في حكم التخلف عن الصلوات
دلت النصوص الشرعية على أن إقامة الصلوات الخمس على أوقاتها في المساجد هي من أعظم العبادات، التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالي كما وردت نصوص أخرى عديدة تحذر من التخلف عن الصلوات, وتسم المتخلفين بالنفاق.
في فضل الصلاة في جماعة وعدم التخلف
فقد جاء "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ. قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ. قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي".(متفق عليه).
وأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات وأدائها في جماعة حتى في حال الخوف فقال:"وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ". (سورة النساء، الآية: 102).
كما جاء في فضل الصلاة في جماعة في المسجد وعدم التخلف عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: "من سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيثُ ينادى بهِنَّ؛ فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".(رواة مسلم).
في التحذير من التخلف عن الصلوات وتنازع العلماء
وقد جاء, إلى جانب هذا التذكير بهذا الفضل العظيم, التحذير والوعيد الشديد في حق من يتخلف عن الصلوات المكتوبات, "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".(متفق عليه).
قال الإمام النووي: هذا مما استدل به من قال الجماعة فرض عين، وهو مذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وابن خزيمة وداود .
وقد تنازع العلماء في كونها، واجبة على الأعيان، أو على الكفاية، أو سنة مؤكدة على النحو الآتي:
1- فرض عين، وهذا المنصوص عن الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف وفقهاء الحديث.
2- فرض كفاية، وهذا المرجح في مذهب الشافعي، وقول بعض أصحاب مالك وقول في مذهب أحمد.
3- سنة مؤكدة، وهذا هو المعروف عن أصحاب أبي حنيفة، وأكثر أصحاب مالك، وكثير من أصحاب الشافعي، ويذكر رواية عن أحمد.
4- فرض عين وشرط في صحة الصلاة، وهو قول طائفة من قدماء أصحاب أحمد وطائفة من السلف، واختاره ابن حزم وغيره، ويذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أحد قوليه، وعن تلميذه ابن القيم .
في وجوب صلاة الجماعة وحكاية الإجماع
ذكر الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة وحكم تاركها إجماع الصحابة على وجوب صلاة الجماعة، وذكر نصوصهم في ذلك، ثم قال: "فهذه نصوص الصحابة كما تراها: صحةً وشهرةً، وانتشاراً، ولم يجيء عن صحابي واحد خلاف ذلك، وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة، لو كان وحده، فكيف إذا تعاضدت وتظافرت، وبالله التوفيق".
وابن القيم ـ رحمة الله ـ ليس أول من حكى الإجماع، فقد حكاه قبله الإمام البغوي ـ رحمة الله ـ وَهُوَ من أئمة الشافعية , حيث قَالَ فِي شرح السُّنَّة: "اتفق أهل العلم على أنه لا رخصة في ترك الجماعة لأحد إلا من عذر".
وقال الترمذي – رحمه الله-: "وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له". وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد ولا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر"(سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب).
فالصحيح وُجوب صلاة الجماعة على غير أهل الأعذار لأحاديث كثيرة، منها ما جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر".(ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة). ومعنى لا صلاة له: أي لا صلاة كاملة بل ناقصة.
ومن الأدلة الدالة على وجوب حضور الجماعة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرخِّص له فيُصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة ؟ فقال: نعم. قال: فأجب. (رواة مسلم).
في وصف المتخلفين عن الصلوات
وقد وردت نصوص عديدة تصف حال المتخلفين عن الصلوات, ومن ذلك قول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه-: "لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلِم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهُدى، وإن من سنن الهُدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه". (رواة مسلم).
وعن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم- أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواده: "لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكوننَّ من الغافلين".(ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة).
وفي حديث أبي الدرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية، ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية“. قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة. (أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة).
في حال بعض السلف
قَال البكري فِي إعانة الطالبين: "وقد كان السلف يعدون فوات صلاة الجماعة مصيبة", وفاتت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما صلاة العشاء في الجماعة فصلى تلك الليلة حتى طلع الفجر جبراً لما فاته من صلاة العشاء في الجماعة (ذكره أبو نعيم فِي حلية الأولياء).
"وقال حاتم الأصم: فاتتني مرة صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لَعَزَّانِي أكثر من عشرة آلاف نفس، لأن مصيبة الدِّيْنِ عند الناس أهون من مصيبة الدنيا".(الزواجر عن ارتكاب الكبائر للهيتمي).
وروى ابن عساكر فِي تاريخ مدينة دمشق عن أبي سليمان الداراني قَالَ: أقمت عشرين سنة لم احتلم، فدخلت مكة فأحدثت فيها حدثاً، فما أصبحت حتى احتلمت! فقلت له: وأيش كان الحدث؟ قَالَ: فاتتني صلاة العشاء في جماعة.
التعليقات