حديث من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام
جميع الأحاديث الواردة في الاغتسال يوم عاشوراء والكحل والخضاب وغير ذلك مما يفعله أهل السنة يوم عاشوراء ضد الشيعة فهو موضوع ما عدا الصيام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج4 ص513 ) ما نصه: (وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعارا في هذا اليوم - يعني يوم عاشوراء - يعارضون به شعار ذلك القوم - يعني الرافضة - فقابلوا باطلا بباطل وردوا بدعة ببدعة، وإن كانت إحداهما -يعني بدعة الرافضة - أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد مثل: الحديث الطويل الذي روي فيه: من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام وأمثال ذلك من الخضاب يوم عاشوراء والمصافحة فيه ونحو ذلك، فإن هذا الحديث ونحوه كذب مختلق باتفاق من يعرف علم الحديث، وإن كان قد ذكره بعض أهل الحديث، وقال: إنه صحيح وإسناده على شرط الصحيح، فهذا من الغلط الذي لا ريب فيه كما هو مبين في غير هذا الموضع، ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم ويرجع إليهم في معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، ولا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم، ولا ذكر مثل هذا الحديث في شيء من الدواوين التي صنفها علماء الحديث لا في المسندات كمسند أحمد وإسحاق وأحمد بن منيع الحميدي والدالاني وأبي يعلى الموصلي وأمثالها، ولا في المصنفات على الأبواب كالصحاح والسنن، ولا في الكتب المصنفة الجامعة للمسند والآثار مثل موطأ مالك ووكيع وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأمثالها انتهى المقصود من كلامه-رحمه الله- .
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في كتابه (لطائف المعارف) عند الكلام على صوم عاشوراء ما نصه :
وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح، وأما الصدقة فيه فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : "من صام عاشوراء فكأنما صام السنة، ومن تصدق فيه كان كصدقة السنة" أخرجه أبو موسى المديني .
وأما التوسعة فيه على العيال، فقال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء من وسع على أهله يوم عاشوراء فلم يره شيئا. وقال ابن منصور: قلت لأحمد: هل سمعت في الحديث من وسع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة فقال: نعم. رواه سفيان بن عينية عن جعفر الأحمر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، وكان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه أنه من وسع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة قال ابن عيينة جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيرا، وقول حرب: إن أحمد لم يره شيئا إنما أراد به الحديث الذي يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح إسناده .
وقد روي من وجوه متعددة لا يصح منها شيء، وممن روى ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وقال العقيلي: هو غير محفوظ، وقد روي عن عمر من قوله وفي إسناده مجهول لا يعرف، وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين-رضي الله عنه- فيه، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم ... ا هـ . كلامه رحمه الله .
وبما ذكرنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب -رحمهما الله- يعلم أن الأحاديث الواردة في تخصيص يوم عاشوراء بالاكتحال أو الاغتسال أو الاختضاب موضوعة ، وهكذا أحاديث التوسعة على العيال كلها غير صحيحة، وأما ما نقله إبراهيم بن محمد المنتشر وهو من صغار التابعين عن غيره ولم يسمه، وهكذا عمل سفيان بن عينية الإمام المشهور فلا يجوز الاحتجاج بذلك على شرعية التوسعة على العيال؛ لأن الحجة في الكتاب والسنة لا في عمل التابعين ومن بعدهم؛ وبذلك يعتبر أمر التوسعة على العيال يوم عاشوراء بدعة غير مشروعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"خرجه مسلم في صحيحه وعلقه البخاري جازما به، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
وأما الصدقة فيه: ففيها حديث عبد الله بن عمرو المذكور آنفا في كلام الحافظ ابن رجب وهو موقوف عليه، رواه عنه أبو موسى المديني ، ولم يتكلم الحافظ ابن رجب-رحمه الله- على سنده والغالب على أفراد أبي موسى المديني الضعف وعدم الصحة، فلا يشرع الأخذ به إلا بعد صحة سنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- ومتى صح عنه وهو حكم الرفع ؛ لأن مثله لا يقال من جهة الرأي.
وأما اتخاذ يوم عاشوراء مأتما فهو من البدع المنكرة التي أحدثها الرافضة، وخالفوا بها أهل السنة والجماعة ، وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز التشبه بهم في ذلك والله المستعان .
المصدر: فتاوى ابن باز
التعليقات