ما تمس إليه الحاجة من أحكام الزكاة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فهذه بعض الأحكام الفقهية مما تمس إليه حاجة الناس إليه ويكثر سؤال الناس فيه .
أولاً : زكاة الأوراق النقدية .
وفيه مسائل :
الأولى : تجب الزكاة في الأوراق النقدية إلحاقاً لها بالذهب والفضة . وعلى هذا عامة العلماء المعاصرين .
المسألة الثانية : لا تجب الزكاة في الأوراق النقدية إلا بشروط منها : بلوغ النصاب ، و مضي الحول .
أما الشرط الأول : فإن نصاب الأوراق النقدية ملحقة بأقل النصابين وهو الفضة ، ونصاب الفضة ما جاء في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " .. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ " متفق عليه . وخمس الأواق تساوي مائتا درهم ، وهي تساوي (595جراما) خمسمائة ، وخمس وتسعون جراماً .
فتجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا بلغت قيمة نصاب الفضة ، والغالب في سعر جرام الفضة أنه يساوي ريالاً سعودياً ، وعليه فالنصاب بالريالات السعودية (خمسمائة ، وخمس وتسعون ريالاً ) .
الشرط الثاني : مضي الحول . لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول " وقد رواه عدد من الصحابة وصححه النووي ، وقواه ابن حجر ، وصححه من المعاصرين الألباني (3/258) .
فكل مبلغ من المال يدخل في ملك المسلم ، لا تجب فيه زكاة إلا إذا حال عليه الحول ، فإذا كان موظفاً ، فإن كل مبلغ يوفره من راتبه لا تجب فيه الزكاة إلا إذا حال عليه الحول .
وقد يقول بعض الناس : هذا صعب علي : في الحساب ، وفي الانشغال الشهري بإخراج الزكاة. والجواب : أن هذا هو الحد الواجب ، وإن شاء المسلم أن يعجل زكاته قبل تمام الحول فلا بأس ، فيجعل الزكاة مرة في السنة ، و يزكي كل ما عنده ما ملكه من سنة ، وملكه قبل شهر .
تنبيه : يخص بعض الناس رمضان لإخراج الزكاة ، و رمضان ليس له فضل في إخراج الزكاة حتى يعجلها إليه المزكي ، ولكن الناس ربطوا الزكاة برمضان حتى لا ينسوها ، فإذا كان الأمر كذلك فلا حرج إن شاء الله تعالى .
المسألة الثالثة : مقدار الزكاة في الأوراق النقدية والذهب والفضة : ربع العشر . أي (2.5%)
لحديث أَنَس أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ (..إلى أن قال ) وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا " أخرجه البخاري .
ثانياً : زكاة الحلي من الذهب والفضة .
اختلف العلماء في هذه المسألة والخلاف فيه قوي ، ولعل الأقرب إلى الدليل هو وجوب الزكاة في الذهب المعد للاستعمال ، وقد صدر في ذلك فتوى من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله . و من الأدلة على وجوب الزكاة في الحلي : حديث عبدالله بن عمرو بن العاص : " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتٌ لَهَا فِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ قَالَ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أخرجه أبوداود والترمذي بسند حسن .
ونصاب الذهب عشرون ديناراً ، وهو يساوي (85) خمس وثمانون جراماً .
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و فيه : " فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ يَعْنِي فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ قَالَ فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ أَوْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أبوداود بسند جيد وحسنه ابن حجر .
ثالثاً : زكاة عروض التجارة .
ومن أدلة وجوب الزكاة فيها أثر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " ليس في شيء من العروض زكاة إلا للتجارة " أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح .
وعنه أيضاً أنه قال : " ما كان من مال ، في رقيق ، أو دواب ، أو في بز للتجارة ، فإن فيه الزكاة في كل عام " أخرجه عبدالرزاق بسند صحيح .
وعروض التجارة هي : كل ما أعد للبيع والتجارة ، في العقار ، أو السيارات ، أو قطع الغيار ، أو المواد الغذائة ، أو بهيمة الأنعام ، أو غير ذلك . وبعض الناس ليس له نوع معين من التجارة ، فيبدأ بالعقار ، وينتقل إلى السيارات ، ثم إلى المواد الغذائية . وهكذا .
فكل هذا تجب فيه الزكاة ، والحول يبدأ من بداية قيامه بالتجارة ، وما زاد ونمى أثناء الحول فحوله حول أصله . فيبدأ مثلاً في أول السنة بعروض قيمتها مائة ألف ، وينتهي الحول بعروض قيمتها مائتا ألف ، فتجب الزكاة في نهاية الحول في جميع العروض .
مثال للتوضيح :
من عند محل لبيع المواد الغذائية ، أو لبيع أجهزة ، أو صيدلية ، فتجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول : فيحسب المعروض للبيع كله بقيمته عند إخراج الزكاة ، وليس بقيمة شرائه لها .
أما غير المعد للبيع فلا يحسب كأثاث المحل ، والهاتف ، والثلاجات ، وسيارات الشحن والتحميل. فهذا لا تجب فيه الزكاة .
فيحسب التاجر ما عنده في الرصيد ، وقيمة المعد للبيع فيخرج زكاتها جميعاً (2.5 % ) .
و زكاة العروض لا تكون من العروض نفسه ، وإنما تكون بإخراج قيمتها ، لأن المقصود منها هو القيمة .
رابعاً : المستحقون للزكاة .
المستحقون لها ثمانية أصناف : لقوله تعالى : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " ( التوبة 60) .
الصنف الأول والثاني : الفقراء والمساكين ، وهو من لا يجدون كفايتهم ، والفقير أشد حاجة من المسكين . فيعطى الفقير أو المسكين ما يكفيه ، وعائلتَه لمدة سنة .
أما الغني ، أو القوي الذي يستطيع الاكتساب فإنها لا تحل له . لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ " أخرجه النسائي وأحمد بسند صحيح .
الصنف الثالث : العاملون عليها . وهم الذين بعثهم الإمام لأخذ الزكاة من أهلها ، وحفظها وقسمها . فيعطى قدر أجرته منها ، وإن كان غنياً .
الصنف الرابع : المؤلفة قلوبهم . وهم ممن يرجى إسلامه ، أو يرجى بدفع الزكاة إليه قوةُ إيمانه .
الصنف الخامس : الرقاب . و الرقاب جمع رقبة ، و هو الرقيق المكاتب ، والمكاتب هو من اشترى نفسه من سيده . فهذا يعطى من الزكاة ما يوفي به سيده ليتحرر من الرق .
الصنف السادس : الغارمون . وهم نوعان :
الأول : من عليه دين لا يستطيع وفاءة ، فيجوز دفع الزكاة له ، ليوفي دينه . ويجوز أيضاً أن يعطى الدائن وفاءً عن المدين . فيحصل المقصود بذلك .
الثاني : من تحمل في ذمته لإصلاح ذات البين ، وإن كان من الأغنياء . فيعطى بقدر ما تحمل . جزاءً له على هذا العمل العظيم .
الصنف السابع : في سبيل الله . وهو الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .
فيعطى المجاهد من الزكاة ما يكفيه في الجهاد ، أو لشراء الأسلحة لقتال الكفار في الجهاد .
الصنف الثامن : ابن السبيل . وهو المسافر الذي انقطع به السفر ، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده .
خامساً : حكم إخراج الزكاة خارج البلاد .
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين ، واستدل القائلون بالمنع بحديث مُعَاذ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ " متفق عليه .
والقول الثاني هو الجواز ؛ لأن الأصل هو الجواز ، ولعموم قوله تعالى : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين .. الآيه وهي تعم كل فقير من المسلمين داخل البلاد أو خارجها . أما حديث معاذ ليس صريحا في تحريم إخراجها ، فنبقى على الأصل المتيقن وهو الجواز ، وهذا هو القول الراجح منهما .
وهنا أسئلة يكثر سؤال الناس عنها من غير ما مضى :
السؤال الأول : هل تجب الزكاة في الأراضي والبيوت والسيارات ؟
الجواب : لا تجب الزكاة فيها ، إلا إذا أعدت للتجارة بالبيع ، أما إذا لم تعد للتجارة فلا تجب فيها الزكاة . والدليل على عدم وجوب الزكاة هنا : أن الأصل عدم وجوب الزكاة إلا في الأموال التي أمر الشرع بالزكاة فيها ، والبيوت والأراضي والمزارع لم يرد فيها دليل على وجوب الزكاة فيها ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
أما إذا أعد الأرض أو البيت أو السيارة للبيع فتجب الزكاة فيها بعد مضي الحول ، ويبدأ حولها من حين عزمه على البيع .
أما الذي لم يعزم على البيع ، وإنما هو متردد ، ويفكر . فمثل هذا لا تجب عليه الزكاة .
وإذا أعد السيارة ، أو العمارة ، أو الأرض للأجرة ، فإن الزكاة لا تجب فيها ، وإنما تجب في الأجرة إذا حال عليه الحول .
السؤال الثاني : من له دين على آخر ، هل تجب عليه زكاته ؟
الجواب : فيه تفصيل ؛ إذا كان المدين معسراً ، أو كان قادراً على الوفاء لكنه مماطل لا يمكن تحصيل الدين منه ، فهذا لا تجب فيه الزكاة . لأن الزكاة في المال ، و لا مال في هذه الحال .
و إذا كان المدين يمكن تحصيل الدين منه ، فالزكاة فيه واجبة ؛ لأن القادر على تحصيل الدين في حكم من حصله .
و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كل دين ترجو أخذه ، فإنما عليك زكاته كلما حال عليه الحول ". أخرجه أبو عبيد في الأموال بسند صحيح .
السؤال الثالث : هل يجوز دفع الزكاة للأقارب ؟
الجواب : يجوز دفعها للأقارب ؛ لأنه لم يرد دليل في منع الأقارب منها ، بل جاء الحث عليها كما في حديث سلمان بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الصدقة على المسكين صدقة والصدقة على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة " أخرجه أحمد بسند صحيح .
وهذا مشروط بأن لا يسقط واجباً كالنفقة . أما إذا لم يسقط النفقة فدفعها للقريب جائز ، كالعم ، والخال ، وغيرهما . والزوجة يجوز لها دفع الزكاة لزوجها .
أما دفع الزكاة للأب أو الإبن أو الزوجة ، ففيه تفصيل : إذا كان في دفع الزكاة له إسقاط لواجب على المزكي كالنفقة ؛ فإنه لا يجوز دفع الزكاة لهم .
أما إذا لم يكن في دفع الزكاة لهؤلاء إسقاط النفقة فيجوز ، كدفع الزكاة للزوجة إذا كانت غارمة لإصلاح ذات البين ، أو دفعِها للأب إذا كان من العاملين عليها ، أو دفعها للإبن للجهاد في سبيل الله ، وشراء الأسلحة في الجهاد .
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
التعليقات