" عاشوراء " في الإسلام.. ورد على الروافض في زعمهم أنه بدعة أموية
صيام عاشوراء الذي نصومه في العاشر من شهر محرَّم هو اليوم الذي نجَّى الله تعالى فيه موسى عليه السلام ، وهو اليوم الذي كان قد صامه طائفة من يهود في المدينة لأجل ذلك ، وهو اليوم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصومه أولَ الأمر ، ثم نُسخ الوجوب بفرض صيام رمضان ، وصار صيام عاشوراء على الاستحباب .
ودعوى أن بعض خلفاء بني أمية هم الذين جعلوه في محرَّم : دعوى رافضية ، وهي جزء من سلسلة أكاذيبهم، التي بنوا عليها دينهم ، وجزء من عقدتهم في نسبة كل شرٍّ لخلفاء بني أمية ، ولعصرهم ، ولو أراد الأمويون وضع الأحاديث المكذوبة ، ونسبتها للشرع المطهر : لوضعوا أحاديث في أن يكون يوم عاشوراء عيداً ! وليس يوم صيام ، يَمنع الإنسان نفسه عن الأكل ، والشرب ، والجماع ، فالصيام عبادة إمساك عن مباحات ، والعيد للفرح في تناولها وفعلها .
لا شك أن مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً كان في ربيع أول ، ولم يكن في محرَّم ، وقد رأى طائفة من اليهود يصومون ، ولما سألهم عن صيامهم هذا قالوا : إنه يومٌ نجَّى الله فيه موسى ومن معه من الغرق ، فنحن نصومه شكراً لله .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ : ( أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) .رواه البخاري ( 3216) .
فهل كانت هذه الرؤية لليهود أول قدومه المدينة في ربيع الأول أم بعدها في شهر " محرَّم "؟ قولان لأهل العلم ، والراجح : أن تلك الرؤية ، وذلك الحوار ، وهذا الأمر بالصيام : كان في شهر الله المحرَّم، أي: في العام الثاني من مقدمه صلى الله عليه وسلم ، ويكون اعتماد اليهود – على هذا – على الأشهر القمرية في الحساب.
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله - :
وقد استشكل بعضُ الناس هذا ، وقال : إنما قَدِمَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينةَ في شهر ربيع الأول، فكيف يقولُ ابن عباس : إنه قدم المدينة ، فوجد اليهود صُيَّاماً يومَ عاشوراء؟.
وقال – رحمه الله - :
أما الإشكالُ الأول : وهو أنَّه لما قَدِمَ المدينة وجدهم يصُومون يومَ عاشوراء : فليس فيه أن يومَ قدومِه وجدَهم يصومُونه ، فإنه إنما قَدِمَ يومَ الاثنين فى ربيع الأول ثاني عشرة ، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة فى العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة ، ولم يكن وهو بمكة ، هذا إن كان حسابُ أهل الكتاب فى صومه بالأشهر الهلالية .زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 2 / 66) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقد استُشكل ظاهر الخبر ؛ لا قتضائه أنه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صيَّاماً يوم عاشوراء ، وإنما قدم المدينة في " ربيع الأول " ، والجواب عن ذلك : أن المراد : أن أول علمه بذلك ، وسؤاله عنه : كان بعد أن قدم المدينة ، لا أنه قبل أن يقدمها علمَ ذلك ، وغايته : أن في الكلام حذفاً تقديره : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ فأقام إلى يوم عاشوراء ، فوجد اليهود فيه صيَّاماً .فتح الباري " ( 4 / 247) .
وهل كان حساب اليهود لصومهم ذاك بالأشهر القمرية ، أم بالشمسية ؟ .
أما إن قلنا كان حسابهم بالقمرية – كما سبق - : فلا إشكال ، حيث العاشر من محرَّم لا يتغير كل عام ، وأما مع القول بأن الحساب كان بالشمسية : فيكون ثمة إشكال ؛ حيث إن هذا اليوم سيتغير كل عام ، ولن يكون دائم الثبوت في يوم العاشر من محرَّم .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله ذلك الخلاف ، وبيَّن أنه على القول بأن حسابهم كان بالأشهر الشمسية : فتكون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لليهود يصومون ذلك اليوم : هو في ربيع أول ، أول مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة ، ويكون حسابهم بالشمسي موافقاً لذلك المقدم ، وأما حقيقة اليوم الذي نجى الله فيه موسى فهو العاشر من محرَّم ، لكن ضبطهم لهم بالشمسي جعلهم يخطؤون في تعيينه .
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله - :
وإن كان بالشمسية : زال الإشكالُ بالكلية ، ويكونُ اليومُ الذى نجَّى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرَّم ، فضبطه أهلُ الكتاب بالشهور الشمسية ، فوافق ذلك مقدَم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في ربيع الأول ، وصومُ أهلِ الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس ، وصومُ المسلمين إنما هو بالشَّهر الهلالي ، وكذلك حَجُّهم ، وجميع ما تُعتبر له الأشهر من واجب ، أو مُستحَبٍّ ، فقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم) ، فظهر حكمُ هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم ، وفي تعيينه ، وهم أخطؤوا تعيينه ؛ لدورانه في السنة الشمسية ، كما أخطأ النصارى فى تعيين صومهم بأن جعلوه فى فصل من السنة تختلِف فيه الأشهر .زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 2 / 69 ، 70) .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا التأويل احتمالاً ، وردَّ عليه ، وردَّ على ابن القيم ترجيحه له .
قال – رحمه الله - :
قال بعض المتأخرين : يَحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية ، فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الأول ، ويرتفع الإشكال بالكلية ، هكذا قرره ابن القيم في " الهدي " ، قال : " وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس " ، قلت : وما ادَّعاه من رفع الإشكال عجيب ؛ لأنه يلزم منه إشكال آخر ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب ، والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء : أنه في " المحرَّم " ، لا في غيره من الشهور " نعم وجدت في " الطبراني " بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال : " ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس ، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة ، وتقلس فيه الحبشة - أي : نلعب بالسيوف ونحوها من آلات الحرب -، وكان يدور في السنَة ! وكان الناس يأتون فلاناً اليهودي يسألونه فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه".
فعلى هذا : فطريق الجمع أن تقول : كان الأصل فيه ذلك ، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء : ردَّه إلى حكم شرعه ، وهو الاعتبار بالأهلة ، فأخذ أهل الإسلام بذلك ، لكن في الذي ادعاه أن أهل الكتاب يبنون صومهم على حساب الشمس : نظر ؛ فإن اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالأهلة ، هذا الذي شاهدناه منهم ، فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس ، لكن لا وجود له الآن ، كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون " عزير " ابن الله ! تعالى الله عن ذلك .فتح الباري " ( 7 / 276 ) ، وينظر أيضاً ( 4 / 247).
التعليقات