أعمال عشر ذي الحجة (خطبة)

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، فرض علينا الحج إلى بيته الحرام ورتب عليه الثواب الجزيل، أحمده حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله أفضل من صلى وزكى وحج وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

عباد الله أوصيكم ونفسي بأغلى وصية، وأعظم وصية، التي ما تمسك بها عبد إلا سعد في الدنيا والآخرة، ألا وهي تقوى الله تعالى وطاعته ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

عباد الله:

إننا نعيش هذه الأيام أجمل أيام الدنيا وأحبها إلى الله تعالى، إنها أيام العشر المباركة، عشر ذي الحجة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها أنها أفضل أيام الدنيا كما في حديث جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر- يعني عشر ذي الحجة - قيل - ولا مثلهن في سبيل الله  قال ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه في التراب" صححه الألباني، ولولم يكن في العشر إلا يوم عرفة لكفاها فضلا.

 

وفي هذه العشر يا عباد الله يوم النحر الذي هو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر" صححه الألباني. وفي هذه الأيام يا عباد الله تجتمع أمهات العبادات، ولهذا كانت أفضل أيام الدنيا، لأنك لا تجد أياما في السنة كهذه الأيام حيث تجتمع فيها الصلاة والصيام والحج والوقوف بعرفة ومزدلفة والنحر ورمي الجمار وغيرها من العبادات، إلا في هذه الأيام، فهي فرصة العمر التي ينبغي استثمارها، والعمل فيها بركة في العمر، فقد لا تدور عليك في السنة المقبلة إلا وأنت تحت الثرى، فكم من إنسان يتمنى منها لحظة ليعبد الله فيها ولكنه لا يستطيع ذلك لأنه تحت التراب، فالله الله في اغتنامها عباد الله.

 

أيها المسلمون يشرع لنا في هذه الأيام المسابقة والمسارعة في أعمال الخير كلها ومن أهمها:

الأول: المحافظة على الواجبات وفي مقدمتها الصلاة مع الجماعة لوجوب الجماعة على المسلم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.

 

ثانياً: الصيام للحديث الذي راه أبوسعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا. متفق عليه وهذا لفظ البخاري. هذا في سائر الأيام فكيف بمن يصوم في هذه الأيام وخاصة بمن يصوم الأيام التسعة كلها لاشك أن الأجر أعظم وأحب عند الله تعالى فلا يفرط المسلم بصيام هذه الأيام ولو على الأقل صيام يوم عرفة ففضله عظيم، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".

 

ثالثاً: التكبير بنوعيه المطلق والمقيد، فأما المطلق فمن بداية العشر حتى آخر أيام التشريق، وسمى مطلق لأن المسلم يكبر في كل وقت وفي أي مكان سواء في بيته أو الشارع أو السوق يرفع فيه صوته بالتكبير، فيقتدي به من يسمعه كما كان بعض الصحابة يكبرون في السوق فيقتدون بهم من يسمعهم، فقد روى البخاري في صحيحه " أن ابن عمر، وأبو هريرة كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما" فهذه السنة يا عباد الله قد ماتت هذه الأيام فمن يحييها أحياه الله ففي صحيح مسلم" من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً"... الحديث. فلو كل واحد منا بدأ ببيته فرفع صوته بالتكبير حتى يقتدوا به أهله وسائر أسرته ثم بعد ذلك يكبر في الشارع والسوق لعادة السنة بعد هجرها وأصبح التكبير أمراً مألوفاً عند الناس.

 

أما التكبير المطلق فيشرع لغير الحاج من صبح يوم عرفة وأما الحاج من ظهر يوم النحر حتى أخر أيام التشريق.

 

عباد الله:

سيأتي يوم لا محالة يندم فيه الإنسان على هذه الفرص التي يضيعها عندما يشاهد يوم القيامة الأجور العظيمة تتوزع على أصحابها وهو محروم منها لأنه ضيعها في الدنيا فعندها يندم حيث لا ينفع الندم ويتحسر ويقول حينها يا ليتني قدمت لحياتي فالله الله يا عبد الله اعمل من هذا اليوم قبل أن لا تستطيع العمل.

 

عباد الله:

ينبغي علينا جميعا أن نتسامح ونعفو عن بعضنا ونصفي قلوبنا في هذه الأيام حتى تقبل أعمالنا ففي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الأثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا" فلا تحرم نفسك فضل العشر عند الله بسبب بغض قلبك على أخيك المسلم فليسامح كل منا أخاه لعل الله أن يسامحنا ويتقبل منا.

 

ومن الأعمال الصالحة في هذه العشر ذبح الأضحية يوم العيد فهي سنة أبيكم ابراهيم وفضلها عند الله عظيم قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32] فعلينا تعظيمها في نفوسنا ونفوس أولادنا وأهلينا ويستحب ذبحها بمشهد الأهل والأولاد وغرس معاني هذه الشعيرة في نفوس الأولاد، لأن الأضحية لا تذبح لأجل اللحم وإنما عبادة لله، فمن الجهل أن يعتقد بعض الناس أنها تذبح للحم فبعض الناس لا يشتري الأضحية بحجة أنه لا يحب اللحم وهذا خطأ بل ينبغي غرس معاني الأضحية في نفوس الأهل والأولاد بأنها شعيرة نتقرب بها إلى الله، وأن المقصود هو إنهار الدم ذلك اليوم تقربا لله قال تعالى ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، ومن أراد أن يضحي فعليه أن يمسك عن حلق الشعر وتقليم الأظافر حت يذبح أضحيته.

 

عباد الله إن من أراد الحج في هذه الأيام فعليه أمور ينبغي عليه فعلها:

أولاً: التوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[التحريم: 8].

 

ثانياً: أن يطلب العفو ممن ظلمه ويعفو هوعن الناس حتى لا يكون بينه وبين أحد شحناء فيمنع من قبول العمل عند الله كما في الحديث السابق ذكره.

 

ثالثاً: أداء الحقوق التي عليه والديون الحالة إلا إذا سمحوا له بالذهاب للحج أو عفوا عنه.

 

رابعاً: يعتبر الحاج مسافر منذ مفارقته لعمران بلده حتى يعود إليه فهو مسافر يترخص برخص السفر وهي قصر الرباعية، والجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء إذا احتاج إلى ذلك، لكن إذا دخل مع إمام مقيم فإنه يتم صلاته اقتداء بإمامه.

 

خامساً: يجوز للحاج الاغتسال والتنظف وتغيير الإحرام لكن يتجنب المزيلات العطرية حتى لا يقع في المحظور.

 

سادساً: الحاج في عبادة عظيمة فينبغي له أن يشغل نفسه بما يرضي الله ويتجنب الانشغال بما يلهيه عن ذكر الله مثل الانشغال بالجوال ومواقع التواصل الاجتماعي التي قد تعرضه للإثم من حيث لا يشعر، إما بالنظر إلى الصور المحرمة أو الاستماع إلى ما حرم الله والمسلم ينبغي أن يستبرئ لدينه وعرضه ويبعد نفسه عن مواطن الفتن والله الموفق إلى سواء السبيل.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.


أما بعد: عباد الله:

روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) وفي رواية له أيضًا: (من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) هذا فضل عظيم يا عباد الله فالحاج هو ضيف الله فينبغي له أن يكون متذللا لله منكسرا بين يديه فلا يؤذي ضيوف الرحمن لا بلسانه ولا بيده فلا يغتاب مسلما ولا يسب أو يشتم أو يضرب أحدا وعليه الصبر على ما يلقاه من أذى ومشاق في حجه ويحتسب ذلك كله عند الله حتى يتحقق وعد الله له بطهارته من الذنوب فيرجع كيوم ولدته أمه، وينبغي له أن يكثر من ذكر الله والتلبية والدعاء له ولإخوانه المسلمين فإنها من أسباب الإجابةقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل. وفي رواية:  دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: "آمين ولك بمثل".  رواه مسلم.

 

كذلك عليه أن يحرص على إتمام الحج بأركانه وواجباته ويتجنب سائر المحظورات من لبس المخيط وإزالة الشعر والأظافر وتغطية الراس وبقية المحظرات المفصلة في أحكام الحج وعلى المرأة كذلك تجنب لبس القفازين والبرقع فأنها من المحظورات فمن فعل محظورا جاهلا أو ناسيا أو مكرها أو نائما فلا شيء عليه، ومن فعله متعمدا فلكل قسم من المحظورات فدية حسب ما يناسبه فلا يتسع المجال لذكرها هنا ولكن من أراد الفائدة والتفصيلات فليرجع إلى كتب أهل العلم في مسائل أحكام الحج والعمرة أو يسأل أهل اذكر عن ذلك، والذي ينبغي على الحاج أن يفعله قبل السفر لحجه أن يتفقه في مسائل الحج والعمرة حتى يحج على بصيرة من أمره فاتقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه اللهم صل وسلم على نبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.