إمام المسجد ودوره في تنمية وتطور المجتمع

 

الحمد لله حمداً كثيراً يوافي نعمه ، ويدفع عنا نقمه ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم - ، وبعد :

  في هذا المبحث الصغير سوف نبحث في دور إمام المسجد في تنمية المجتمع و تطوره من خلال عمله من المسجد ، وخارجه ، كعالم أو طالب ، فشخصية إمام المسجد لها أهمية كبرى في تنمية المجتمع ، وتطوره و ترشيده ، إذا ما تم استغلاله في بشكل صحيح ضمن ضوابط ، وأصول الشرع الحنيف .

 

إن إمام المسجد ليس عمله الرئيسي - على الرغم من أهميته – أداء الصلاة فقط ، بل هو أحد الموجهين الرئيسين في بناء المجتمع المسلم ، وتوجيهه سواء من خلال المنبر أو حلقات العلم ، والدروس الوعظية ، والمنهجية .   وعلى هذا فإن إمام المسجد له أدوار ومهام متعددة ربعته عليها الشريعة الإسلامية ليكون مشعلا من نور يضيء للمسلمين ولمن يريد النور دربهم في كل الأحوال والظروف ، فينمي المجتمع و يطوره ، فينشر فيه العلم و المعرفة والأمن والأمان .

 

       وهذا المبحث سوف نحاول تسليط الضوء على تلك الأدوار، والمهام لإمام المسجد لعلنا نساعد في صناعة الإمام الذي يستطيع المسلمين في العودة إلى صدارة العالم ، لنشر العلم ، والتطور والتنمية في عموم بقاء الأرض .

أولاً – الاهتمام بالعبادات و بيان مقاصدها لإمام المسجد :

إن المهمة الأولى لإمام المسجد هي تأدية الصلوات الراتبة والجمع والأعياد وغير ذلك ، وهو بهذا العمل العظيم يعتبر من معمري مساجد الله تعالى.

 

قال الله تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) } .[1]

إن عمارة المساجد لا تعني فقط تشييدها، وإقامة بنيانها بل العمارة تعني أيضا إقامة الصلاة ، و قراءة القرآن و الذكر و الدروس العلمية ، والمنهجية و أشباه ذلك ، فهذا هو المعنى الحقيقي للعمارة .

فما فائدة البناء الكبير والفخم إذا لم يكن هناك إمام صالح يعرف كيف يستغل هذا الصرح في بناء الإنسان المسلم وتنميته لكي يواجه كل صعوبات الحياة وفتنها وفق الشرع الحنيف وضوابطه المعتبرة .

 

ولعل من مهمة إمام المسجد التفرغ لشؤون المسجد بشكل تام بحيث لا يجوز له أن يعمل بالتجارة أو أمثالها بل عليه أن يتفرغ بشكل تام لذكر الله ، و إقامة الصلاة نشر العلم و الفضيلة بين الناس ، وهو ما بينه مفهوم الآية الكريمة ، بقوله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . [2]

 

إن المسلم يذهب إلى المسجد في اليوم والليلة خمس مرات على الأقل ، وهي فرصة كبيرة للإمام لترسيخ الأخلاق الإسلامية ، ومقاصدها ، وعقيدتها بين المصلين ، بحيث يسعى إلى ترسيخ العقيدة الإسلامية ، وإظهار صفاء الروح وخشوع الجوارح و طهارة النفس والبدن .

كما يجب على الإمام أن يسعى إلى تعميق روح التعاون و عرى التكافل بين المسلمين بحيث تنتشر الأخلاق الكريمة وتتزايد في ظل الإخاء والتسامح والتساوي.

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا و َقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . [3]

 

ثانياً – الارتقاء إمام المسجد بالعلوم الإسلامية :

       يجب على إمام المسجد الارتقاء بالعلوم الإسلامية ، القرآن الكريم وعلومه و السنة النبوية الشريفة واللغة وغير ذلك من العلوم بحيث يحول المسجد ومرافقه إلى مركز علمي يستقطب فيه أكبر شريحة من المسلمين على اختلاف أعمارهم ومراكزهم الاجتماعية والعلمية.

كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجلس في المسجد النبوي الشريف لتعليم المسلمين أمور دينهم حتى كان مجلسه تنافساً بين الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين – كلهم يبغي السبق إلى حضور هذا المجلس العلمي والظفر بالنهل من علومه الشريفة ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى الصبح انصرف إلى موضوع الأسطوانة التوبة حيث يتحلق حوله الصحابة الكرام حلقاً بعضها دون بعض ، وكان يعلمهم إلى طلوع الشمس .

كما الإمام مالك بن أنس وغيره من الأئمة و الدعاة – رضي الله عنهم – يتبعوا خطى الرسول – صلى الله عليه وسلم – في هذه السنة الشريفة فرضي الله تعالى على كل من ساعد ويساعد على إحياء هذه السنة العظيمة ، ونشرها في عموم أمصار وبلاد و قرى المسلمين .

 

وبفضل الله تعالى عندما كنت في بلاد الفلبين كنت أحرص على هذا السنة ، فأعلم القرآن من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس ، وكان لها الأثر الطيب جدا في نفوس الطلاب حتى تخرج على يدي – بفضل الله و رضوانه -  العشرات من الأئمة الذي يعلمون القرآن الكريم وينشرون سنة رسول الله – صلى الله عليه و سلم - في عموم بلاد الفلبين .

 

ومن هناك يجب أن يتنبه أئمة المساجد و الوزارات المعنية أن المسجد لم يكن للصلاة فقط بل كان و يجب أن يكون مكاناً للتعليم ومدارسة القرآن الكريم وعلومه و علوم الحديث و الفقه ، و غير ذلك من علوم الشريعة الإسلامية .

 

ثالثاً – التربية الاجتماعية لإمام المسجد :

حري بإمام المسجد أن يقوم بدوره البناء في التربية الاجتماعية ، لأنه أحد أركان التوجيه والإشعاع في المجتمع ، ومنبر الهداية ، والإرشاد لجميع المسلمين على مختلف طبقاته وألوانه .

فعلى الإمام أن يسعى أن يجعل من المسجد مكتباً للخدمات الاجتماعية ، وجمع التبرعات ، ومساعدة الفقراء ، والمحتاجين إلى جانب أداء العبادات ، والدور العلمي .

 

إن وحدة المجتمع الإسلامي ، وتكاتفه وقوته مستمدة من أمور عدة ، لعل من أهمها عدم التفريق بين الأجناس والطبقات و الأعمار .

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . [4]

لذا أصبح هذا المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى فيه عضوا تداعى له ساء الجسد بالسهر و الحمى .

روى الإمام مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .[5]

 فيجب على إمام المسجد أن يسعى لذلك بكل أعماله تصرفاته الشخصية والشرعية والاجتماعية .

 

ولهذا بقيت المجتمعات المسلمة قوية متماسكة بالمقارنة مع غيرها مع المجتمعات غير المسلمة ، ففي ظل أي ظرف صعب أو فتنة نرى أن إمام المسجد يمثل ركن الأمان الذي يلجأ إليه أفراد المجتمع في كل أحوال و الأزمان لينهلوا منه العلم ، و المعرفة و الأمن و الأمان .

 

رابعاً – التربية الإعلامية لإمام المسجد :

يستطيع إمام المسجد أن يوصل كثير من الحقائق ، و الأخبار إلى المسلمين ، وخصوصاً أن تلك الأخبار والمعلومات تعتبر ذات ثقة عالية ، لأنها تصدر عن إمام المسجد ، ولن تكون هناك وسيلة أقوى ، وأنجح من إمام المسجد ، لأن المسلم يرتاد المسجد في اليوم و الليلة خمس مرات على الأقل ، فيتلقى الرسالة الإعلامية بكل سهولة و يسر من هذا الإمام الذي يصلي خلفه و يحضر دروسه يشارك بكثير من نشاطاته الاجتماعية و العلمية ، فيصبح ما بينهما المرسل ( الإمام ) والمرسل إليه ( مرتاد المسجد ) ثقة خاصة ليس لها مثيل في أي من المجتمعات  غير المسلمة .

فكلما جد أمر يستدعي إطلاع المجتمع عليه أو أخذ رأيه نودي أن الصلاة جامعة ، فيجتمع المسلمون بالمسجد ، ويتم عرض الأمر الذي نودي من أجله على الناس إن إعلاماً أو توجيهياً او غير ذلك.

 

وهكذا يتبين لنا الدور الإعلامي لإمام المسجد في المجتمع المسلم ، وهو دور له أهميته البنائية و العلاجية و الوقائية للمجتمع المسلم المتحصن بحملة كتاب الله – عز وجل - وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم .

 

ومما سبق يتبين لنا أهمية دور إمام المسجد في بناء المجتمع ، ونشر العلم والأمن والأمان به إذا ما تم استغلال هذا المنصب الاستغلال الحسن ، والبناء والتكوين .

 

وأختم مقالتي هذه بقوله تعالى : { لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) } [6].

 


[1] - (سورة التوبة ، الآية 18).

[2] - ( سورة النور ، الآية 36 - 38) .

[3] - (سورة الحجرات ،الآية 13) .

[4] (سورة الحجرات ، الآية 13).

[5] - رواه الشيخان مسلم في صحيحه ، باب تراحم المؤمنين و تعاطفهم و تعاضهم ، ج4/ 1999 ، البخاري في صحيحه ، ج5/ 2238.

[6] - (سورة البقرة ، الآية 286) .

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.