حكم صلاة تحية المسجد في وقت النهي
من دخل المسجد قبل المغرب، فلا يشرع له تحية المسجد عند جمهور الفقهاء؛ لأن هذا وقت نهي، خلافا للشافعي رحمه الله فقد أجاز فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، وهو الأظهر.
قال ابن قدامة رحمه الله: "فأما قضاء السنن في سائر أوقات النهي، وفعل غيرها من الصلوات التي لها سبب، كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، وسجود التلاوة، فالمشهور في المذهب أنه لا يجوز. ذكره الخرقي في سجود التلاوة، وصلاة الكسوف.
وقال القاضي: في ذلك روايتان؛ أصحهما أنه لا يجوز. وهو قول أصحاب الرأي؛ لعموم النهي.
والثانية: يجوز. وهو قول الشافعي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين . متفق عليه. وقال في الكسوف: فإذا رأيتموهما فصلوا؛ وهذا خاص في هذه الصلاة، فيقدم على النهي العام في الصلاة كلها. ولأنها صلاة ذات سبب، فأشبهت ما ثبت جوازه.
ولنا: أن النهي للتحريم، والأمر للندب، وترك المحرم أولى من فعل المندوب.
وقولهم: إن الأمر خاص في الصلاة. قلنا: ولكنه عام في الوقت، والنهي خاص فيه، فيقدم.
ولا يصح القياس على القضاء بعد العصر؛ لأن حكم النهي فيه أخف، لما ذكرنا، ولا على قضاء الوتر بعد طلوع الفجر لذلك، ولأنه وقت له، بدليل حديث أبي بصرة، ولا على صلاة الجنازة لأنها فرض كفاية، ويُخاف على الميت، ولا على ركعتي الطواف، لأنهما تابعتان لما لا يمنع منه النهي.
مع أننا قد ذكرنا أن الصحيح أنه لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر. وكذلك لا ينبغي أن يركع للطواف فيها، ولا يعيد فيها جماعة.
وإذا منعت هذه الصلوات المتأكدة فيها؛ فغيرها أولى بالمنع، والله أعلم" انتهى.
وعلى هذا فمن دخل المسجد فلم يجلس، ولم يصل، خروجا من الخلاف، فلا حرج عليه، لا سيما إذا كان قد بقي وقت قليل على غروب الشمس، فإن هذا الوقت شديد الكراهة، كما روى مسلم (831) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، قال: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ.
فلا حرج لو صلى اتباعا للإمام الشافعي، أو جلس تبعا للجمهور، أو وقف احتياطا.
وهذا القول المذكور – الوقوف احتياطا، وخروجا من الخلاف - : حكاه الشيخ عبد الكريم الخضير، حفظه الله، عن بعض أهل العلم، غير معين. قال:
" وما زالت المسألة من عُضل المسائل، حتى قال جمع من أهل العلم: لا تدخل المسجد في أوقات النهي؛ لئلا تقع في الحرج؛ لأنك إن صليت عارضت حديث النهي، وحديث النهي صحيح، وإن جلست عارضت الأمر .. ، أو النهي عن الجلوس حتى تصلي ركعتين. قال بعضهم: لا تدخل في أوقات النهي؛ دفعاً لهذا الحرج.
وبعضهم قال: ادخل؛ لكن لا تجلس.
المسألة من عُضَل المسائل فيما قرره أهل العلم، ليست من السهولة بمكان؛ بحيث يدخل الإنسان قبل غروب الشمس بخمس دقائق، ويتنفل، ونفسه تطيب بهذا، ومرتاح وما كأنه خالف شيئاً!!
بعض أهل العلم يقول: لا تدخل في هذا الوقت؛ منعاً للحرج.
وبعضهم يقول: إذا دخلت لا تجلس" انتهى، من "شرح الورقات" – الشاملة - .
والحاصل:
أن الخلاف في المسألة قديم، ومعروف، وسائغ، بلا إشكال. والأدلة فيها محتملة، وليست قطعية على أحد القولين. وإن كان بعض أوقات النهي أشد من بعض، وهو الثلاث الساعات المذكورة في حديث واحد، فهذه يتأكد الاحتراز منها، وترك النوافل فيها مطلقا.
قال الشيخ عبد الكريم الخضير، حفظه الله:
" والذي أرجحه: أن أوقات النهي الموسعة الأمر فيه سعة، يعني إذا دخلت بعد صلاة الصبح تنفل، دخلت بعد صلاة العصر تنفل؛ لأنك مأمور بأن تتنفل، صحيح أنك منهي، لكن ليس مثل النهي عن الصلاة في الأوقات المضيقة؛ لأن النهي عن الصلاة في الأوقات الموسعة: قرر أهل العلم كابن عبد البر وابن رجب وغيرهم، أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين .. لئلا يسترسل الإنسان فيصلي في الأوقات المضيقة، فالنهي عن الصلاة فيها من باب منع الوسائل، والنهي عن الصلاة في الأوقات المضيقة الثلاثة، وهي أشد، النهي فيها أشد؛ لأن النهي فيها عن الصلاة وعن الدفن -دفن الأموات- بينما الوقتين الموسعين الأمر فيهما أوسع؛ وقد أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من قضى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح، مع أنه وقت نهي.
وقضى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر بعد صلاة العصر، فدل على أن الأمر فيه أوسع.
بينما إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع: هذا وقت ذروة بالنسبة للنهي، حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول أيضاً وقت ذروة، ومثله حين تتضيف الشمس للغروب، وهي أوقات قصيرة، يعني لا تزيد على ربع ساعة في المواطن الثلاثة، يعني الإنسان يتحرى في هذه الأوقات ولا يصلي." انتهى، من "شرح الوقات" – الشاملة -.
التعليقات