( الخشوع في الصلاة )
الخشوع في الصلاة
يقول الشيخ : سعيد بن وهف القحطاني:
أولاً: الخشوع لغة: قال ابن فارس رحمه الله: ((خشع: الخاء والشين والعين أصلٌ واحدٌ، يدل على التَّطامُن، يقال: خشع إذا تطامن وطأطأ رأسه، ويخشع خشوعاً، وهو قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع في
البدن ... والخشوع في الصوت والبصر، قال الله تعالى:]خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ[([1])، قال ابن دريد: الخاشع: المستكين والراكع...))([2]).
وقال ابن منظور رحمه الله: ((خشع يخشع خشوعاً، واختشع وتخشَّع:رمى ببصره نحو الأرض،وغضّه،وخفض صوته..وقيل: الخشوع قريب من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن ... والخشوع: في البدن، والصوت، والبصر، كقوله تعالى: ]وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ[([3])، أي: سكنت، وكل ساكن خاضع خاشع ...))([4]).
وقال الفيروزأبادي رحمه الله: ((الخشوع: الخضوع، كالاختشاع - والفعل كمنع - أو قريب من الخضوع، أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر، والخشوع: السكون والتذلل ...))([5]) .
وقال محمد بن أبي بكر الرازي رحمه الله: ((الخشوع: الخضوع، وبابهما واحد، يقال: خشع واختشع، وخشع ببصره: أي غضه... والتخشُّع: تكلّف الخشوع ...))([6]).
وقال الفيُّومي رحمه الله: ((خشع خشوعاً: إذا خضع، وخشع في صلاته ودعائه: أقبل بقلبه على ذلك، وهو مأخوذ من خشعت الأرض، إذا سكنت واطمأنت))([7]).
وقال أبوالسعادات ابن الأثير رحمه الله: ((... والخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن))([8]).
وقال الراغب الأصفهاني: ((الخشوع الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ...))([9]).
وقال الجرجاني رحمه الله: ((الخشوع، والخضوع، والتواضع: بمعنى واحد ...))([10]) .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((والخشوع في أصل اللغة: الانخفاض، والذّل، والسكون، قال اللَّهُ تعالى: ]وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً[ ([11])، أي سكنت، وذلَّت، وخضعت، ومنه وصف الأرض بالخشوع، وهو يبسها، وانخفاضها، وعدم ارتفاعها بالري والنبات، قال اللَّه تعالى: ]وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[([12])([13]) .
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ]خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ[([14])، وقوله تعالى: ]وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ[([15])، وقال سبحانه: ]خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ[([16])، وقال عزوجل: ]قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ[([17]). وقال تعالى: ]وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ[([18]) .
وهذا المعنى الذي دار في هذه الآيات: يدلُّ على الخضوع، والسكون، والتذلُّل لجميع الأعضاء كلها.
ثانياً: الخشوع اصطلاحاً: قال الجرجاني رحمه الله: ((الخشوع ... في اصطلاح أهل الحقيقة ... الانقياد للحق، وقيل: هو الخوف الدائم في القلب، قيل من علامات الخشوع: أن العبد إذا غضب أو خُولف أو رُدَّ عليه استقبل ذلك بالقبول))([19]).
وقال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه: ((الخشوع: قيام القلب بين يدي الرب بالخُضُوع والذُّلِّ ...))([20]).
وقيل: ((الخشوع: الانقياد للحق، وهذا من موجبات الخشوع، فمن علامته: أن العبد إذا خولف ورُدَّ عليه بالحق، استقبل ذلك بالقبول والانقياد))([21]) .
وقيل: ((الخشوع تذلّل القلوب لعلاَّم الغيوب))([22]) .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره))([23]) .
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: ((وأصل الخشوع: هو لين القلب ورقته، وسكونه، وخضوعه، وانكساره، وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح، والأعضاء؛ لأنها تابعة له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((... ألاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ))([24]) .
فإذا خشع القلب خشع: السمع، والبصر، والرأس، والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام؛ [و]لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه في الصلاة: (( .. اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي، ..)) [((وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي))]([25]).
وقيل: الخشوع: الخضوع، والتواضع([26]).
وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((الخوف، والخشية، والخضوع، والإخبات، والوَجَل: معانيها متقاربة، فالخوف يمنع العبد من محارم الله، وتشاركه الخشية في ذلك، وتزيد أنَّ خوفه مقرون بمعرفة الله، وأما الخضوع، والإخبات، والوجل، فإنها تنشأ عن الخوف، والخشية، فيخضع العبد لله، ويخبت إلى ربه منيباً إليه بقلبه، ويحدث له الوجل، وأما الخشوع، فهو حضور القلب وقت تلبّسه بطاعة الله، وسكون ظاهره وباطنه، فهذا خشوع خاص، وأما الخشوع الدائم الذي هو وصف خواصّ المؤمنين، فينشأ من كمال معرفة العبد بربه، ومراقبته، فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبة))([27]).
والتعريف المختار: الخشوع: لين القلب، وخضوعه، ورقته، وسكونه، وحضوره وقت تَلبُّسه بطاعة الله، فتتبعه جميع الجوارح والأعضاء ظاهراً وباطناً؛ لأنها تابعة للقلب، وهو أميرها، وهي جنوده، والله تعالى أعلم.
ويقول الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله:
تعريف الخشوع في الصلاة
الخشوع هو الخضوع والتذلُّل والسكون، قال الله - تعالى -: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1، 2]؛ أي: قد فاز وسعد ونجح المؤمنون المصلُّون، ومن صفاتهم أنهم ﴿فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، والخشوع في الصلاة هو: حضور القلب فيها بين يدي الله - تعالى - محبةً له وإجلالاً، وخوفًا من عقابه، ورغبةً في ثوابه، مستحضرًا لقُربه، فيسكن لذلك قلبُه، وتطمئن نفسُه، وتسكن حركاتُه، متأدبًا بين يدي ربِّه، مستحضرًا جميعَ ما يقوله ويفعله في صلاته من أولها إلى آخرها، فتزول بذلك الوساوسُ والأفكار، والخشوعُ هو روح الصلاة، والمقصود الأعظم منها؛ فصلاةٌ بلا خشوعٍ كبدنٍ ميت لا روح فيه.
وأصلُ الخشوع خشوعُ القلب، الذي هو مَلِك الأعضاء، فإذا خشع القلبُ خشعتِ الجوارحُ كلُّها، ولما رأى سعيد بن المسيب رجلاً يعبث في صلاته، قال: لو خشع قلبُ هذا لخشعتْ جوارحُه[28]، وليس للعبد من صلاته إلا ما عَقَل منها، وحضر قلبُه فيها، والشيطانُ يريد من العبد ألاَّ يصلِّيَ ليكونَ من أصحاب النار، فإذا صلى حالَ بينه وبين نفسه، يوسوس له، ويشغله عن صلاته حتى يبطلها أو ينقصها، وفي الحديث: ((إن العبد ليصلي الصلاةَ، ولا يُكتب له إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، حتى بلغ عشرها))[29].
من أحكام الطهارة والصلاة / عبدالله الجارالله
وقال ايضا:
والخشوع حالة تخضع وتطمئن فيها الجوارح بأعمال الصلاة ترافقها أفكار صادرة عن ذهن حاضر وتواكبها خواطر تقوم بالفؤاد منفعلة بمهابة الله وإجلاله ومشاعر متجهة إليه بالقنوت والإخبات. ولا تتم صلاة بغير خشوع مهما كانت ملتزمة بالمظهر المسنون أو انضبطت فيها الحركات الآلية أو تم كلام اللسان.
ولا يصل إلى الله عمل يؤديه صاحبه عفوًا بغير أساس من تقوى النفوس. والخشوع في الصلاة حالة لا تتيسر إلا لمن تعهد نفسه بالتزكية ورطب لسانه بذكر الله في كل حين وألان فؤاده باستشعار هيبة ربه حتى تفجرت في نفسه ينابيع الإيمان وعرف طمأنينة اليقين، فصار يحسن العبادة }ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق{ [سورة الحديد آية (16)].
ولا يفلح المصلي إلا إذا أقام الصلاة بخشوع }قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون{ والخشوع: تكامل بين معان مختلفة من أمر القبلة من التوجه إلى الله وفي أمر القنوت من التجرد له عمن سواه، واستشعار جلال الله وعظمته والتذلل له، والخضوع والاستكانة بين يديه، ولا بد من استحضار هذا الشعور الكامل الشامل لدى كل قول أو عمل من إجراءات الصلاة، والصلاة بأقوالها المأثورة وحركاتها المسنونة تربية للمسلم في اتباع نهج الرسول صلى الله عليه وسلم واتخاذه قدوة حسنة في سائر مسلك الإنسان، فالرسول صلى الله عليه وسلم يوصينا في شأن الصلاة فيقول «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري، وكان الصحابة رضي الله عنهم يلاحظون فعله فيها فيقلدونه بدقة ويزكون الواحد منهم فيصفونه بأنه أشبه الناس بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة كاملة تامة فيقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة» رواه مسلم.
كتاب الصلاة الكاملة وآثارها في حياة المسلم للشيخ/ عبدالله بن جار الله الجارالله
يقول الشيخ / علي بن وهف القحطاني:
الخشوع في الصلاة واجب على الصحيح([30]) للأدلة الآتية:
قال الله تعالى: ]وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ[([31]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين... وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دل ذلك على وجوب الخشوع... فثبت أن الخشوع واجب في الصلاة))([32]) .
قوله تعالى: ]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ*الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([33]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم، وقد دلَّ هذا على وجوب هذه الخصال، إذ لو كان فيها ما يستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات؛ ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب، وإذا كان الخشوع في الصلاة واجباً، فالخشوع يتضمن السكينة، والتواضع جميعاً ... ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حال ركوعه: ((اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري، ومُخِّي، وعظمي، وعصبي))([34])، فوصف نفسه بالخشوع في حال الركوع؛ لأن الراكع ساكن متواضع ... ))([35]) .
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: ]الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[([36]) أقوال: فقيل: ((خائفون ساكنون))، وقيل: ((الخشوع في القلب))، وقيل: ((الخشوع: الرهبة لله))، وقيل: ((الخشوع في القلب، وأن يلين كنفه للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك، والخوف، وغض البصر في الصلاة، وخفضه وسكونه ضد تقليبه في الجهات، ومن ذلك خشوع الصوت([37]) .
فإذا كان الخشوع في الصلاة واجباً، وهو متضمن للسكون والخشوع، فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده، وكذلك من لم يرفع رأسه من الركوع ويستقر قبل أن ينخفض، لم يسكن؛ لأن السكون هو الطمأنينة بعينها، فمن لم يطمئن لم يسكن، ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه، ولا في سجوده، ومن لم يخشع كان آثماً عاصياً([38]).
مما يدل على وجوب الخشوع في الصلاة: أن الله ينصرف عن من التفت فيها لغير حاجة؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلاً عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ، مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ)) وهذا لفظ أبي داود، ولفظ النسائي وأحمد: ((لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلاً عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ، مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ انْصَرَفَ عَنْهُ))([39]) .
ومما يدل على وجوب الخشوع أيضاً: حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه الطويل عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((...وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ..)) هذا لفظ الترمذي ، ولفظ أحمد: ((... وَآمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عزوجل يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا...))([40]) .
ويدل على وجوب الخشوع، حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ([41])، اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ ..))([42]) .
ومما يدل على وجوب الخشوع في الصلاة قوله تعالى: ]فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ[([43])، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وليس السهو عنها تركها، وإلا لم يكونوا مصلين، وإنما هو السهو عن واجبها: إما عن الوقت، كما قال ابن مسعود وغيره، وإما عن الحضور والخشوع، والصواب أنه يعمّ النوعين؛ فإنه سبحانه أثبت لهم صلاة، ووصفهم بالسهو عنها، فهو السهو عن وقتها الواجب، أو عن إخلاصها، وحضورها الواجب؛ ولذلك وصفهم بالسهو، ولو كان السهو تركاً لما كان هناك رياء ..))([44]).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن وسواس الرجل في صلاته، وما حد المبطل للصلاة؟ وما حد المكروه منه، وهل يُباح منه شيء في الصلاة؟ وهل يعذّب الرجل في شيء منه؟ وما حدّ الإخلاص في الصلاة؟... [وقول بعض السلف]: ((لَيْسَ لِأَحَدِكُمْ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا))([45]).
فأجاب: ((الحمد لله، الوسواس نوعان:
أحدهما: لا يمنع ما يؤمر به من تدبر الكلم الطيب، والعمل الصالح الذي في الصلاة، بل يكون بمنزلة الخواطر، فهذا لا يبطل الصلاة؛ لكن من سلمت صلاته منه فهو أفضل ممن لم تسلم منه صلاته، الأول شبه حال المقربين، والثاني: شبه حال المقتصدين.
وأما الثالث: فهو ما منع الفهم، وشهود القلب، بحيث يصير الرجل غافلاً، فهذا لا ريب أنه يمنع الثواب، كما روى أبو داود في سننه، عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرجل لينصرف من صلاته، ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، حتى قال إلا عشرها))([46])، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه قد لا يكتب له منها إلا العشر.
وقال ابن عباس: ((ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها))([47])، ولكن هل يبطل الصلاة ويوجب الإعادة؟ فيه تفصيل، فإنه إن كانت الغفلة في الصلاة أقل من الحضور، والغالب الحضور، لم تجب الإعادة، وإن كان الثواب ناقصاً، فإن النصوص قد تواترت بأن السهو لا يبطل الصلاة، وإنما يجبر بعضه بسجدتي السهو، وأما إن غلبت الغفلة على الحضور، ففيه للعلماء قولان:
أحدهما: لا تصح الصلاة في الباطن، وإن صحت في الظاهر، كحقن الدم؛ لأن مقصود الصلاة لم يحصل، فهو شبيه صلاة المرائي، فإنه بالاتفاق لا يبرأ بها في الباطن، وهذا قول أبي عبد الله ابن حامد، وأبي حامد الغزالي وغيرهما.
والثاني: تبرأ الذمة، فلا تجب عليه الإعادة، وإن كان لا أجر له فيها، ولا ثواب، بمنزلة صوم الذي ((لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ))([48])، وهذا هو المأثور عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة، واستدلوا بما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إذَا أذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى التَّأْذِينَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ))([49])، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يذكِّره بأمور حتى لا يدري كم صلى، وأمره بسجدتين للسهو، ولم يأمره بالإعادة، ولم يفرّق بين القليل والكثير.
وهذا القول أشبه وأعدل؛ فإن النصوص والآثار إنما دلت على أن الأجر والثواب مشروط بالحضور، لا تدل على وجوب الإعادة، لا باطناً ولا ظاهراً، والله أعلم([50]).
3- فضله واهميته
يقول الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله:
ولا تتم صلاةٌ بغير خشوع مهما كانتْ ملتزمة بالمظهر المسنون، أو انضبطتْ فيها الحركات الآلية، أو تم كلامُ اللسان، والخشوع حالة لا تتيسَّر إلا لمن تعهَّد نفسه بالتزكية، ورطَّب لسانه بذِكر الله في كل حين، وألان فؤادَه باستشعار هيبة ربِّه؛ حتى تفجرتْ في نفسه ينابيعُ الإيمان، وعرف طمأنينة اليقين، فصار يحسن العبادة كأنه يرى الله؛ ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: 16]، وقد فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسانَ بأنْ ((تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك))[51].
والخشوع تكاملٌ بين معانٍ مختلفة، من التوجُّه إلى الله، ومن التجرُّد له عما سواه، واستشعار جلال الله وعظمته، والتذلُّل له، والخضوع والاستكانة بين يديه، ولا بد من استحضار هذا الشعورِ الكامل لدى كلِّ قول أو عمل من إجراءات الصلاة؛ فالخشوع قيامُ القلب بين يدي الربِّ بالخضوع والذلِّ.
وأجمع العارفون على أن الخشوع محلُّه القلب، وثمرتُه على الجوارح؛ فالخاشعون هم الخاضعون لله والخائفون منه، وفسر الخشوع في الصلاة بأنه جمْعُ الهمة لها، والإعراضُ عما سواها، وهذا الخشوع وسيلةٌ لتنمية مَلَكة حصر الذهن، التي لها أكبر الأثر في نجاح الإنسان في هذه الحياة، وقد علق فلاح المصلِّين بالخشوع في صلاتهم؛ فدلَّ على أن من لم يخشع في صلاته، فليس من أهل الفلاح[52].
ومما يبطل الصلاة: الكلامُ العمد، والضحكُ، والأكلُ والشرب، وكشفُ العورة، والانحرافُ عن جهة القبلة، والعبثُ الكثير، وحدوثُ النجاسة.
ومما يعصم من الشيطان: التعوذُ بالله منه، ومخالفتُه، والعزم على عصيانه، وكثرة ذِكر الله - تعالى - قال صلى الله عليه وسلم : ((رأيتُ رجلاً من أمتي قد احتوشتْه الشياطين، فجاء ذِكرُ الله، فطرد الشيطانَ عنه))[53].
أخي المسلم، حافِظ على صلواتك الخمس بشروطها وأركانها، وواجباتها وخشوعها، وسننها ومكملاتها؛ حتى يحفظَك الله بها، وقد شبَّهها رسول الله صلى الله عليه وسلم في محْوِها للخطايا بالنهر الجاري الذي يغتسل منه العبدُ كلَّ يوم خمسَ مراتٍ، فيذهب ما فيه من الأوساخ والأدران، قال: ((فكذلك الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا))[54]، وقال - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ [المعارج: 34، 35].
اللهم اجعلنا وجميع المسلمين من المحافظين على الصلوات، المكرمين بنعيم الجنات، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
من أحكام الطهارة والصلاة / عبدالله الجارالله
ويقول الشيخ/ يحيى بن موسى الزهراني:
الطمأنينة والخشوع في الصلاة من أهم الأركان على الإطلاق ، بل هما أهم ركن في الصلاة ، إذ بدونهما لا تتم صلاة المرء .
وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على ذلك ، وتحذر من السرعة في الصلاة التي تؤدي إلى الإخلال بركن الطمأنينة الذي به تصح الصلاة أو تبطل .
عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " [ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والدار قطني والبيهقي بإسناد صحيح ، وصححه الألباني ] .
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسوأ الناس سرقة ، الذي يسرق من صلاته " قالوا : يا رسول الله ! كيف يسرق من صلاته ؟ قال : " لا يتم ركوعها ولا سجودها ، أو قال : " لا يقيم صلبه في الركوع والسجود " [ أخرجه أحمد والطبراني وابن خزيمة والحاكم ، وهو صحيح لغيره ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود " [ أخرجه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وهو حديث صحيح ] .
وعن طلق بن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها " [ حديث صحيح أخرجه أحمد والضياء في المختارة والطبراني في الكبير بإسناد حسن ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة ، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود ، ويتم السجود ولا يتم الركوع " [ أخرجه القاسم الأصبهاني بسند حسن ، انظر الصحيحة 6/حديث رقم 2535 ] .
وعن أبي عبد الله الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يتم ركوعه ، وينقر في سجوده وهو يصلي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو مات هذا على حاله هذه ، مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم " [ حديث حسن أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه ] .
وجاء موقوفاً على بلال رضي الله عنه ، أنه أبصر رجلاً لا يتم الركوع ولا السجود ، فقال له : ما صليت ، ولو متَّ مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم " [ حديث صحيح أخرجه الطبراني والهيثمي ] .
ورأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود ، فلما قضى صلاته ، قال له حذيفة : ما صليت ، ولو مُتَّ مُت على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم " [ أخرجه البخاري ] .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعاً " [ أخرجه الطبراني بإسناد حسن ] .
هذه النصوص الشرعية الصحيحة تدل على أهمية الطمأنينة في الصلاة ، والخشوع في أركانها وواجباتها ، والتحذير من عقوبة من فرط في ذلك والعياذ بالله ، فعلى أهل الصلاة من أئمة ومأمومين ومنفردين رجالاً ونساءً أن يحرصوا على الطمأنينة في صلاتهم ، وأن ينتبهوا لذلك الأمر ، فالعبد واقف بين يدي مولاه سبحانه وتعالى ، وافداً على ربه ، فيجب عليه أن يقدر ذلك الموقف الرهيب ، وتلك المقابلة العظيمة مع من خلقه ورزقه ووهبه الخير وطرقه .
وعلى الأئمة خصوصاً أن يراعوا هذه الأمر وينشرونه بين الناس ، ويعلمون به الجاهل ، ويذكرون به الناسي ، ليتناقله الناس من بيت إلى آخر ، ومن جلسة لأخرى ، كما يجب على الخطباء أن يعظوا به الناس على المنابر ، فالخشوع أصبح أمراً غير مألوف عند أغلب الناس ، كما مر بنا في حديث أبي أمامة السابق .
أحكام الإمامة يحيى بن موسى الزهراني إمام الجامع الكبير بتبوك ( سابقاً )
ويقول الشيخ / سعيد بن وهف القحطاني:
ثبت في الخشوع في الصلاة فضائل كثيرة، منها الفضائل الآتية:
1- من فرَّغ قلبه لله تعالى في صلاته انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه؛ لحديث عمرو بن عبسة السُّلمي رضي الله عنه الطويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد أن ذكر فضائل الوضوء: (( .... فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ..)) وذكر عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبع مرات([55]) .
2- من صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسَه غفر الله له ما تقدم من ذنبه؛ لحديث عثمان رضي الله عنه ، أنه حين توضأ وضوءاً كاملاً قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))([56]) .
3- من صلَّى صلاةً مكتوبةً فأحسن خشوعها كانت كفّارةً لما قبلها من الذنوب؛ لحديث عثمان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يأْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ))([57]) .
4- من صَلَّى ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ))([58]) .
5-الفوز والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة للخاشعين في صلاتهم، قال الله تعالى: ]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[([59]).
والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضراً لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقلُّ التفاته، متأدِّباً بين يدي ربه، مستحضراً جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الرديئة، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها، ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها([60]).
6- المغفرة والأجر العظيم للخاشعين؛ لقول الله تعالى: ]وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ[([61]).
وقال تعالى: ]إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً[([62]) .
7- الخاشعون والخاضعون لله مُبشَّرون بكل خير في الدنيا والآخرة؛ لقول الله تعالى: ]وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ[([63]).
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: ((الخبت: المطمئن من الأرض ... ثم استعمل الإخباتُ استعمال اللين والتواضع، قال الله تعالى: ]وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([64]).
وقال تعالى: ]وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ[([65])، أي المتواضعين، نحو: ]الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ[([66])، وقوله تعالى: ]فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ[([67]) أي تلين وتخشع، والإخبات هنا قريب من الهبوط في قوله تعالى: ]وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ[([68]).
وقال ابن منظور رحمه الله: ((الخبت ما اطمأن من الأرض واتَّسع ... ]وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ[([69]) أي تواضعوا، وقال الفرّاء: أي تخشَّعوا لربهم ... وأخبت لله: خشع، وأخبت: تواضع، وكلاهما من الخبت، وفي التنزيل العزيز: ]فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ[[([70]) فسَّره ثعلب بأنه التواضع، وفي حديث الدعاء: ((وَاجْعَلْنِي لَكَ مُخْبِتَاً))([71]) أي خاشعاً مطيعاً، والإخبات: الخشوع والتواضع([72]) .
وقال ابن الأثير رحمه الله: ((وَاجْعَلْنِي لَكَ مُخْبِتَاً))([73]) أي خاشعاً مطيعاً، والإخبات: الخشوع والتواضع، وقد أخبت لله: يخبت .. وأصلها من الخبت المطمئن من الأرض))([74]) .
وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله هذه المعاني السابقة، ثم قال: ((والخبت في أصل اللغة: المكان المنخفض من الأرض ... ))، ثم قال: ((وقال إبراهيم النخعي: المصلُّون المخلصون، وقال الكلبي: هم الرقيقة قلوبهم .. وهذه الأقوال تدور على معنيين: التواضع، والسكون إلى الله عزوجل...))([75]) .
8- الخشوع والتواضع لله من أعظم أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار؛ لقوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([76]) .
9- الخشوع لله تعالى يورث هداية الله تعالى وتثبيته؛ لقوله تعالى: ]وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[([77]) .
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((]فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ[أي تخشع، وتخضع، وتسلِّم لحكمته، وهذا من هدايته إياهم ] وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا[ بسبب إيمانهم ] إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [علم بالحق، وعمل بمقتضاه، فيثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهذا النوع من تثبيت الله لعبده))([78]).
10-أفضل الناس أخشعهم لله تعالى، فالخشوع لله تعالى إذا كان بسبب معرفة الله بأسمائه وصفاته، وأفعاله، والرغبة فيما عنده، والخشية من عقابه، ومبْنيٌّ على حبه، وخوفه مع رجائه، فهذا كلُّه يجعل العبد أفضل الناس؛ ولهذا قال سفيان رحمه الله تعالى: ((أجهل الناس من ترك ما يعلم، وأعلم الناس من عمل بما يعلم، وأفضل الناس أخشعهم لله))([79]).
وقال سفيان أيضاً: ((يراد للعلم: الحفظ، والعمل، والاستماع، والإنصات، والنشر))([80]).
وقال سفيان أيضاً رحمه الله: ((كان يُقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله يخشى الله، ليس بعالم بأمر الله، وعالمٌ بالله، عالم بأمر الله، يخشى الله، فذاك العالم الكامل، وعالم بأمر الله، ليس بعالم بالله، لا يخشى الله، فذلك العالم الفاجر))([81]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه الكلمات ينبغي أن تنقل))([82]) .
11- مَنْ أتمَّ الصَّلوات الخمس بخشوع كان له على الله عهد أن يغفر له؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال ... أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَصَلاَّهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ، وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ))([83]) .
12-مدح الله تعالى الخاشعين في طاعته ووصفه لهم بالعلم؛ لقوله تعالى: ]أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ[([84])، والقنوت هنا هو الخشوع في الطاعة؛ ولهذا قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: (( ... القنوت يرد في القرآن على قسمين: قنوت عام، كقوله تعالى: ]وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ[ ([85]) أي الكل عبيد خاضعون لربوبيّته، وتدبيره، والنوع الثاني: وهو الأكثر في القرآن: القنوت الخاص، وهو دوام الطاعة لله على وجه الخشوع، مثل قوله تعالى: ]أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً[([86])، وقوله: ]وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[([87])، وقوله: ]يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي[([88])، وقوله: ]وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ[([89])، ونحوها))([90]).
وقد قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: ((القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع، وفُسِّرَ بكل واحد منهما في قوله تعالى: ]وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[[([91])، وقوله: ]كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ[([92]) قيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون، ولم يُعْنَ به كل السكوت، وإنما عُنِيَ به ما قال عليه الصلاة السلام: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَمَّا هُوَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ))([93])، وعلى هذا قيل: أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طُولُ القُنُوتِ))([94]) أي الاشتغال بالعبادة، ورفض كل ما سواه، وقال اللّه تعالى: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً[([95])، وقال: ]وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ[([96])، وقال: ]أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً[([97])، وقال: ]اقْنُتِي لِرَبِّكِ[([98])، وقال:
]وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ[([99])، وقال: ]وَالْقَانِتِينَ
وَالْقَانِتَاتِ[([100])، وقال عزوجل: ]فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ[([101])([102]).
والقنوت في الحديث يُروَى بمعانٍ متعددةٍ، فيطلق على: الخشوع، والطاعة، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام، والسكوت، والسكون، وإقامة الطاعة، والخضوع([103])، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن ابن العربي ذكر أن القنوت ورد لعشرة معانٍ، نظمها الحافظ زين الدين العراقي، فقال:
((ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد |
|
مزيداً على عشرة معاني مرضيَّه |
دعاءٌ، خشوعٌ، والعبادة، طاعة |
|
إقامتها، إفراده بالعبودية |
سكوتٌ، صلاة،ٌ والقيام، وطوله |
|
كذا دوام الطاعة الرابح القنية))([104]) |
ويصرف كل واحدة من هذه المعاني إلى ما يدل عليه الحديث، أو الكلام الوارد فيه، وما يقتضيه سياقه([105]) .
13- أثنى الله عزوجل على من يوجل قلبه لذكر الله بأنه يخافه ويخشاه، ووصفه بالإيمان الكامل، قال الله تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً[([106])، وقوله تعالى: ]إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ[([107])، وقوله تعالى: ]وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ[([108])، وقال تعالى: ]وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ[([109]).
ووجل القلب: الوجل: استشعار الخوف، يقال: وَجِلَ يَوْجَلُ وَجَلاً، فهو وَجِل([110]).
قال ابن كثير رحمه الله: ((]وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ[: فرقت: أي فزعت وخافت، وهذه صفة المؤمن ... الذي إذا ذكر الله وجل قلبه: أي خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره))([111]).
وقال السعدي رحمه الله: ((أي خافت ورهبت فأوجبت لهم خشية الله تعالى الانكفاف عن المحارم، فإن خوف الله تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب))([112])، وقال رحمه الله: ((الخوف، والخشية، والخضوع، والإخبات، والوجل معانيها متقاربة، فالخوف يمنع العبد من محارم الله، وتشاركه الخشية في ذلك، وتزيد أن خوفه مقرون بمعرفة الله، وأما الخضوع، والإخبات، والوجل، فإنها تنشأ عن الخوف، والخشية، فيخضع العبد لله، ويخبت إلى ربه منيباً إليه بقلبه، ويحدث له الوجل، وأما الخشوع: فهو حضور القلب وقت تلبّسه بطاعة الله، وسكون ظاهره وباطنه، فهذا خشوع خاص، وأما الخشوع الدائم الذي هو وصف خوّاص المؤمنين، فينشأ من كمال معرفة العبد ربه، ومراقبته، فيستولي ذلك على القلب، كما تستولي المحبة))([113]).
14-وصف الله من يقشعر جلده عند قراءة القرآن بالخشية لله تعالى؛ لقوله تعالى: ]اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[([114])، فحصل لهم قشعريرة الجلد، ثم لين القلب والجلد.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: ((]تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ[([115]) أي يعلوها قشعريرة))([116]) .
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار؛ لما يفهمونه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، ]ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [كما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه ...))([117]).
وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((]تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [لما فيه من التخويف والترهيب المزعج ]ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [أي عند ذكر الرجاء والترغيب، فهو تارة يرغبهم لعمل الخير، وتارة يرهبهم من عمل الشر))([118]).
يقول الشيخ سعيد القحطاني:
الخشوع في الصلاة له فوائد كثيرة منها الفوائد الآتية:
أولاً: الخشوع يجعل الصلاة محبوبة يسيرة على المصلي، قال الله تعالى: ]وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون[([119]).
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((وإنها)) أي الصلاة ((لكبيرة)) أي شاقة ((إلا على الخاشعين)) فإنها سهلة عليهم، خفيفة؛ لأن الخشوع وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحاً صدره؛ لترقُّبه للثواب ، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك؛ فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه ...؛ ولهذا قال: ((الَّذِينَ يَظُنُّونَ)) أي يستيقنون ((أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ)) فيجازيهم بأعمالهم ((وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون)) فهذا الذي خفف عليهم العبادات، وأوجب لهم التسلِّي في المصيبات، ونفّس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه))([120]).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلَّى، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلَّى))([121]) .
وعن صهيب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكاه عن نبي من الأنبياء السابقين، وفيه: أن هذا النبي استشار قومه، فقالوا: أنت نبي الله نَكِلُ ذلك إليك، فَخِرْ لنا، قال ((فقام إلى صلاته)) قال: ((وكانوا يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة))([122])، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر [أي نزل به أمر شديد] فزع إلى الصلاة، وكان الأنبياء قبله عادتهم الاشتغال بالصلاة في الشدائد))([123]) ([124]).
ثانياً: الخشوع في الصلاة يجعلها تنهى عن الفحشاء والمنكر:
قال تعالى: ]اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[([125]) .
فالله تعالى أمر بتلاوة كتابه، ومن تلاوته: اتباع ما يأمر به، والابتعاد عما ينهى عنه، والاهتداء بهداه، وتصديق أخباره، وتدبُّر معانيه، وتلاوة ألفاظه، فإذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب، عُلِمَ أن إقامة الدين كلّه داخلة في تلاوة كتاب الله، فيكون قوله تعالى: ]وأقم الصلاة[ من باب عطف الخاص على العام لفضل الصلاة، وشرفها، وآثارها الجميلة، وهي ((إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ))، ووجه ذلك أن العبد المقيم لها، المتمّم لأركانها، وشروطها، وخشوعها يستنير قلبه، ويتطهَّر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتعدم رغبته في الشرّ، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها، وثمراتها([126]).
فالخشوع في الصلاة من الواجبات التي تجب لها، فحينئذٍ تنهى عن الفحشاء والمنكر: إذا قام بها العبد كاملة بما يجب لها. والله تعالى أعلم.
وقد ثبت أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ((إن فلاناً يصلِّي الليل كلَّه، فإذا أصبح سرق، فقال: ((سينهاه ما تقول))، أو قال: ((ستمنعه صلاته))([127]).
فإذا صلَّى العبد المسلم الصلاة على الوجه الأكمل: بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وخشوعها، والتدبّر في قراءتها منعته من الفحشاء والمنكر([128]) .
ثالثاً: الخشوع الكامل يجلب البكاء من خشية الله تعالى:
لا شك أن الخشوع الكامل في الصلاة يجلب البكاء من خشية الله تعالى، وإذا حصل هذا العمل الصالح كان من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيةِ الله حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ في سَبيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ))([129]) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ: قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْأَثَرَانِ: فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ))([130]) .
وعن ابن عباس رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))([131]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهِ: إِمَامٌ عاَدِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في ِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلُمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يِمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))([132]) .
والمشروع في البكاء أن يكون الباعث عليه: التفكُّر في الذنب، أو عدد الذنوب، أو التفكُّر في تقصيره، أو خوف عذاب الله تعالى، أو الخوف من أن لا يقبل عمله؛ لفقد شرطٍ من شروط صحته، أو خوف الموت قبل الاستعداد، أو توقير الله وتعظيمه، أو خوف الفتن، أو خوف عدم الثبات على الدين، أو التذلّل لله في الدعاء، أو الطَّمع في رضوان الله والجنّة، أو الشوق إلى لقاء الله تعالى، وأعظم البكاء من خشية الله في الخلوات.
رابعاً: الخشوع في الصلاة يعطي الصلاة معناها الحقيقي، وهو التوجه والحضور بالقلب، والجسد بين يدي الله تعالى، والتقرُّب له بذلك.
خامساً: الخشوع في الصلاة يهوِّن الوقوف على العبد يوم القيامة؛ ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هُوِّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف، ولم يوفِّه حقَّه شُدِّد عليه ذلك الموقف، قال الله تعالى: ]وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً[([133]) ([134]).
سادساً: الخشوع في الصلاة يقرِّب العبد من الله، ويستفيد منه اللذة في مناجاة الله؛ لأن اللذة تابعة للمحبَّة تقوى بقوَّتها، وتضعف بضعفها، فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق إليه أقوى كانت الّلذَّة بالوصول إليه أتمّ([135]).
سابعاً: الخشوع الكامل يزداد به الإيمان، ويليِّن القلب، ويورث الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، ويبعث في القلب محبة الخير، والرغبة فيه، وكراهية الشرِّ والنفور منه، وبهذا تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر.
ثامناً: الخشوع في الصلاة يزيل الهمَّ عن القلب، ويشرح الصدر.
تاسعاً: الخشوع في الصلاة يزيد المسلم حُبَّاً في الصلاة حتى تكون أحبَّ شيء إلى النفس فتصبح قُرَّة العين، وراحة النفس، كما تقدم في الأدلة.
عاشراً: الخشوع يفتح للعبد أبواب الفقه، والاستفادة من كلام الله تعالى، قال الله I: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً[([136]) .
الحادي عشر: الخشوع يفتح أبواب الدعاء للعبد، فيدعو الله ويتضرَّع إليه، وكلما ازداد الخشوع كان ذلك أبلغ([137]) .
الثاني عشر: الخشوع في الصلاة يجعلها شفاءً من عامة الأوجاع قبل استحكامها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
((قَالَ اللّهُ تَعَالَى : ]وَاسْتَعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ وَإِنّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلّا عَلَى الْخَاشِعِينَ[([138]).
وَقَالَ: ]يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ[([139]).
وَقَالَ تَعَالَى: ]وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتّقْوَى[([140]).
وَفِي السّنَنِ: ((كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إلَى الصّلَاةِ))([141]).
وَقَدْ ذَكَرَ الإِمامُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ عُمُومَ ((الِاسْتِشْفَاءِ بِالصّلَاةِ مِنْ عَامّةِ الْأَوْجَاعِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهَا))([142]).
وَالصّلَاةُ مُجْلِبَةٌ لِلرّزْقِ، حَافِظَةٌ لِلصّحّةِ، دَافِعَةٌ لِلْأَذَى، مُطْرِدَةٌ لِلْأَدْوَاءِ، مُقَوّيَةٌ لِلْقَلْبِ، مُبَيّضَةٌ لِلْوَجْهِ، مُفْرِحَةٌ لِلنّفْسِ، مُذْهِبَةٌ لِلْكَسَلِ، مُنَشّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ، مُمِدّةٌ لِلْقُوَى، شَارِحَةٌ لِلصّدْرِ، مُغَذّيَةٌ لِلرّوحِ، مُنَوّرَةٌ لِلْقَلْبِ، حَافِظَةٌ لِلنّعْمَةِ، دَافِعَةٌ لِلنّقْمَةِ، جَالِبَةٌ لِلْبَرَكَةِ، مُبْعِدَةٌ مِنَ الشّيْطَانِ، مُقَرّبَةٌ مِنَ الرّحْمَنِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ صِحّةِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ، وَقُوَاهُمَا، وَدَفْعِ الْمَوَادّ الرّدِيئَةِ عَنْهُمَا، وَمَا اُبْتُلِيَ رَجُلَانِ بِعَاهَةٍ، أَوْ دَاءٍ، أَوْ مِحْنَةٍ، أَوْ بَلِيّةٍ، إلّا كَانَ حَظّ الْمُصَلّي مِنْهُمَا أَقَلّ، وَعَاقِبَتُهُ أَسْلَمَ.
وَلِلصّلَاةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي دَفْعِ شُرُورِ الدّنْيَا، وَلَا سِيّمَا إذَا أُعْطِيَتْ حَقّهَا مِنَ التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدْفِعَتْ شرورُ الدُّنيا والآخرة، ولا استُجْلِبَت مصالِحُهُمَا بمثل الصلاة، وسِرُّ ذلك أنَّ الصلاة صِلةٌ باللهِ عزوجل، وَعَلَى قَدْرِ صِلَةِ الْعَبْدِ بِرَبّهِ عزوجل تُفْتَحُ عَلَيْهِ مِن الْخَيْرَاتِ أَبْوَابُهَا، وَتُقْطَعُ عَنْهُ مِن الشّرُورِ أَسْبَابُهَا، وَتُفِيضُ عَلَيْهِ مَوَادّ التّوْفِيقِ مِنْ رَبّهِ عزوجل، وَالْعَافِيَةُ، وَالصّحّةُ، وَالْغَنِيمَةُ، وَالْغِنَى، وَالرّاحَةُ وَالنّعِيمُ، وَالْأَفْرَاحُ وَالْمَسَرّاتُ، كُلّهَا مُحْضَرَةٌ لَدَيْهِ وَمُسَارِعَةٌ إلَيْهِ))([143]).
يقول الشيخ سعيد القحطاني:
الخشوع في الصلاة بمنزلة الروح من الجسد، فإذا فُقِدَت الروح مات الجسد، فالخشوع روح الصلاة، ولبُّها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (( ... وكذلك فَوتُ الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها بين يدي الرب تبارك وتعالى، الذي هو روحها، ولُبُّها، فصلاةٌ بلا خشوعٍ، ولا حضور، كبدنٍ ميِّتٍ لا روح فيه، أفلا يستحي العبد أن يُهدي إلى مخلوقٍ مثله عبداً ميِّتاً، أو جارية ميِّتة؟ فما ظن هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قصده بها: من ملكٍ، أو أميرٍ، أو غيره، فهكذا؛ سواء الصلاة الخالية عن الخشوع، وجمع الهمة على الله تعالى فيها، بمنزلة هذا العبد – أو الأمة – الميِّت الذي يريد إهداءه إلى بعض الملوك؛ ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه، وإن أسقطت الفرض في أحكام الدنيا، ولا يثيبه عليها؛ فإنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها ..))([144]) .
وذكر ابن القيم رحمه الله قول من قال: إن غلب على المصلِّي عدم الخشوع في الصلاة، وعدم تعقُّلِها وجب عليه إعادتها، واحتجوا: بأنها صلاة لا يُثاب عليها، ولم يُضمن له فيها الفلاح، فلم تبرأ ذمته منها ...؛ ولأن الخشوع، والتعقُّلَ: روح الصلاة، ومقصودها، ولبُّها، فكيف يُعتدّ بصلاةٍ فقدت روحها، ولبَّها، وبقيت صورتها وظاهرها؟ وقالوا: ولو ترك العبد واجباً من واجباتها عمداً لأبطلها تركه، وغايته أن يكون بعضاً من أبعاضها، بمنزلة فوات عضو من أعضاء العبد المعتق في الكفارة، فكيف إذا عدمت روحها، ولُبَّها، وصارت بمنزلة العبد الميِّت، فإذا لم يعتدّ بالعبد المقطوع اليد، يعتقه تقرّباً لله تعالى في كفارة واجبة، فكيف يعتدّ بالعبد الميت .. ؟؟ وذكر بأن حجج أصحاب هذا القول قويّة ظاهرة.
ولكنه رحمه الله رجّح القول الثاني الذي لا يوجب الإعادة، وإنما يفُوت المصلِّي غير الخاشع الثواب بقدر ما فاته من الخشوع في صلاته، ويفوته ما يحصل من الدرجات العُلا في الآخرة، ومرافقة المقرّبين، كل هذا يفوته بفوات الحضور والخضوع، وذَكَر أن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، فإن أراد الإعادة لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذاك إليه إن شاء أن يحصِّلها، وإن شاء أن يفوّتها على نفسه فوَّتها، ولا نلزمه بإعادتها ولا نعاقبه على تركها، ولا نرتب عليه أحكام تارك الصلاة، وهذا أرجح القولين([145]) .
وكلام ابن القيم رحمه الله هنا مختص بحضور القلب وخشوعه في الصلاة، أما من نقر الصلاة، ولم يتم ركوعها، أو سجودها، أو ترك شيئاً من شروطها، أو أركانها، أو تعمّد ترك واجب من واجباتها، فلا شكّ أن الإعادة تجب عليه.
ومما يدل على عظم منزلة الخشوع في الصلاة: أن الله تعالى يُعرِض عن من التفت بقلبه أو ببصره؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه ، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ((لاَ يَزَالُ اللَّهُ عزوجل مُقْبِلا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ))([146])؛
ولحديث الحارث الأشعري يرفعه، وفيه: (( ... وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ...))([147]) .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((الالتفات المنهيُّ عنه في الصلاة قسمان:
أحدهما: التفات القلب عن الله عزوجل إلى غير الله تعالى.
والثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه، ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره، أعرض الله تعالى عنه... ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان، فأوقفه بين يديه، وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتف عن السلطان يميناً وشمالاً، وقد انصرف قلبه عن السلطان، فلا يفهم ما يخاطبه به؛ لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظنُّ هذا الرجل أن يفعل به السلطان، أفليس أقلّ المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً، قد سقط من عينيه؟ فهذا المُصلِّي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته، الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه، فامتلأ قلبه من هيبته، وذلَّ عُنُقه له، واستحيى من ربه تعالى أن يقبل على غيره، أو يلتفت عنه، وبين صلاتيهما كما قال حسان بن عطية: إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض؛ وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عزوجل، والآخر ساهٍ غافلٌ، فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله، وبينه وبينه حجاب لم يكن إقبالاً ولا تقرّباً، فما الظن بالخالق عزوجل، وإذا أقبل على الخالق عزوجل، وبينه وبينه حجاب: الشهوات، والوساوس، والنفس مشغوفة بها، ملْأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالاً، وقد ألهته الوساوس، والأفكار، وذهبت به كل مذهب))([148]).
ويقول الشيخ/ عبدالله الجارالله:
لايبلغ أعلى المراتب في الصلاة الا بالخشوع:
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه: "الوابل الصيب من الكلم الطيب": "والناس في الصلاة على مراتبَ خمسةٍ:
إحداها: مرتبة الظالم لنفسه المفرِّط، وهو الذي نَقَصَ من وضوئها ومواقيتها، وحدودها وأركانها.
الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها؛ لكن قد ضيع مجاهدةَ نفسه بالوسوسة؛ فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها، وجاهَدَ نفسه في دفْع الوساوس والأفكار، فهو مشغول في مجاهدة عدوِّه؛ لئلا يسرق من صلاته؛ فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمَلَ حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها؛ لئلا يضيع منها شيءٌ؛ بل همُّه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبَه ووضعه بين يدي ربه - سبحانه وتعالى - ناظرًا بقلبه إليه، مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وتعظيمه، كأنه يراه ويشاهدُه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضلُ وأعظم مما بين السماء والأرض.
فالقِسم الأول: معاقَب، والثاني: محاسَب، والثالث: مكفَّر عنه، والرابع: مثاب، والخامس: مقرَّب من ربه؛ لأن له نصيبًا ممن جُعلتْ قرة عينه في الصلاة فاستراح بها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أرِحْنا يا بلال بالصلاة))[149]، ويقول: ((جُعلت قرة عيني في الصلاة))[150]، ومن قَرَّتْ عينُه بالصلاة قرَّتْ عينُه بالله، ومن قرتْ عينه بالله قرتْ به كلُّ عين، ومن لم تقرَّ عينُه بالله تقطعتْ نفسُه على الدنيا حسرات، وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة، واشتغاله فيها بربه، إذا قهر شهوتَه وهواه، وإلا فقلبٌ قد قهرتْه الشهوةُ، وأسَرَه الهوى، ووجد الشيطان فيه مقعدًا تمكن فيه، كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟!"[151] انتهى.
وقال بعض العلماء: يحتاج المصلي إلى أربع خصال حتى تُرفع صلاته: حضور قلب، وشهود عقل، وخضوع أركان، وخشوع الجوارح، فمَن صلى بلا حضور قلب، فهو مصلٍّ لاهٍ، ومن صلى بلا شهود عقل، فهو مصلٍّ ساهٍ، ومن صلى بلا خضوع الأركان، فهو مصلٍّ جافٍ، ومن صلى بلا خشوع الجوارح، فهو مصلٍّ خاطئٌ، ومن صلى بهذه الأركان، فهو مصلٍّ وافٍ[152].
وقال صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه موعظةً وجيزة: ((صلِّ صلاةَ مودِّع))[153]؛ أي: إذا صليتَ فأكمل صلاتَكَ كأنها آخر صلاة تصلِّيها في حياتك، والخشوع في الصلاة حالةٌ تخضع وتطمئن فيها الجوارحُ بأعمال الصلاة، ترافقها أذكارٌ صادرة عن ذهن حاضر متدبِّر، وتواكبها خواطرُ تقوم بالفؤاد منفعلة بمهابة الله وإجلاله، ومشاعرُ متَّجهة إليه في القنوت والإخبات.
من أحكام الطهارة والصلاة / عبدالله الجارالله
6- أقسام الناس في الخشوع في الصلاة
يقول الشيخ سعيد القحطاني:
الناس يختلفون في الخشوع في الصلاة على حسب حضور قلب كل إنسان، وغفلته، وإقباله على صلاته، وانصراف قلبه عن ربه، والعياذ بالله تعالى، والناس في الخشوع في الصلاة على أقسام خمسة على النحو الآتي:
القسم الأول: مرتبة الظالم لنفسه المُفرِّط: وهو الذي انتقص من وضوئها، ومواقيتها، وحدودها، وأركانها.
القسم الثاني: من يحافظ على مواقيتها، وحدودها، وأركانها الظاهرة، ووضوئها، لكن قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.
القسم الثالث: من حافظ على حدودها، وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوِّه؛ لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.
القسم الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها، وأركانها، وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها؛ لئلا يضيع شيئاً منها؛ بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها، وإتمامها قد استغرق قلبه شأن الصلاة، وعبوديّة ربه تبارك وتعالى فيها.
القسم الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه، ووضعه بين يدي ربه عزوجل، ناظراً بقلبه إليه، مراقباً له، ممتلئاً من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلَّت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل، وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عزوجل، قرير العين به.
فالقسم الأول معاقبٌ، والثاني محاسبٌ، والثالث مكفَّرٌ عنه، والرابع مُثابٌ، والخامس مُقَرَّبٌ من ربّه؛ لأن له نصيباً ممن جُعِلَتْ قرّة عينه في الصلاة، فمن قرّت عينه بصلاته في الدنيا، قرَّت عينه بقربه من ربه عزوجل في الآخرة، وقرّت عينه أيضاً به في الدنيا، ومن قرَّت عينه بالله، قرّت به كل عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله تعالى، تقطَّعت نفسه على الدنيا حسرات.
وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة، واشتغاله فيها بربه عزوجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة، وأسره الهوى، ووجد الشيطان فيه مقعداً تمكن فيه، كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟([154]).
ماالذي يزيد الخشوع في الصلاة؟
يقول الشيخ الدكتور / سُلَيْمَانُ بنُ سَلِيمِ اللهِ الرُّحَيْلِيّ
هو الاستحضار، أهم أمر يا إخوة أنّ الإنسان يُقبِل على الصلاة بقلبه وهو قادم إليها، فرّغ قلبك قبل أن تصل إلى المسجد، حاول أن تتخفَّف من المشاغل القلبية قبل أن تصل إلى المسجد.
ثم إذا دخلتَ في الصلاة وقلتَ "الله أكبر" فاستشعر هذه الكلمة "الله أكبر"، استشعر بها وتيقّن، فإذا كان الله –عز وجل- أكبر فكيف تشتغل بمن دونه في صلاتك وأنت تناجي ربك؟
ثم انتبه لقلبك؛ يعني كن كمن يراقب طفلًا عند النار، ما يغفل عنه، يعني لو كان هناك نار موقَدة وكان هناك طفل عندها، فإنّ والده لا يغفل عنه، دائمًا يرقبه، هكذا افعل مع قلبك في الصلاة، فبمجرد أن يتسلل الشيطان تتنبّه له وتصرف الشيطان عن قلبك.
والمسألة تحتاج إلى جهاد، لأنّ الخشوع في الصلاة من ألذّ ما يناله العبد في الدنيا، أحلى من العسل وما هو أحلى من العسل، ولا يُنال مثل هذا إلا على جسر من التعب، والنعيم لا يُدرَك بالنعيم، ومَن آثر الراحة فاتته الراحة، والجنة والنعيم المتولِّد من العبادة لا يُنال إلا على جسر من التعب، لذا ينبغي أن يحرص الإنسان على مراقبة قلبه وعلى مدافعة الشيطان.
أمّا حال أكثرنا فإنه لا يستحضر إلا التكبير، يمكن حتى دعاء الاستفتاح لا يستحضر ما دعا فيه من أنواع الأدعية التي يحفظها، ثم يهيم في الدنيا مستسلمًا ولا يتنبه لقلبه، وهذا في الحقيقة أثّر علينا كثيرًا في عباداتنا.
فالشاهد أنني أنصح بثلاثة أمور مهمة، بعد الاستعانة بالله:
-الأمر الأوّل: تفريغ القلب قبل الوصول إلى المسجد، يتخفف الإنسان من مشاغل الدنيا في قلبه.
- الأمر الثاني: استشعار هذه الكلمة العظيمة "الله أكبر".
- الأمر الثالث: مراقبة القلب مراقبة دقيقة تامة أثناء الصلاة.
شرح كتاب آدَابُ المَشْيِ إِلى الصَّلاةِ لفضيلة الشيخ الدكتور سُلَيْمَانُ بنُ سَلِيمِ اللهِ الرُّحَيْلِيّ
أستاذ الدراسات العليا المشارك بكلية الشريعة بالجامعـة الإسلامية
ويقول الشيخ سعيد القحطاني:
يجب ترك الأسباب التي تزيل الخشوع في الصلاة، أو تضعفه، والعمل بالأسباب التي تجلبه وتقوِّيه، وهي كثيرة، منها الأسباب الآتية:
السبب الأول: معرفة الله تعالى: بأسمائه، وصفاته، وألوهيَّته، وربوبيَّته، فيجب على العبد أن يعلم أن الله تعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العُلا؛ فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من غير تعطيل، ولا تحريف، ولا تَكْييفٍ، ولا تمثيل، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن الله تعالى هو: الخالق المالك لكل شيء، المدبّر له، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، ولا مذلَّ لمن أعزَّ، ولا معزَّ لمن أذلَّ، ولا خافض لمن رفع، ولا رافع لمن خفض، ومن هذه صفاته وأسماؤه وأفعاله، فهو المستحقُّ للعبادة وحده، لا شريك له، ولا معبود بحقٍّ سواه، ولا ربَّ غيره، فيجب على العبد أن يعبد هذا الربَّ الكريم كأنه يراه؛ فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن معرفة الله نوعان:
النوع الأول: معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها الناس: البرُّ والفاجر، والمطيع والعاصي.
النوع الثاني: معرفة توجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلّق القلب به، والشوق إلى لقائه، وخشيته، والإنابة إليه، والأُنس به، والفرار من الخلق إليه، وهذه هي المعرفة الخاصة، والناس يتفاوتون فيها؛ ولهذه المعرفة بابان واسعان:
الباب الأول: التفكُّر والتأمُّل في آيات القرآن كلِّها، والفهم الخاص عن الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم .
الباب الثاني: التفكُّر في آيات الله المشهودة، وتأمل حكمته فيها، وقدرته، ولطفه، وإحسانه، وعدله، وقيامه بالقسط على خلقه، وجِمَاعُ ذلك: الفقه في معاني أسمائه الحسنى، وجلالها، وكمالها، وتفرُّدِهِ بذلك، وتعلُّقها بالخلق والأمر، فيكون فقيهاً في أوامره، ونواهيه، فقيهاً في قضائه وقدره، فقيهاً في أسمائه وصفاته، فقيهاً في الحكم الديني الشرعي، والحكم الكوني القدري، و ]ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[([155]))) ([156]).
السبب الثاني: علاج قسوة القلب، ومرضه، وغفلته؛ فإن هذه الأمراض من أعظم الأسباب في عدم الخشوع في الصلاة؛ لأن القلب إذا صلح صلحت الأعمال، والأحوال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أَلَا وَإِنَّ فِي اَلْجَسَدِ مُضْغَةً, إِذَا صَلَحَتْ, صَلَحَ اَلْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ اَلْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلَا وَهِيَ اَلْقَلْبُ))([157]).
وقد ذمَّ الله أصحاب القلوب القاسية، وأقساها قلوب اليهود، قال الله تعالى عنهم وعن قلوبهم: ]وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[([158]).
وقد حذَّر الله المؤمنين من قسوة القلوب فقال I: ]أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْـحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[([159]).
وذمَّ الله تعالى ذمَّاً عاماً لكلِّ من قسا قلبه، وأثبت له الويل والهلاك، فقال: ]أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[([160]).
ولا شك أن علاج قسوة القلوب يكون بالنظر إلى أسباب القساوة ثم إزالتها، ويكون ذلك على النحو الآتي:
الوفاء بالعهد مع الله تعالى في القيام بالواجبات التي أوجبها تعالى، والابتعاد عن المحرَّمات التي حرّمها على عباده، وكذلك الوفاء بالعهد مع المخلوقين، قال الله تعالى في سبب قساوة قلوب اليهود: ]فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ[([161]).
كثرة ذكر الله تعالى بالقلب مع اللسان، من أعظم أسباب سلامة القلوب من القسوة والأمراض المعنوية؛ فإن من أسباب قسوة القلوب كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى؛ لحديث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى قَسْوَةٌ للْقَلْبِ، وَإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ تَعالى القَلْبُ القَاسِي))([162]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((...وَلَا رَيْبَ أَنَّ القَلْبَ يَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ النُّحَاسُ، وَالفِضَّةُ، وَغَيْرُهُمَا، وَجَلَاؤُهُ بِالذِّكْرِ، فَإِنَّهُ يَجْلُوهُ حَتَّى يَدَعَهُ كَالمِرْآةِ البَيضَاءِ؛ فَإِذَا تَرَكَ الذِّكْرَ صَدِئَ، فَإِذَا ذَكَرَ جَلَاهُ، وَصَدَأُ القَلْبِ بِأَمْرَيْنِ: بِالغَفْلَةِ وَالذَّنْبِ، وَجَلَاؤُهُ بِشَيْئَيْنِ: بِالاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ))([163]).
وقد بين الله عزوجل: أن بذكره تطمئن القلوب، فقال سبحانه: ]الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[([164]).
وأعظم الذكر: القرآن الكريم، قال الله تعالى: ]اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[([165]).
ومن ذِكْر الله تعالى الدعاء؛ فإن الدعاء لغة: الطلب والابتهال: يُقال: دعوتُ الله أدعوه دعاءً: ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير([166]) ودعا الله: طلب منه الخير ورجاه منه، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب له الشر([167]).
والدعاء: سؤال العبد ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس والتحميد ونحوهما([168]).
فالدعاء نوعٌ من أنواع الذكر؛ فإن الذكر ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ذكر أسماء الله وصفاته ومعانيها والثناء على الله بها، وتوحيد الله بها وتنزيهه عما لا يليق به. وهو نوعان أيضاً:
إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث نحو: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)).
الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: الله عزوجل على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد لراحلته، وهو يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم.
النوع الثاني: ذكر الأمر، والنهي، والحلال والحرام، وأحكامه فيعمل بالأمر ويترك النهي، ويُحرِّمُ الحرامَ ويُحلُّ الحلالَ، وهو نوعان أيضاً:
ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا، وأحب كذا، وسخط كذا، ورضي كذا.
ذكره عند أمره فيبادر إليه ويعمل به، وعند نهيه فيهرب منه ويتركه.
النوع الثالث: ذكر الآلاء والنعماء والإحسان، وهذا أيضاً من أجَلِّ أنواع الذكر، فهذه خمسة أنواع.
وهي تكون ثلاثة أنواع أيضاً:
ذكرٌ يتواطأ عليه القلب واللسان، وهو أعلاها.
ذكرٌ بالقلب وحده، وهو في الدرجة الثانية.
ذكرٌ باللسان المجرد، وهو في الدرجة الثالثة([169]).
ومفهوم الذكر: هو التخلص من الغفلة والنسيان، والغفلة: هي تركٌ باختيار الإنسان، والنسيان تركٌ بغير اختياره.
والذكر على ثلاث درجات:
الذكر الظاهر: ثناءٌ على الله تعالى كقول: ((سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر)).
أو ذكر دعاء: نحو: ]قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[([170]). ونحو قوله: ((يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)). ونحو ذلك.
أو ذكر رعاية: مثل قول القائل: الله معي، الله ينظر إليَّ، الله شاهدي، ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله، وفيه رعاية لمصلحة القلب، ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة، والاعتصام بالله من الشيطان وشر النفس.
والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة، فإنها تضمنت الثناء على الله، والتعرض للدعاء والسؤال، والتصريح به. وهي متضمنة لكمال الرعاية، ومصلحة القلب، والتحرز من الغفلات، والاعتصام من الوساوس والشيطان.
الذكر الخفي: وهو الذكر بمجرد القلب والتخلص من الغفلة، والنسيان، والحجب الحائلة بين القلب وبين الرب سبحانه، وملازمة الحضور بالقلب مع الله كأنه يراه.
3- الذكر الحقيقي: وهو ذكر الله تعالى للعبد([171]): ]فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ[ ([172]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ِشِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً))([173]).
3- ترك الذنوب والتوبة منها؛ فإن كثرة الذنوب من أعظم أسباب قساوة القلوب، والحذر منها والابتعاد عنها من أعظم أسباب السلامة، قال الله تعالى: ]كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[([174])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُوداً عُوداً، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادّاً([175]) كَالْكُوزِ مُجَخِّياً([176]) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَراً إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ))([177]).
قال الإمام ابن المبارك رحمه الله:
رأيتُ الذنوب تُميت القلوب |
|
ويُورث الذُّلَّ إدمانُها |
وترك الذنوب حياة القلوب |
|
وخير لنفسك عصيانها([178]) |
قال عبد الله بن عباس رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: ((إن للحسنة: ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإنّ للسيئة: سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق))([179]).
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله: أن القلب يفسد بأمورٍ: التعلق بغير الله تعالى، وركوب بحر التمني، وكثرة النوم، وكثرة الطعام، والمفسد منه نوعان: أكل الحرام، والإسراف([180]).
وقال رحمه الله: ((قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل، والنوم، والكلام، والمخالطة))([181]).
4- ترك كثرة الضحك والقهقهة؛ فإن كثرة ذلك تميت القلب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟))، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَخَذَ بِيَدِي، فَعَدَّ خَمْساً، وَقَالَ: ((اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِناً، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِماً، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ))([182]).
5- كثرة ذكر الموت؛ فإن الغفلة عن الموت وطول الأمل مما يُقسي القلب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أكثروا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ))([183]) يعني الموت، وفي لفظ لابن حبان: ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذّ ، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَّعَه عَلَيْهِ، وَلَا ذَكَرَهْ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضيَّقَهُ عَلَيْهِ))([184]). وَفِي لفظ لابن حبان أيضاً: «كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّات))([185])، فَالْمَوت يقطع اللذات ويزيلها، والحديث دليل على أنه لا ينبغي أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ! وهو الموت، قال الإمام الصنعاني رحمه الله: ((وقد ذكر في آخر الحديث فائدة الذكر بقوله: ((فَإِنّكُمْ لاَ تَذْكُرُونَهُ فِي كَثِيرٍ إلاّ قَلّلهُ، وَلاَ فِي قَليلٍ إلاّ كَثَّرَهُ))([186]).
وعن ابن عمر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً)) قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ([187])؟ قَالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهُمُ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَاداً، أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ))([188]).
6- إطعام المسكين ومسح رأس اليتيم؛ فإن من أسباب قسوة القلوب ترك الإحسان إلى اليتامى والمساكين؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ: ((إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ))([189]).
7- زيارة القبور والتفكر في حال أهلها ومصيرهم؛ لأن الغفلة عن ذلك من أسباب قسوة القلب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : ((اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ))([190]).
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا)) [زاد الترمذي]: ((فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ))، وفي لفظ أبي داود: ((فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَة))([191]).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً [وَلاَ تَقُولُوا مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ]))([192]).
وعن أنس رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُرُوهَا؛ فإنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ،َ وَلَا تَقُولُوا هَجْراً))([193]) ([194]).
وعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنه قال: كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حتَّى يَبَلَّ لِحْيَتَهُ، فَقيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:«إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَمَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ». قَالَ: وَقَالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ((مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ([195]) مِنْهُ))([196]).
8- النظر في ديار الهالكين، والاعتبار بمنازل الغابرين؛ فإن الغفلة عن التَّفَكُّرِ في ذلك من أسباب قسوة القلب؛ ولهذا كان ابن عمر
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها، وينادي بصوت حزين، فيقول: ((أين أهلك؟))، ثم يرجع إلى نفسه، فيقول: ]كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[([197]).
قال الله عزوجل: ]أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ[([198]).
9- الاستفادة في علاج القلوب من حِكَمِ الحكماء؛ فإن ذلك مما يوقظ القلوب؛ لما جعل الله تعالى على ألسنتهم من الحِكَمِ:
* قَالَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ رحمه الله تعالى: ((دَوَاءُ الْقُلُوبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبَطْنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ))([199]).
يقول الشيخ الجار الله:
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو بأمَّتِه رؤوف رحيم، أرشد إلى سلاحٍ قوي يكافح به العدو، فإذا خرج المسلم من بيته إلى المسجد أو إلى غيره، أرشده أن يقول: ((بسم الله، آمنتُ بالله، اعتصمتُ بالله، توكَّلتُ على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، إذا قال ذلك، يقال له: هُديتَ وكُفيتَ ووُقيتَ، ويتنحى عنه الشيطان[200]، فإذا دخل المسجد يقول: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، إذا قال ذلك، قال الشيطان: عُصم مني سائر اليوم))؛ حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد جيد[201].
وإذا دخل في صلاته مستحضرًا عظمةَ ربِّه، وحضوره بين يديه، يقول بعد دعاء الاستفتاح: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم))، ثم بعد ذلك يتفكَّر المصلي فيما يقوله ويفعله ويسمعه من الإمام، إذا كان مأمومًا فجهر الإمام بالقراءة، استمع لقراءته، فإذا أسرَّ اشتغل المأموم بالقراءة.
ومن مظاهر الخشوع في الصلاة: قبضُ اليد اليمنى على كوع الشمال، والنظرُ إلى موضع سجوده، وعدمُ رفع بصره إلى السماء، وعدم الالتفات يمينًا أو شمالاً، وعدمُ الحركة والعبث والاشتغال بالملابس وغيرها، وعدمُ فرقعة الأصابع أو تشبيكها؛ فكلُّ هذا ينافي الخشوع.
قال ابن عباس: "ركعتانِ في تفكُّرٍ خيرٌ من قيام ليلة والقلبُ ساهٍ"[202]، وقال سلمان الفارسي: "الصلاة مكيالٌ، فمن وفَّى وُفِّي له، ومن طفَّف، فقد علِمتم ما قال الله في المطففين"[203]، وفي الحديث: ((أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته؛ وهو الذي لا يتم ركوعَها ولا سجودَها، ولا القراءةَ فيها))[204]، وفي الحديث: ((إن الله يَنصبُ وجهَه لوجه عبده في صلاته، ما لم يلتفت))[205]، ..
من أحكام الطهارة والصلاة / عبدالله الجارالله
ماينافي الخشوع في الصلاة :
يقول الشيخ/ عبدالله بن جار الله الجارالله
والالْتفات المنهيُّ عنه في الصلاة قسمان: الْتفاتُ القلب عن الله - تعالى - إلى غيره، والْتفات البصر، وكلاهما منهيٌّ عنه، ولا يزال الله مقبلاً على عبده، ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصرِه، أعرض الله عنه[206].
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: ((هو اختلاسٌ يختلسه الشيطانُ من صلاة العبد))[207]، وفي رواية: ((إياك والالتفاتَ في الصلاة؛ فإنه هَلَكة))[208].
إن الرجل منَّا إذا أراد أن يقابل مَلِكًا أو رئيسًا، تجمَّلَ لمقابلته، وأقْبل عليه بكليَّته وسمعه وبصره، وإن المصلِّي يقف أمام الله مَلِك الملوك، يناجيه بكلامه، وهو يراه ويسمعه، ويعلم سرَّه وعلانيته، فليراقبْه بالخشوع والخضوع، والمحبة والخوف والرجاء، والرغبة والرهبة.
إن الصلاة بقيامها وركوعها، وسجودِها وأذكارها، وجميعِ حركاتها - عبادةٌ لله تعني الانقيادَ الكامل، والطاعةَ التامة، والاستسلامَ لله ربِّ العالمين، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه مدى الحياة، وفي جميع الأزمنة والأمكنة..
كتاب من أحكام الطهارة والصلاة / عبدالله الجارالله
وقال الشيخ أبو عبيدة مشهور بن حسن بن محمود بن سلمان:
ومن أخطاء المصلّين : الحركة الزّائدة في الصّلاة التي لا حاجة لها ، سوى العبث واللهو والإعراض عن الخشوع في الصّلاة ، كتشبيك الأصابع ، وتنظيف الأظافر ، والتحريك المستمر للقدمين ، وتسوية العمامة أو العقال ،والنظر في الساعة ،وربط الإزار ،ونحو ذلك مما يبطل أجرها .
((والخشوع هو لبّ الصّلاة وروحها ، فالمشروع للمؤمن أن يهتم بذلك ،ويحرص عليه ، أما تحديد الحركات المنافية للطمأنينة و للخشوع بثلاث حركات فليس ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ذلك من كلام بعض أهل العلم ، و ليس عليه دليل يعتمد . ولكن يكره العبث في الصّلاة ، كتحريك الأنف و اللحية و الملابس و الاشتغال بذلك ، وإذا كثر العبث و توالى أبطل الصلاة .. أما إن كان قليلاً عرفاً ، أو كان كثيراً ، ولكن لم يتوال ، فإن الصلاة لا تبطل به ، ولكن يشرع للمؤمن أن يحافظ على الخشوع ، و يترك العبث ، قليله و كثيره ، حرصاً على تمام الصلاة و كمالها))(2).
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً يعبثون بأيديهم في الصلاة ، و يحركونها من غير حاجة ، فقال لهم :
((ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ(1) ، اسكنوا في الصّلاة))(2) .
ففي هذا الحديث : الأمر بالسكون في الصلاة ، و الخشوع فيها ، و الإقبال عليها .
و من المناسب في هذا المقام : أن أُشير إلى وضع ذلك الحديث الدّارج على ألسنة كثير من المسلمين ، يزعمون : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث بلحيته وهو في الصلاة ، فقال : لو خشع قلب هذا ، لخشعت جوارحه .
وهذا حديث موضوع ، عزاه السيوطي في ((الجامع الصغير)) : (5/319 ـ مع شرحه ) للحكيم و أشار إلى ضعفه ، وقال شارحه المناوي : ((قال الزين العراقي في ((شرح الترمذي)) : فيه سليمان بن عمرو هو أبو داود النخعي ، متفق على ضعفه ، وإنما يعرف هذا عن ابن المسيب ، و قال في ((المغني)) : سنده ضعيف ، والمعروف أنه من قول سعيد .
ورواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) و فيه رجل لم يسم . وقال ولده : فيه سليمان بن عمرو مجمع على ضعفه . وقال الزيلعي : قال ابن عدي : أجمعوا على أنه يضع الحديث)) (3).
قلت : وهو موقوف على سعيد عند ابن المبارك في ((الزهد)) عن رجل عنه ، بل و هذا سند ضعيف لجهالة الرجل ، فالحديث موضوع مرفوعاً ، ضعيف موقوفاً بل مقطوع (4).
ومن أخطاء المصلين في حالة وقوفهم بين يدي ربهم – سبحانه و تعالى – العجلة الزّائدة في قراءة الفاتحة ، وعدم إتقانهم لها على الوجه الصحيح ، بإسقاط بعض الحروف ، أو بلحنهم الجلي تارة والخفي تارة أُخرى ، و سيأتيك تفصيل ذلك في مبحث ((جماع أخطاء المصلين في صلاة الجماعة)) إن شاء الله تعالى .
كتاب القول المبين في أخطاء المصلين /أبو عبيدة مشهور بن حسن بن محمود بن سلمان
([2]) معجم المقاييس في اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس، المتوفى سنة 395هـ، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ، كتاب الخاء، باب الخاء والشين ...، ص 316.
([4]) لسان العرب، لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، ت 630، باب الخاء والشين ...، ص 316.
([7]) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد بن محمد الفيُّومي، مادة ((خشع)) 1/ 170.
([24]) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم 52، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، برقم 1599.
([25]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771، وما بين المعقوفين من لفظ ابن خزيمة في صحيحه، برقم 607، وابن حبان، برقم 1901.
([27]) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، ص 361 – 362، دار عالم الكتب، 1424هـ إشراف وتوزيع وزارة الشئون الإسلامية، المملكة العربية السعودية.
[28] "شرح السنة"، 3/261.
[29] رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بنحوه؛ "الترغيب والترهيب"، 1/305.
([30]) قال الإمام بن القيم رحمه الله: ((فإن قيل: ما تقولون في صلاة من عدم الخشوع، هل يعتدُّ بها أم لا؟ قيل: أما الاعتداد في الثواب: فلا يعتدُّ له بها إلا بما عقل فيه منها، وخشع فيه لربه ، قال ابن عباس: ((ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها)) [ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثاني عشر- قسم التفسير، ولم يعزه لكتاب، وكذلك ذكره الإمام ابن القيم في مدارج السالكين، 1/ 525، وفي تفسيره المجموع له، وذكره السعدي في تفسيره تفسير اللطيف المنان، 2/ 78 بقوله: ((وفي الحديث... ))، وفي المسند مرفوعاً ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا: عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا)) [المسند، 31/ 189، برقم 18894، وحسن الألباني حديث أبي داود في صحيح أبي داود، برقم 761، وقال: ((قلت [الشيخ الألباني]: حديث حسن، وأخرجه أحمد بإسناد صححه الحافظ العراقي))، وتصحيح الحافظ العراقي له في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين، 1/ 172]، وقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم، فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح، ولو اعتدَّ له بها ثواباً كان من المفلحين.
وأما الاعتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء: فإن غلب عليها الخشوع، وتعقلها اعتدّ بها إجماعاً، وكانت السنن والأذكار عقيبها جوابر ومكملات لنقصها.
وإن غلب عليه عدم الخشوع، وعدم تعقلها، فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها)) ثم ذكر رحمه الله قولين لأهل العلم:
القول الأول: وجوب إعادتها، وبه قال أبو عبد الله بن حامد من أصحاب أحمد وغيره؛ لأن صلاة لا يثاب عليها، ولم يضمن له فيها الفلاح لم تبرأ ذمته منها؛ ولأن الخشوع روح الصلاة، ومقصودها، ولبّها، فكيف يعتدُّ بصلاة فقدت روحها ولبها، وبقيت صورتها وظاهرها؟.
والقول الثاني: لا تجب إعادتها؛ لما جاء عن النبي من أحكام سجود السهو، وأن منه ما هو ترغيم للشيطان، والخشوع إنما هو لرفعة الدرجات؛ ولحصول ثواب الله العاجل والآجل، ومرافقة المقربين، وهذا يفوت بفوات الحضور والخضوع، وإن الرجلين يكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، فإن أراد أن يعيد صلاته لهذه الثمرات، فذلك إليه إن شاء أن يحصِّلها، وإن شاء أن يفوِّتها على نفسه، أما كوننا نلزمه بإعادتها، ونعاقبه على تركها، ونرتّب عليه أحكام تارك الصلاة، فلا. ويرى ابن القيم رحمه الله أن حجج الفريق الأول قوية وظاهرة، ولكنه قال: (( ... القول الثاني أرجح القولين)) مدارج السالكين 1/ 525- 530.
([39]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الالتفات في الصلاة، برقم 909، والنسائي كتاب السهو، باب التشديد في الالتفات في الصلاة، برقم 1196، وأخرجه أيضاً في الكبرى، برقم 532، و أحمد في المسند، برقم 21508، وابن خزيمة، برقم 482، والحاكم، 1/ 236، والبيهقي، 2/ 282، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 360، برقم 554، وقال محققو مسند الإمام أحمد، 5/ 400، برقم 21508: ((صحيح لغيره، وهذا إسناد محتمل للتحسين)).
([40]) الترمذي، كتاب الأدب، باب الأمثال، برقم 2863، وأحمد، 28/ 405، برقم 17170، و29/ 335، برقم 17800، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 1895، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 144، وصححه محققو المسند، 28/ 406.
([45]) قال الزين العراقي في تخريج أحاديث الإحياء، 1/ 309: (لم أجده مرفوعاً))، وقال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، 14/ 1026، برقم 6941: ((لا أصل له مرفوعاً، وإنما صح عن بعض السلف)).
([46]) مسند الإمام أحمد بنحوه، 31/ 189، برقم 18894، وحسن الألباني حديث أبي داود في صحيح أبي داود، برقم 761، وتقدم.
([48]) لم أجد حديثاً بهذا اللفظ، وشيخ الإسلام هنا نسبه للمأثور عن الإمام أحمد وغيره، وأما الحديث الصحيح في هذا الباب فهو بلفظ: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) [مسند أحمد، 15/ 521، برقم 9839، وصحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، برقم 1903.
([49]) البخاري، كتاب الأذان، باب فضل التأذين، برقم 608، ومسلم، كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، برقم 389. بألفاظ مقاربة.
[51] رواه مسلم.
[52] "مدارج السالكين"، 1/121، و126.
[53] رواه أبو موسى المديني، وقال: حديث حسن؛ "الوابل الصيب"، ص110.
[54] الحديث متفق عليه.
([55]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب إسلام عمرو بن عبسة، برقم 832، وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة، فليراجعه من شاء.
([56]) متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب المضمضة في الوضوء، برقم 164، ومسلم كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء ، برقم 226.
([71]) جزء من حديث أخرجه أحمد، 1/ 127 ، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلَّم، برقم 1510، 1511، والترمذي، كتاب الدعوات، بابٌ في دعاء النبي ، برقم 3551، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله ، برقم 3830، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/ 519، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،
1/ 414، وفي صحيح الترمذي، 3/ 178.
([83]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب المحافظة على وقت الصلوات، برقم 425، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 125.
([103]) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع النون، 4/ 111، ومشارق الأنوار على الصحاح والآثار للقاضي عياض، حرف القاف مع سائر الحروف، 2/ 162، وهدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر، ص 176.
([105]) النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 111، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 491، وهدي الساري مقدمة فتح الباري، ص 176.
([121]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي من الليل، برقم 1319، وأحمد في المسند، 38/ 330، برقم 23299، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 316.
([124]) وعن ابن عباس رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: أن النبي كان يقول عند الكرب: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السموات وربُّ الأرض، وربُّ العرش الكريم)) [البخاري، برقم 6346، ومسلم، برقم 2730، وعند الإمام أحمد بنحوه، 4/ 234، برقم 2411، وفي أوله : أن رسول الله كان إذا حزبه أمر قال: ((لا إله إلا الله ...)) الحديث، وفي آخره: (( ... ثم يدعو))، وهذا يدل على أنه يقول هذا الذكر، ثم يدعو بعده. وصحح إسناده محققو المسند، 4/ 234.
([127]) أحمد في المسند، 15/ 483، برقم، 9778، والبزار (كشف الأستار)، 1/ 317، وشعب الإيمان للبيهقي، 4/ 545، قال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، 1/ 16: ((رواه أحمد، والبزار، والطحاوي في مشكل الآثار، 2/ 430، والبغوي في حديث علي بن الجعد، 9/ 97/ 1، وأبو بكر الكلاباذي في مفتاح معاني الآثار، 31/ 1/ 69، بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة.
([129]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في فضل البكاء من خشية الله، برقم 2311، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 528.
([130]) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل المرابط، برقم 1669، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 242.
([131]) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الحراسة في سبيل الله، برقم 1639، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 127، وفي مشكاة المصابيح، 2/ 1125.
([132]) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، برقم 1423، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم 1031.
([141]) أبو داود، برقم 1319، وأحمد، برقم 23299، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 316، وتقدم تخريجه.
([146]) أبو داود، برقم 909، وأحمد، برقم 1508، وغيرهما، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب، 1/ 360، وتقدم تخريجه في حكم الخشوع في الصلاة.
([147]) الترمذي، برقم 2863، وأحمد، برقم 17170، وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 30/ 144، وتقدم تخريجه في حكم الخشوع في الصلاة.
([148]) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب، لابن القيم، ص 35 – 36، ببعض التصرف. وانظر: أيضاً الوابل الصيب، ص14 – 37، ومدارج السالكين، 1/ 112، و 525 – 530.
[149] ذكره ابن القيم في "زاد المعاد"، 1/136، ورواه أبو داود عن سالم بن أبي الجعد.
[150] رواه الطبراني في "الكبير" عن المغيرة بن شعبة؛ "الجامع الصغير"، 1/144.
[151] "الوابل الصيب من الكلم الطيب"، ص30- 31.
[152] "شرح الأربعين النووية"؛ للنووي، ص15، من مجموعة الحديث.
[153] رواه أحمد؛ "بهجة قلوب الأبرار"، لابن سعدي، ص190.
([162]) الترمذي، كتاب الزهد، بابٌ: منه، برقم 2411، وقال: ((حسن غريب))، وحسّن إسناده عبدالقادر الأرنؤوط في تحقيقه للأذكار للنووي، ص285.
([173]) متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [سورة آل عمران، الآية: 28]، برقم 7405، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب كتاب الذكر والدعاء والتوبة ...، برقم 2675، من حديث أبي هريرة.
([178]) ديوان عبد الله بن المبارك، ص 26، وشعب الإيمان للبيهقي، 5/ 464، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، 1/ 327، وحلية الأولياء لأبي نعيم، 8/ 279.
([182]) الترمذي، كتاب الزهد، باب من اتقى المحارم فهو أعبد الناس، برقم 2305، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 930، وفي صحيح سنن الترمذي، 2/526.
([183]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت، برقم 2307، والنسائي، كتاب الجنائز، باب كثرة ذكر الموت، برقم 1823، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم 4258، وابن حبان بلفظ: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت))، برقم 2992، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي وفي غيره، 2/6: ((حسن صحيح)).
([186]) سبل السلام، للصنعاني، 3/302، وهذا الخبر أخرجه الطبراني في الأوسط، بلفظ: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات - يعني الموت - فإنه ما كان في كثير إلا قلّلَهُ، ولا قليل إلا جزأه)) [مجمع البحرين، 8/206، برقم 5076]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 309: ((إسناده حسن)).
([188]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم 4259، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 419، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1384.
([189]) أحمد في المسند، 2/263، و2/387، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 1410، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/533.
([191]) مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ربه في زيارة أمه، برقم 106 - (977)، والترمذي، برقم 1054، والنسائي بنحوه، برقم 2031، وأبو داود، برقم 3237.
([192]) أحمد، 3/38، 63، 66، والحاكم، 1/374، والبيهقي، 4/77، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الألباني في أحكام الجنائز، ص288: ((وهو كما قالا)).
([196]) الترمذي، كتاب الزهد، باب حدثنا هناد، برقم 2308، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، واللفظ له، برقم 4267، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/527.
[200] رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم؛ "الأذكار"، للنووي، ص24.
[201] كتاب "الأذكار"، ص33.
[202] "شرح السنة"، 3/261.
[203] المصدر السابق في نفس الصفحة، وأخرجه البيهقي في "سننه"، 2/261.
[204] رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه؛ "الترغيب والترهيب"، 3/299.
[205] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح؛ "الترغيب والترهيب"، 1/333.
[206] "الوابل الصيب"، ص26, وانظر: "الترغيب والترهيب"، 1/333.
[207] رواه البخاري ومسلم، وانظر: المصدر السابق ص27.
[208] رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: صحيح؛ "الترغيب والترهيب"، 1/335.
(2) الفتاوى : (1/87) للشيخ ابن باز .
(1) شُمْسٍ : بضم الشين و إسكان الميم وضمّها ، واحدها :شموس ، وهي التي لا تستقر ، بل تضطرب و تتحرك بأذنابها و أرجلها .
(2) أخرجه مسلم في ((الصحيح)) رقم (430) وابن خزيمة في ((الصحيح)) : رقم (1544) والنسائي في ((المجتبى)) : (2/72) .
(3) فيض القدير : (5/319) .
(4) سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة : رقم (110) .
التعليقات