لا تجوز إمامة المرأة للرجل، لا في الفرض ولا في النفل ، وهذا هو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف ، ومن صلى وراء امرأة وجب عليه أن يعيد تلك الصلاة التي صلاها خلفها ، لأن المرأة ليست بأهل أن تكون قائدة للرجال ، للآيات المانعة من ذلك ، والآمرة المرأة أن تتخذ من بيتها مقراً لها ولأطفالها ، لتربيتهم ، والعناية بشؤون منزلها وزوجها ، قال تعالى : " وقرن في بيوتكن " ، وقال تعالى : " وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ أخرجه البخاري ] ، فدلت هذه النصوص وغيرها على أن المرأة مأمورة بالستر والحجاب ، والقرار في البيوت ، وعدم الخروج منها إلا لحاجة ماسة لا يمكن أن يقوم بها غيرها ، كشراء ملابسها الخاصة مثلاً ، أما ما عدا ذلك ، فلا تخرج من بيتها ، بل بيتها سترها ، كما أن المرأة ضعيفة لا تستطيع القيام بأعباء الرجال ، والمرأة عورة وممنوعة من مخالطة الرجال ، ولو اجتمع الرجال والنساء في مكان واحد ، فانظر مدى الخراب والفساد الذي يحدث ، كما أن القوامة للرجل لا للمرأة ، ولهذا من حكمة الشارع الكريم ، أن جعل خير صفوف النساء أخرها لبعدها عن صفوف الرجال ، وكما أن صوت المرأة عورة ، فربما طمع فيها من في قلبه مرض ، بل من حكمة المولى جل وعلا أن أمر المرأة أن تصلي في بيتها لا في المساجد ، وإن طلبت أن تصلي في المسجد فلا بأس إذا أمنت من الفتنة ، أن تَفتِنَ أو تُفتَن ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء " ، ومن المعلوم أن بعض نساء الصحابة كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده صلاتي العشاء والفجر ، حتى لا يراهن أحد ، وكن ينصرفن قبل أن يقوم الرجال من أماكنهم ، خشية الفتنة والاختلاط ، قالت عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح ، فتنصرف نساء المؤمنات ، متلفعات بمروطهن ، لا يُعرفن ، أو لا يعرفن بعضهن بعضا من الغلس " [ أخرجه البخاري ] .
والإمامة في الصلاة من العبادات ، والعبادات مبنية على التوقيف ، والسنة العملية تدل على إمامة الرجل للرجال ، وليس هناك دليلاً واحداً يدل على أن المرأة تؤم الرجال ، فعُلم أن المرأة لا تصلح لإمامة الرجال كباراً كانوا أم صغاراً .
فإذا كان هذا هو مقصود الشرع ، فلا يجوز للمرأة أن تتولى زمام أمور الرجال ، بل من تعدت واعتدت ، وطلبت ذلك وجب تعزيرها بأشد العقوبات ، لأنها تريد أن تسُن سنة سيئة ، وتفتح على المسلمين باباً لم يعرفوه ولم يألفوه قبل ذلك ، فلابد من تعزيز من أرادت ذلك أو سعت إليه ، ولو كان التعزيز بقتلها ، فإني أرى ذلك والعلم عند الله تعالى ، حتى تكون عبرة للمعتبرات .
قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى : " لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ، ولا تصح صلاة الرجل خلفها ، لأدلة كثيرة ، وعليه أن يعيد الصلاة إن صلى خلفها " [ مجموع فتاوى ومقالات 12/131 ، المجموع 4/151 ، المغني 3/32 ، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 15/147 ، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 2/534 ، معرفة السنن والآثار 4/230 ] .
روي عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية ، أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ، أن تتخذ في دارها مؤذناً ، فأذن لها ، وأمرها أن تؤم أهل دارها ، قال عبد الرحمن بن خلاد الراوي عنها : أنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً " [ أخرجه أبو داود وحسنه الألباني 1/177 ، وضعفه جمع من أهل العلم ، فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة ] ، وقد جاء عند ابن ماجة مرفوعاً : " لا تؤمن امرأةٌ رجلاً " [ وهو ضعيف أيضاً ] .
وعلى فرض حجية حديث أم ورقة ، فهو مما أشكل ، عندما أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ لها مؤذناً ، وكان مؤذنها شيخاً كبيراً ، فدل الحديث على أنها كانت تؤم الرجال وليس النساء فقط .
والجواب على ذلك :
أنه جاء في رواية الدار قطني : " أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها " ، وهذه الزيادة يجب قبولها ، فهي تبين ما سبق من الحديث [ المغني 3/32 ] .
ويبقى إشكال اتخاذها مؤذناً ، وكان مؤذنها شيخاً كبيراً ، فلربما كان يؤذن لها ثم يخرج للصلاة مع الناس .
وربما كان يؤذن لها ، ثم يصلي لوحده لكبر سنه ، فإنه يُعذر عن حضور صلاة الجماعة في المسجد مع الرجال ، إذا كان كبر سِنِّهِ لا يسمح له بحضور الجماعة في المساجد .
قال ابن قدامه رحمه الله : " ولو قُدِّر ثبوت ذلك لأم ورقة ، لكان خاصاً لها ، بدليل أنه لا يُشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة ، فتختص بالإمامة ، لاختصاصها بالأذان والإقامة [ المغني 3/34 ] .
ومن شروط الإمامة ما يلي :
1- الإسلام .
2- البلوغ .
3- العقل ، ولا شك أن رجحان عقل الرجل أكمل من المرأة ، لما جاء في الحديث : " ناقصات عقل ودين " .
4- الذكورة : وهذا الشرط هو المقصود من ذكر الشروط ، فقد اتفق الفقهاء على أنه يشترط لإمامة الرجال ، أن يكون الإمام ذكراً ، فلا تصح إمامة المرأة للرجال ، لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أخروهن من حيث أخرهن الله " [ أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ، وصححه ابن حجر في الفتح ] ، ولا شك أن الأمر بتأخيرهن نهي عن الصلاة خلفهن ، ولأن في إمامتها افتتاناً بها .
5- القدرة على القراءة ، والمرأة ممنوعة من رفع صوتها بالقراءة بحضرة الرجال الأجانب ، يعني غير المحارم ، وطبيعة المرأة الحياء ، فهي تستحيي غالباً من رفع صوتها أمام محارمها ، فكيف ستصلي بالناس ، إلا من تجردت من الحياء ، والحياء شعبة من الإيمان .
6- السلامة من الأعذار : والمرأة لا تخلو من الحيض والنفاس والاستحاضة ، فكل تلك موانع من إمامتها لمن هو أكمل منها وأفضل ، وهم الرجال ، قال تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض " ، وقال تعالى : " للذكر مثل حظ الأنثيين " ، فهذه الأدلة وغيرها تدل على فضل الرجل على المرأة ، فلا يتقدم الفاضل على المفضول ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ناقصات عقل ودين " ، فكيف يُقدم ناقص العقل والدين على من هو أرجح منه في العقل والدين وهم الرجال .
7- القدرة على توفية أركان الصلاة ، ولا أراه شرطاً لازماً ، لأن المرأة يمكن أن تتم أركان الصلاة ، وهذا واجب على المصلي ذكراً كان أم أنثى .
8- السلامة من فقد شرط من شروط الصلاة .
9- النية [ الموسوعة الفقهية 6/204 ] .
والمرأة ممنوعة من الصلاة بالرجال ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا مرت بين يديه ، كما بين صلى الله عليه وسلم أن موقف المرأة خلف الرجال ، وكيف يُقتدى بإمام خلف المأمومين ، لهذا محض الخطأ ، ومجانبة الصواب ، ومخالفة العقل السليم [ المحلى لابن حزم 4/141 ] .
وعلى ذلك ، فإن كل من صلوا من الرجال خلف المرأة التي صلت بهم الجمعة في الولايات المتحدة الأمريكية المحاربة الأولى للإسلام وأهله ، فصلاتهم باطلة ، ويجب عليهم إعادتها ، ولقد أنكر علماء الإسلام قاطبة تلك الفعلة الشنعاء ، والجريمة النكراء ، مبينين خطأ من ارتكبها ومن دعا إليها .
أما صلاتها هي ـ الإمامة ـ فصحيحة لنفسها ، وكذلك تصح صلاة النساء اللاتي صلين وراءها .
وأجمع المسلمون على أن صلاة المرأة في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد ، ابتعاداً عن الفتنة ، وتغليباً لجانب السلامة ، وحسماً لمادة الشر ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " وبيوتهن خير لهن " .
قالت عائشة رضي الله عنها : " لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل " [ متفق عليه ] .
والأصل منع المرأة من حضور محافل الرجال ، سواءً في الأسواق أو المساجد أو غيرها ، لكن إذا طلبت المرأة أن تحضر الصلاة والعلم الشرعي متحجبة متعففة غير متزينة ولا متعطرة فلا بأس للزوج أو الولي أن يأذن لها لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات " [ أخرجه أبو داود وأحمد ] ، ومعنى تفلات : غير متطيبات ، ويحلق بذلك ما كان في معنى الطيب كحسن اللباس ، وإظهار الحلي ، فإن فعلت ذلك وجب منعها من حضور المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة أصابت بخوراً ، فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة " [ أخرجه مسلم ] .
ولتعلم كل امرأة أن حق زوجها في بيتها واجب ، وحضورها للصلاة في المسجد من باب المباح ، وليس من باب المستحب ، بل من باب المباح ، فلا يُقدم المباح على الواجب أبداً .
فكل ذلك يدل على أن المرأة ممنوعة من الصلاة في المسجد ، فكيف تقوم بإمامة الرجال ، بل من العلماء من منعها أن تؤم النساء أصلاً ، وهذا واضح في كتب أهل العلم ، فالمالكية يرون عدم جواز إمامة المرأة مطلقاً ولو لمثلها ـ من النساء ـ في فرض أو نفل ، وكذلك الحنفية [ الموسوعة الفقهية 6/204 ، المخلص الفقهي 1/210 ، معرفة السنن والآثار 4/230 ، الإفصاح 2/42 ] .
ولم يؤثر منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا أن المرأة أمَّت الرجال لا في صلاة الفريضة ولا في النافلة ، ولم ينقل ذلك أحد ، فدل على أن إمامة المرأة للرجال خلاف الحكمة الإلهية ، والفطرة البشرية السليمة .
وهنا أشير إلى كلام العلماء رحمهم الله تعالى في أن قراءة المرأة للقرآن الكريم بصوت مرتفع وبجانبها رجال أجانب فيه فتنة ، والفتنة لا تجوز ، كما أن صوت المرأة عورة كما قرره بعض العلماء ، ولا سيما إذا تكسرت به ، ولا شك أن من يسمع صوت المرأة بالقراءة لربما فُتن بها ، ولهذا لابد من سد باب الشر حسماً لمادة الحرام .
التعليقات