السِّيُوطِيّ .. درة عصره، ولؤلؤة دهره
السِّيُوطِيّ .. ابن الكتاب !
السِّيُوطِيّ .. العلامة الموسوعيّ
السِّيُوطِيّ .. القلم السيال، والقريحة المتقدة
السِّيُوطِيّ .. درة عصره، ولؤلؤة دهره
السِّيُوْطِيّ .. رائد الحركة العلمية في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري
يأتي هذا الملف التعريفي بأحد أئمة العلم - وهو الإمام السِّيُوْطِيّ - استكمالاً للدَّور الريادي لموقع
دليل المسجد في التعريف بأئمة وعلماء المسلمين الذين تركوا بصمات لا تُمحى من ذاكرة التاريخ.
نشأ السيوطي في بيت من بيوت العلم والمعرفة، وكانت لحظة ولادته مقرونة بحب العلم والمعرفة، فلُقِّبَ بـ (ابن الكُتُب) لأن أمه ولدته في مكتبة المنزل حينما دخلتها لتحضر كتابًا لأبيه ففاجأها المخاض فولدته هناك!
ولم يفارقه الكتاب منذ عرف طريقه إلى العلم والمعرفة، فكان الكتاب رفيقه متعلمًا، ثم كان إبداعه في التأليف والتحرير والكتابة، فرفد المكتبة الإسلامية بمئات الكتب في مختلف الفنون والعلوم.
ولقد كتب في التفسير فأبدع .. وكتب في الفقه فبرع وأتقن .. وألف في اللغة فأجاد وأحسن .. وهكذا في كل فن من فنون العلم كان قلمه سيالاً، وقريحته تمده بأفكار تضيق عنها الصفحات.
ولقد حاول الإمام السيوطي أن يفيد الناس بمعرفته وعلمه، فبرز معلمًا، كما برز كاتبًا، إلا أن سهام الطيش من الأقزام، والخصومة من الأغيار، أحاطت به من كل جانب، فآثر الاعتزال والتفرغ للكتابة، ففتح له هذا الباب، فكان إمامًا قل أن تجد له نظيرًا.
ولم تكن كتبات السيوطي ككتابات غيره، إذ تلحظ أن له في كل فن من فنون العلم منهجًا يسير عليه .. ففي التفسير له منهجه المميز .. وفي الفقه له طريقته .. وفي اللغة والأدب له رؤيته الخاصة.
رحمه الله من إمام أعطى القدوة والأسوة لكثير من شباب وعلماء العصر في المثابرة والجد، والجمع ما بين غزارة الانتاج وجودة المنتج وتنوع ضروب المعرفة.
وهذه باقة من حياة الإمام السيوطي وسيرته ـ رحمة الله ـ نضعها بين يدي القارئ الكريم؛ ليتعرف من خلالها على سيرة هذا العلامة العالم، آملين أن يكون قدوة للشباب والعلماء.
بطاقات تعريفية بالإمام السيوطي
هو الإمام جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر المصري السيوطي الطولوني الشافعي، ولد مساء يوم الأحد غرة شهر رجب من سنة849هـ، المـوافق سبتمبر من عام 1445م، في القاهرة، وتوفي سنة (911هـ) وقد ناهزَ من العمر واحدا وستين سنة.
كان السيوطي سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، وكان أبوه من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه.
اتجه السيوطي إلى حفظ القرآن، فأتمَّ حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل "العمدة"، و"منهاج الفقه والأصول"، و"ألفية ابن مالك"، وكان محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، منهم الكمال ابن الهُمَام الحنفيّ أحد كبار فقهاء عصره.
عاش السيوطي في عصرٍ كَثُرَ فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا في ميدان الإبداع الأدبي، فتأثر بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء.
ابتدأ السيوطي في طلب العلم سنة 864 هـ/ 1459م، ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أُجيز بتدريس العربية، وألف في تلك السنة أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة، فألف "شرح الاستعاذة والبسملة" فأثنى عليه شيخه "عَلَم الدين البُلْقِينِيّ".
كان منهج السيوطي في الأخذ عن الشيوخ أن يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه فيلازمه طوال حياته، فإذا ما توفي انتقل إلى غيره، وكان عمدة شيوخه "محيي الدين الكافِيجِيّ" الذي لازمه الـسيوطي أربعة عشر عامًا كاملة وأخذ منه أغلب علمه، وأطلق عليه لقب "أستاذ الوجود".
لما اكتملت أدوات السيوطي جلس للإفتاء عام 871 هـ / 1466م، وأملى الحديث في العام التالي، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه: "رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع"، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب"، وغير ذلك.
جلس السيوطي لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة "الخانقاه البيبرسية" التي كانت تمتلئ برجال الصوفية، حيث نشب خلاف بين السيوطي والمتصوفة، وكاد هؤلاء المتصوفة أن يقتلوه، حينئذ قرر أن يترك "الخانقاه البيبرسية" ويعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة.
كان السيوطي من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، حيث ملأ نشاطه العلمي في التأليف مختلف الفروع في ذلك الزمان من تفسير وحديث وفقه وتاريخ وطبقات ونحو ولغة وأدب ... وغيرها، فقد كان موسوعيَّ الثقافة والاطلاع.
أعان السيوطي على كثرة تأليفه انقطاعه التام للعلم وهو في سن الأربعين حتى وفاته، وثراء مكتبته وغزارة علمه وكثرة شيوخه ورحلاته، وسرعة كتابته، فقد اتسع عمره التأليفي (45) سنة.
تمنى السيوطي أن يكون إمام المائة التاسعة من الهجرة لعلمه الغزير، فيقول: "إني ترجيت من نِعَمِ اللهِ وفضلِهِ أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتبحر في أنواع العلوم".
زادت مؤلفات السيوطي على ثلاثمائة كتاب ورسالة، وأحصى له "حاجي خليفة" في كتابه "كشف الظنون" حوالي (576) مؤلفا، وبلغ بها البعض كابن إياس الحنفي إلى (600) مؤلف.
والإمام السيوطي هو أحد الجلالَين اللذَين وضعا التفسير المعروف بتفسير الجلالين، والثاني هو جلال الدين المَحَلِّيّ. فقد فَسَّرَ المَحَلِّيُّ سورةَ الفاتحة، ثم انتقل إلى سورة الكهف ففسرها حتى سورة الناس (آخر القرآن)، في حين فسر السيوطي النصف الأول من القرآن عدا الفاتحة، أي من البقرة حتى الإسراء.
أما الحديث وعلومه، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما روى عن نفسه، وكان مُغرمًا بجَمْعِ الحديث واستقصائه؛ لذلك ألف مئات الكتب في هذا المجال، فمن كتبه: "إسعاف المُبَطَّأ في رجال الموطأ"، و" تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك"، و"جَمْعِ الجوامع"، و"الدُّرَر المُنْتَثِرَة في الأحاديث المشتهرة"، و"المنتَقَى من شُعب الإيمان للبيهقي"، و"أسماء المدلِّسِين"، و"آداب الفُتيا"، و"طبقات الحفاظ".
وفي الفقه ألف السيوطي "الأشباه والنظائر" في فقه الإمام الشافعي، و"الحاوي في الفتاوي"، و" الجامع في الفرائض" و" تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع".
وفي اللغة وعلومها كان للسيوطي أكثر من مائة كتاب ورسالة منها: "المُزهِر في اللغة"، و"الأشباه والنظائر في اللغة"، و"الاقتراح في النحو"، و"التوشيح على التوضيح"، و"المهذب فيما ورد في القرآن من المُعَرَّب"، و"البهجة المَرْضِيَّة في شرح ألفية ابن مالك".
في التاريخ والطبقات ألف السيوطي أكثر من (55) كتابًا ورسالة يأتي في مقدمتها: "حُسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"، و"تاريخ الخلفاء"، و"الشماريخ في علم التاريخ"، و"تاريخ الملك الأشرف قايتباي"، و"عين الإصابة في معرفة الصحابة"، و"بُغية الوعاة في طبقات النحاة"، و"نَظم العِقيان في أعيان الأعيان"، و"دَرِّ السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة"، و"طبقات الأصوليين".
أصيب السيوطي رحمه الله بورم شديد في ذراعه اليسرى، فمكث سبعة أيام، وتُوُفِّي رحمه الله في سحر ليلة الجمعة (19 من جمادى الأولى عام 911هـ/ 17 من أكتوبر عام 1505م) في منزله بروضة المقياس، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يومًا. وصلى عليه خلائق بجامع الأباريقي بالرَّوضَة (بالقاهرة) عقب صلاة الجمعة، وصلى عليه مرة ثانية خلائق لا يُحصَون.
التعليقات