حكم الإعلان في المسجد عن حملات تطعيم الأطفال
لا يجوز إنشاد الضالة في المساجد، أو تعريفها فيه؛ لأن المساجد لم تبن لذلك ، إنما بنيت لإقامة ذكر الله ، وقد روى مسلم (568) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا .”
وروى مسلم أيضا (569) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه : " أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا وَجَدْتَ ؛ إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ “.
قال ابن عبد البر -رحمه الله- :" وقد ذكر الله تعالى المساجد بأنها بيوت أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه وأن يسبح له فيها بالغدو والآصال، فلهذا بنيت، فينبغي أن تنزه عن كل ما لم تبن له " انتهى من "الاستذكار" (2/ 368(.
وحث الناس على التبرع للمسجد، أو الصدقة للفقراء، أمر مشروع مستحب، وهو من الدعوة إلى الخير والتذكير به ، فلا حرج أن يكون في المسجد ، وأن ينبه عليه الخطيب والواعظ ؛ لأنه من جملة الخير الذي يدعى إليه الناس.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة من على منبره، كما روى مسلم (1017) عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:" كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ{ [النساء:1]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، }إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ [النساء: 1] وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ} اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ{ [الحشر: 18]، “تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ” .قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ".
ولا حرج في الإعلان أو التنبيه في المسجد على الأمور العامة، التي فيها مصلحة للمسلمين، كالإعلان عن درس ، أو محاضرة، أو دورة علمية ولو كانت خارج المسجد، وكذا الإعلان عن حملة التطعيم، أو أخذ اللقاحات للأطفال؛ فإن في ذلك نفعا عاما للمسلمين، ووقاية لأولادهم من الأمراض، ومن مقاصد الشريعة حفظ الأبدان، وإذا لم يعلن عن ذلك ربما فات بعضهم، فأصيب بإذن الله .
والممنوع هو الإعلان عن أمر شخصي ، أو أمر دنيوي محض من بيع أو شراء أو نشد ضالة.
التعليقات