معالم القيادة و المهارات في حياة الرسول


صلى الله عليه و سلم

 

إعداد: الأستاذ صباطة بوعلام

 

إن مهارات التنمية البشرية من المواضيع الحديثة التي أهتم بها المعاصرون لتطوير الأداء وتحقيق الانجاز على أعلى المستويات....وسوف نتعرف الآن على بعض المهارات التي امتلكها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأستخدمها في خدمة الدعوة الإسلامية وهي تعتبر إحدى جوانب عظمة و تميز الشخصية...والتي لم تنل حقها من الدراسة والتحليل وكذلك هي محاولة للمدربين في هذا المجال بضرب الأمثلة العملية على هذه المهارات بشخص نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم التي تنبع من تراثنا الإسلامي الأصيل بدلا من استخدام أمثلة غربية وغريبة عن تراثنا و ديننا...
هل تساءلت يوماً كيف يمكنك أن تصبح شخصاً متمكناً من عمله، مؤثراً في أسرته، محبوباً بين أصدقائه، و فعالاً في مجتمعه؟
من منا لا يريد ذلك و لا يريد تحقيق النجاح في حياته و الرضا الداخلي عن نفسه؟
هل تعلم أنه لتحقيق ذلك ما عليك سوى أن تصبح شخصية قيادية تقود الآخرين و تؤثر فيهم بفعالية؟
هل تعلم أن في سيرة حبيبنا و رسولنا الكريم "محمد عليه افضل الصلاة والسلام" خير توجيه و تدريب عملي على النجاح ؟
القيادة عبارة عن اتجاه وموقف، و ليست منصبا إدارياً.
تعتمد القيادة الفعالة على توافر عدة مهارات قيادية، و نحن لا نولد قادة فعالين.
قد يوجد لدى البعض منا استعداد للقيادة وشخصية مؤثرة فيما يسمى "الكاريزما" و لكن تنمية المهارات الأساسية للقيادة تعتمد على تكوين السلوك القيادي الفعال؛ فالطريق إلى القيادة يبدأ
عن طريق التنمية الذاتية.
تعريف القيادة و القائد:
" القود " في اللغة نقيض " السوق " يقال : يقود الدابة من أمامها ويسوقها من خلفها وعليه فمكان القائد في المقدمة كالدليل والقدوة والمرشد .
القيادة: هي القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة. فهي إذن مسؤولية تجاه المجموعة المقودة للوصول إلى الأهداف المرسومة .
تعريف آخر: هي عملية تهدف إلى التأثير على سلوك الأفراد وتنسيق جهودهم لتحقيق أهداف معينة.
القائد : هو الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لإنجاز أهداف محددة .
أهمية القيادة:
لابد للمجتمعات البشرية من قيادة تنظم شؤونها وتقيم العدل بينها حتى لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعيين القائد في أقل التجمعات البشرية حين قال عليه الصلاة والسلام (( إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم )) ؛ رواه أبو داوود ، قال الخطابي : إنما أمر بذلك ليكون أمرهم جميعاً ولا يتفرق بهم الرأي ولا يقع بينهم الاختلاف . وقديماً قال القائد الفرنسي نابليون (( جيش من الأرانب يقوده أسد ، أفضل من جيش من أسود يقوده أرنب )) وعليه فأهمية القيادة تكمن في :-
1-  أنها حلقة الوصول بين العاملين وبين خطط المؤسسة وتصوراتها المستقبلية .

2-  أنها البوتقة التي تنصهر داخلها كافة المفاهيم والاستراتيجيات والسياسات .
3- تدعيم القوى الايجابية في المؤسسة وتقليص الجوانب السلبية قدر الإمكان .
4- السيطرة على مشكلات العمل وحلها ، وحسم الخلافات والترجيح بين الآراء .
5- تنمية وتدريب ورعاية الأفراد باعتبارهم أهم مورد للمؤسسة ، كما أن الأفراد يتخذون من القائد قدوة لهم .
6- مواكبة المتغيرات المحيطة وتوظيفها لخدمة المؤسسة .
7- أنها التي تسهل للمؤسسة تحقيق الأهداف المرسومة
فن و مهارات القيادة و كيف طبقها الرسول صلى الله عليه و سلم:
لكل فن من الفنون مهاراته، ولكل علم من العلوم أدواته، فسنحاول في هذا المحطة أن نبين مهارات القيادة، وأساليبها المتعددة.


ولاشك أن العلاقة بين المعالم والمهارات علاقة قوية؛ فالمعالم القيادية هي بمثابة الهيكل الأساسي لسفينة القيادة، أما المهارات فهي الوقود المحرك لهذا الهيكل والدافع له في سعيه نحو بلوغ الغاية.
وسنتناول في هذا المحطة ثلاث مهارات رئيسية لكل قائد؛ ألا وهي:
1. تكوين الرؤيا المستقبلية.
2. البحث عن الفرص وحل المشكلات.
3. توجيه الأتباع نحو الهدف وتحقيق الرؤية.
أولًا ـ تكوين الرؤيا المستقبلية:
إنها قدرة القائد على أن يرى فرصًا لا يراها غيره، وأن يحيل هذه الفرص من خيال لا تدركه أبصار الآخرين، إلى واقع لا يخطئه مبصر، إنها تلك الآمال التي تذكي الهمم، وتفجر الطاقات، وتلهب الحماسة، فتحيل حياة الناس حركة ودأبًا، وتسمو بنفوسهم إلى الغايات العلا.
ولما كان تكوين الرؤية المستقبلية وصياغتها من أهم مهارات القائد، صاغ لنا "نابليون بونابرت" مقولة رائعة تلخص ذلك المعنى في قوله: (لا يستطيع أحد أن يقود أفرادًا دون أن يقوم بتوضيح المستقبل الخاص بهم، فالقائد بائع الأمل).
ليتمَّنَّ الله هذا الأمر:
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة في صناعة هذا الأمل وبناء هذه الرؤية، بل ورسمها بصورة تعلق بالأذهان وتشحذ الهمم، وتذكي الطموح، فعندما جاءه خباب بن الأرت يشكو تعذيب قريش له ولضعفاء المسلمين.
فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم ليقوي من عزيمته، فذكر ما تعرض له السابقون من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، ثم رسم هذا الأمل في لوحة رائعة تصور انتصار الإسلام وتمكين الله له في كلمات موجزة؛ فقال: (والله ليتمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [رواه البخاري]، فما توقف النبي صلى الله عليه وسلم عند زرع البُشرى؛ كأن يقول: (إن الله سينصر هذا الدين)، بل انطلق صلى الله عليه وسلم يجسد صورة النصر بصورة واقعية يسير فيها الراكب في الصحراء المقفرة الموحشة بأمان تام.
وزارة المستقبل:
(ولأهمية تكوين هذه الرؤية المستقبلية، فإن دولة السويد أنشأت وزارة تابعة لرئيس الوزراء للاهتمام بالمستقبل، وذلك عام 1973م، كما أنه بلغ عدد المؤسسات المهتمة بالدراسات المستقبلية في أمريكا وحدها نحوًا من 600 مؤسسة، ويذكر بعضهم أن الدراسات المستقبلية تشكل حاليًا نحوًا من 415 مقررًا دراسيًّا موزعة على 18 ولاية أمريكية).
خارطة الطريق:
ولكي يبني القائد هذه الرؤية المستقبلية في نفوس أتباعه فعليه بعدة أمور؛ منها ما يلي:
1. رحلة إلى الماضي:
ربما يعجب البعض كيف ننظر في الماضي كي نبني المستقبل؟! أو ليس النظر في الماضي يدعونا للارتباط بتجارب وخبرات سلبية ربما حدثت فيه؟!ولكن العجب يزول حينما يجيب علينا الدكتور عبد الكريم بكار فيقول: (قبل أن يشرع الواحد منا في التخطيط لمستقبله عليه أن يفكر في مصير القرارات التي اتخذها منذ سنوات، بمعنى أننا قد لا نكون في حاجة إلى الحديث عن مزيد من الخطط وبلورة المزيد من القرارات، وإنما تكون حاجتنا الحقيقية إلى أن نفكر لماذا لم يتم تنفيذ القرارات الماضية؟
وقد عبر عن هذا المعنى أحد أساتذة علم الإدارة حين قال: ليس المهم ما سنتخذه من قرارات من أجل المستقبل، لكن المهم أن نفكر في مستقبل القرارات الحالية)، فليس شرطًا أن تكون الرؤية المستقبلية جديدة مبتكرة حتى تكون جيدة، ولكن ربما يكون ميقات عرضها وطريقة صياغتها، ووسيلة تطبيقها عوامل تساعد في نجاحها. وليست تلك هي الأهمية الوحيدة للنظر في الماضي، بل علينا أيضًا أن نأخذ من هذا الماضي العبرة والعظة، فننظر في أخبار السابقين، كيف انتصروا؟ ولماذا هُزموا؟ كيف نهضوا من كبوتهم؟ ولماذا وقعوا فيها أصلًا؟
لذلك جاء التوجيه القرآني في خاتمة سورة يوسف، وبعد سرد وقائعها وأحداثها، ليوضح لنا أهمية استكشاف الماضي؛ فقال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [يوسف: ١١١]، فهي ليست قصصًا وحكايات، بل فيها الهدى والرحمة، وفيها النجاح والفلاح لمن فهم المعنى ووعى المغزى.
2. لا تكن كالطرماح:
ويتسق مع استكشاف الماضي وسبر غواره، أن نعي الحاضر وعيًا عميقًا، فإن (الاهتمام بالمستقبل والعمل من أجل الغد، يجب أن يرتكز على قاعدة صلبة من معرفة الواقع؛ فالذي لا يعرف الظروف التي يعيش فيها والإمكانات التي يملكها والتحديات التي يواجهها لا يستطيع أن يخطط للمستقبل ولا أن يتعامل مع المعطيات القادمة)، فهناك حكمة تقول: (إن لم تكن تعرف أين تقف، فلن تعرف إلى أين أنت ذاهب؟!).
ولذلك تطالعنا قصة الشاعر العربي الطرماح بن حكيم الطائي بمعنى لطيف في ذلك السياق، فقد مر هذا الشاعر الشهير على الناس يومًا فقال: (اسألوني عن غريب اللغة وقد أحكمته كله)، وكان في ذلك صادقًا، فقال له رجل: (ما معنى الطرماح؟)، فلم يعرفه.
فكيف للقائد أن يبني رؤية مستقبلية ملهمة محفزة، وهو لا يدرك الحاضر الذي يحيى فيه، ولا يدرك واقع نفسه ولا واقع مجتمعه إدراكًا دقيقًا؟!
3. إلى أين أنت ذاهب؟
فبعد أن استكشفت الماضي فتعلمت من أخطائك، واعتبرت بمن سبقك، ثم نظرت إلى الحاضر، فحددت بدقة موضع قدمك الآن، لم يتبقَ إلا أن تحدد إلى أين تريد أن تذهب في المستقبل.(فقد أثبت ما لا يُحصى من التجارب أن إخفاق كثير من الناس في الوصول إلى ما يحبون الحصول عليه، لا يعود إلى ضعف في قدراتهم، أو إلى سوء الظروف التي يحيون فيها، وإنما يعود على نحو جوهري إلى أنهم يتصرفون بعفوية كاملة، ويتعاملون مع المستقبل بفوضى تامة، فهم لا يعرفون ماذا يريدون).
فإنك حين تحدد أهدافك بدقة فأنت تكتب أول فصول نجاحاتك القيادية، فحين يعرف القائد هدفه؛ فإن ذلك يكسبه حساسية مفرطة ضد الوقوع في الخطأ، كما يجعل بينه وبين مضيعة الوقت أو إهدار الموارد، أو الإهمال سدًّا منيعًا وحصنًا حصينًا.وماذا بعد الكلام؟
ومن خلال ما سبق، إليك بعض الأمور العملية التي تعينك على تكوين رؤيتك المستقبلية كقيادة:
1- ابحث عن بيئة هادئة منعزلة، على شاطئ البحر مثلًا، واستمتع بهذه البيئة الهادئة، وابتعد عن كل نشاط يومي ليمكنك ذلك من التأمل الجاد المثمر، وقم بتكرار هذه الجلسة الهادئة بصورة دورية.
2- اقرأ السير الذاتية للقادة الذين أثروا في تاريخ هذه البشرية، حدد لنفسك وقتًا يوميًّا لتقرأ في سيرهم، واجعل معك مفكرة صغيرة تكتب فيها الدروس المستفادة والعبر المستنبطة من ثنايا قصص هؤلاء القادة العظماء.
3- اقرأ في الكتب والمؤلفات التي تعينك على كيفية بناء هذه الرؤية المستقبلية، واسعَ إلى تطوير نفسك من خلال حضور بعض الندوات والدورات التي تساعدك في تكوين تلك الرؤى المستقبلية.

 

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.