حكم اعتياد وضع الكراسي آخر المسجد
من عجز عن القيام في الفرض صلى قاعدا، ومن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما وجعل السجود أخفض من الركوع.
والمصلي قاعدا يجلس على الأرض أو على الكرسي بحسب ما يتيسر له، وهو مدعو كغيره للمسابقة والمنافسة على الصف الأول، ولا يجوز لأحد أن يمنعه من ذلك، كما لا يجوز له أن ينفرد خلف الصف مع وجود متسع فيه.
و اعتياد وضع الكراسي آخر المسجد: عادة سيئة، وفيها حرمان القاعد من أجر الصفوف المتقدمة، ومخالفة للسنة الآمرة بإتمام الصف الأول فالأول، ومقاربة الصفوف.
روى البخاري (615) ، ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا .
وروى النسائي (811) ، وأبو داود (664) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا ، وَيَقُولُ : لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ) وَكَانَ يَقُولُ : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ " . وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
ورواه ابن ماجه (997) بلفظ : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ .
وروى أحمد (12352) ، وأبو داود (671) ، والنسائي (818) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ .
ولفظ أبي داود: أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال النووي رحمه الله: " اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب الصف الأول والحث عليه، وجاءت فيه أحاديث كثيرة في الصحيح، وعلى استحباب يمين الإمام، وسد الفرج في الصفوف، وإتمام الصف الأول ثم الذي يليه إلى آخرها، ولا يَشرع في صف حتى يتم ما قبله" انتهى من "المجموع" (4/ 301).
وروى أبو داود (667) ، والنسائي (815) عن أنس رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رَاصُّوا صُفُوفَكُمْ ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا ، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال السندي رحمه الله :"قَوْله (رَاصُّوا صُفُوفكُمْ) بِانْضِمَامِ بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض عَلَى السَّوَاء (وَقَارِبُوا بَيْنَهَا) أَيْ : اِجْعَلُوا مَا بَيْن صَفَّيْنِ مِنْ الْفَصْل قَلِيلًا ، بِحَيْثُ يَقْرَب بَعْض الصُّفُوف إِلَى بَعْض" انتهى .
وقال المناوي رحمه الله: "( وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم" انتهى من "فيض القدير" (4 / 7) .
وإذا كان وضع الكرسي يؤدي إلى إحداث فرجة في الصف، فينبغي أن يوضع في طرف الصف عن يمينه أو شماله، أو يكون وسط الصف مع الحرص على سد الفرج.
وقد روى أحمد (5724) ، وأبو داود (666) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا الصفوف ؛ فإنما تصفون كصفوف الملائكة ، حاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وإذا أمكن أن يوضع الكرسي في مكان من الصف ، لا يؤثر على من خلفه ، فذلك هو الأفضل ، وينبغي للمصلين أن يتعاونوا فيما بينهم على ذلك ، برفق ولين وحسن خلق وأدب ، وينبغي للمريض أن لا يمانع من ذلك ، فإن من الكلمات المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي كان يأمر بها عند تسوية الصفوف للصلاة : لينوا في أيدي إخوانكم رواه أحمد ، وأبو داود ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2721) .
قال الشوكاني :
" أي : إذا أمره من يسوي الصفوف بالإشارة بيده ، أن يستوي في الصف ، أو وضع يده على منكبه، فليستوِ .
وكذا إذا أراد أن يدخل في الصف ، فليوسع له " انتهى من "نيل الأوطار" (3/231).
وفي "مرقاة المفاتيح" (3/853) : "مَعْنَاهُ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الصَّفِّ ، وَأَمَرَهُ أَحَدٌ بِالِاسْتِوَاءِ، أَوْ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ : يَنْقَادُ ، وَلَا يَتَكَبَّرُ" انتهى .
وإذا تعذر ذلك ، فبالإمكان مفاداة قطع الصف ، أو الخلل في الصف الخلفي من الكرسي ، بأن يقدم الكرسي إلى الإمام قليلا ، بحيث يحاذي ظهر الكرسي ، صف المصلين الذي هو فيه ، كما هو حاصل مشاهد كثيرا .
ويتأكد ذلك ، إذا كان الجالس على الكرسي ، سوف يجلس عليه من أول صلاته ، أو في أكثر صلاته ، فإن وضع الكرسي بهذه الصورة : هو المتعين عليه ، وتحصل محاذاته لصفه بمنكبيه ، وبدنه ، وهو جالس على الكرسي ، وهذا هو الواجب عليه ، ولا عبرة بتقدم ركبتيه أو قدميه على الصف.
ووضع الكرسي بالصورة المذكورة : يتحقق به تمام الصف الذي هو فيه ، ولا يحصل به أذى ، ولا خلل في الصف المؤخر عنه .
والظاهر أنه يضع كذلك ، محاذيا ظهره للصف الذي هو فيه ، ولو كان يصلي بعض صلاته قائما ، وبعضها جالسا على كرسيه ؛ لئلا يحتاج إلى تحريكه في أثناء الصلاة ، وما يترتب عليه من الشغل والتشويش .
وإذا كان سيتقدم على الصف ، وهو واقف ، فهو معذور بذلك ، ويغتفر له تقدمه في بعض صلاته . ووضع الكرسي هكذا ، أفضل من وضعه مؤخرا ، من أول الصلاة ، لأنه سوف يترتب عليه أيضا : عدم المحاذاة ، في جميع الصلاة ، مع ما يحدثه من الخلل في الصف المؤخر .
وعلى كل حال ؛ فالذي ينبغي على المصلين جميعا : أن يتعاونوا على البر والتقوى ، ومن ذلك: تعاونهم على وصل الصفوف ، وإتمامها .
ومن ذلك أيضا : تعاونهم على هذه العادة السيئة ، التي انتشرت في بعض البلاد : وهي وضع كراسي ، أو مقاعد ثابتة ، في مؤخر المسجد ، يصلي عليها من يحتاج إلى الجلوس في صلاته ، فإنها منافية لأدب الشرع بإتمام الصفوف ، وإكمالها ، الأول فالأول . وآثارها السلبية وعيوبها كثيرة ، تعلم بالمشاهدة ، والنظر في أحوال الجالسين عليها ، في مؤخر المسجد.
التعليقات