حكم الصلاه منفردا خلف الصف

 اختلف الفقهاء في صلاة المنفرد خلف الصف، فذهب الجمهور إلى كراهتها، وذهب الحنابلة إلى بطلانها إذا انفرد ركعة كاملة.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى صحة الصلاة وعدم الإثم إذا كان الانفراد لعذر.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/ 183): " الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأمومون صفوفا متراصة كما سبق بيانه، ولذلك يكره أن يصلي واحد منفردا خلف الصفوف دون عذر، وصلاته صحيحة مع الكراهة، وتنتفي الكراهة بوجود العذر على ما سيأتي بيانه.
وهذا عند جمهور الفقهاء: - الحنفية والمالكية والشافعية.
والأصل فيه: ما رواه البخاري عن أبي بكرة: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: زادك الله حرصا ولا تعد.
قال الفقهاء: يؤخذ من ذلك عدم لزوم الإعادة، وأن الأمر الذي ورد في حديث وابصة بن معبد الذي رواه الترمذي، من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة؛ هذا الأمر بالإعادة: إنما هو على سبيل الاستحباب؛ جمعا بين الدليلين.
وعند الحنابلة تبطل صلاة من صلى وحده ركعة كاملة خلف الصف منفردا دون عذر؛ لحديث وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد.
وعن علي بن شيبان: أنه صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف، ورجل فرد خلف الصف، قال: فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف قال: استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف. [رواه ابن ماجه].
فأما حديث أبي بكرة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاه فقال: لا تعد، والنهي يقتضي الفساد، وعذره فيما فعله لجهله بتحريمه، وللجهل تأثير في العفو" انتهى.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
"وَنَظِيرُ ذَلِكَ: أَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَوْقِفًا إلَّا خَلْفَ الصَّفِّ ؛ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُبْطِلِينَ لِصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ.
والأظَهَرَ: صِحَّةُ صَلَاتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ.
وَطَرْدُ هَذَا: صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْإِمَامِ لِلْحَاجَةِ، كَقَوْلِ طَائِفَةٍ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد." انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/ 396).
وقال رحمه الله: "قَضِيَّةَ الْمَرْأَةِ تَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ:
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ خَلْفَ الصَّفِّ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، وَتَعَذَّرَ الدُّخُولُ فِي الصَّفِّ: صَلَّى وَحْدَهُ لِلْحَاجَةِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَاتِ تَسْقُطُ لِلْحَاجَةِ، وأمْرُه بِأَنْ يُصَافَّ غَيْرَهُ: مِنْ الْوَاجِبَاتِ؛ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ، سَقَطَ لِلْحَاجَةِ؛ كَمَا سَقَطَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ، فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ.
وطَرْدُ ذَلِكَ: إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ، إلَّا قُدَّامَ الْإِمَامِ ؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي هُنَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ أَمَامَهُ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد، وَإِنْ كَانُوا لَا يُجَوِّزُونَ التَّقَدُّمَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَ تَرْكُ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ.
وَفِي الْجُمْلَةِ: فَلَيْسَتْ الْمُصَافَّةُ أَوْجَبَ مِنْ غَيْرِهَا ؛ فَإِذَا سَقَطَ غَيْرُهَا لِلْعُذْرِ، فِي الْجَمَاعَةِ ؛ فَهِيَ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ.
وَمِنْ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ: أَنْ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ: سَاقِطُ الْوُجُوبِ. وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَيْهِ بِلَا مَعْصِيَةٍ: غَيْرُ مَحْظُورٍ.
فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْعَبْدُ، وَلَمْ يُحَرِّمْ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ الْعَبْدُ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/559).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الراجح أنها لا تصح [أي: الصلاة] خلف الصف المنفرد إلا إذا تعذر الوقوف في الصف، بحيث يكون الصف تاماً، فإنه يصلي خلف الصف منفرداً تبعاً للإمام؛ لأنه معذور، ولا واجب مع العجز كما قاله أهل العلم - رحمهم الله -.
وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المرأة تقف خلف الصف منفردة عن الرجال للعذر الشرعي، وهو عدم إمكان وقوفها مع الرجال, فإن العذر الحسي أيضاً يكون مسقطاً لوجوب المصافة." انتهى من"مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (15/ 193).
وعُلم من ذلك:
أنه لا حرج في الانفراد خلف الصف لعذر، كأن يجد الصف مكتملا، وأن واجبات الصلاة- عموما- تسقط بالعذر.
وعليه؛ فمن خشي المرض، فصلى منفردا خلف الصف: فصلاته صحيحة؛ لأنه إن ترك واجبا؛ فقد تركه لعذر.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.