علاقة إمام المسجد بجماعة المسجد
خليفة لهادي البشرية:
إن المسجد منارة ترشد الحيارى والتائهين، وتنبه الغافلين إلى الطريق المستقيم، ولا يتأتى ذلك ويرتقى إلا بالإمام الصادق المخلص الذي يدرك حقيقة الإدراك أنه خليفة لهادي البشرية ومنقذ الإنسانية في المحراب؛لذا كان من الواجب على إمام المسجد أن يستشعر هذا الشرف العظيم الذي تاقت إليه نفوس الصالحين وعباد الرحمن حيث رغبوا أن يكونوا }للمتقين إماماً{.
والإمامة في المساجد مسؤولية عظيمة، وأمانة جسيمة، قد أوكلت إلى من تحملها، وهي وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية حينما كان يؤم أصحابه الكرام رضي الله عنهم...فأئمة المساجد هم صفوة الناس، وقادة المجتمع، أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بالسنة، وأنفع الناس للناس، إنْ هم أخلصوا النية، وأصلحوا العمل، قد رضيهم قومهم أن يقفوا بينهم وبين ربهم، في أشرف عباداتهم، يكبرون بتكبيرهم، ويركعون بركوعهم، ويسجدون بسجودهم، وينصتون لقراءتهم، ولا يسبقونهم بقول أو عمل. فما أشرف مقامهم، وما أخطر مهامهم.
أنماط اجتماعية وفكرية مختلفة ومتفاوتة:
فبهذا الشرف العظيم الذي يناله الداعي إلى الله من مسجد خلال دعوته وتعليمه وإمامته للناس لابد أن يلاقي الملامة والجدال والتعب من الناس، وهذه طبيعة النفس البشرية بحكمة من الله سبحانه وتعالى ليبتلي الداعية إلى سبيل الله بشيء من المتاعب والبلاء لينظر إلى مقدار صبره وهمته في هذه المنزلة العالية، فأي مجتمع صغيراً كان أو كبيراً أنه لا يسلم من اختلاف وجهات النظر، لأن كل واحد يشعر أن له حقاً في التعليق أو المشاركة أو إبداء الملاحظة.
والحقيقة التي ينبغي للإمام أن لا يغفل عنها هو أنه لابد أن يلقى نفوراً وغلظة وعدم فهم أو اقتناع برأي أو عمل لأنه يتعامل مع أنماط اجتماعية وفكرية مختلفة ومتفاوتة، لذا فعليه أن يحرص على كسب الجميع.
وسائل التقرب إلى جماعة المسجد ومحبتهم:
ينبغي للإمام أن يكسب ود وحب جماعة المسجد وأن تكون العلاقة بينهم علاقة أخوة وتحاب، وذلك من خلال الوسائل التالية:
1/ الخلق الحسن والمعاملة الجيدة المتميزة - ولعظيم هذا الأمر وأهمية مكانته للداعية والإمام نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُوصف بأنه "أحسن الناس خلقاً" وحينما سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة قال: "تقوى الله وحسن الخلق".
2/ أن يفتح الإمام قلبه لهم ويتقبل أي نصيحة، ولو حدث عتاب أو نقد أن يكون صدره متسعاً له، ولا يعرض أو يتعالى عليهم بعلمه أو مكانته فلا يكون جافياً خشناً قاسياً، يمدحهم ويذكرهم بأحسن صفاتهم، وأن لا يشعرهم بأن له فضلاً عليهم.
3/عليه أن يستشعر دائماً فضل التواضع، ولين الجانب خاصة في الدعوة والدلالة على الخير لذا قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فالإمام الصادق الحاذق الفطن إذا جعل نصب عينه منهج المصطفى عليه الصلاة والسلام في تعليم وهداية الناس فلا يمكن أن يغضب على أحد أو يكره أحداً أو يحمل على أحد لأنه صادق في دعوته مخلص في رسالته.
4/فالإمام الموفق هو من يملك بحكمته موازنة الأمور مثل الطبيب الحاذق يتعامل مع مريضه بكل حرص ورعاية ولا يخفى بأن الإخلاص هو ملاك ذلك كله فمن يخلص في عمله فسوف يطرح الله له القبول.
5/على إمام المسجد أن يكون قدوة في تصرفاته وأفعاله، فالإمام إذا استشعر أن إمام بمعنى أنه قدوة، وأنه يؤدي وظيفة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه ولا شك سيتسع صدره، ويراعي أحوال جماعته، ويراقب ربه في أمانته وصلاته فيلتزم الصبر والتأني والرفق والتعامل بهدوء وتقدير الكبير والاستماع لجماعة المسجد.
6/أن يراعي أحوال المصلين فإن منهم المريض والكبير وذي الحاجة وحين ننظر لقدوتنا الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أنه كان يراعي ذلك أيما مراعاة فلقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ويريد الإطالة في الصلاة فيسمع بكاء الصبي فيقصر الصلاة مراعاة لذلك.
أعظم مهمات إمام المسجد :
إن دور إمام المسجد لا يقتصر على مجرد الإمامة، بل يتناول جملةً من الفضائل، والمكرمات الاجتماعية، تجعل منه مرجعاً لأهل حيِّه، فيما يعرض لهم من عوارض دينية، أو اجتماعية، فيأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر. وهذا يتطلب منه مزيد عناية بالروابط الاجتماعية، وتوثيقها، واستثمارها في مشروعه الإصلاحي، وهذه باقة من أهم المهام التي يمكن أن يقوم بها:
1/ تفقد الجيران المتخلفين عن الصلاة وزيارتهم في بيوتهم ونصحهم وتوجيههم بالكلمة الحانية والوسائل الممكنة من الكتيبات والمطويات والأشرطة النافعة.
2/معالجة المنكرات الظاهرة مثل شرب الدخان، وتعاطي المخدرات، وذلك من خلال : الكلمات، الفتاوى، ونشر الأشرطة، والملصقات .
فالإمام يتتبع كل ما يُستحدث من عادات دخيلة على الدين الإسلامي، يناقشها مع أهل حيه بموضوعية وشفافية بكل وسيلة ممكنة حتى يقضي على الآفات والمنكرات .
3/إقامة دورية بين جماعة المسجد، لإقامة الألفة بينهم، والمودة والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، ومناقشة أوضاع ومشاكل الحي، وطرحها وإيجاد الحلول الناجعة لها، وتفقد أحوال الفقراء والمساكين في الحي، ومد يد العون والمساعدة لهم، وإعفافهم عن السؤال .
4/ القراءة على المصلين بعد صلاة العصر، وبعد صلاة العشاء، والاهتمام بالكتاب المقروء، وتنويع مواضيعه وشموليتها، ومحاولة اغتنام الفرص في الإرشاد والتوجيه بين حين وآخر، وليحرص الإمام على قراءة شيء من فتاوى العلماء كل يوم ليفقه الناس في دينهم
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: "التعليم له طرق كثيرة، سوى طرق التعليم في المدارس على اختلاف أنواعها، وسوى طرق تعليم الطلبة المستعدين للتعلم في أوقات مرتبة ... وإنما المقصود الوسائل والطرق الأخرى التي يجب على أهل العلم أن يسلكوها في إيصال العلم إلى الناس، على اختلاف طبقاتهم، ورفع الجهل بحسب الإمكان، فمنها : إلقاء العلوم في المساجد، وينبغي أن يلقى إليهم من العلوم ما يكون فهمه أقرب إلى أذهانهم، وأن يكون أهم الأشياء وأنفعها، وتكون بعبارات مناسبة لأذهان السامعين، وأن يلقى في كل موسم ومناسبة ما يليق ويتعلق به؛ فإن فهم الأشياء الحاضرة أقرب وأشوق للأذهان من أن تكون بغير وقتها. وكذلك ينبغي أن يفهَّموا تدخيل الصور والتفاصيل الموجودة التي يعرفونها، ويعرفون وقوعها، ويبين لهم موضعها ومحلها من العلم، وهل هي محبوبة للشارع أو مكروهة، وما الطريق إلى تحصيل المحبوب، وإلى دفع المكروه أو تخفيفه، وأن تطبق الأمور الواقعية على القواعد الشرعية، حتى يتم فهمها. فإن أكثر السامعين إذا ألقيت عليهم المسائل الشرعية مجردة عن بيان الأمور الواقعة، لا يدرون عن دخولها أو خروجها" (الرياض الناضرة، ص:100) .
5/ إقامة حلقة لتحفيظ القرآن الكريم للصغار والكبار، مع مراعاة الأوقات المتاحة للمرحلتين، ووضع جدول مناسب، وبرنامج للطلاب المتميزين.
6/العناية بفئة الشباب واستصلاحهم وتوظيف طاقاتهم بإشراكهم في تنفيذ بعض البرامج وتعويدهم عليها، لاسيما المشاركة في اللوحات الإعلانية في المسجد، وتجهيز بعض الكلمات وعرضها على الإمام لتصويبها وتنقيحها .
7/ وضع صندوق في المسجد خاص بأسئلة المصلين ويجاب عليها في وقت محدد بعد صلاة معينة في يوم معين، إن كان الإمام أهلاً لذلك، وإلا فعليه أن يتصل بأهل العلم ويستضيفهم في مسجده، ويعرض عليهم الأسئلة للإجابة عليها.
8/ تنظيم مسابقة في حفظ بعض سور القرآن الكريم، وبعض الأذكار النبوية، أو تكون مسابقة ورقية تتضمن أسئلة في العلوم الشرعية، ويتناسب مستواها مع جماعة المسجد، ويقام حفل مصغر على مستوى الجماعة، ويكرم من خلاله الفائزون في هذه المسابقة .
9/تنظيم مسابقة خاصة بالنساء في البيوت، وتكون ورقية، وحبذا لو تضمنت الأسئلة: أحكام الحيض، والنفاس، والعدة، والحداد، والطلاق، والحجاب، وغيرها مما يهم المرأة.
10/ استضافة بعض العلماء والدعاة وطلبة العلم لإلقاء الكلمات والمحاضرات والدروس في الأوقات المناسبة
11/إصدار نشرة شهرية خاصة بالمسجد، توزع على المصلين في نهاية كل شهر، أو شهرين وتعنى بالموضوعات التي تناسبهم .وكذلك توزيع مطوية أسبوعية، وشريط الأسبوع في الموضوعات ذات الأهمية .
12/ إقامة دروس للسائقين الخاصين في الحي بلغاتهم والتنسيق مع المكتب التعاوني في الحي ليمدهم بالدعاة المتخصصين، والاهتمام بالخدم الغير مسلمين، والحرص على دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة واللين والكلمة الطيبة الحسنة وإمدادهم بالكتب والأشرطة التي تدعوهم إلى الإسلام، وإلحاقهم بدورات تعريفية بالإسلام والتي توجد لدى مكاتب دعوة الجاليات المنتشرة في كل مدينة من مدن مملكتنا الغالية.
13/إصلاح ذات بينهم: قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً{ [النساء:114]، وقال تعالى : }فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ{[الأنفال: من الآية1]
فكما يأمر الإمام جماعة مسجده بالتراص والتضام، وأن يصفوا كما تصف الملائكة عند ربها، قائلاً : سدوا الخلل ! لا تدعوا فرجاً للشيطان! فكذلك ينبغي أن يصنع من الناحية المعنوية بين أفراد حيِّه؛ بأن يصلح ما قد ينشأ بينهم من خصومات، ويسد المنافذ على الشيطان، فلا يدعه يتسلل بين المؤمنين . إن الإمام الناجح هو الذي يفزع إليه أهل حيه تلقائياً، كلما أهمهم شيء، أو طرأ بينهم خلف.
وأخيرا:
وبهذا يتبين أن إمام الحي، إذا وفقه الله، فحينئذٍ يجري الله على يديه من الأجر ما لم يكن له في الحسبان. جعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وبارك في أوقاتنا، وأعمالنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
______
جمع وترتيب موقع دليل المسجد
التعليقات