آداب الهاتف الشرعية

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى صحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن: "الهاتف" (التلفون)، و"النداء" (البيجر)، والهاتف الجـوَّال" [(الموبايل)]، أصبحت تُكوِّن دوراً مهماً في الحياة: فهي أهم وسائل الاتِّصال الشفوية، وأسرعها، وتُعطي المتهاتفين فرصة الإيضاح بلا عناء مكاتبة، ونحوها. فكم فيها من توفير: الجهد، والوقت، والمال، وتلبية المطلوب بأقصر وقت، ورفع مشقة الذهاب، والإياب، بل والسفر، لأمور تُقضى بواسطة الهاتف (فللَّه الحمد على نعمه).

من هنا؛ صار التحلِّي بـ: "آداب الهاتف الشرعية"؛ عِمارةً للمدينةِ الفاضلة في الإسلام.

... وهذا سياق جملة صالحة منها:

الأدب الأول: صحة الرقم:

تأكد - أولاً - مِن صحة الرقم - قبل الاتِّصال -. فلا تتصل إلا بعد توفُّر أمرين: رقمٌ مكتوب أمام بصرك، أو متأكداً منه في ذاكرتك.

... فإن حصل خطأٌ؛ فتلطَّف بالاعتذار، وقل: معذرةً.

ويا أيها المتصَل بك !، لا تنفعِّل حينما يحصـل شيء من ذلك، فتحمَّله، ولا تُعنِّف، وقل: فضلاً: الرقم غلط.

الأدب الثاني: وقت الاتِّصال:

فعليك تحرِّي الوقت المناسب، مراعياً: ظروف العمل، وارتباطات أخيك، وما عليه من واجبات ومسؤولياتٍ، وما لدى أهل البيت من أوقات: نوم، وراحة، وطعام.

وإذا قيل: انتظر؛ فانتظر، وأنت مُنعَّم البال، غير مُتبرِّم.

وحكم مراعاة وقت الاتِّصال - هذا -: هو في غير الأماكن العامة؛ المفتوحة على مدار ساعات الليل والنهار.

الأدب الثالث: دقاتُ الاتِّصال:

التزم الاعتدال والوسط، بما يغلبُ على الظَّنِّ سماعُ منبِّه الهاتف. ولا تُحدُّ دقاتُ الاتِّصال - هنا -  بثلاثٍ؛ للحديث المتفق عليه، أن النبي قال: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يُؤذن له؛ فلينصرف"؛ للحديث الآخر؛ المبيِّن لِحِكمة الاستئذان، أن رسول الله قال:" إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر" البخاري.

وهذه غير واردةٍ في المهاتفة. لكن احذر الإفراط، والمبالغة؛ دفعاً لإيذاء المُهاتَفِ، ومن حوله، وإزعاجهم.

الأدب الرابع: مُدَّةُ الاتِّصال:

وميقاسُها: لكل مقام مقالٌ، ولكل مقالٍ مقدارٌ.

فاحذر الثرثرة والإملال، والإطالة والإثقال.

الأدب الخامس: السلام من المُتِّصل بدايةً ونهايةً:

المتِّصل هو القادم. فإذا رُفعت سماعة الهاتف؛ فبادر بالتحية الإسلامية: "السلام عليكم [ورحمة الله وبركاته]" - ويجب الجواب على سامعه -. فليقدِّم المهاتِفُ السلامَ على الكلام، ولا يسكت حتى يكلمه المتَّصلُ به.

ومما يُنهى عنه  - هنا -: هجر هذه التحية الإسلامية المباركة، والعدول عنها - إلى نحو: "صباح الخير"، "صباح النور"! -، المبادرة من المتهاتفين بلفظ: "ألو" (!)؛ فهي لفظة مولَّدة - فرنسيةُ المولد؛ يأباها اللسان العربي -، سكوت المتِّصل - إذا رُفعت "السماعة" - حتى يتكلم المتَّصَل به - وهذا فيه إخلال بالأدب من عِدَّة جهات، لا تخفى:

منها: مخالفــة الســنة في بدء المستأذن، والقـادم، بالسلام، [والمتِّصل في حكمهما].

ومنها: أن بعض من ضعُف أدبُهم، وضمُر إحساسُهم ولطفهم، يقصد الفحص، والتعرُّف - هل أنت موجود، أم لا؟ - فإذا رفعتَ السماعة، وقلت: "نعم"؛ عرف المراد، فوضعها!.. وهذا التَّفحُّص: من التخوُّن المرذول (قبَّح الله هذه الفِّعلة، وقبَّح فاعِليها، وحسابُهم على الله عزَّ وجلَّ -.

إذا أجابك صاحبُ الهاتف، وقال: من المتكلم؟. فقل: فلان الفلاني، أو بما يُعرِّف شخصك عنده. واحذر الجواب بما فيه تعمية، مثل: أنا.. أنا صديقه.. أنا جاره.. وهكذا.

ومن التعريف المبهم: [تعريف الناس بالكُنى].

واحذر أن تقع في طبع من يُحجم عن الإخبار باسمه - إذا لم يجد الشخص المراد -؛ ففي هذا: نقص في الأدب، واستصغار الآخرين، وإشغال لبال أهل الدار.. ومن أنت يا عظيم القدر في نفسه؟!.

الأدب السادس: ختمُ المهاتفة بالسلام:

كما بدأت المُهاتفة بتحية الإسلام، فأختمها كذلك بشعار الإسلام: "السلام".

فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله

: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس؛ فليُسلِّم. فإذا أراد أن يقوم؛ فليُسلِّم. فليست الأولى بأحق من الآخرة" أبو داود، [وانظر: "السلسلة الصحيحة" (رقم: 183) للألباني (رحمه الله تعالى)].

الأدب السابع: خفضُ الصَّوت:

إلزم الآداب العامة في المحادثة، والكلام: "خفض الصوت". فليكن صوتك في الهاتف: منخفضاً، مسموعاً،

 متوسط الأداء: لا مُزعجاً، ولا مُخافِتاً.

الأدب الثامن: الهاتف والمرأة:

وإن كان أحد المتهاتفين امرأة، فلتحذر: الخضوع بالقول، والاسترسال في الكلام مع الرجال الأجانب عنها - بل ومع محارمها، بما تُنكره الشريعة، وتأباه النفوس، ويُحدث في نفس السامع علاقة -، ورفع الصوت عن المعتاد، وتمطيط الكلام، وتحسينه، وتليينه، وترخيمه، وترقيقه، وتنغيمه بالنبرة الليِّنة، واللَّهجة الخاضعة. وهنا يتعين على "الرجل" - الراعي لأهل بيته - أن يُرتِّب أموره على الستر، والتَّصوُّن، وحفظ المحارم: فلا تكون المرأة هي أول من يُبادرُ إلى إجابة الهاتف - مع وجود أحد من الرجال -، ولا تُجيب في حالة غيابهم - في كل حال من الأحوال، بل حسبما يوجهها به ولي أمرها، بما يراه حسب الأحوال، والمقتضيات، وعليها السمع والطاعة في المعروف، ورعاية الأصلح، وترك المشاقّة -.

الأدب التاسع: الهاتف والمستفتي:

جميلةٌ طريقة ذلك المستفتي؛ الذي يتصل على المفتي، قائلاً: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لدي [أحسن الله إليك] سؤال، هو: ). وبعد نهاية المكالمة، يقول: (جزاكم الله خيراً، وأثابكم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). طريقةٌ مؤدبةٌ، مختصرةٌ، خاليةٌ من تطويل التحايا بلا طائل، وتُعطي الفرصة لسائل آخر.

الأدب العاشر: استعمال هاتف غيرك:

اجتهد ما استطعت: في ترك الاستعمال لهاتف غيرك.

فإن ألجأتك حاجةٌ؛ فاحذر استعمال هاتفه إلا بعد التَّلطف؛ باستئذانه.

الأدب الحادي عشر: تغريب لغة الهاتف:

اللغة العربية من شعائر الإسلام، والتكلُّم بها حفظ لشعائر الإسلام، فيجب حفظ هذه الشعيرة، وكف الدخولات عليها.

ولذا؛ فاحذر تلك الألفاظ المولّدة؛ التي يأباها اللسان العربي أشدَّ الإباء. والشريعة ناهيةٌ عما يُفسد لسان العرب، وعن التعلّق بلغة الكافرين، والأعجميين، وخلطها بلغة الضاد - لسان المسلمين -.

وإليك بضعة ألفاظ في حضارة العرب، وفيها غناء عما يقابلها في حضارة الغرب، والعجم:

 

اللفظ العربي

اللفظ الأعجمي

الهاتف (أوالمسرة)

التلفون

النداء

البيجر

[ الهاتف الجوَّال]

[الموبايل]

  راسل (أو لاقط)، (أو فقس)

فاكس

جهاز التَّنصُّت

جهاز التَّصنُّت

ابدأ بلفظ: "السلام عليكم"

لا بلفظ: ألو، هلو

 هذه:

جملةٌ من: آداب استعمال الهاتف: على المسلم التحل بها.

ومجموعة من: المناهي، والمحاذير: التي يجب اجتنابها.

وهي تدلُّ على غيرها - مما لم يذكر -.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.