الحج وإشاعة روح الأخوة بين الحجاج
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن موسم الحج مؤتمر المسلمين الأكبر، يجمع المسلمين من كافة أقطار الأرض، وهو فرصة لاجتماع الأمة وتقاربها، ومناقشة قضاياها المصيرية، وتعزيز علاقة الأخوة والترابط، وتعميق ثقافة الجسد الواحد، والمناصحة بينهم، في هذا الموقف الجليل من مواقف الأمة المسلمة، ويجب على الأمة أن تستثمر هذه المناسبة العظيمة لإصلاح واقعها في جميع جوانبه، وتعميق آصرة الأخوة بين أبنائها.
وإن ديننا الإسلام الحنيف يأمرنا بالاعتصام بحبل الله جميعاً، وينهانا عن التفرق، وقد شرع لنا الاجتماع والتعارف، والاتحاد والتآلف، فأمرنا بصلاة الجماعة في كل يوم وليلة خمس مرات، وفرض علينا اجتماعاً أعمَّ من ذلك في كل أسبوع لأداء صلاة الجمعة، وشرع لنا ما هو أشمل من ذلك في العيدين من كل عام، وكل هذه الاجتماعات التي دعانا إليها ديننا من شأنها أن تجمع أهل الحي وسكان البلد من أجل التواصل، والتواد وعدم التقاطع، ولتتفق الكلمة، وتتوثَّق الروابط، وتسود المحبة والوئام بين هذه المجتمعات الإسلامية.
ولم يكتف ديننا الإسلامي بذلك؛ بل شرع ما هو أعم وأشمل من هذا كلِّه فدعانا إلى اجتماع عالمي شامل، يجمع المسلمين من سائر أنحاء الدنيا على اختلاف أجناسهم، وتعدد لغاتهم، وتباين عاداتهم، وتباعد أقطارهم، يؤمُّون هذا البيت العتيق الذي شرَّفه الله وفضله، وجعله مثابةً للناس وأمناً؛ ليجتمعوا في هذه المشاعر المقدسة في صعيد واحد، متمسكين بملة واحدة، متبعين شريعة نبي واحد، بمظهر واحد، قد زالت عنهم فوارق الأجناس، وظهرت فيهم الأخوة الإيمانية، ملبِّين لربهم، خاضعين له، يرفعون أصواتهم بالتوحيد وإخلاص العبادة لله.
وحينما تتأمل شعائر الحج تجدها تدعو إلى محوِ فوارق اللون واللغةِ والجنس، ويتجلّى ذلك واضحاً في خطبته عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمُن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمُن أنفسكم"([2]).
ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض"([3]).
ويقول أيضاً: "يا أيها الناس: ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر؛ إلا بالتقوى".([4])
فكل هذه النصوص النبوية توجب إعطاء الحقوق إلى أهلها، وتبين أن الناس سواسية لا تفاضل بينهم بالإيمان والعمل الصالح. ([5])
فضائل الرفق بالحجيج وحب الخير لهم:
إن كثرة عدد الحجيج في كل عام، واختلاط الناس، مع اختلاف لغاتهم وطباعهم، وشدة زحام الموسم بالحجيج، يبين كثيرًا من أخلاق الإنسان في أوقات الشدة، وإنما سُمِّي السفر سفرًا لأنه يُسفِر ويكشف عن أخلاق الإنسان.
ولذا فإن من الأعمال المهمة في موسم الحج: الرحمة بالمسلمين والرفق بالحجيج، وحب الخير لهم، ففي وصف جابر رضي الله عنه لحجة النبي صلى الله عليه وسلم أكد على وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بالحجيج والشفقة بهم وإيصاء من معه بذلك، قال جابر: "وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ –يعني كفّها باللجام عن السرعة؛ حتى لا تؤذي الناس- حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ! السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ!»([6]) أي: الرفق الرفق، وعدم العجلة والتأني بالضعفاء، وعدم مقابلة الإساءة بمثلها، والإحسان إلى الحجيج، لأن العبد في هذه العبادة العظيمة يرجو فضل الله وثوابه، وهو مكلّف بالرفق في الزحام وعدم إيذاء إخوانه..
وعندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل في الدفع من مزدلفة: "أيها الناس: عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع"([7])، والإيضاع معناه الإسراع.
الإحسان إلى الناس من بر الحج:
إن الله تعالى قد رتّب أجرًا عظيمًا على الحج المبرور، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "... وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ"([8])، وإن من معاني البر في الحج: الإحسان إلى الناس، والدليل على ذلك ما صح من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «البر حُسن الخلق». ([9])
قال الإمام النووي رحمه الله: «قال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف والمبرّة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حُسن الخلق"([10])، وهذا يُحتاج إليه في الحج كثيراً، أعني معاملة الناس بالإحسان بالقول والفعل.
وفي المسند عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قالوا: وما بر الحج يا رسول الله؟ قال: إطعام الطعام وإفشاء السلام، وفي حديث آخر: "وطيب الكلام".([11])
وسئل سعيد بن جبير: أي الحج أفضل؟ قال: "من أطعم الطعام وكفَّ لسانه"، وقال الثوري: "سمعت أنه من بر الحج"، وفي مراسيل خالد بن معدان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصنع من يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه خصال ثلاثة: ورع يحجزه عما حرم الله، وحلم يضبط به جهله، وحسن صحابة لمن يصحب وإلا فلا حاجة لله بحجه".
ومن أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج ما وصّى به النبي- صلى الله عليه وسلم - أبا جري الهجيمي".([12])
وحديث أبي جري -هو جابر بن سُليم- الذي يشير إليه العلامة ابن رجب، فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه فقال: «لا تحقرن من المعروف شيئاً أن تأتيه، ولو أن تهب صلة الحبل، ولو أن تُفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك المسلم ووجهك بسط إليه، ولو أن تؤنس الوحشان بنفسك، ولو أن تهب الشسع، وإياك وإسبال الإزار، فإنه من المخيلة ولا يحبها الله.. ». ([13])
والمتأمل في هذا الحديث يجد أنه يحمل صورًا ونماذج عملية رائعة لبذل الخير ومحبة إخوانه المسلمين، وبذل الخير لهم، وفيه حثّ على بذل المعروف، وبيان أنه من مقاصد الحج، وباب من أبواب الحج المبرور، فلا ينبغي للحاج أن يحقر من المعروف شيئًا، ولو أن ينحّي الأذى من طريق الناس، ولو أن يلقى أخاه ووجهه إليه منطلق، فخير الناس أنفعهم للناس وأصبرهم على أذى الناس. ولقد أعد الله جنات عدن للذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس.
إن الحج رحلة إيمانية عميقة، فيه عبادات جليلة عظيمة، وذكريات عَبِقَة كريمة. وخير الحجيج أنفعهم لإخوانه المسلمين، وأصبرهم على أذى الناس، وأتقاهم لله تبارك وتعالى.
خطوات عملية لتعميق أواصر الأخوة الإيمانية في الحج:
1- تعميق الأخوة الإيمانية، والوحدة الإسلامية: فالحجاج يجتمعون على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأوطانهم وأعراقهم في مكان واحد وزمان، بمظهر واحد وهتاف واحد هو: الإيمان بالله تعالى، والامتثال لأمره والاجتناب لمعصيته، فتتعمق بذلك المحبة بينهم، فيكون ذلك دافعاً لهم إلى التعارف والتعاون والتفكير، والتناصح، وتبادل الخبرات والتجارب، ومشجعاً لهم للقيام بأمر هذا الدين الذي جمعهم، والعمل على الرفع من شأنه.
2- كظم الغيظ وترك الجدال والمخاصمة، قال الله عز وجل:{وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة: 197]، قال عطاء: والجدال: أن تجادل صاحبك حتى تغضبه ويغضبك([14])، والأظهر أن المراد بنفي الجدال في الآية نفي الجنس المراد به المبالغة في النهي عن الجدال المذموم فقط، وهو النزاع والمخاصمة في غير فائدة شرعية. ومن المعلم أن الجدال السياسي والفكري يؤدي إلى الشقاق والخصام، ويقسي القلب، ويحدث نفورًا بين الحجيج.
3- الحلم والرفق بالناس: لأن الحلم والرفق يؤثر في نفس الحاج، ويجعله أكثر استعدادًا لبذل الحب لإخوانه الحجيج، ويدعوه إلى تعلّم الخير وبذله، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159]، وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". ([15])
إن القسوة والغلظة والجفاء لا يأتي إلا بالنفور، لا سيما أثناء أداء مناسك الحج؛ حيث تعب الأسفار والتنقلات، وتعب الزحمات في كل مكان، وتعب الغربة والبعد عن الأهل والديار، وكل ذلك يستدعي الرفق بالحجاج وعدم التشديد عليهم.
4- الصبر وتحمل المشاق: لأن الحاج معرّض دائمًا للمعاناة النفسية والجسدية، الناجمة من اختلاف طباع الناس، أو من جهلهم بالأحكام، ومن ثم وقوعهم في المحظورات والمحرمات في مناسك الحج، وهذا الواقع يحتاج من الصبر والثبات والتحمل، حتى لا يصيبه الملل أو الكسل.
5- التواضع مع الناس: لأن النفوس جُبلت على حب من يتواضع معها بالتواصل، وكُرْه من يتكبر عليها ويتعالى، فالحاج يحتاج إلى خُلق التواضع في نسكه، فيرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعطف على المريض والضعيف، أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان عليه الصلاة والسلام أنموذجًا عمليًا لهذا الخُلق الكريم في موسم الحج.
6- استقبال الحجاج بالبشاشة والابتسامة: لأن طلاقة الوجه تبشّر بالخير وحسن الإصغاء والقبول، فعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي".([16])، وتبسمك أيها الحاج في وجه أخيك صدقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وتبسمك في وجه أخيك صدقة"([17]).
7- رفع الحرج عن الناس وعدم التضييق عليهم بالترهيب والتخويف: قد يقع بعض الحجيج في أخطاء بجهل، وهنا لا بد للحاج الذي يتبين له خطأ إخوانه ألا يعاجلهم بما يقنطهم، بل يدلهم على الصواب برفق ومودة، فقد كان عليه الصلاة والسلام سهلاً مرنًا في أيام الحج، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَهُوَ يُسْأَلُ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ. قَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ قَالَ: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ. ([18])
8- إنكار الذات والاندماج في المجموع: ففي الحج ينكر العبد ذاته، ويتجرد عما يستطيع أن يخص نفسه به، ويندمج مع إخوانه في الحجيج في اللباس والهتاف والتنقل والعمل، وهذا مما ينمّي ويقوّي أواصر الأخوة بين الحجيج، ويجعلهم أمة واحدة مترابطين في الله تعالى متحابين.
9- عدم إيذاء الحجيج: من سبل تعميق أواصر الأخوة بين المسلمين: عدم إيذاء الحجاج الآخرين ومزاحمتهم في الطواف والسعي ورمي الجمار بأي نوع من أنواع الإيذاء امتثالاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58]. فمن السنن الثابتة في الحج أنْ يتجَنَّب الحاج إيذاء الناس ومُزاحمتهم، وأنْ يتلّطَّف ويرْحم إخوانه الحجاج، وإن كل من يؤذي الحجيج ويخوفهم ويهدد أمنهم في البلد الأمين، فهو محارب لله ولرسوله ولعباده المؤمنين.
10- عدم الإلحاد في حرم الله تبارك وتعالى:
إن الله جل جلاله يعاقب من هم بالمعصية في بيته الحرام وإن لم يفعلها، كل المعاصي لا يعاقب عليها إلا بالفعل، إلا الإلحاد في الحرم، فمن هم فيه بسوء عاقبه الله، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، إن الله جعله حرما آمنًا، ليفد الناس إليه حجاجًا ومعتمرين فيجدوه حرمًا آمنًا، واحة سلام، ودار أمان كما أراده الله.
قال العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: "والإلحاد في اللغة أصله: الميل، والمراد بالإلحاد في الآية: أن يميل، ويحيد عن دين الله الذي شرعه، ويعم ذلك كل ميل وحيدة عن الدين، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً الكفر بالله، والشرك به في الحرم، وفعل شيء مما حرمه وترك شيء مما أوجبه.
ومن أعظم ذلك: انتهاك حرمات الحرم. وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك احتكار الطعام بمكة، وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان له فسطاطان: أحدهما: في طرف الحرم، والآخر: في طرف الحل، فإذا أراد أن يعاتب أهله، أو غلامه فعل ذلك في الفسطاط الذي ليس في الحرم، يرى أن مثل ذلك يدخل في الإلحاد فيه بظلم".([19])
وختامًا:
فإن من أبرز الدروس التي ينبغي للمسلم أن يتعلمها من مدرسة الحج: تحقيق الأخوة الإيمانية، فالحجاج لم يجتمعوا في هذه الرحلة المباركة لمصالح دنيوية، ولا لأمور شخصية، وإنما اجتمعوا على طاعة الرحمن؛ فينبغي للحاج أن يعرف لإخوانه حقهم، فيكرمهم، ويحسن إليهم، ويحلم عليهم، ويتجاوز عنهم، ويعين ضعيفهم، ويوقر كبيرهم، ويحرص على راحة إخوانه، ويحذر من أذيتهم أو مزاحمتهم، أو التضييق عليهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، ويتحمل أذاهم، ويصبر على بعض ما يصدر منهم من زحام، أو تصرفات مقصودة أو غير مقصودة، ويتعلم كذلك السخاء، والإنفاق، والبذل، وإطعام الجائع، ومساعدة الملهوف، وإعانة المحتاج؛ لأن الحج ينمِّي الأخوة الإسلامية من خلال الانتفاع المادي الذي قد يحققه الحاج خلال فترة حجه. ([20])
إن تحقيق مبدأ الأُخوة الإيمانية بين أبناء المسلمين يأتي عن طريق تكوين العلاقات الإيجابية بينهم في مختلف المجالات والميادين الحياتية التي يكون موسم الحج فرصةً عظيمةً يُمكن للحاج من خلالها أن يتعَّرف على إخوانه المسلمين القادمين من مشارق الأرض ومغاربها ، وأن يلتقي بهم ، ويجتمع معهم في جوٍ إيمانيٍ زاخرٍ بأعظم معاني الأخوة الإيمانية الصادقة التي لا فرق فيها بين عربيٍ ولا عجميٍ إلا بالتقوى . وإلى ذلك يُشير أحد الكُتاب بقوله: "ولا يوجد مظهر من مظاهر الأُخوة في أي دين إلا في الدين الإسلامي ، ويتعمق مفهوم الأُخوة الإسلامية أكثر وأكثر في الحج ، فالجميع يأتون من أقاصي الكرة الأرضية ، تختلف لغاتهم ، وتختلف عاداتهم وتقاليدهم ، ولكنهم يجمعهم الأخوة في الله ، والأُخوة في الدين ، والأُخوة في العقيدة ، يستقبلون بيت الله الحرام فيطوفون ويصلون ويسعون . ويقفون في عرفات يؤدون جميعاً مناسك الحج".([21])
فهل يستطيع المسلمون تحقيق هذه الأخوة في موسم الحج، نسأل الله أن يصلح أحوالنا، ويؤلف بين قلوبنا.
([2]) جزء من خطبة الوداع قال الألباني في تخريج فقه السيرة: "صحيح جاء سنده في أحاديث متفرقة وجزء كبير منه رواه مسلم"، وانظر سيرة ابن هشام (2/603).
([5]) الأخوة الإيمانية في الحج، مقال منشور على موقع الحج المبرور، على الرابط التالي: http://hajjmabror.com/view/1575
التعليقات