فن التعامل مع الناس (2)
عبد الرحمن بن فؤاد الجار الله
ثالثاً: الدوافع التي تُحرِّك المسلم إلى حُسنِ التعامل:
أولاً: أن يكون من خير الناس أو خيرهم:
فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته، وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس أحسنهم خُلُقاً" (8) فالمسلم لا يُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة، إنما لكسب رضا الله - عز وجل -، وهنا تستمر الأخلاق سواءاً رضي الناس أم لم يرضوا، تحسنت العلاقة أم لم تتحسن، كسب الود أم لم يكسب، فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ، وهذا هو ضمان الاستمرارية. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: " إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار " (9)، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن يألف ويؤلف ولاخير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس " (10).
ثانياً: الأخلاق الحسنة مأمورٌ بها:
إن الله - سبحانه وتعالى - أمرنا أن نلتزم الحكمة في التعامل مع الناس وهذا عينُ العقل. يقول الله - عز وجل -: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ".
والموعظة الحسنة هي محتوى الكلام الذي يدعو إلى شيء طيب.
وقد وصف الله - تعالى -رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأنه ليِّن الجانب، وهو إن لم يكن كذلك لخسر الناس ولانفضوا من حوله وهم الصحابة - رضي الله عنهم - وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلم يقل - صلى الله عليه وسلم - من أراد فليأت، ومن لم يرد فلا يهمنا أمره، إنما كان حريصاً عليهم. يقول - تعالى -: ((فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)). أي لو كنت يا محمد يا رسول الله فضاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر " فإن من وسائل المعاملة الحسنة: أن تعفو عنهم، وتستغفر لهم. أي: أن تتجاوز عن الأخطاء وتغض الطرف عنها وتستغفر لهم. فتلك وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية السلوك الطيب فيهم. وتشاورهم في الأمر أي: تحترم رأيهم وتقدرهم وتعطيهم شيئاً من القيمة عندما تتعامل معهم، فما أسهل الناس وأنت تشاورهم، وما أقربهم منك وأنت تقدرهم. يقول ميمون بن مهران: "التودد إلى الناس نصف العقل " فالذي يتودد إلى الناس يعتبر مسلكه هذا نصف العقل ولكن بشرط أن يكون ودوداً وعاقلاً (11).
رابعاً: قواعد ثابتة في التعامل:
هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة، يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره. لنتعلم هذه القواعد أو بعضها حتى نمارسها عملياً وقد تمتد تلك الممارسة إلى سنواتٍ حتى نتخلص من طبع سيءٍ يكرهه الناس، أو نكتسب طبعاً طيباً يحبه الناس فمن هذه القواعد المشتركة:
1ـ أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل مع الأسوياء من الناس، أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية. فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف، والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
2ـ تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة: الوالد مع ولده، الزوج مع زوجته، الرئيس مع مرؤوسه، والعكس.
3ـ أن التعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول. فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم، فالحديث معه يكون مناسباً لطبيعته وقدرته على الفهم.
4ـ يختلف أسلوب التعامل أيضا باختلاف الشخصية. فطريقة التعامل من شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ، فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم.
خامساً: الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك:
يقول المؤلف دايلكارنيجي: "من هواياتي أن اصطاد السمك، وبمقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته في السنارة أفخر أنواع الأطعمة، لكني أفضل استعمالي طعوم الديدان على الدوام، ذلك أنني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة، فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم... وهو يفضل الديدان فإذا أردت اصطياده قدَّمت له ما يرغب فيه.
والآن. لماذا لا نجرب الطُعُومَ مع الناس؟
لقد سئل لويد جورج السياسي البريطاني الداهية، عما أبقاه في دفَّة الحكم مع أن معاصريه من رجال الدول الأوربية الأخرى لم يستطيعوا الصمود مثله، فقال: (إنني أُلائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك).
والواقع أن "الطُعم" هذا مهمٌ للغاية... ذلك أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت، فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم، وتعبر عما في نفسك من زاويتهم وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم، أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية، اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم "
يتبع سادساً: أساليب التعامل مع الناس
التعليقات