عمارة المساجد الحديثة .. حضارة غائبة وذوق مفقود
من عظمة الحضارة الإسلامية اهتمامها بالجمال والكمال ، بل تعاملت مع الجماليات في العمارة والإبداع الجمالي والإحساس به كنوع من الفطرة الإنسانية شكلت من خلاله بعد حضاريا أضفى عليها – الحضارة الإسلامية – رونقا لم تضاهيه معظم الحضارات التالية أو اللاحقة.
واليوم المتتبع لبناء المساجد في البلدان الإسلامية يجدها تفتقر للروح الجمالية وفنون العمارة الإسلامية ، ويتم بنائها بشكل تقليدي بعيدا عن الإبداع ، حتى أن كل المساجد التي تم بناؤها خلال العقدين الماضيين تغفل الأشكال المعمارية للمساجد التي كانت متبعة تاريخيا مثل الشكل المغربي، والأندلسي، والمصري، والسلجوقي، والهندي، والعثماني أيضا.
الفن الإسلامي في المساجد
بالعودة لبداية ظهور الإسلام، فقد انتشرت المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى شملت كل أجزاء الجزيرة العربية، وازداد انتشارها بفضل الفتوحات الإسلامية، وكانت العمارة مستمدة من فنون العمارة في العصور القديمة، وحينما تجاوز الإسلام حدود الجزيرة العربية منتشراً في المناطق التي كانت خاضعة لسيادة الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، ورث عن هاتين الإمبراطوريتين تقاليدهما المعمارية والعمرانية، التي كانت أصلاً ممتزجة بالتقاليد الفنية المحلية لمناطق نفوذهما، وطبقها على بناء المساجد .
المساجد القديمة وتقنيات البناء
وبما أن الفنون بصفة عامَّة مظهرًا مهمًّا من مظاهر الثقافة السائدة في المجتمع، بصفة خاصَّة كان الفنَّ الإسلامي يُعَدُّ من أنقى وأدقِّ صور التعبير عن الحضارة الإسلامية، والمساجد القديمة خير مثال ، وهو ما لم يَلْقَ من الدراسة والتحليل ما هو جدير به، وتم إهماله حتى وصلنا لما نحن عليه الآن.
تقنية القباب
ومن الإسهامات المعمارية القديمة في فن عمارة المساجد والتي هي مهملة الآن تقنية القباب والظاهرة جلية في مسجد السلطان أحمد في استانبول ، حيث برع المسلمون في تشييد القباب الضخمة، مثل: قبة الصخرة في بيت المقدس وقباب مساجد الأستانة والقاهرة والأندلس ، وقبَّة المسجد الجامع بالقيروان، ومسجد الزيتونة بتونس، والمسجد الجامع بقرطبة وكانت هذه القباب تعطي شكلاً جماليًّا رائعًا للمساجد، ويكفي أن تنظر إلى مسجد السلطان أحمد في إستانبول كمثال لهذا الجمال حتى تدرك عظمة الحضارة الإسلامية.
تقنية المقرنصات
التقنية المهملة الثانية هي تقنية المقرنصات والتي كانت من أبرز خصائص الفنِّ المعماري الإسلامي، وتعني الأجزاء المتدلِّيَة من السقف، والمقرنصات منها داخلية وخارجية: انتشرت الداخلية في المحاريب والسقوف، وكانت الخارجية في صحون المآذن وأبواب القصور والشرفات.
تقنية الصوتيات
أما تقنية الصوتيات المعمارية، فقد أهملها المعماريون الجدد تماما، وقد استخدم التقنيون المسلمون القدامى خاصية تركيز الصوت في المباني المقعرة والمجوفة لتركيز الصوت خاصة في المساجد الجامعة الكبيرة؛ لنقل وتقوية صوت الخطيب والإمام في أيام الجمعة والأعياد؛ مثال ذلك: مسجد أصفهان القديم، ومسجد العادلية في حلب، وبعض مساجد بغداد القديمة؛ حيث كان يُصَمَّمُ سقف المسجد وجدرانه على شكل سطوح مُقَعَّرَةٍ، موزَّعة في زوايا المسجد وأركانه بطريقة دقيقة؛ تضمن توزيع الصوت بانتظام على جميع الأرجاء.
تقنية العقود
والتقنية الأخيرة المهملة حاليا هي تقنية العقود والتي تتضح جليا في تصميمات المسجد الأموي، وعُمِّمَ استخدامه بعد ذلك؛ بحيث أصبح عنصرًا مميِّزًا للعمارة الإسلامية، وخاصَّة في بلاد المغرب والأندلس، ثم اقتبسه البناة الأوربيون، وأكثروا من استخدامه في بناء كنائسهم وأديرتهم.
مما سبق يتضح أن المدرسة الإسلامية هي مدرسة فنية متكاملة ضمّت أنواع الفنون جميعها، وأسهمت في بناء الحضارة الإنسانية، ويتبقى فقط للجيل الحالي محاولة دراستها والاقتداء بها.
التعليقات