحاق منقصة بهم.
– إن في القرآن الكريم سورة تسمى باسم مريم إشادة بحياتها الطاهرة، على أن القرآن ليس فيه سورة باسم خديجة أو عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أو فاطمة ابنته، كما أن في القرآن سورة أخرى باسم أسرة مريم هي سورة آل عمران إشادة بفضلهم كذلك.
– إن القرآن الكريم أباح للمسلم أن يتزوج بالكتابية علما بأن ذلك يؤدي إلى إنشاء صلة المصاهرة التي تجعل من الكتابيين أجدادا لأبناء الرجل المسلم وأبناءهم أخوالا وخالات للمسلمين.
– إن المسلمين قد تعاطفوا وجدانيا مع قضايا الكتابيين وتألموا لانكساراتهم العسكرية، فحزنوا لهزيمة الروم المسيحيين أمام الفرس عبدة النار فبشر الله المسلمين بانتصار الروم في بضع سنين فقال الحق سبحانه: }أَلم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ{(الروم 1-2-3).
إن الإسلام وهو ينشر دعوته لا يسعى إلا إلى أن تكون له نفس الفرص التي كانت لغيره من الديانات حينما عرف بها أتباعها وعرضوها على الناس، والإسلام في كل الحالات لا يسعى إلى استئصال الذين يخالفونه عقيدة، وقد كان عليه السلام والخلفاء من بعده يوصون المجاهدين بألا يتعرضوا للعباد المنقطعين في الصوامع ودور العبادة، ولو كان قصد الإسلام محو ما يخالفه من دين لكان استئصال الرهبان ورجال الدين من أولوياته باعتبارهم الساهرين على نشر الدين المخالف وإذكائه.
إن على الخطيب أن يبرز أن الإسلام يقرر أن الوحي تنزل عبر فترات مختلفة من الزمن فأعطى خلال كل مرحلة ما كان مناسبا لمستوى الإدراك لنوعية الأخلاق السائدة، ثم جاء الإسلام ليكون صيغة أخيرة متجاوبة مع الارتقاء الفكري الذي بلغه الإنسان في جميع المراحل. وكان الإسلام هو دين الله الموحى به وكان الأنبياء كأنهم إخوة أبناء علات أمهاتهم شتى، وأبوهم واحد (3(.
وقد كان الإسلام في كل صيغه كما مثل له د. عبد الله دراز في بحثه القيم الذي قدمه للمؤتمر العالمي للأديان المنعقد بلاهور سنة 1957 بمثابة ثلاثة أطباء زار أولهم طفلا في طوره الأول فقرر له غذاء يقتصر على اللبن، وجاء الثاني إلى الطفل في مرحلة تالية فقرر له طعاما نشويا خفيفا، وجاء الثالث في مرحلة أخرى فأذن له بغذاء كامل (4). والإسلام في صيغته النهائية لا يتنكر لسيرورة الوحي، وملاحظات الإسلام على أتباع الديانات لا تختلف كثيرا عن ملاحظات كثير من دعاة الإصلاح المسيحي وما سجلته البروتستانية والكالفينية يقر ملاحظات الإسلام على الأديان.
مجالات الالتقاء والعمل المشترك بين أتباع الديانات.
حتى يتمكن المسلمون من زحزحة الصورة الشائهة التي ارتسمت في أذهان أتباع الأديان عن الإسلام فإن من الممكن جدا أن يدرسوا فرص التعاون التي تخدم قضاياهم المشتركة ويمكن عرض المشاريع التالية:
– التعاون العلمي من أجل مقاومة الإلحاد واللاتدين وإقرار أهمية التدين في حياة الإنسان وضرورة التدين لتركيز الأخلاق.
ويمكن في هذا الاتجاه تبادل الأدلة العقلية المقنعة بالإيمان، وتبادل الدراسات النفسية والاجتماعية المفيدة في الموضوع، وقد كان المسلمون لا يترددون في استعمال نتائج البحوث المفيدة فكان المفكرون المسلمون يستدلون على فطرية الإيمان بما لاحظه برجسون من أن كل المجتمعات البشرية تحتوي على دور للعبادة وإن كان بعضها قد يخلو من مؤسسات كثيرة، وقد دأب المفكرون المسلمون على الاستشهاد بقول ديكارت إن الله هو مبدأ العلم كما أنه مبدأ الوجود، وقوله وجود الله أكثر يقينية من الدعاوى الهندسية والقوانين الرياضية (5).
وقد استند المفكر المسلم إلى ما أسماه كانط بالدليل العملي للإقناع بجدوى الإيمان (6). كما تقبل المفكر المسلم قول كانط بأن صفة وجود الله هي صفة ذاتية (7). وهذا يناظر معنى الصفة النفسية عند المسلمين. لقد استشهد الكتاب المسلمون مرارا ببحوث ألكسيس كاريل المرتكزة على بيان حكمة الله من خلق الإنسان (8).
في مقابل ذلك كله فلا شك أن علماء الأديان الأخرى قد استفادوا من بحوث المفكرين والعلماء المسلمين في مجال التدليل على وجود الخالق وقد كان للمسلمين جهد مشكور تمخض عن وضع مؤلفات عديدة في دلائل التوحيد، وقد تبلغ في بعض المؤلفات خمسا وعشرين دليلا معالجا معالجة فكرية عميقة وإلى ذلك فقد كانت المناظرات العقدية والنقاشات الكلامية مما أفاد منه علماء الأديان الأخرى.
ومن المجالات التي يمكن أن تكون ساحات مشتركة للتعاون بين أهل الديانات دفاعهم عن الأخلاق المهددة بموجات الإباحية والحرية الجنسية ووقوفهم صفا واحدا في وجه كل الاختلالات التي تهدد وجود الإنسان، ومنها الإجهاض والاستنساخ وتفكيك نظام الأسرة، والوقوف في وجه دعاوى العلاقات الجنسية الشاذة، وإلغاء آدمية الإنسان عن طريق العبث الجيني الذي يتشوف إلى تحويل الإنسان إلى قطع غيار تعرض في الأسواق.
ومن المجالات التي يمكن أن تعطي للتدين معناه وقوف أتباع الأديان في وجه الظلم والاستبداد واحتلال الأراضي بالقوة. ويحتل رفع السيطرة الصهيونية عن أرض فلسطين التي تعايشت فيها الأديان طليعة المشاريع التي يمكن أن تعطي أنموذج التعاون الإيجابي.
* اهتمامات الخطاب الموجه إلى غير المعتقدين للدين.
حينما يتوجه الخطيب إلى من لا يعتقد أي دين توجها غير مباشر فإنه لا بد أن يبرز له أن مما يتميز به الإسلام أنه ينظر إلى كل البشر على أنهم مكرمون بموجب قول الله تعالى: }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{ [الاسراء:70].
وإن كل الناس لهم الحق في الحياة، وهو حق لا يتأثر بكونهم غير مؤمنين بالخالق، وقد سجل القرآن أن إبراهيم عليه السلام سأل الله أن يرزق من أهل مكة من آمن بالله واليوم الآخر، فأجابه الحق بأن الرزق منحة من الله لمن آمن ولمن كفر لأنه وسيلة حفظ الحياة، أما العقوبة على الكفر فلها مجال آخر وليست هي مصادرة حق الحياة. وقد قال القرآن الكريم في بيان هذا المعنى: }وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{ [البقرة:126].
إن الإسلام لا يرى في المخالفين إلا أنهم موضوع دعوته وبلاغه، ولهم أن يختاروا ما يشاؤون بكل وعي ومسؤولية من غير أن يكرهوا على إيمان، يقول الحق سبحانه: }لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ [البقرة:256] وأداء أهل الإسلام لرسالة البلاغ هو أداء يستبطن الرحمة والشفقة، ولأجل ذلك يتحمل الداعي إلى الله ما يتحمل من صنوف الإذاية توصلا إلى إلحاق الخير بمن يدعوه إلى الله، ويكون ذلك الحنو في أجلى تمثلاته حين يقف الرسول صلى الله عليه وسلم معتذرا عن غلظة قومه فيقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
إن المطلوب في الخطاب الموجه إلى المخالفين من أهل الكتاب، ومن غير أهل الكتاب، أن يسعى إلى إعطاء صورة جيدة تصل إلى تحريرهم من تخوفاتهم من الإسلام، لأن عقدة الخوف من الإسلام ليست أكثر من شعور راهن على ترسخه في حياة الناس مناوؤون أجادوا توظيف أخطاء أقدم عليها أشخاص منسوبون إلى الإسلام في ظروف غامضة واستثنائية، وهي أخطاء يقع مثلها من أتباع جميع الديانات من غير أن تمتد الإدانة بها إلى الأديان نفسها.
إن صورة العنف القصير العمر في حياة المسلمين لا يجوز أن تكون هي المعبر عن توجه الإسلام وأن تلغي أمجاد الإسلام في التسامح مع المخالفين، وهو تسامح شهد له التساكن بين المسلمين وغيرهم وبلوغ غير المسلمين في الدولة الإسلامية وفي المجتمع الإسلامي شأوا بعيدا من الحرية والنفوذ.
إن المسلمين قد أعطوا الانطباع الحق عن توجه دينهم لما أسهموا في الأعصر الأخيرة في تحرير البلاد الأوروبية من النازية والفاشية وشاركوا في صناعة النصر الذي تحقق للأوروبيين على عدوهم على نحو ما شاركوا في النهضة الاقتصادية والعمرانية للبلاد الأوروبية.
إن على الخطيب أن يدرك أن الغرب ليس نمطا واحدا ولا فكرا متماثلا، وإنما هو تشكيلة من أفكار متنوعة واتجاهات متباينة، فإذا وجد في الغربيين من تحكمهم صورة نمطية كالحة عن الإسلام ومن يروجون لمبدإ صراع الحضارات، فإن هذا لا يجوز أن ينسينا أن في الغرب أشخاصا وهيئات لها موقف مغاير من الإسلام والمسلمين، فمن رجال الغرب ونسائه من أنصف الإسلام وأشاد به وعمل على تصحيح صورته، ومشكلتنا أننا قد شغلنا عن الالتفات إلى هؤلاء الذين أنصفوا الإسلام وساندوا قضايا المسلمين، ولم نهتم إلا بخصوم حضارتنا فأوليناهم من الاهتمام ما كنا به مساعدين لهم على ترويج افتراءاتهم وتقولاتهم.
إن الباحث ليجد في الأدبيات الغربية قديما وحديثا أقوالا جميلة في حق الإسلام فقد رسم "جوته" في الذهن الغربي صورة ناصعة للإسلام وكانت له إشادات بالإسلام إلى الدرجة التي أصبحت فيها مجموعة "فايمر" تعلن فيه أن "جوته" قد كان مسلما استئناسا بمداومته على قراءة القرآن، وأدائه لصلاة جمعة في إحدى المرات سنة 1814 مع بعض الجنود الروس المسلمين، ومن أقواله الشهيرة إذا كان الإسلام معناه أن نسلم أمرنا إلى الله فعلى الإسلام نعيش ونموت، وقد كان ل"فكتور هيجو" ول "تولستوي" و"برناد شو" عبارات إعجاب قربت عالم الإسلام إلى الغربيين.
ولقد اهتم كثير من الباحثين بتكسير الصورة التي ارتسمت في ذهن الغرب عن الإسلام، فكان للباحثة "زغريد هونكه" جهد مشكور في إبراز القيم الإسلامية بعد أن خبرتها من خلال دراستها وإقامتها مدة سنتين بمراكش، وقد بذلت "أنا ماري شيمل" جهودا علمية في التعريف بالإسلام، وقد تعرضت الكاتباتان لمضايقات كثيرة وحاولت مجموعة متعصبة حجب جائزة الكتاب الألماني عن "أنا ماري شيمل" سنة 1995. وكتب "مونتجمري" عن فضل الإسلام على الحضارة الغربية، ودافع بقوة عن قيم الإسلام، وكتب "غورافسكي" مقارنا بين الإسلام والمسيحية حديث المنصف، وعلى العموم فإن للثقافة الإسلامية عددا وفيرا من المفكرين الأصدقاء المناصرين في ديار الغرب، وقد كان بالإمكان أن يكون الاهتمام بهم سببا إلى صنع تيار جديد في هذه البلاد.
وإذا لاحظ الخطيب وجود أشخاص وفئات من أهل الغرب تناصب المسلمين العداء وتقف ضد مصالح المسلمين ، فإن الواجب يقضي بالالتفات إلى نشطاء كثيرين تحمسوا لقضايا المسلمين العادلة وواجهوا التيار المعادي للإسلام في بلادهم ، ومن هؤلاء مفكرون أمثال "نعوم تشومسكي" الذي ارتبط اسمه بالدفاع عن العرب مثلما ارتبط بالدراسات اللسانية، ومنهم الكاتب "جاك كيلي" الذي تلقى 300 رسالة رفض بعد أن قاوم فكرة اتهام المسلمين بالإرهاب ، ومنهم "بول فندلي" "وروبرت فيسك" "وأوليفي روا" "وجوسلين سيزار" التي كتبت: هل يجب الخوف من الإسلام؟
وأعداد هؤلاء الباحثين تتنامى، وهم جزء من الغرب قد يكون من المفيد توثيق الصلة به ودعمه وإبراز القيمة العلمية والحضارية لأعماله من أجل أن تكون طليعة انفتاح الغرب على عالم الإسلام.
هذه وقفات يسمح بها المقام ألمت بمجموعة من الاهتمامات التي أرى من المفيد أن يعنى بها الخطيب وهو يحاول أن يسهم في تقريب الإسلام من الغير ومن تجاوز كل المخاطر التي تتربص بالإسلام والمسلمين.
———————-
1. الموطأ. كتاب الزكاة.
2. الاستشراق المعرفة والسلطة الإنشاء. إدوارد سعيد.ص: 216. ترجمة كمال أبو ديب مؤسسة الأبحاث العربية ط.5 بيروت 2001.
3. المركزية الغربية. د. عبد الله إبراهيم. ص: 57-153 ط. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 1997.
4. صحيح البخاري كتاب الأنبياء والمسند 3/406- ومسلم كتاب الفضائل.
5. بحث موقف الإسلام من الأديان الأخرى وعلاقته بها. د. محمد عبد الله دراز. عن كتاب النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين د. محمد رجب البيومي 2/246. دار القلم بيروت 1995.
6. موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين الشيخ مصطفى صبري 2/212. الفلسفة الحديثة د. كريم منى ص: 73 دار الكتاب الجديد بيروت 2000
7. قصة الفلسفة ول ديورانت 356 دار المعارف بيروت 68
8. الفلسفة الحديثة عرض نقدي د. كريم منى ص.277.
التعليقات