من مظاهر الأدب مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
من مظاهر الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ترك التقدم بين يديه، قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين ":
(ومن الأدب مع الرّسول صلى الله عليه وسلم: أن لا يتقدّم بين يديه بأمرٍ، ولا نهيٍ، ولا إذنٍ، ولا تصرُّفٍ حتّى يأمر هو وينهى ويأذن، كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللهِ وَرَسُولِه}.
وهذا باقٍ إلى يوم القيامة، ولم يُنسخ، فالتقدّم بين يدي سنّته بعد وفاته كالتقدّم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم.
قال مجاهد رحمه الله: لا تفتاتواعلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال أبو عبيدة:" تقول العرب: لا تقدّم بين يدي الإمام، وبين يدي الأب، أي: لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه ". وقال غيره: " لا تأمروا حتّى يأمر، ولا تنهوا حتّى ينهى..")اهـ.
وفي سبب نزول هذه الآية روى البخاري عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ.
فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِع. وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ الله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ...}. الْآيَةَ[4].
وقد بيّن ابنُ القيّم -رحمه الله- أنّ من مظاهر التقدّم بين يدي الله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو:العمل قبل معرفة حكم الله ورسوله، فقال:" أي لا تقولوا حتّى يقول، ولا تأمروا حتّى يأمر، ولا تُفْتُوا حتى يُفتِي، ولا تقطعوا أمرا حتّى يكون هو الّذي يحكم فيه ويمضيه ".
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:" لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة ". وروى العوفي عنه قال:" نُهُوا أن يتكلّموا بين يدي كلامه ".
والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول، ولا فعل، قبل أن يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو يفعل حتّى يستأذنوه.
فإذا جُعِل من لوازم الإيمان أنّهم لا يذهبون مذهبا إذا كانوا معه إلاّ باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علميّ إلا بعد استئذانه، وإذنه يُعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه "اهـ.
التعليقات