المرأة ودورها التربوي في حث الأبناء على الصلاة
تحتل الأم مكانة مهمة وأساسية في التربية، ويبدو ذلك من أمور عدة منها:
•أنها عنصر مهم وأساس في الأسرة.
•أن الطفل يتأثر بحالة أمه وهي حامل.
ومن المجالات التي يظهر فيها دور المرأة [تربية الطفل]، وهذا من أهم المجالات وأخطرها لسببين:
الأول: لأنه من الطفل تتكون الأمة، وعلى أي حال كان واقع الطفل وتربيته اليوم سيكون وضع الأمة في المستقبل كذلك، ومن هنا ندرك أنه سيمر عبر مدرسة الأم أفراد الأمة كلهم.
الثاني: ولأن الطفل كثير المجاهيل ينطبق عليه أنه واضح غامض، سهل صعب، لذا فرعايته وتربيته تحتاج لجهد ليس سهلاً.
إن رعاية الطفل مسؤولية الأبوين معًا، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" [البخاري في كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل].
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
ولكننا إذا نظرنا إلى واقع الأمر وجدنا أن الرجل لا يقضي في بيته ومع أطفاله إلا جزءًا يسيرًا من الوقت هذا من حيث الكم، ومن حيث الكيف فهذا الوقت يكون فيه منهكًا من العمل، يطلب الراحة، وليس لديه قدرة على التفكير في شأن أولاده.
لذا يظهر لنا أن الدور الأكبر في هذا هو دور المرأة ومسؤوليتها، أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: هلك أبي وترك سبع بنات، أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبًا فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "تزوجت يا جابر" فقلت: نعم، فقال: "بكرًا أم ثيبًا" قلت: بل ثيبًا. قال: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك" قال: قلت له: إن عبدالله هلك وترك بنات وإني كرهت أن أجيئَهُنَّ بمثلهن فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: "بارك الله لك، أو قال: خيرًا" [البخاري كتاب النفقات، باب عون المرأة زوجها في ولده].
الحديث دلّ على مشاركة المرأة زوجها في تربية الأولاد بل إن الدور الأول هو دورها: (تقوم عليهن وتصلحهن).
وللأم دورا في التربية من الناحية الإيمانية، يتجلى هذا الدور في نقاط لعل من أهمها:
• غرس القيم الروحية: بالتمسك بالصلاة والتعلق بالمساجد، والتثقيف الديني من خلال قراءة الكتب الدينية لحمايته من الانحراف السلوكي.
• أن تردد على مسامعه دائما كلمات الله وتتلو آيات القرآن، فالطفل وإن كان لا يعقل ما يسمع إلا أنه يشعر بالاطمئنان والسكينة.
•على الأم أن تساعد طفلها في التفرقة بين الحلال والحرام؛ حتى ينشأ على الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه.
•تشجعه على الصلاة وتحفزه على أدائها، وعلى حفظ القرآن وتلاوته حتى يقوم لسانه وتسمو روحه ويخشع قلبه ويرسخ في نفسه الإيمان واليقين.
• تبذر فيه حب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام من خلال قراءة السيرة وتعليمها له.
•عليها أن تغرس في قلبه الخوف من الله وخشيته ومراقبته له في السر والعلانية، فهذا يساعد في صلاحه واستقامته بإذن الله.
تعويد الطفل على الطهارة و الصلاة:
تعويد الطفل على الصلاة له شأن كبير في مستقبل حياته، والطفولة ليست مرحلة التكليف، إنما هي مرحلة إعداد وتعويد وتدريب، حتى إذا وصل إلى مرحلة التكليف، كان مستعدا للقيام بالواجبات وتحمل التكاليف.
ومن البداية تحاول الأم تعويد الأبناء على الصلاة في المنزل بالوقوف بجوارها أو بأداء حركات الصلاة مع المصلين. بل وتبدأ مرحلة تعويد الطفل على الطهارة والاستنجاء والوضوء مبكرا، يعني قبل سن السابعة، ينبغي أن تعلمه بعض أحكام الطهارة اليسيرة، مثل أهمية التحرز من النجاسة، وتعلم الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة الجسم والملابس، مع شرح علاقة الصلاة بالطهارة، ويكون التعليم بطريقة لطيفة رقيقة، مع الصبر وتحمل الأخطاء.
مع الحرص على تعلّم الطفل قبل سن السابعة سورة الفاتحة، وبعض قصار السور استعداداً للصلاة، وأن يواظب على تعلم الوضوء، وأن يتدرب عليه عملياً بتقليد الآخرين. وقبيل السابعة نبدأ بتعليمه الصلاة بالتدريج، ونصبر عليه إذا أدى بعض الحركات الخطأ، ونشجعه على الصلاة ولو ركعة واحدة، ثم تزداد، فلا نطالب الابن بالفرائض كلها.
بعض الأمهات يتسائلن:نحن نحبب الأولاد في الصلاة؟ ولكن كيف يستمرون عليها؟ ولا ينصرفوا عن الملهيات والوسائل الحديثة؟
فلا بد أولا قبل الإجابة على هذا السؤال التأكيد تذكير الأمهات بالمهمة الأساسية، وهي قول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [ طه:132].
وبعد ذلك لابد من الربط بين العقائد وبين العبادات، والأخلاق أيضا، فعندما نرسخ في ذهن الأبناء الإيمان بالله تعالى، و أن الله تعالى هو الرازق، وهو القادر وهو الذي أنعم علينا بنعم كثيرة تستحق الشكر، وهو يراقبنا ويعلم السر وأخفى، أو يعلم سرنا وعلانيتنا، ونرسخ عقائد الإيمان بالملائكة وبيان أهم وظيفة لهم، والإيمان بالرسل وبيان مهمتهم، وأنهم كانوا يواظبون على الصلاة، لأنها تعينهم على القيام بمهمتهم الأساسية، وترسيخ عقيدة الإيمان باليوم الآخر، والحساب والجزاء بالنعيم للمحسنين، وبالعذاب والنار للكافرين والمكذبين، فلكي ننجو من عذاب الآخرة لا بد من المواظبة على أداء العبادات وأولها الصلاة.
ونذكر أن احترام مواعيد الصلاة للآباء جماعة في المسجد، وفي أول الوقت للأمهات بالمنزل، فإذا تم احترام مواعيد الصلاة، والمواظبة على أداء الصلاة في موعدها واحترام سماع وترديد الأذان، فهذا يرسخ في ذهن الأبناء أهمية احترام هذا الموعد مهما كانت الانشغالات، حتى لا نشكو مستقبلا بأن الأبناء ينشغلون عن أداء الصلاة بالجلوس على الحاسب الآلي، أو بالاستمرار في اللعب أو في أي أمر آخر، فنقول لا بد من النظر للتعويد من البداية.
ويتم ذلك باستمرار ترسيخ العقائد أن المواظبة على أداء الصلاة مرتبط بدخول الجنة وبالنجاة من النار في الآخرة، بل ومرتبط بالفلاح في الدنيا والتوفيق والنجاح في مواجهة المشكلات والوقوف في وجه الصعوبات وتجاوز العقبات،.
وأخيرا: لا ننس الدعاء بالهداية والصلاح لأولادنا بالاستقامة على طريق الطاعة، والثبات على طريق الاستقامة والتوفيق في الوصول للهداية، والمواظبة على أداء العبادات، خاصة الصلاة على وقتها، مع التذكير المستمر بإخلاص العمل لله، والدعاء دائما بحسن الخاتمة.
نماذج وقدوات:
أم الإمام الأوزاعي:
هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، أبو عمرو الأوزاعي، كان فاضلًا خيرًا، كثير العلم، والحديث، والفقه، أجمع المسلمون على عدالته وإمامته، فقد نشأ يتيمًا في حجر أمه، وكانت تنتقل به من بلد إلى بلد، وكانت تتعهد عبادته فكانت تدخل منزله، وتتفقد موضع مصلاه فتجده رطبًا من دموعه . فهذه الأم قامت بأمانة التربية والأدب خير قيام، وعودته على الخير وعبادة الله ولم ينقطع دورها حتى بعد بلوغه!
أم الإمام مالك بن أنس
مالك بن أنس بن مالك، أبو عبد الله، إمام دار الهجرة، من سادات أتباع التابعين وجلة الفقهاء والصالحين، ممن كثرت عنايته بالسنن، مات سنة تسع وسبعين ومائة. وكان لأمه دورًا بارزًا ومؤثرًا!
ذكر ابن حمدون في تذكرته عن حسن بن نعمان، عن مالك، قال: "نشأتُ وأنا غلام، فأعجبني الأخذ عن المغنين، فقالت أمي: يا بني، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلتَفَت إلى غنائه؛ فدع الغناء واطلب الفقه. فتركت المغنين وتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى" (شرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون لابن نباتة المصري، ص: 263). فهكذا صرفته عمّا عزم عليه بذكاء ودون كذب، ووجهته إلى العلم النافع!
أم الإمام الشافعي:
هو: محمد بن إدريس بن العباس بن شافع المطلبي الهاشمي، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث.
كانت أمه القوة الدافعة، ربت عنده الشغف بالعلم منذ نعومة أظافره، ففقرها لم يكن مانع من تعليم ولدها، قال الشافعي: "كنت يتيمًا في حجر أمي فدفعتني في الكتاب، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم، فكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع الحديث أو المسألة فأحفظها، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أن أشتري به قراطيس قط، فكنت إذا رأيت عظمًا يلوح آخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحته في جرة كانت لنا قديمًا، قال: ثم قدم والٍ على اليمن فكلمه لي بعض القرشيين أن أصحبه ولم يكن عند أمي ما تعطيني أتحمل به، فرهنت دارها بستة عشر دينارًا فأعطتني فتحملت بها معه، فلما قدمنا اليمن استعملني على عمل فحمدت فيه، فزادني عملًا فحمدت فيه، فزادني عملًا وقدم الْعُمَّار مكة في رجب فأثنوا علي، فطار لي بذلك ذكر" (رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله:1/ 413).
وكان لهذه التربية الأثر العظيم، حيث تعلم الشافعي أن العلم يكون بالذل بين يدي العلماء فهنيئا لأم سعت في تربية أبناءها ذكورا وإناثا وترقيتهم إلى معالي الأمور وسمو الأخلاق وتحذيرهم عن سفاسف الأمور ورديئ الأخلاق وصبرت وتحملت في ذلك المشقة والتعب.
__
*جمع وترتيب موقع دليل المسجد
التعليقات