إبقاء الميت في المسجد ليصلي عليه أكثر من جماعة
صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ويستحب أن يجتمع لها الناس وأن يكثر عددهم ، كما يستحب التعجيل بها وعدم حبس الميت .
وذلك لما روى مسلم (948) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ فَقَال :َ يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ النَّاسِ ، قَالَ : فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدْ اجْتَمَعُوا لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَخْرِجُوهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ).
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويستحب المسارعة إلى تجهيزه إذا تيقن موته ، لأنه أصون له وأحفظ من أن يتغير وتصعب معاناته قال أحمد : كرامة الميت تعجيله وفيما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ] .
ولا بأس أن ينتظر بها مقدار ما يجتمع لها جماعة ، لما يؤمل من الدعاء له إذا صُلي عليه ، ما لم يُخَف عليه ، أو يشق على الناس . نص عليه أحمد" انتهى من " المغني " (3/366).
وحديث أبي داود ضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود ".
ومن أتى المسجد أو المصلى والجنازة لم ترفع : صلى عليها، ومن فاته ذلك صلى على القبر.
ولا يشرع تعمد إبقاء الميت حتى تأتي الجماعات للصلاة عليه ؛ لأنه عمل محدث، وفيه تأخير الميت ؛ والسنة التعجيل به .
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : "هل يجوز تأخير دفن الميت في قبره بحجة إتيان جماعة يصلون عليه ولو لمدة أقل من عشر دقائق، إذا كان قد صلي عليه بالمسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإسراع في الجنازة هو السنة والأفضل ولا يُنتظر أحد ، والذين يأتون متأخرين يصلون عليه ، ولو بعد الدفن . لأنه ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على قبر المرأة التي كانت تقم المسجد" انتهى من " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (17/139) .
وسئل رحمه الله تعالى : "من فاتته الصلاة على الميت في المسجد سواء كان فرداً، أو جماعة هل يجوز لهم الصلاة على الميت في المقبرة قبل الدفن أو على القبر بعد الدفن؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأولى أن يصلوا عليه قبل الدفن، لأنه إذا أمكن أن يصلوا على الجنازة حاضرة بين أيديهم ، كان هذا هو الواجب .
لكن لو جاءوا وقد دفن : فإنهم يصلون على القبر ؛ لأنه ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى على القبر" انتهى من " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (17/145) .
وتجوز الصلاة على الميت في أوقات النهي الموسعة، أي من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى قرب غروب الشمس، وهذا مجمع عليه.
وأما أوقات النهي الضيقة ، وهي من طلوع الشمس حتى ترتفع قِيد رمح، وقبيل الزوال حتى تزول، وإذا مالت الشمس للغروب حتى تغرب ، فلا تجوز فيها الصلاة على الجنازة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أما الصلاة على الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تميل للغروب فلا خلاف فيه. قال ابن المنذر: إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح.
وأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر : فلا يجوز، ذكرها القاضي وغيره. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس قال : أما حين تطلع فما يعجبني ، ثم ذكر حديث عقبة بن عامر . وقد روي عن جابر وابن عمر نحو هذا القول وذكره مالك في الموطأ عن ابن عمر.
وقال الخطابي: هذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو الخطاب: عن أحمد رواية أخرى أن الصلاة على الجنازة تجوز في جميع أوقات النهي، وهذا مذهب الشافعي لأنها صلاة تباح بعد الصبح والعصر ، فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض.
ولنا : قول عقبة بن عامر : (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا) ، وذكره مقرونا بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة، ولأنها صلاة من غير الصلوات الخمس ، فلم يجز فعلها في هذه الأوقات الثلاثة ، كالنوافل المطلقة.
وإنما أبيحت بعد الصبح والعصر : لأن مدتهما تطول ، فالانتظار يخاف منه عليها، وهذه مدتها تقصر.
وأما الفرائض فلا يقاس عليها ، لأنها آكد.
ولا يصح قياس هذه الأوقات الثلاثة على الوقتين الآخرين ، لأن النهي فيها آكد وزمنها أقصر، فلا يخاف على الميت فيها، ولأنه نهي عن الدفن فيها والصلاة المقرونة بالدفن تتناول صلاة الجنازة وتمنعها القرينة من الخروج بالتخصيص بخلاف الوقتين الآخرين، والله أعلم".
انتهى من " المغني " (1/783).
التعليقات