عقوبة المعاصي المرتكبة يوم الجمعة
يوم الجمعة يوم خصه الله عز وجل لهذه الأمة ، ففيه ولد آدم وفيه أدخل الجنة ، وفيه تقوم الساعة وهو اليوم الذي يجتمع فيه أهل الجنة بربهم، وهو خير الأيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها) رواه مسلم في باب فضل يوم الجمعة (854) .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/63) في الأدلة على أفضلية يوم الجمعة :
"أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة، أكثر منها في سائر الأيام حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله، وهذا أمر قد استقر عندهم وعلموه بالتجارب، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله، واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام " انتهى .
والسيئة من حيث هي لا تكتب إلا سيئة واحدة بنص القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ قال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الأنعام: 160].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة) رواه البخاري (6491) ومسلم (131) .
لكن الشرع جعل من المعاصي ما هو أكبر من بعض وأفحش من غيره ومنها ما هو كبيرة وما هو صغيرة، إما لحرمة المكان كالحرم، وإما لحرمة الزمن كالأشهر الحرم، وإما لحرمة الموضع كالزنا بالمحارم، وإما للوقت الخاص كالقسم بعد العصر، ولغيرها من الأمور التي عظمها الله، ومنها انتهاك اليوم الذي عظمه الله عز وجل ، وكلها من شعائر الله .
ولهذا يخشى على من انتهك حرمة يوم الجمعة ، بمعصية لله تعالى ، أن يشدد عليه في عقابها، ما لا يشدد على عقابها في غيره من الأيام .
قال في مطالب أولي النهى (2/385) :
"وتضاعف الحسنة والسيئة : بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد , وبزمان فاضل كيوم الجمعة , والأشهر الحرم ورمضان .
أما مضاعفة الحسنة ; فهذا مما لا خلاف فيه , وأما مضاعفة السيئة ; فقال بها جماعة تبعا لابن عباس وابن مسعود . . . وقال بعض المحققين : قول ابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات : إنما أرادوا مضاعفتها في الكيفية دون الكمية" انتهى .
وقال ابن القيم : "ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه ، لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئة كبيرة : جزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها .
فالسيئة في حرم الله وبلده ، وعلى بساطه : آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض .
ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه، كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه.
فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات، والله أعلم" انتهى من "زاد المعاد" (1/52) .
التعليقات