فضل عشر ذي الحجة وأحكام الحج

 من رحمة الله - تعالى - بالأمة تتابُع مواسم الخيرات؛ من أجْل رفع الدرجات، وتكفير السيئات، وارتباط الناس بربهم دائمًا؛ إذ العبادة ليست محصورةً في وقتٍ معين؛ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، قال سالم بن عبدالله ومجاهد والحسن وقتادة - رحمهم الله -: "أي: الموت".

 
قال ابن رجب - رحمه الله -: "وما من موسمٍ من المواسم الفاضلة إلا ولله - تعالى - فيه وظيفةٌ من وظائف طاعاته يتقرب بها إليه، ولله فيها لطيفةٌ من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب بها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من النفحات".
 
الأدلة على فضل عشر ذي الحجة:
عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهن أحبُّ إلى الله منه في هذه الأيام العشر))، قالوا: "ولا الجهاد في سبيل الله؟"، قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء)).
 
تعليق على الحديث:
قال بعض أهل العلم: "إن العشر الأولى من ذي الحجة أفضلُ أيام السنة على الإطلاق".
 
حالنا والحديث:
فضيلة هذه العشر جاءت من عدة أمور:
1- أن الله - تعالى - أقسم بها: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، قال ذلك ابن عباس وابن الزبير ومجاهد: "أنها عشر ذي الحجة"، وقال ابن كثير: "وهو الصحيح".
2- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شهد أنها أفضل أيام الدنيا، كما تقدم.
3- أن فيها يوم عرفة ويوم النحر.
4- أن فيها الأضحية والحج.
قال ابن حجر - رحمه الله -: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره".
 
وظائف عشر ذي الحجة:
1- الصياميسنُّ للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة؛ عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر وخميسين".
 
2- التكبيريسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر، وإظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات... إلخ، يجهر به الرجلُ، وتُسِرُّ به المرأة؛ لقوله - تعالى -: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28]، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "الأيام المعلومات عشر ذي الحجة"، وقد ثبت عن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أنهما "كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر، فيكبِّرانِ ويكبر الناس بتكبيرهما".
 
التكبير سنة مهجورة:
في الحديث: ((من أحيا سنةً من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا)).
 
3- أداء العمرة والحج: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
 
فرض الحج:
حكمه واجب على الفور للمستطيع.
من المستطيع؟!
ينبغي المسارعة إلى الحج قبل وقوع عائق أو نحوه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تعجَّلوا إلى الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له))، وحديث: ((من أراد الحج فليستعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتَعْرِضُ الحاجة))، وقال عمر - رضي الله عنه -: "لقد هممتُ أن أبعث رجالاً إلى الأمصار، فينظروا كل من كانت له جِدَةٌ فلم يحج، فيضربوا عليه الجزية؛ ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".
 
فضل الحج:
للحج فضائلُ كثيرةٌ، منها:
1- يهدم ما كان قبله؛ كما في سؤال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبايعه.
2- ((من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيومَ ولدتْه أمه))، الرفث: قال الأزهري - رحمه الله -: "هي كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة"، الفسوق: المعاصي. 
قال ابن حجر - رحمه الله -: وظاهر الحديث غفران الصغائر، والكبائر، والشبهات.
3- قال - صلى الله عليه وسلم -: ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، والحج المبرور: هو أن يرجع زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، كما قال ذلك الحسن البصري - رحمه الله.
 
صفة الحج والعمرة:
1- يُحرم الحاج من الميقات، ثم يلبِّي حتى يصل إلى البيت الحرام.
2- ثم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود، ويسن في هذا الطواف - وهو أول طواف يأتي به القادم - شيئان:
* الاضطباع في جميع الأشواط.
* الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط[1].
فإن أقيمت الصلاة أثناء الطواف، بدأ بعدها من موضعه الذي وقف فيه، على الأظهر من قولي العلماء.
3- ثم يسوي رداءه بعد الفراغ من الطواف، ويصلي ركعتين خلف المقام.
4- يشرب من ماء زمزم إن تيسر له.
6- يسعى بين الصفا والمروة.
7- ينبغي للنساء عدمُ مزاحمة الرجال بتقبيل الحجر، أو الرمي، أو الطواف.
فيحلق إلا إذا كان متمتعًا فإنه يقصِّر؛ لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه - رضي الله عنهم - بذلك، وحتى من أراد الأضحية يقصر.
 
محظورات الإحرام:
1- إزالة شعر الرأس بحلقٍ أو غيره، والحلق به القلع أو النتف أو نحوه.
2- إزالة الظفر.
3- استعمال الطِّيب في بدنه أو ثيابه، أو المأكول أو المشروب.
4- لبس القفازين.
5- المباشرة بشهوة، سواء القبلة، أو الغمز، أو الوطء دون الفرج.
 
ففدية هذه الأشياء على التخيير، وهي فدية الأذى:
أ- صيام ثلاثة أيام. 
ب- إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. 
جـ- ذبح شاة. 
هذا إذا فعلها متعمدًا.
 
6- الجماع في الفرج، إن كان قبل التحلل الأول فَسَدَ نسكه، ووجب المضي فيه، وعليه بدنة، والقضاء من العام القادم.
7- عقد النكاح: "لا ينكح المحرم ولا ينكح".
8- قتل صيد البر المتوحش؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وعليه جزية، وهي: ذبح شاة يفرقها على فقراء الحرم، أو يقومه بطعامٍ يفرقه على فقراء الحرم، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.
9- تغطية الرأس بملاصق[2]
10- لبس المخيط[3].
11- تغطية الوجه على أية صفة كانت، إلا المرأة إن مرَّ بها رجالٌ أجانب.
 
صفة الحج إذا كان اليوم الثامن:
1- يسمى اليوم الثامن من ذي الحجة يوم (التروية).
2- في وقت الضحى من هذا اليوم يُحرِم الحاج من المكان الذي هو نازلٌ فيه، حيث ينوي أداء مناسك الحج، وقبل التلبية.
3- يغتسل المتمتع ويتنظف، ويقص أظافره، ويحف شاربه، ويحلق عانته، ويلبس الإزار والرداء الأبيضين، أما المرأة فتلبس ما شاءت غير النقاب والبرقع والقفازين، وأما القارن والمفرد فيكون عليهما الإحرام من قبل، فلا يفعلان كما يفعل المتمتع من قصٍّ وغيره.
4- بعد ذلك من السنة على كل حاجٍّ تغطية كتفه بعد لبس الإحرام.
5- ثم يلبي ويقول: "لبيك حجًّا"[4].
6- إن كان خائفًا من عائقٍ يمنعه من إتمام حجه، يشترط فيقول: "إن حبسني حابسٌ، فمحلي حيث حبستني" وإن لم يكن خائفًا لم يشترطْ.
7- بعدما ينوي الحج يجب عليه أن يتجنب محظورات الإحرام.
8- ثم يكثر من التلبية، وهي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ولا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة في اليوم العاشر[5].
9- وينطلق إلى منًى، ثم يلبي حيث يصلِّي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية منها إلى ركعتين "قصرًا".
10- لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحافظ على شيء من السنن الرواتب في السفر، إلا سنة الفجر والوتر.
11- وعليه أن يحافظ على الأذكار التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاصة أذكار الصباح والمساء والنوم وغيرها.
12- ثم يبيت في منى هذه الليلة.
 
أعمال اليوم التاسع (يوم عرفة):
1- إذا صلى الفجر، وطلعت عليه الشمس، انطلق إلى عرفة وهو يلبي ويكبِّر.
2- يكره صيام هذا اليوم للحاج، ووقف النبي - صلى الله عليه وسلم - مفطرًا، حيث أُرسل إليه بقدح لبن فشربه.
3- من السنة النزول إلى نمرة إن أمكن.
4- ثم تكون هنالكَ خطبةٌ، وبعدها يصلي الظهر والعصر جمع تقديم، ركعتين ركعتين، بأذانٍ واحدٍ وإقامتين.
5- ثم يدخل عرفة، ويتأكد أنه داخل حدودها؛ لأن وادي عُرَنة ليس من عرفة.
6- ويتفرغ للذِّكر والتضرع إلى الله - عز وجل - والدعاء بخشوع وحضور قلب.
7- عرفة كلها موقف، وإن تيسر له أن يجعلَ جبل الرحمة بينه وبين القبلة كان أفضل.
8- ليس من السنة صعود جبل الرحمة. 
9- أثناء الدعاء يستقبل القبلة رافعًا يديه يدعو بخشوع وحضور قلب حتى الغروب.
10- ويكثر من قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
11- ويكثر من الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
12- لا يخرج من عرفة إلا بعد غروب الشمس.
13- بعد الغروب ينطلق الحاج إلى مزدلفة بهدوء وسكينه، وإذا وجد متسعًا أسرع.
14- حين يصلي المغرب والعشاء جمعًا "المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين".
15- ثم ينام حتى الفجر، أما الضعفاء والنساء والأطفال، فيجوز لهم الذهاب إلى منى بعد منتصف الليل.
 
أعمال اليوم العاشر (يوم النحر (العيد)): 
1- لا بد من صلاة الفجر لجميع الحجاج، إلا الضعفاء والنساء.
2- بعد صلاة الفجر تستقبل القبلة، "فتحمد الله وتكبر وتهلل، وتدعو الله حتى يسفر الجو جدًّا، ويبدأ التكبير المقيد بعد الظهر".
3- ثم تنطلق قبل طلوع الشمس إلى منى ملبيًا وعليك السكينة.
4- إذا مررت بوادي "محسر" تسرع إن أمكن.
5- تلتقط سبع حصيات من أي مكان من طريق مزدلفة أو من منى.
 
ثم عليك ما يلي:
1- رمي جمرة العقبة: ترمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات، واحدةٌ بعد الأخرى، وتكبِّر مع كلِّ حصاة.
2- ذبح الهدي: تذبح الهدي، وتأكل منه، وتوزِّعه على الفقراء "وهو واجب على المتمتع والقارن فقط، أما المفرد فلا".
3- حلق الرأس أو تقصيره: ثم تحلق أو تقصر مع تعميم الرأس كله، والحلق أفضل "مبتدئًا باليمين"، والمرأة:تقصر قدر أنملة" وهي طرف الإصبع، وبذلك تتحلَّل التحلل الأول، فتلبس ثيابك وتتطيب، ويحل لك جميع محظورات الإحرام إلا النساء، علمًا أنه يحصل التحلل الأول من فعل اثنين من ثلاثة أفعال (الرمي - الحلق - الطواف).
4- طواف الإفاضة: بعد ذلك تذهب إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة "بدون رمل للرجل"، وتصلِّي ركعتي الطواف.
5- السعي: ثم تسعى، والسعي على المتمتع، وكذلك على القارن والمفرد الذي لم يسعَ في طواف القدوم، وبذلك تتحلل التحلل الكامل.
6- إن قدَّم الحاج بعض هذه الأمور على بعض، فلا حرج.
7- وتشرب من ماء زمزم، وتصلي الظهر في مكة إن أمكن.
8- ثم عليك المبيت بمنى باقي الليالي.
9- ورمي جمرات اليومين (الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر لغير المستعجل).
10- تطوف طواف الوداع، ثم بعد ذلك تنتهي أعمالُ حجك.
تقبَّل الله منا ومنكم، والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]
     وهو إسراع المشي مع مقاربة الخطى من غير وثبٍ.
[2]     وهذه للرجال. 
[3]     وهذه للرجال. 
[4]     وهو ما يسمى الإهلال بالحج.
[5]     وهو يوم النحر (يوم عيد الأضحى المبارك).

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.