الحكم إذا وجد الحرج في إفراد كل صلاة في وقتها
من شعائر الإسلام أن تقام الصلوات الخمس جماعة في المساجد وتعمر بذلك ولا تعطل. لكن قد توجد أعذار كالأمطار يشق معها تكرار السعي إلى المساجد؛ فمن تيسير الله تعالى أن شرع الجمع بين الصلوات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ترك الجمع، مع الصلاة في البيوت: بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين.
والصلاة جمعا في المساجد: أولى من الصلاة في البيوت مفرقة، باتفاق الأئمة الذين يُجوزون الجمع، كمالك والشافعي وأحمد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24 / 30).
فعلة الجمع هي الحفاظ على صلاة الجماعة عند ورود المشقة الطارئة، ورفع الحرج عن المصلين، كما نص على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ " رواه مسلم ( 705).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" لم يقل: إنه جمع بدون سبب، وإنّما قال: ( جمع بدون خوف، ولا مطر ) ..
فنفى هذين السببين؛ لأن هذين السببين يبيحان الجمع، فهو قد جمع بدون خوف ولا مطر، ولكن لسبب آخر، ما هو السبب؟ سئل ابن عباس رضي الله عنه لماذا جمع؟ فقال: ( أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ )، معنى "ألا يحرجها": أي: لا يوقعها في حرج.
فدل هذا على أنه إذا وجد الحرج في إفراد كل صلاة في وقتها، فإنه يجمع، وإن لم يوجد الحرج فإنه لا يجوز الجمع؛ لأن الله يقول: ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا )، والنبي عليه الصلاة والسلام بيّن المواقيت.
إذن نرجع إلى أن القول الثالث الوسط، وهو أن الجمع يجوز إذا كان فيه حرج ومشقة " انتهى من "شرح بلوغ المرام" (2 / 310).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (8 / 135):
" المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع، كالمطر، كسبا لثواب الجماعة، ورفقا بالناس، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.
فالعلة إذن للجمع هي تحقيق الجماعة مع رفع الحرج والمشقة؛ والقاعدة الثابتة عند أهل العلم أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" إذا علق الشارع حكما بسبب أو علة زال ذلك الحكم بزوالها... والشريعة مبنية على هذه القاعدة " انتهى من "إعلام الموقعين" (5 / 528 – 529).
وبناء على هذا؛ فإن المسبوق إذا دخل المسجد، فوجدهم قد انصرفوا من صلاتي الظهر والعصر جمعًا لأجل المطر:
- فإن كانت هناك جماعة أخرى في المسجد أو في مسجد آخر: فإنه يجمع معها؛ لأن علة الجمع متوفرة فيها.
التعليقات