باب صِفَةِ الحَجِّ وَدُخُولِ مَكَّةَ
مختصر الكلام على بلوغ المرام
باب صِفَةِ الحَجِّ وَدُخُولِ مَكَّةَ
أي بيان المناسك والإتيان بها مرتبة وكيفية وقوعها
706- عَنْ جابر بنِ عبد الله - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّ فَخَرَجْنا معهُ حتى إذا أَتيْنا ذا الْحُلَيفة فولدتْ أَسماءُ ابنةُ عُميس فقال: "اغتَسِلي واسْتَثْفري بثْوبٍ وأَحرمي" وصلى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ثم رَكِبَ القَصْوَاءَ حتى إذا استَوَتْ به على الْبيداءِ أَهَلَّ بالتوحيد "لَبيَّك اللّهُمَّ لَبيْك، لبيَّك لا شريك لكَ لَبَيْك، إنَّ الحمْدَ والنعمةَ لكَ والملْكَ، لا شريك لك" حتى إذا أَتَيْنَا البيْتَ اسْتلمَ الرُّكن فرمل ثلاثاً ومشى أَربعاً، ثمَّ أتى مقامَ إبراهيم فَصَلَّى ورجَع إلى الرُّكن فاستلمه، ثمَّ خرجَ من البابِ إلى الصَّفا، فلمّا دَنا مِنَ الصَّفا قَرَأَ ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]"ابدأُوا بما بدأَ اللهُ بهِ" فرقي الصَّفا حتى رأَى البَيْت، فاستقبلَ القِبْلةَ، فَوَحّدَ الله وكبّرهُ وقال: "لا إله إلا الله وحْدَهُ لا شريك لهُ، لـهُ المُلْكُ ولـه الحمدُ وهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إله إلا الله أَنجزَ وَعْدهُ، ونصر عبْدَهُ، وهَزَمَ الأحزابَ وحْدَهُ" ثم دعا بين ذلك ثلاث مرَّاتٍ، ثم نزل من الصَّفَا إلى المرْوَةِ حتى انصبّتْ قدماهُ في بطن الوادي سَعَى حتى إذا صَعِدَ مشى إلى المرْوَة فَفَعَلَ على المروةَ كما فعل على الصَّفا، وذكر الحديث وفيه: فلما كان يَوْمُ التّرْويةِ توِجَّهُوا إلى منىً وركب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بها الظُّهرَ والعصر والمغربَ والعِشاءَ والْفَجْرَ، ثمَّ مكث قليلاً حتى طَلَعَت الشّمسُ فأَجازَ حتى أَتى عَرَفةَ فوجد قُبَّةً قد ضُربَتْ لـهُ بنَمِرَة فنزل بها حتى إذا زالت الشّمسُ أَمرَ بالْقصواءِ فَرُحِلَتْ لـهُ فأَتى بَطْن الوادي فَخَطَبَ النّاس ثمَّ أَذَّنَ ثمَّ أَقامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثمَّ أَقامَ فَصلَّى الْعصْرَ ولمْ يُصَلِّ بينهما شيئاً، ثمَّ رَكِبَ حتى أَتى الموقِفَ فجعلَ بطنَ ناقتِهِ القصْواءِ إلى الصَّخَرَات، وجعَلَ حَبْل المُشاةِ بين يديْهِ واستقْبلَ القِبْلةَ، فلم يَزَلْ واقفاً حتى غَرَبَتِ الشّمْسُ وذهبتِ الصُّفرةُ قليلا حتى غابَ القُرْصُ، ودَفَعَ وقد شَنَقَ للقصْواءِ الزِّمامَ حتى إنَّ رأسَها ليُصيبُ مَوْرك رَحْلهِ ويقولُ بيدهِ اليُمنى: "يَا أَيُّها النّاسُ السّكينَةَ السكينةَ" وكلما أَتى حَبْلا أَرْخى لها قليلاً حتى تصْعَدَ حتى أَتى المزْدلِفة فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بأَذان واحدٍ وإقامتين ولم يُسِّبحْ بينَهُما شيئاً، ثمَّ اضْطجَعَ حتى طَلَعَ الفَجْرُ، فَصَلَّى الْفجرَ حين تبين لـهُ الصُّبحُ بأَذانِ وإقامةٍ، ثمَّ ركبَ حتى أَتى المشْعَرَ الحرَامَ فاسْتقبل القبْلةَ فدعا وكبّر وهلّل، فَلَمْ يزل واقفاً حتى أَسفرَ جِداً، فدفَعَ قبَلَ أَنْ تَطْلُعَ الشّمسُ، حتى أَتى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قليلاً، ثمَّ سلكَ الطّريق الوُسْطى التي تخْرُجُ على الجمرةِ الكبرىِ، حتى أَتى الجمْرةَ التي عند الشّجرةِ فرَمَاهَا بسَبْع حَصَيَاتٍ -يكبِّرُ معَ كلِّ حصاةٍ منها كُلُّ حَصَاةٍ مثل حصى الخَذْفِ رمى منْ بطن الوادي ثمَّ انْصرفَ إلى المنْحر فنحر، ثمَّ ركبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَفاض إلى البيْتِ فَصَلى بمكّة الظُّهْرَ. رواهُ مُسلمٌ مُطوَّلاً.
هذا حديث عظيم كثير الفوائد مشتمل على جمل من القواعد، وهو واف في ترتيب المناسك وكيفيتها فينبغي حفظه والعمل به فالآتي بما اشتمل عليه هو الممتثل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني مناسككم).
707- وعَنْ خُزَيْمةَ بن ثابتِ - رضي الله عنه -: "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا فرَغَ من تلبيتهِ في حجٍّ أَوْ عُمرة سأَلَ الله رضوانَهُ والجنّةَ واستعاذَ برحْمته منَ النّار" رواهُ الشافعيُّ بإسناد ضعيف.
الحديث دليل على استحباب الدعاء بعد الفراغ من التلبية.
708- وعن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نحرْتُ هاهُنا ومنى كُلُّها مَنْحَرٌ فانحَرُوا في رحَالِكُم، ووقَفْتُ هَاهُنا وعرفةُ كلُّها موْقفٌ، وَوَقَفْتُ هَهُنا وجَمْعٌ كلُّها مَوْقِفٌ" رواهُ مُسلمٌ.
الحديث دليل على مشروعية النحر في جميع منى، والوقوف في جميع عرفة ومزدلفة.
709- وعَنْ عائشةَ - رضي الله عنها - "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا جَاءَ إلى مَكّةَ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا وخرجَ مِنْ أَسْفَلِها" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
الحديث دليل على استحباب الدخول من كداء وهي الثنية العليا التي ينزل منها إلى المعلاة والخروج من كدا وهي الثنية السفلى لمن كان ذلك على طريقه كأهل المدينة ومن على طريقهم.
710- وعنْ ابْنِ عُمر - رضي الله عنهما - "أَنّهُ كانَ لا يقْدُمُ مَكّة إلا باتَ بِذِى طُوَى حتى يُصبحَ ويَغْتَسلَ، ويذكُرُ ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -" مُتفقٌ عليه.
الحديث دليل على استحباب الاغتسال لدخول مكة، واستحباب دخولها نهاراً.
711- وعن ابنِ عباس - رضي الله عنهما - "أنه كان يُقَبِّلُ الْحَجَر الأسود ويَسْجُدُ عليه" رواهُ الحاكم مرفوعاً والبيهقيُّ موقوفاً.
تقبيل الحجر الأسود متفق على مشروعيته، وأما السجود عليه فيدل على جوازه هذا الحديث.
712- وعنْهُ - رضي الله عنه - قال: "أَمرهُمُ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَن يرْمُلُوا ثلاثَةَ أَشْواطٍ ويمْشُوا أَرْبعاً ما بين الرُّكنينِ" متفقٌ عليه.
713- وَعَنْ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: "أنَّهُ كانَ إِذَا طَافَ بالبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلاثَاً ومَشى أَرْبعاً، وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا طَافَ في الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوَّل مَا يَقْدُمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ بِالبَيْتِ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فيه دليل على مشروعية الرمل في طواف القدوم وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطا، قال الحافظ: إنهم اقتصروا عند مرآة المشركين على الإسراع من جهة الركنين الشاميين لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على هيئتهم كما هو بين في حديث ابن عباس، ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة انتهى، ولفظ حديث ابن عباس عند البخاري: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة فقال المشركون: إنه يَقدِمُ عليكم وفدٌ قد وهنتهم حمى يثرب فأمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين" ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
714- وعنْه - رضي الله عنه - قال: لم أَر رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يستلمُ من البيت غير الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ" رواهُ مسلمٌ.
اتفق العلماء على استحباب استلام الركنين اليمانيين، وأن الركنين الشاميين لا يستلمان.
715- وعن عُمَرَ - رضي الله عنه -: "أنّهُ قَبّلَ الحجرالأسود وقالَ: إني أَعْلمُ أَنك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنْفعُ، ولولا أَنِّي رأَيتُ رسولَ اللهِ r يُقَبِّلُكَ ما قبّلْتُكَ" مُتّفقٌ عليه.
الحديث دليل على استحباب تقبيل الحجر الأسود، قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يفهموا أن تقبيل الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كان الجاهلية تعتقده في الأوثان.
716- وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ - رضي الله عنه - قَالَ: "رَأَيْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
المحجن: عصا محنية الرأس، والحديث دليل على أنه يجزئ عن استلامه بيده استلامه بآلة ويقبل الآلة كما يقبل يده، فإنْ لم يمكن استلامه استقبله وهلل وكبر، وإذا أشار بيده فلا يقبلها لأنه لا يقبل إلا الحجر، أو ما مس الحجر.
717- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيّةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "طَافَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَبِعَاً بِبُرْدٍ أَخْضَرَ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيِّ وصَحَّحُهُ الترمذيُّ.
الحديث دليل على استحباب الاضطباع، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر حتى يفرغ من طواف القدوم.
718- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الإهلال: رفع الصوت بالتلبية، وأول وقته من حين الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة، وفي العمرة إلى الطواف، وفي الحديث أن من كبر مكان التلبية فلا ينكر عليه فالجميع سنة، والحديث ورد في غدوّهم إلى عرفات.
719- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثَّقَلِ، أَوْ قَالَ فِي الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْل".
720- وَعَنْ عَائِشَة - رضي الله عنها - قَالَتْ: "اسْتَأَذَنَتْ سَوْدَةُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ، وَكَانَتْ ثَبِطَةً -تَعْنِي ثَقِيلَةً- فَأَذِنَ لَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما.
الجمهور على أنه يجب المبيت بمزدلفة ويلزم من تركه دم، والحديث دليل على جواز الدفع قبل الفجر للعذر.
721- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ لَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ، وَفِيْهِ انْقِطَاعٌ.
الحديث دليل على أن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس.
722- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمَرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ". رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وإسناده على شرط مسلم.
الحديث دليل على جواز الرمي قبل الفجر لمن له عذر.
723- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ -يَعْنِي بِالْمُزْدَلِفَةِ- فَوقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً، فَقَدْ تَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ خزيمة.
يتبين معنى هذا الحديث بسياق أوله قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالموقف، يعني جمعاً فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيء فأكلت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج" الحديث. وأخرج أحمد وأصحاب السنن: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أتاه وهو واقف بعرفات ناس من أهل نجد فقالوا: كيف الحج؟ فقال: الحج عرفة من جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تمَّ حجه" وفي رواية لأبي داود: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" (قوله: وقضى تفثه) أي مناسكه.
724- وعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قالَ: "إنّ المشركين كانوا لا يُفيِضَونَ حتى تطْلُع الشّمسُ ويقولونَ: أَشْرقْ ثَبِيرُ، وإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خالَفَهمْ فَأَفَاضَ قبلَ أَن تَطْلعَ الشمسُ" رواهُ الْبُخَاريُّ.
الحديث دليل على مشروعية الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس.
725- وعن ابنِ عبّاسٍ وأُسامةَ بنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهم - قالا: "لمْ يزلِ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلبِّي حتى رمى جمرة العَقَبة" رواهُ الْبُخاريُّ.
الحديث دليل على الاستمرار في التلبية حتى يرمي الجمرة يوم النحر.
726- وعنْ عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه -: "أَنّهُ جعل البيْتَ عَنْ يسارِهِ ومنِى عنْ يمينِهِ ورمى الجمرةَ بسبع حصياتٍ وقال: هذا مَقَامُ الذي أُنزلت عليه سورة البقرة". متفقٌ عليه.
الحديث دليل على استحباب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي. قال الحافظ: وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها، والاختلاف في الأفضل.
727- وعن جابر - رضي الله عنه - قالَ: "رمى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الجمرةَ يَوْمَ النّحْر ضُحًى وأَمّا بعد ذلك فإذا زالتِ الشمسُ" روَاهُ مُسلمٌ.
فيه بيان وقت رمي الجمرة يوم النحر، وفيه دليل على أن وقت رمي الجمار الثلاث بعد زوال الشمس، وهو قول الجمهور.
728- وعن ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: "أَنّهُ كان يرمي الجمرةَ الدُّنْيا بسبع حصياتٍ يُكبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حَصَاةٍ، ثمَّ يتقدَّمُ ثمَّ يُسْهل فيقومُ فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلةَ ثم يدعو ويرفعُ يديه ويقومُ طويلاً، ثمَّ يرْمي الوسطى، ثم يأخُذُ ذات الشمال فيُسهلُ ويقوم مستقبلَ القِبْلة،ثم يدعو ويرفعُ يديه ويقومُ طويلاً، ثمَّ يرمي جمرة ذاتِ العقبةِ من بطن الوادي ولا يقفُ عنْدها، ثمَّ ينْصرفُ فيقولُ: هكذا رأَيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعلُهُ" رواه البخاريُّ.
الحديث دليل على مشروعية الرمي بسبع حصيات، واستحباب التكبير عند كل حصاة، والدعاء عند الجمرتين، ورفع يديه واستقبال القبلة. وعن سعد بن مالك - رضي الله عنه - قال: "رجعنا في الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضنا يقول: رميت بسبع حصيات، وبعضنا يقول: رميت بست حصيات فلم يعب بعضهم على بعض" رواه أحمد والنسائي.
729- وعنْهُ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهمَّ ارْحم المْحلِّقين" قالوا: والمقصِّرين يا رسول الله؟، قال في الثالثة: "والمُقصِّرين" مُتّفقٌ عَلَيه.
الحديث دليل على مشروعية الحلق والتقصير، وأن الحلق أفضل؛ وأما النساء فالمشروع في حقهن التقصير إجماعاً.
730- وعنْ عبدالله بن عمْرو بن العاص - رضي الله عنهما - أَن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقف في حجَّة الوداع فجعلوا يسْأَلونَهُ، فقال رجُلٌ: لمْ أَشْعرْ فحلقْتُ قبلَ أَنْ أَذْبح؟ قالَ: "اذبحْ ولا حَرَجَ" وَجَاءَ آخرُ فقالَ: لمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قبلَ أَن أَرْميَ؟ قال: "ارْم ولا حَرَجَ" فما سُئلَ يوْمئذٍ عنْ شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّر إلا قالَ: "افْعل ولا حَرَجَ" مُتّفقٌ عليه.
الوظائف على الحاج يوم النحر أربع: الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف، والحديث دليل على أنه يجوز تقديم بعض هذه الأشياء على بعض وتأخيرها، وأنه لا ضيق في ذلك ولا إثم، وأنه لا يجب على من فعل ذلك دم، وهو قول الجمهور، وقال بعضهم: هذا في الناسي والجاهل دون العامد لقول السائل: لم أشعر.
731- وعن المِسْوَر بن مَخْرَمَة - رضي الله عنه - "أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحَرَ قبْل أنْ يحْلقِ وأَمَرَ أَصحابَه بذلك" رواه البخاري.
الحديث دليل على مشروعية النحر قبل الحلق.
732- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رمَيْتُم وحلقْتُم فَقَدْ حَلَّ لكُمْ الطّيب وكلُّ شيءٍ إلا النِّساءَ" رواهُ أحمد وأَبو داود وفي إسناده ضَعْفٌ.
هذا هو التحلل الأول، والتحلل الثاني بعد الطواف، قال ابن عمر: "لم يحل النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر فأفاض إلى البيت ثم حل من كل شيء" متفق عليه، قال في سبل السلام: والظاهر أنه مجمع على حل الطيب وغيره إلا الوطء بعد الرمي. وإن لم يحلق قال في المقنع: ويحصل التحلل بالرمي وحده، وقال في المغني: وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء).
733- وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ليس على النّساءِ حَلّقٌ وإنما يُقصِّرْن" رواهُ أبو داود بإسْنَادٍ حَسَنٍ.
الحديث دليل على أن المشروع في حق النساء التقصير لا الحلق.
734- وعن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - "أَنَّ العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - استأذَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يبيتَ بمكّة ليالي منى من أَجل سقايته فأذنَ لـهُ" مُتّفقٌ عليه.
الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق إلا لمن له عذر.
735- وعنْ عَاصِم بن عَدِيٍّ - رضي الله عنه - "أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْخص لرُعاة الإبل في الْبَيْتوتَةِ عَنْ منِى يَرْمونَ يَومَ النَّحر ثمَّ يَرْمونَ الغَدَ ليومَيْن، ثمَّ يرمونَ يوْم النّفْر" رواهُ الخمسة وصحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ حبَّانَ.
لفظ رواية الترمذي: "رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما" قال مالك: ظننت أنه قال في الأول منها: "ثم يرمونه يوم النفر" وفي رواية لأبي داود والنسائي: "رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً" قال الشوكاني: أي يجوز لهم أن يرموا الأول من أيام التشريق، ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول، ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث، وفيه تفسير ثان وهو: أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون ذلك اليوم كما تقدم، وكلاهما جائز انتهى، قال الموفق: وإن أخر الرمي كله فرماه في آخر أيام التشريق أجزأه ويرتبه بنيته، وإن أخره عن أيام التشريق أو ترك المبيت بمنى في لياليها فعليه دم.
736- وعن أَبي بَكْرَة - رضي الله عنه - قال: "خَطَبَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوْم النَّحر" الحديث. متّفقٌ عليه.
الحديث دليل على مشروعية الخطبة يوم النحر.
737- وعن سَرَّاءَ بنْتِ نَبْهان - رضي الله عنها - قالت: خَطَبَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يوْمَ الرُّؤوسِ فقال: "أَليسَ هذا أَوْسطَ أَيَامِ التَّشريقِ؟" الحديث. رواه أبوداود بإسناد حسن.
يوم الرؤوس: هو ثاني يوم النحر. والحديث دليل على مشروعية الخطبة فيه.
738- وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهَا: "طوافُكِ بالبيتِ وبين الصّفَا والمروة يِكفِيك لحجِّكِ وعُمرتِكِ" رواهُ مسلمٌ.
الحديث دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد للحج والعمرة.
739- وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يرْمُل في السَّبْعِ الذي أَفاضَ فيه" رواه الخمسة إلا الترمذيَّ وصحَّحَهُ الحاكمُ.
الحديث دليل على أنه لا يشرع الرمل إلا في طواف القدوم.
740- وعن أَنس - رضي الله عنه - "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلى الظُّهر والْعصرَ والمغربَ والعِشاءَ ثمَّ رقَدَ رقْدَة بالمحَصَّب ثمَّ ركب إلى البيت فطاف به" رواهُ البخاريُّ.
كان ذلك يوم النفر الآخر، ثالث أيام التشريق.
741- وعنْ عائشة - رضي الله عنها - "أنّها لم تكن تفعلُ ذلك: أَي النُّزولَ بالأبْطَح، وتقُولُ: إنّما نزلـه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأنّهُ كان منزلاً أَسْمَحَ لخُرُوجِه" رواه مُسلمٌ.
اختلف العلماء في النزول بالأبطح؛ فمنهم من قال: هو سنة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزله، وقد فعله الخلفاء بعده، وقيل: ليس بسنة.
742- وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: "أُمرَ النّاسُ أن يكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبيت إلا أَنّهُ خُفِّفَ عن الحائض" مُتّفقٌ عليه.
الحديث دليل على وجوب طواف الوداع وبه قال الجمهور، ووقته من ثالث النحر، وفيه دليل على أنه لا يجب على الحائض ولا يلزمها بتركه دم.
743- وعن ابن الزُّبيْر - رضي الله عنهما - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةٌ في مسجِدِي هذا أَفضلُ من أَلفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرامَ، وصلاةٌ في المسجد الحرام أَفضلُ من صلاةٍ في مسّجدي هذا بمائَةِ صلاةٍ" رواهُ أَحْمدُ وصحَّحَهُ ابنُ حِبانَ.
الحديث دليل على أفضلية المسجدين على غيرهما من مساجد الأرض وعلى تفاضلهما فيما بينهما، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه
موقع / الألولكة
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/spotlight/1202/47823/#ixzz2fjUEeTcI
التعليقات