الأئمة هم خط الدفاع الأول أمام الغزو الثقافي وبعدهم عن الشباب كارثة
الشيخ محمد زكريا عبدالرازق مساعد الأمين العام للدعوة بالأزهر في حواره مع "دليل المسجد"
يرى الشيخ محمد زكريا عبدالرازق، مساعد الأمين العام للدعوة بالأزهر، أن المسجد هو الرابطة الأقوى التي تجمع فئات المجتمع الإسلامي وتحقق تعارفهم وتآلفهم حتى يقوى العمل الإسلامي ككل ، كما يعتبر أن المسجد هو المكان الأنسب لنشر الدعوة الإسلامية وتعليم المسلمين أمور دينهم، لذلك رفع الله من قدره واختاره بيتا له، وكان رسوله الكريم يقضي وقته فيه متعبدا ويدير أمور دولته فيه، فكان في عهده المسجد هو الجامعة للتعليم ومركز القيادة للحروب.
وأضاف عبدالرازق أن إمام المسجد وخطيبه هما عماد المسجد ونبراسه وقوته، به يؤدي المسجد وظائفه الدينية والاجتماعية، وعليه فإذا تمتع الخطيب بالعلم وقوة الشخصية، ورجاحة المنطق والرأي والحلم بالمصلين وجماعة المسجد، وأهل الحي يعلمهم ويرشدهم ويقودهم إلى الخير والفضيلة، نجح المسجد في أداء دوره المفترض به، وإن لم ينجح انهارت مكانة المسجد وضعف الوازع الديني وتأثرت الدعوة .
وأكد في حواره مع "دليل المسجد" أن للإمام صفات يجب ألا نغفلها من حيث العلم والقدرة على تحمل أعباء وظيفة المسجد ونشر الدعوة وتثقيف جماعة المسجد، وتوجيههم تربويا بالحكمة والموعظة الحسنة.
في البداية، ما تعريفك للمسجد وكيف ترى دوره الآن ببلاد العالم الإسلامي؟
المسجد هو المؤسسة الثابتة في الإسلام، وهو الرابطة الدينية والاجتماعية التي توثق الصلة وتحقق التعارف بين فئات المجتمع المسلم، وتجمع شتات الجميع تربويا وتوجيهيا ودعويا، ويعتبر المكان الأنسب لنشر الدعوة الإسلامية وتعليم المسلمين أمور دينهم، لذلك رفع الله من قدره واختاره بيتا له.
وبالنسبة لدوره في دول العالم الإسلامي فقد تراجع كثيرا خلال العقود التالية للحرب العالمية الثانية ونشأة ما يسمى بنظام القطبين "أمريكا والاتحاد السوفيتي" ثم القطب الأوحد الآن، وما تعانيه الدول الإسلامية من انهيار أخلاقي وقيمي واجتماعي زرعته بين جنباته جحافل المستعمرين، لتستبدل غزوها المسلح الذي سارت عليه الشعوب بغزو ثقافي وقيمي وقع معظم شبابنا في براثنه إلا من رحم ربي، فأضحى المسجد مكان للغرباء.
برأيك، هذا التراجع من يتحمل مسئوليته بيننا؟
الجميع يتحمل المسئولية، وأولهم بالطبع الأئمة والخطباء الذين اكتفوا بدور الموظف والمؤدي دون محاولة لمسايرة التطورات الحديثة والعولمة لدرء الشبهات والرد على المستشرقين، وغيرهم ممن يشككون في دين الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
فالإمام والخطيب هما عماد المسجد وقوته، به يؤدي رسالته في نشر الدعوة وتوعية المجتمع وتبصير الناس بأمور دينهم، ويحذرهم من الفتن والمهالك، وبعد أئمتنا عن أحوال الناس خصوصا فئة الشباب، تسبب في الأزمة التي نعانيها الآن حتى باتت بعض الدول الإسلامية تتصدر دول المنطقة في عدد حالات الإلحاد والانتحار.
لكنك بذلك تحمل الأئمة كل المسئولية؟
لم أقل ذلك لكنني أعتبرهم المسئول الأول، فالمفترض بهم أن يكونوا هم خط الدفاع الأول كالجندي في المعركة، ففي صدر الإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام والخطيب ثم الخلفاء الراشدون ثم الأمراء وهكذا، وهذا يدل على أنه يجب أن يكون متولي الإمام في مكانة عليا وبالتالي عليه مسئولية جسيمة، فإذا كان الخطيب ضعيف العلم والشخصية أو سيئ الخلق والسلوك فإنه يضر ولا ينفع أكثر من جيوش الأعداء.
فبعض الأئمة يكتفي بساعات وربما دقائق قليلة يجهز فيها خطبة الجمعة، فيخرج للناس كما يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله بخطبة لا تحصل في القلب إيمانا بالله ولا توحيدا له، ولا معرفة خاصة به ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه.
بماذا إذن تنصح الأئمة والدعاة ليصلحوا من حال الدعوة وأنفسهم؟
عليهم أولا إخلاص العمل لله حتى يكون مؤيدا منصورا مقبولا ومحبوبا عند الله وعند الناس، فالأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ومن تزين بما ليس فيه شانه الله .
كما يجب عليه أن يكون عالما مفوها ملما بأمور دينه مدنيته، على خلق، وحافظا لكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى استعداده لربط الأحداث الجارية بقصص الأنبياء والصحابة، لتبيان عظيم خلق السابقين وشمولية الدين الإسلامية، وهو ما يعني تفقهه في الدين والعقيدة والشريعة وبالأخص فقه العبادات.
هل من موضوعات معينة تنصح الإمام بالتعمق فيها لدعم ثقافته الشخصية والمهنية؟
أنصحه بقراءة كل ما تقع عليه عينه، لا أكاد أتخيل أحد أئمة المساجد الآن وليس بمنزله مكتبة شاملة عن الإسلام والعقيدة والفكر والفلسفة والمنطق والعلوم الاجتماعية والسيرة النبوية، والتاريخ والجغرافيا، خصوصا تلك المناطق التي تعاني فيها الأقليات المسلمة الأمرين.
فالتعرف على مشكلات المسلمين وسردها في الخطبة يسهم في نشر قضيتهم والتعريف بها وبالتالي الضغط لحلها.
كما أن عليه متابعة كل وسائل الإعلام المتاحة أمامه من مسموعة أو مقروءة أو مرئية، والوقوف على مساوئها وإيجابياتها للتحذير من السيئ منها ونصح المتميز للاستمرار، خصوصا ونحن كما قلنا في وقت انفتاح ثقافي ومعرفي مرعب، وغزو فكري مقيت لشبابنا وعلينا جميعا مواجهته بداية بالطبع من المسجد وإمامه.
بماذا ننصح خطيب الجمعة؟
الخطبة القصيرة الجامعة المانعة تنفع عن الخطبة العنترية المليئة بالألفاظ الغريبة والتشنجات اللفظية التي تنفر ولا تجمع جماعة المسجد، فما عرف عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة أنها كانت قصيرة، فقد "روى مسلم في صحيحه عن واصل بن حبان قال: قال أبو واتل: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست ( أي أطلت قليلا ) فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا " .
وفي حديث آخر .. روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا . .
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء .
أما الآن فالعكس تماما هو ما يحدث، فالخطباء يطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة بالمخالفة للسنة.
التعليقات