تنزيه المساجد عن الإعلانات المتعلقة بأمور الدنيا
ينبغي أن تنزه المساجد عن الإعلانات المتعلقة بأمور الدنيا ، ومنها الإخبار بوليمة النكاح أو الدعوة إليها ، لأن المساجد لم تبن لهذا، وإنما بنيت لإقامة الشعائر وتعليم العلم ونشر الخير. روى مسلم في صحيحه (568) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا).
وفي صحيح مسلم أيضا (569) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلاً نَشَدَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: ( لاَ وَجَدْتَ ؛ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ) .
لكن يجوز الإعلان عن الأمور الدنيوية خارج المسجد، ولو بوضع ورقة على جداره من الخارج .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد ؟ كالإعلان عن حملة للحج أو للعمرة ، أو الإعلان عن وجود محاضرات أو دروس علم؟
فأجاب رحمه الله : " أما ما كان إعلانا عن طاعة فلا بأس به ؛ لأن الطاعة مما يقرب إلى الله ، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى .
وأما ما كان لأمور الدنيا ، فإنه لا يجوز ، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج . فالحملات - حملات الحج - أمر دنيوي ، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل .
وحلق الذكر - كدورات العلم - خيرٌ محض ، فلا بأس أن يعلن عنها في داخل المسجد ؛ لأنها خير " انتهى باختصار من "شرح منظومة القواعد الفقهية" (ص/52).
وقال أيضا رحمه الله : " لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المسجد ؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي ، فيكون هذا نوعاً من التجارة ، لكن بدلاً من أن تكون في المسجد تكون عند باب المسجد من الخارج " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 151، سؤال رقم 10).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في نشد الضالة : " وأما كتابة ذلك في ورقة فهذا إذا كان في الجدار الخارجي للمسجد فلا بأس " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (30/ 9).
وعليه : فيمكن كتابة دعوة النكاح على ورقة توضع على جدار المسجد من الخارج ، أو توزع الدعوة على المصلين خارجه .
هذا مع أننا نرى أنه بالإمكان التغلب على تلك الصعوبة بالاتصالات الهاتفية ، أو رسائل الجوال ، ونحو ذلك . ومع هذا الاتساع المذكور لا يظهر أن الداعي يريد دعوة الناس جميعا ، بل من شاء أن يخصه بدعوته ، ولم يستطع الوصول إليه شخصيا ، فبإمكانه أن يتصل به في الهاتف ، أو يرسل له رسالة ، أو نحو ذلك .
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب عقد النكاح في المسجد ، واستدلوا لذلك بحديث : (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف ) رواه الترمذي (1089) لكنه ضعيف كما قال الألباني في ضعيف الترمذي ، وقد حسّن رحمه الله جملة : ( أعلنوا النكاح ) كما في "آداب الزفاف".
ولا يجوز أن يعتقد أن إجراء النكاح في المسجد سنة ، لعدم ثبوت ما يدل على السنية ، لكنه أمر مباح ، فلو أجروا عقد النكاح في المسجد ، ثم انتقلوا إلى محل العرس لحضور الوليمة ، تحقق بذلك إعلان النكاح ، وعرف الداعي إليه .
التعليقات