حاول أن تكسب والدك .. فطاعة الوالدين واجبة
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الفاضل، مشكلتي التي أقصها عليكم ليست لي بل لأخي ، أو لنقل لأزمة بين أبي وأخي .. فعائلتي عائلة محافظة جدا ، وقد بدأ أخي والحمد لله منذ حوالي العام في الالتزام بالصلاة في المسجد بالجماعة، وقد صار منذ ذلك الحين كثير الصلاة والتعبد، مع العلم أنه طالب يدرس، ولم يعارضه أبي كثيراً على ذلك.
الأزمة نشأت بين أبي وأخي عندما صار أبي يعتقد أن لأخي علاقة بتنظيمٍ إسلامي مشبوه، فصار يمنعه في كثير من الأحيان من الصلاة في المسجد الصلوات الخمس جماعة، وهو ما لا ينصاع له أخي دوماً، مما ولّد نوعاً من الفتور في علاقتهما .
فماذا تقول لأخي؟
أرجو الإجابة على سؤالي بوضوح، وجزاكم الله كل خير وفضل.
الإجابة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك أخي في الإسلام، أحييك على شجاعتك وحرصك على العلاقة بين أخيك ووالدك، وتفاخرك بعائلتك المحافظة، والتي نسأل الله تعالى جل جلاله أن يبارك فيها وفيك، وأن يكثر من أمثالك في المسلمين، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من عباده الرحماء الذين يحبون الخير لأهليهم والناس أجمعين .
وبخصوص ما ورد بسؤالك وطلبك، فأحب أن أبداً بالحديث مع والدك -حفظه الله ووفقه- فأقول: إلى الأب الفاضل، أسأل الله تعالى أن يبارك لك في أولادك، وأن يجعلهم قرة عين لك ولأهلك في الدنيا والآخرة، وألا يريك فيهم مكروهاً أبداً .
وبخصوص التعامل مع ولدك : فأنصح أن تستخدم الرفق واللين والإقناع؛ حتى يتفهم ولدك وجهة نظرك، ولا يخرج عن أمرك؛ لأن المنع بالقوة لا يؤدي إلا إلى مزيدٍ من النفرة والهروب والتحايل، وتكون بذلك قد أفسدت من حيث أردت أن تصلح، لذا أنصح بمزيد من التفاهم وشرح وجهة نظرك بهدوء ورحمة، وبيان ما في نفسك لولدك بكل أمانة وإخلاص وإقناع، حتى ولو لم يستجب لك، فعلى الأقل لن يقاطعك، وسيظل يحترم فيك أبوتك له وحرصك عليه، ولن تر منه ما يسؤوك، وهذا هو الذي ينبغي أن يكون، ولا تنس أن الشباب ثورة وطيش ومغامرة، فحاول أن تتعامل مع تلك الفترة الحرجة من سن ولدك بغاية الانتباه واليقظة مع اللطف والرحمة؛ حتى لا تدفع به من حيث لا تدري، إلى أن يرتمي في أحضان بعض الجماعات الغير سوية، والتي تحمل في عقيدتها ومنهجها ما يخالف هدى النبي صلى الله عليه وسلم .
وإلى ولدي الحبيب أقول:
ألم تسمع أيها المبارك إلى قول الحق جل جلاله: (( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))[لقمان:15]؟
ألم تسمع قوله تعالى: (( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ))[العنكبوت:8]؟
ألم تقرأ قوله سبحانه: (( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ))[الإسراء:23]؟
ألم تقرأ قصة الثلاثة الذي دخلوا الغار وانسد عليهم باب الغار، ولم ينجيهم مما هم فيه إلا صالح الأعمال، والتي كان على رأسها بر الوالدين؟
ألم يمر بك قول حبيبك صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة عاق لوالديه )؟
ألم تقرأ قول صلى الله عليه وسلم: (رضا الله من رضا الوالدين وسخط الله من سخطهما)؟
أعتقد أن هذه النصوص لم تخف عليك، وأنك حريص فعلاً على تطبيقها، ولكنك تقول إن الوالد لا يساعدني ولا يتفهم وجهة نظري، ويشك في قدرتي على التمييز بين الخير والشر، ويريد أن يمنعني من التعامل مع من كان سبباً في هدايتي واستقامتي، كل ذلك قد يكون حدث فعلاً ورغم ذلك أنت ما زلت وستظل مطالباً بالتعامل بالمعروف، والتواضع الشديد، والسمع والطاعة لوالديك حتى لو كانا على غير الإسلام .
لماذا لا تجلس مع والدك وتشرح له وجهة نظرك بهدوء وتواضع وإقناع ؟ لماذا لا تذهب معه إلى العلماء الثقات في بلادكم ليستمع منهم ما لا تستطيع أن توصله له؟ لماذا لا تحضر بعض هؤلاء الإخوة لمقابلة والدك ما دمت ترى أنك على الحق، وأن هذه الجماعة ليست جماعة سرية مشبوهة، وأنها على منهج أهل السنة والجماعة حقاً، وأنها لا تدعو إلى البدع المكفرة أو الضلالات المخالفة للشرع؟
وإذا حدث ذلك كله ولم يقتنع والدك، فيجب عليك أيضاً السمع له والطاعة، وعدم مقاطعته، والصبر عليه، واحتمال كلامه، وإرضائه بكل والوسائل الممكنة، ولا تنس أن تحضر له بعض المواد الدعوية التي تقرؤها وترى أنها تشرح وجهة نظرك، وإذا كنت داعية حقاً فلماذا لا تبدأ بدعوة والدك، وعرض هذه الدعوة عليه ما دامت حقاً ولا تتعارض مع منهج الإسلام الصافي وفهم السلف الصالح، حاول أن تكسب والدك، وأن تجتهد في رضاه، وأن تتأكد من أن هذه الجماعة ليست سرية ولا مشبوهة، وأنها تعمل في وضح النهار بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما أخبرنا الله جل جلاله .
مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد، والهداية إلى الصراط المستقيم، وبالله التوفيق.
التعليقات