الإلقاء.. براعة وفن (3-4 )
وبعد أن تحدثنا في الحلقة الأولى والثانية عن: الخطابة في الإسلام وتعرّفنا على صفات الخطيب المتميز وذكرنا أهمية وجود هدف إلقائي وتعلّمنا طريقة عملية في كتابته.. وتناول بشيء من التفصيل طرق التحضير وأشكاله.. ها نحن اليوم نكمل في حلقتنا الثالثة عن أهمية التدرب وكذلك ذكر بعض المهارات الإلقائية العملية التي لا يستغني عنها أي خطيب متميز ..
التدرب:
كما يتدرب الممثلون كذلك يتدرب الخطباء فالتدرب مهم جداً وخاصة للمبتدئين وكذلك في حالة إلقاء موضوع جديد.
وكان ديمستين – الخطيب اليوناني العظيم – معيباً في نطقه..يسخر منه الناس ويستهزؤون به إذا نطق أو تكلم فضلاً عن أن يكون خطيباً.. ولكن أستاذه الذي يعلمه الخطابة شجعه على إصلاح عيبه ، فعكف على المطالعات المختلفة وجاهد في إصلاح لسانه حتى رأووا أنه كان يحلق نصف رأسه حتى لا يخرج من باب بيته أو يقابل الناس وأقام في منزله شهراً يتمرن على الخطابة والإشارة..وكان يذهب إلى شاطئ البحر ويضع في فمه حصاة..ويخطب على هدير الموج كأنه جمهور عظيم حتى صلح لسانه.. فانظر معي إلى عزمه وحرصه على التعلم وصبره وجلده ثم كانت النتيجة بأن أصبح خطيباص بارعاً.
الاستماع للخطبة مسبقاً بالتسجيل.
إلقاء الدرس أمام المرآة أو على الجمادات مثل: الأثاث – المراكي …إلخ وإن كان في ذلك نوع من الطرافة والبعض ينظر إلى ذلك أنه من المبالغة ولكن هذا له فوائد فمنها:- إزالة الخوف والخجل وكأن أمامك أناساً تتحدث إليهم وأيضاً التمرس على المهارات الإلقائية ففي هذا الموضع ترفع صوتك وفي الآخر تحرك يدك وهكذا.
جرب إلقاء الدرس على شخصين فقط وخذ آراءهم بعد ذلك ولا يهمك الثناء بقدر ما تحتاج إلى تطويره.
قس مدة حديثك عند التدرب ثم قم عدل حسب الوقت الذي سيتاح لك فعلاً.
لا تتوقف أثناء التدرب بل حاول أن تؤدي الخطبة كاملةً وأترك الملاحظات للنهاية.
تدرب حتى تشعر بالتمكن والارتياح خاصة في
المقدمة – القصص – النقلات – الوقفات – الخاتمة.
لا مانع من وجود اختلافات أثناء التطبيق العملي والتدريب فهذا طبيعي.
مهارات وفنون إلقائية:
تذكر معي مرة أخرى أهمية إخلاص عملك هذا لله.. وأن الله سيوفق من أخلص له.
لا تكن خطبتك بتراء أو شوهاء أو جذماء.
فالبتراء: الخطبة التي لا تفتتح بالبسملة والحمد لله.
والشوهاء: الخطبة التي تخلو من القرآن الكريم.
والجذماء: الخطبة التي تخلو من الشهادة بعد الحمد.
أذكر هدفك ولخصه وأعطي نبذة عامة عن الموضوع وتسلسل نقاطه.
لجذب الجمهور وإثارتهم في البداية جرب أحد النقاط التالية في حديثك:
1-أذكر قصة مثيرة وغير معروفة.
2-اعرض صورة أو دعهم يشاهدون شيئاً.
3-أسال سؤالاً مثيراً غير واضح الإجابة ودعهم يفكرون في الجواب.
4-أذكر حقيقة أو بياناً مذهلاً أو اذكر إحصائية تدهش المستمعين.
حاول أن تحفظ غيباً ما ستقوله في أول دقيقة فهذا يزرع ثقة المستمعين فيك من البداية ويشعرون أنهم بحاجة للاستفادة منك.
يقول كارين كاليش ( إن لديك 30 ثانية إلى دقيقتين كي تستحوذ على انتباه الجمهور، والجمهور يكوّن عنك فكرة في هذه الفترة القصيرة ولهذا فأنت تحتاج إلى لفت أنظارهم والاستحواذ عليهم من اللحظة الأولى).
إن من الخطأ الفادح.. واللبس الواضح.. الذي يقترفه الملقي في المقدمة الاعتذار بأن يقول ( أنا لست بالخطيب البارع.. ولا الملقي المتميز.. إنما أحرجني أحدهم لأتحدث أمامكم.. فليس لدي الجديد.. وإنما فقط للتذكير.. وعذراً إن أمللتكم في الدقائق القادمة). غفر الله لك أتقول هذا في المقدمة ثم تريد منهم التركيز معك أو أن يعيروك أي اهتمام؟!! بعد هذه الافتتاحية السوداوية حتى وإن أبدعت في موضوعك وأتيت بكل جديد.. واستعملت كل فن في الخطابة والإلقاء.. فلن تغتفر لك هذه الزلة في فن الإلقاء طالما كنت تطمح للوصول إلى مراتب الخطباء والعظماء.. لأن القاعدة الحقيقية والواقع الميداني يحكيان أن المستمعين يتأثرون بالبداية ويعلق في أذهانهم الطابع الذي همس به الملقي في آذانهم وخاصة إذا كان يتحدث عن نفسه وهو أعلم بها ، وإن
كان يقولها بعضهم من باب التواضع ولكن حقيقة ليس هذا موضعه فبهذه الكلمات تتزعزع ثقة المستمعين بالمتحدث.
لا تقلد غيرك في صوته أو نظرته أو لبسه أو طريقة حركته ( ولا مانع من أن تستفيد من تميز الآخرين).
اجعل حركتك طبيعية وتحدث وكأنك تتبادل الحديث مع صديق في الشارع ، ألست طبيعياً آنذاك ؟. إذن كن طبيعياً هنا.
لا تقعر الكلام (وهي: الفصحى المبالغ بها ) ولا تتكلف استعمال أسلوب بلاغي أو سجعي فلن تبدو طبيعياً.
إذا ذكرت معلومات أو إحصاءات غريبة وهي بالفعل صحيحة تماماً فلا تترك مجالاً للشك فيها بل أذكر أنك راجعتها مرتين مثلاً.
مما يجعل الناس تتفاعل وتنجذب مع الملقي هو أن يتقن هذه المهارة الخفية التي قد تخفى على الكثير وهي: أن تجعل نفسك أحد هؤلاء المستمعين واجعل نفسك ليت كأي واحد منهم بل لتكن أنت المستمع المتفاعل من بينهم بحيث تظهر ما تتوقع داخل الجمهور تجاه كلامك بمعنى: أنك تفاعل تماماً مع كلامك فتغضب في حال الغضب وتظهر ذلك على قسمات وجهك ثم تتفاعل أخرى في حال الضحك قتتبسم وتضحك وهكذا في ثالثة تسخر في حال السخرية ، ولتكن جميع هذه التفاعلات التي تقدمها للجمهور واضحة من خلال نبرات صوتك.
خلال حديثك يمر بك كلمات هامة جداً وتشعر أنه من واجبك كشخص مخلص في أداء عمله وإيصال معلومته أن توضح للمستمعين أن هذه الكلمات مهمة ويجب التركيز عليها وفهمها جيداً. فماذا تُراك تفعل في مثل هذه اللحظات ؟ إن أفضل وأنجح طريقة توصلك إلى أن يركّز الجمهور على مثل هذه الكلمات هو أن تقلل من سرعتك الإلقائية ثم تضغط بصوتك على هذه الكلمات حتى لا تكاد أن تخرجها من مخارجها.. وفي تلك اللحظات فسترى جميع المستمعين مشدودين إليك تماماً.. جرّب وسترى !
وما دمنا أنني قد أفشيتُ لكم العديد من أسرار الإلقاء فأليك هذا السر أيضا ويسمى ( الوقفات السحرية ) هذا السر سهل جداً ولا يحتاج منك إلى أي مجهود. كيف يكون ذلك ؟ فالجواب هو ( أن تعلم كيف تستخدم قوة الصمت ولو لثوان ) وذلك بأن تكون منهمكاً في شرح موضوع معين مستخدماً في ذلك جميع قواك العقلية والحركية والكلامية ثم وفي لحظة مفاجئة تقف عن الكلام وتصمت لمدة خمس ثوان فقط.. فهذه اللحظات البسيطة تجعل الجميع مباشرة ينظر إليك.. فالنائم يستيقظ.. والسرحان ينتبه.. فيحسن بك أن تستغل انتباه الجميع بأن تذكر شيئاً مهماً لديك مادمت أنك قد أحسنت بأن جذبت الأنظار وقبلها العقول.
ولكن هناك وقفات مهمة لابد منها مثل عند انتهاءك من جزئية والانتقال إلى أخرى حتى تشعرهم بالانتقال إلى موضوع جديد.. وتذكر أن الوقفات الهامة تبدو لديك أطول مما تبدو للجمهور فلا تستعجل.. وإليك أوقات الوقفات الخمس للإلقاء الفعّال:
1- بعد البدء.
2- قبل الكلام.
3- قبل أن تسأل.
4- قبل البدء الجديد.
5- قبل (شكراً).
هل تعلم أن: القط له أكثر من 100 صوت – وأن الكلب له عشرة أصوات فقط – وأن الزرافة ليس لديها حبال صوتية…الخ الخطأ المتكرر والروتين القاتل هو الرتابة الصوتية لدى الملقي بحيث أنه يستمر على نبرة واحدة لا يغيرها إلا في النادر.. وذلك جلي وملاحظ يسمعه الطالب من أستاذه ويراه المستمع في خطيب الجمعة.. فمن المناسب لتجنب مثل هذه الرتابة أن تكثر من رفع صوتك وخفضه .. وأساس مهم في الإلقاء هو تغيير نبرات الصوت حسب ما يقتضيه الحال فمثلاً: عندما تحتاج أن تتحدث عن الغرور فيلزمك أن تضخم صوتك لأن حال الغرور يقتضي ذلك…. وغير ذلك من الأمثلة.
احذر وابتعد عن استخدام بعض الكلمات المملة مثل: آه.. آه، في الحقيقة، بصراحة، بالفعل، كما تعلمون.
ضخم صوتك للتحدث عن الغرور والعظمة.
أكثر من رفع الصوت وخفضه.
وموعدنا مع الحلقة الرابعة وانتظر فيها: تعرّف على سرعتك الإلقائية – كيف يتحكم الملقي بنظراته ويديه وبقية جسمه – ماذا تفعل عند الخوف والإرتباك – وفي الختام نصائح عامة..
التعليقات