من أحكام العشر من ذي الحجة

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

أما بعد:

فاعلموا عباد الله أنه خلال الأسبوع القادم تبدأ عشر ذي الحجة التي قال فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام أعظم ولا أحبُّ إلى الله العملُ فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))، فينبغي للمسلم استغلال هذه الأيام بالعمل الصالح من صيام وصدقة وتسبيح وتهليل وتحميد وذكر ودعاء وإحياء سنة التكبير التي كادت أن تموت في المجامع والأسواق.

 

والتكبير على نوعين مطلق ومقيد.

والمطلق يبدأ من ثبوت دخول هلال ذي الحجة إما بتمام ذي القعدة ثلاثين يوماً أو بإعلان دخول هلال ذي الحجة ويستمر سائر الوقت من ليل أو نهار وينتهي على الصحيح بنهاية أيام التشريق وقيل ينتهي بصلاة العيد من يوم النحر.

 

والمقيد يبدأ من صلاة فجر يوم عرفة لغير الحاج و للحاج من ظهر يوم العيد إلى عصر أخر أيام التشريق لأنه يوم عرفة وليلة العيد مشغول بالتلبية وهي أولى من التكبير.

 

والمطلق يشرع في كل وقت لكن لا يكبر أدبار الصلوات إلا بعد التسبيح والتهليل ويحرص على المجامع والأسواق وأمكنة اجتماع الناس لكن لا يرفع الصوت بالذكر في العشر ولا في غيرها في المقابر وأثناء حمل الجنازة.

 

والمقيد بعد الصلاة بعد الاستغفار ثلاثاً وقبل التسبيح والتهليل.

 

وصفة التكبير المطلق والمقيد أن يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وإن قال الله أكبر الله أكبر اله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد فحسن.

وإن زاد الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله وسلم على نبينا محمد فلا بأس.

 

والتكبير مشروع للرجال والنساء الصغار والكبار لكن لا ترفع النساء صوتها إذا كانت عند غير محارمها وكذا لا يسوغ التكبير الجماعي إذ لم يثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم.

 

إخواتي في الله ومما يشرع في هذه العشر المباركات صيامهن حتى اليوم التاسع فإن لم يتيسر فصيام اليوم التاسع لما ثبت أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده لكن لا يشرع صيامه للحاج لأنه مشغول بالطاعة في عرفة والفطر أقوى له على العبادة ومما يشرع في هذه العشر الأضاحي.

 

وهنا أنبه على أمور هامة منها:

1- من أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بشرته شيئا من حين دخول العشر حتى ذبح أضحيته بيده أو بيد وكيله أما من سيضحي عنه الأهل والذرية فلا يمنعون من ذلك مثال. إذا كان الأب سيضحي عن نفسه وأهل بيته من زوجة وأبناء وبنات فالأب هو الذي لا يأخذ من شعره وظفره وبشرته أما الزوجة والأبناء والبنات فلا حرج أن يأخذوا ما اعتادوا أن يأخذوه ما لم يكن محرماً فيمنع في العشر وفي غيرها.

 

2- لا يسوغ الاشتراك في الأضحية بين اثنين فأكثر فمثلا لو قال شخصان لا نستطيع أن نضحي كل بمفرده وجمعا فلوسهما واشتريا أضحية واحدة وضحيا بها فلا يجوز ذلك ومثله لو أن شخصان عنده مجموعة وصايا وجمعها في أضحية واحدة لأشخاص مختلفين فلا يجوز لكن لو كان شخص له عدة روافد مالية وجمعها الوصي في أضحية واحدة أو أكثر لهذا الميت فلا بأس.

 

3- الأصل في شرعية الأضحية أنها للحيٍ وأُلحق به الميت وأما ما يفعله كثير من الناس من أنهم يضحون للأموات ويتركون أنفسهم فهذا خلاف السنة.

 

4- بعض الناس عنده وصايا للأموات لكن يتساهل في تنفيذها توفيراً لأموالهم ويتبرع من عنده لوالديه أو أحدهما ولا ينفذ الوصية وهذا لا يجوز بل يجب تنفيذ الوصية وإن أردت الزيادة بالتبرع لقريبك فأنت مأجور - إن شاء الله - لكن لابد من تنفيذ الوصية.

 

5- كثيراً مايسأل الناس ليلة الثلاثين من ذي القعدة هل يأخذون من شعرهم وأظفارهم فنقول ما لم يثبت دخول الشهر بتمام ذي القعدة أو إعلان ثبوت ذي الحجة فلا حرج في الأخذ من الشعر والظفر.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصَّفات: 102- 105].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين وأشهد أن لا إله إلا الله مالك يوم الدين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.

 

أما بعد:

فمما ينبغي أن ينبه عليه اتماماً لما سبق ما يأتي:

1- إذا مضى من العشر يومان أو ثلاثة وأخذ المسلم من شعره وظفره ثم طرأ له أن يضحي فليمسك بعد نيته ولا حرج فيما سبق - إن شاء لله -.

2- من أخذ من شعره وظفره وهو ناوٍ أن يضحي فلا يمنعه ذلك من الأضحية ولا يؤثر عليها خلافاً لما يفهمه بعض العامة لكن هذا الشخص يأثم بما حصل منه.

3- لو احتاج المسلم لأخذ شعرة أو ظفر انكسر أوغير ذلك فلا حرج عليه.

4- لا أثر للتوكيل في المنع من أخذ الشعر والظفر.

5- الأولى لمن سيحج ألا يضحي بل يكتفي بالهدي فإن عزم على الأضحية فلا يأخذ حال الإحرام من شعره لكن بعد أن يتم عمرته فله أن يحلق أو يقصر وكذلك يوم العيد له أن يحلق أو يقصر لأن هذا نسك من مناسك الحج.

6- للمرأة أن تذبح أضحيتها بنفسها وما يفهمه بعض العامة من منع المرأة من الذبح فهو غير صحيح.

 

إخوة الإيمان: من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم في هذه الأيام سفك دماء الأضاحي والهدي تقرباً لله تعالى فاجتهدوا في اختيار الأفضل والأزكى لحماً والأغلى قيمة عملاً بقوله الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92].

 

إخوتي في الله:

وأنا أعد هذه الخطبة أحضر لي أحد الإخوة صحيفة من الصحف المحلية التي تحمل مقالاً لكاتب مصري تهجم على إغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة وناقش بعض القضايا الشرعية وهو من أبعد الناس تخصصاً فيها وفهماً لها وإذا كُنا نعتب على الجريدة نشر مثل هذا المقال فإنا نحمد الله أن هذه البلاد تتميز بنعم عديدة وتعتبر قدوة للبلاد الإسلامية في كثير من الجوانب الشرعية ولا غرابة فهي تحتضن الحرمين الشريفين ومنبع الرسالة نسأل الله أن يزيد هذه البلاد تمسكاً بشرع الله وأن يوفق ولاة أمرها للهدى والرشاد وأن يجمع بهم كلمة المسلمين.

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد

اللهم انصر المجاهدين

اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين

اللهم ارحم هذا المجمع من المؤمنين

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.