اليأس من الشيطان .. وما أصابك لم يكن ليخطئك
السؤال:
"أشعر برغبة في الموت وأكره الحياة ومحبط ويائس لدرجة قدج تصل بي للكفر والعياذ بالله" .. هذا هو ملخص 27 عاما من حياتي ، التي قضيت منها 24 عاما بلا أب يحنو علي بعد وفاة والدي وعمري ثلاث سنوات، وقد تزوجت أمي وكان زوجها لا يحبني على الإطلاق، وعرضني لأبشع درجات الإهانة وإهدار الكرامة، رغم أنني لم أسبب له أي إزعاج طوال حياتي، الغريب في الأمر كان رد فعل أسرتي .. التي كانت تكتفي بالضحك علي ، من كبيرهم إلى صغيرهم.
أطمئنك أنني لا أكن لأي منهم بغضا أو عداوة، لكنني ضقت ذرعا بهذه الأجواء ولا أستشطع العيش فيها.
وكأن المصائب لا تأتي فرادى، جاءت أزمة بحثي عن عمل لتزيد الأمور سوءا، فكوني أحمل شهادة ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وهو مؤهل يجد عقبة في الوظائف، وقف كحجر عثرة أمام أي فرصة لي في إيجاد وظيفة، رغم أنني تقدمت لجهات عديدة وأيضاً على الإنترنت، ولكن دون جدوى، والحمد لله على كل حال، وفي هذه الأيام أجد لدي نوعاً من الإحباط الشديد لدرجة اليأس، وأخاف أن يصل بي إلى درجة الكفر، وأشعر أيضاً بعدم الرغبة في الحياة نهائياً، وأتمنى أن يتوفاني الله مما أنا فيه، ولا أدري لماذا كل هذا؟ وهذا يؤثر على عدم الحفاظ على الصلاة في وقتها وفي المسجد.
أرجوكم إخوتي أن ترشدوني إلى الطريق الصحيح، وأن توجدوا لي الحل والخلاص من هذا المرض المميت. أرجوكم.
الإجابة:
أخي السائل، ثق في معية الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه) فتكون هذه المعية بالمحبة والنصرة والتوفيق من الله تعالى.
إجعل ثقتك بالله كبيرة، (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك)، وأن مع العسر يسرا، ومع الضيق يأتي الفرج بإذن الله تعالى.
أخي الكريم ، عليك بالتالي:
1- حاول أن تصبر على أذى الآخرين، فإن فيه الأجر الكبير، (والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).
2- اعمل على استثمار وقتك، فأنت الآن في مرحلة الشباب، وفي فترة الفراغ، فحاول أن توزع وقتك بين العمل والعبادة، والراحة والترفيه الهادف، والاستمتاع بالطيبات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك).
3- حاول أن تحافظ على صلاة الجماعة في وقتها، فإنها مفتاح الفرج، وإذا أردت أن تزول حالات الملل واليأس فاعمل لنفسك برنامجاً تسير عليه، وبإذن الله تعالى سترتاح ويطمئن قلبك، ويهدأ بالك .
4- اجعل وقتاً مخصصاً لقراءة القرآن وتلاوته، وذكر الله تعالى .
5- أشغل نفسك بالمطالعة الهادفة .
6- ضع لنفسك برنامجاً للنزهة في الحدائق العامة.
7- ضع برنامجاً خاصاً بالرياضة المتنوعة، بما في ذلك السباحة، وركوب الخيل.
7- ضع برنامجاً للسفر المباح .
وفقك الله يا أخي لكل خير .
وبعد استشارة المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم أفاد بالتالي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أود أولاً أن أؤكد لك أن هذه السوداوية والتشاؤم الذي سيطر على تفكيرك نسبة لظروف حياتية ربما يكون فيها نوع من السلبية، يمكن تغييره واستبداله بتفكير إيجابي يجعلك تتكيف مع الحياة بصورة فعالة وأكثر تفائلاً.
ثانياً: الحمد لله أنت الآن تبلغ 27 عاماً، وعليه فإنك تتمتع بدرجة عالية من النضوج العقلي والوجداني، والنفسي والاجتماعي، ويمثل هذا ركيزة أساسية لانطلاقك الإيجابي، كم هو جميل أن أسمع منك أنك لا تعادي من عاملوك بقسوة، وأرجو أن تستمر في الإحسان إليهم، وبكل تجرد ومصداقية، وسوف تجد نفسك إن شاء الله قد انتصرت في نهاية الأمر، نحن نثق في أحكامك على أهلك، وأرجو أن لا تكون هنالك أي قسوة في أحكامك عليهم، وأن تكون قد أوفيتهم حقهم، ومن الأمثل بالنسبة لنا كمعالجين أن نستمع لرأيهم؛ لأن ذلك يعود بالنفع عليك وعليهم .
أنت محتاجٌ لأن تعيش حاضرك بقوة وواقعية وصبر، وتنظر لمستقبلك بأمل ورجاء، أرجو أن تطرق أبواب العمل، ولا تدع اليأس يتملكك أبداً، وسوف تجد بإذن الله العمل الذي يناسبك، ولا شك أن الحالة الاكتئابية التي تمر بها تقلل من كفائتك النفسية، ولكن التفكير الإيجابي سوف يساعدك على التغلب على ذلك .
قلت في سؤالك أنك تتمنى أن يتوفاك الله ونحن نقول لك يا أخي : إن الموت حق، ولكن المؤمن لا يتمناه، وأنت أفضل من كثير من الناس .
أرجو منك -يا أخي- أن تحافظ على الصلاة والذكر والدعاء، عسى الله أن يفرج كربك.
بالنسبة لمعاملة زوج والدتك : أرجو أن لا تأخذها بهذه السلبية المطلقة، فلا أعتقد أن لديه مصلحة في أن يكون عدواً لك، لكن من الجائز أن يكون هذا منهجه في المعاملة والتربية، ولكل إنسان أسلوبه، ولابد يا أخي أن نتعلم أن يساند بعضنا البعض فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه.
سيكون من المفيد جداً أن تشارك في نشاطات اجتماعية، وممارسة الرياضة، وحضور حلقات التلاوة، ففي هذه الأشياء تقوية وإصلاح للنفوس .
أود أن أنصحك بتناول بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، والتي أسأل من الله تعالى أن يجعلها سبباً في شفائك، من الأدوية التي هي قليلة التكلفة ومفيدة الدواء، ما يعرف باسم (طوفرانيل ) وجرعته هي 25 ملجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم 25 ملجرام صباحاً ومساءً لمدة شهر، ثم 25 ملجرام ثلاثة مرات في اليوم لمدة أربعة أشهر، هذا الدواء بسيط جداً وفعال، وغير إدماني .
نسأل الله لك عاجل الشفاء، والتوفيق والسداد وأن تتبدل سوداويتك إلى تفاؤل واستبشار وأمل في الحياة.
التعليقات