إشكال وجواب:

في الصحيحين من حديث ابن عمر ب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار»
فاختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في توجيه هذا الحديث مع ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من نفي الشؤم والطيرة والنهي عنهما، وهذه أقوالهم باختصار
1- قال بعضهم: إن الحديث ليس على ظاهره، وإنما هو إخبار عما كان عليه أهل الجاهلية؛ فعن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة ل، فقالا: إن أبا هريرة ت يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار». قال: فطارت شقّة منها في السماء وشِقّة في الأرض، قال السندي: شقة بكسر فتشديد، أي قطعة وهذه مبالغة في الغضب والغيظ. فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة»، ثم قرأت عائشة رضي الله عنها: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22]
2-وقال آخرون: بل الحديث على ظاهره وفيه إثبات للطيرة، ولكن لهذا توجيهه، وهو أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة، وبهذا يكون حصول الشؤم في هذه الأشياء لمن تطير بها دون من لم يتطير.
3- وقال آخرون: إن التطير منفي ولا وقوع له، ولكن لما كانت هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، أبيح لمن وقع في نفسه شيء نحوها أن يتركه ويستبدل به غيره؛ حتى يغلق باب التطير ويرتاح من تحديث نفسه بذلك.
4- وحمل بعضهم الشؤم على ظاهره، ولكن فسره بمعنى جرى قدر الله بوقوعه لدى بعض الناس، فيكون المسلم مأمورًا حينئذ بمجانبة ما يكره.
5- قال الخطابي ـ رحمه الله ـ: «معناه: إبطال مذهبهم في الطيرة بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحوها، إلا أنه يقول: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه ارتباطه، فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويبيع الفرس، وكان محل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه، وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره، وقد قيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد»
6-
وقيل: بل هو بيان أنه لو كانت الطيرة ثابتة لكانت في هذه الأشياء، لكنها غير ثابتة في هذه الأشياء، فلا ثبوت له أصلًا.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «وبالجملة فإخباره غ بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانًا مشؤومة على من قاربها وسكنها، وأعيانًا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدًا مباركًا يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدًا شرًّا مشؤومًا نذلا، يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية أو غيرها، فكذلك الدار والمرأة والفرس.
والله سبحانه خالق الخير والشر، والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودًا مباركة، ويقضي بسعادة من قارنها، وحصول اليمن له والبركة، ويخلق بعض ذلك نحوسًا يتنحس بها من قارنها، وكل ذلك بقضائه وقدره، كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة؛ فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة، ولذذ بها من قارنها من الناس، وخلق ضدها وجعلها سببًا لإيذاء من قارنها من الناس، والفرق بين هذين النوعين يُدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون، والطيرة الشركية لون آخر»(45).

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.