صفة العمـرة
للإمام ابن باز يرحمه الله إعداد بندر بن عتيق المطيري دار المحمدي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد فهذه رسالة صغيرة الحجم عظيمة الفائدة في العمرة وأحكامها من كلام الإمام العلامة ابن باز رحمه الله قد استخرجتها من كتاب منسك الإمام ابن باز طبعة دار المحمدي عام 1423هـ وجعلتها في رسالة مستقلة لان العمرة مشروعة في كل السنة والحاجة إلى معرفة أحكامها وصفتها حاجة مستمرة ومتجددة بخلاف الحج الذي له وقت وزمن محدد ولهذا أفردتها عن الكتاب حتى يسهل على المسلم الاستفادة منها . وأحب أن أنبه القاري الكريم أن جميع الأرقام وما بين الأقواس ليس من كلام الإمام ابن باز رحمه الله .وخيرا اسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذه الرسالة وينفع بها المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وكتب بندر بن عتيق المطيري جدة 18/7/1424هـ almotaire@naseej.com ص.ب.45272 الرمز البريدي 21512 بسم الله الرحمن الرحيم ( أدلة وجوب العمرة ) وقد وردت أحاديث تدل على وجوب العمرة منها : (الدليل الأول) : قوله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبرائيل لما سأله عن الإسلام قال صلى الله عليه وسلم : "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان" أخرجه ابن خزيمة والدار قطني من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال الدار قطني : هذا إسناد ثابت صحيح . (الدليل الثاني) : حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال : "عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح . ( وجوب الحج والعمرة مرة واحدة في العمر ) ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلا مرة واحدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "الحج مرة فمن زاد فهو تطوع" ويسن الإكثار من الحج والعمرة تطوعاً لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". (رمضان أفضل زمان تؤدى فيه العمرة ) أفضل زمان تؤدى فيه العمرة شهر رمضان لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم "عمرة في رمضان تعدل حجة معي " وفي مسلم " تقضي حجة أو حجة معي " هكذا بالشك. يعني معه عليه الصلاة والسلام ثم بعد ذلك العمرة في القعدة لان عمرته صلى الله عليه وسلم كلها وقعت في ذي القعدة وقد قال الله سبحانه " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " (1) ( آداب السفر إلى الحج أو العمرة ) إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج أو العمرة استحب له (فعل الآتي) : 1) يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل وهي: فعل أوامره واجتناب نواهيه . 2) ينبغي أن يكتب ما له وما عليه من الدين ويشهد على ذلك . 3) يجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب لقوله تعالى :{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور، وحقيقة التوبة الإقلاع من الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العود فيها . 4) إن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم أو تحللهم منها قبل سفره لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "من كان عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه . 5) ينبغي أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام وراحلتك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور" . 6) ينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم لقوله صلى الله عليه وسلم "ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله" وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم" 7) يجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه ( وعمرته) الدنيا وحطامها والرياء و السمعة والمفاخرة بذلك فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله كما قال تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (15-16) سورة هود ، وقال تعالى : {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} (18-19) سورة الإسراء وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" . 8) ينبغي له أيضاً أن يصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين ويحذر من صحبة السفهاء والفسّاق ، وينبغي له أن يتعلم ما يُشرع له في حجه وعمرته ويتفقه في ذلك ويسأل عما أشكل عليه ليكون على بصيرةٍ . 9) إذا ركب دابته أو سيارته أو طائرته أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسمي الله سبحانه ويحمده ثم يكبر ثلاثاً ويقول :{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (13-14) سورة الزخرف، اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا وأطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل ، لصحة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . 10) يكثر في سفره من الذكر والاستغفار ودعاء الله سبحانه والتضرع إليه وتلاوة القرآن وتدبر معانيه . 11) المحافظة على الصلوات في جماعة . 12) يحفظ لسانه من كثرة القيل والقال والخوض في ما لا يعنيه والإفراط في المزاح . 13) يصون لسانه أيضاً من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بأصحابه وغيرهم من إخوانه المسلمين . 14) ينبغي له بذل البر في أصحابه وكف أذاه عنهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب الطاقة . 15) يجب على المسلم أن يترك الرفث والفسوق والجدال لقول الله تعالى : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه . والرفث يطلق على الجماع وعلى الفحش من القول والفعل ، والفسوق : المعاصي والجدال : المخاصمة في الباطل أو فيما لا فائدة فيه . فأما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا بأس به بل هو مأمور به لقوله تعالى :{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل . - المواقيت المكانية وتحديدها - والمواقيت خمسة : الأول : ذو الحليفة وهو ميقات أهل المدينة وهو المسمى عند الناس اليوم "أبيار علي" . الثاني : الجحفة وهو ميقات أهل الشام وهي قرية خراب تلي رابغ والناس اليوم يحرمون من رابغ ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الميقات لأن رابغ قبلها بيسير . الثالث : قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد وهو المسمى اليوم السيل . الرابع : يلملم وهو ميقات أهل اليمن . الخامس : ذات عرق وهي ميقات أهل العراق . وهذه المواقيت قد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لمن ذكرنا ومن مر عليها من غيرهم ممن أراد الحج أو العمرة والواجب على من مر عليها أن يحرم منها ، ويَحْرُمُ عليه أن يتجاوزها بدون إحرام إذا كان قاصداً مكة يريد حجاً أو عمرة سواء كان مروره عليها من طريق الأرض أو من طريق الجو لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت : "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة" والمشروع لمن توجه إلى مكة من طريق الجو بقصد الحج أو العمرة أن يتأهب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة ، فإذا دنا من الميقات لبس إزاره ورداءه ثم لبى بالعمرة إن كان الوقت متسعاً وإن كان الوقت ضيقاً لبى بالحج(3) . وإن لبس إزاره ورداءه قبل الركوب أو قبل الدنو من الميقات فلا بأس . ولكن لا ينوي الدخول في النسك ولا يلبي بذلك إلا إذا حاذى الميقات أو دنا منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات . والواجب على الأمة التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره من شئون الدين لقول الله سبحانه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : "خذوا عني مناسككم" وأما من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة كالتاجر والحطاب والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة" فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرة فلا إحرام عليه . وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم فله الحمد والشكر على ذلك ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم بل دخلها وعلى رأسه المغفر لكونه لم يرد حينذاك حجاً ولا عمرة وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك . وأما من كان مسكنه دون المواقيت كسكان جدة وأم السلم وبحرة والشرائع وبدر ومستورة وأشباهها فليس عليه أن يذهب إلى شئ من المواقيت الخمسة المتقدمة بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة . وإذا كان له مسكن آخر خارج الميقات فهو بالخيار إن شاء أحرم من الميقات وإن شاء أحرم من مسكنه الذي هو أقرب من الميقات إلى مكة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لما ذكر المواقيت قال "ومن كان دون ذلك فَمُهَلُّهُ من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة" . لكن من أراد العمرة وهو في الحرم فعليه أن يخرج إلى الحل ويحرم بالعمرة منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلبت منه عائشة رضي الله عنها العمرة أمر أخاها عبد الرحمن مكة يهلونا إلى الحل فتحرم منه . فدل ذلك على أن المعتمر لا يحرم بالعمرة من الحرم وإنما يحرم من الحل وهذا الحديث يخصص حديث ابن عباس المتقدم ويدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "حتى أهل مكة يهلون من مكة" هو الإهلال بالحج لا العمرة إذ لو كان الإهلال بالعمرة جائز من الحرم لأذن لعائشة رضي الله عنها في ذلك ولم يكلفها بالخروج إلى الحل وهذا أمر واضح وهو قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم وهو أحوط للمؤمن لأن فيه العمل بالحديثين جميعاً والله الموفق . - محظورات الإحرام - 1) لا يجوز للمحرم بعد نية الإحرام سواء كان ذكراً أو أنثى أن يأخذ من شعره أو أظفاره أو يتطيب . 2) لا يجوز للذكر خاصة أن يلبس مخيطاً على جملته يعنى على هيئته التي فُصِّلَ وخِيطَ عليها كالقميص أو على بعضه كالفانلة والسراويل والخفين والجوربين. إلا إذا لم يجد إزاراً جاز له لبس السراويل . وكذا من لم يجد نعلين جاز له لبس الخُفَّين من غير قطع لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من لم يجد نعلين فليلبس الخُفَّين ، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل" . وأما ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما من الأمر بقطع الخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين فهو منسوخ . لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في المدينة لما سئل عن ما يلبس المحرم من الثياب . ثم لما خطب الناس بعرفات أذن في لبس الخفين عند فقد النعلين ولم يأمر بقطعهما وقد حضر هذه الخطبة من لم يسمع جوابه في المدينة وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز كما قد علم في علمي أصول الحديث والفقه ، فثبت بذلك نسخ الأمر بالقطع ولو كان ذلك واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم 3) لا يجوز( للمحرم ) لبس شئٍ من الثياب مسه الزعفران أو الورس لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما . 4) يحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصق كالطاقية والغترة والعمامة أو نحو ذلك . وهكذا وجهه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي سقط عن راحلته يوم عرفه ومات "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ووجهه فإنه يبعث يوم القيام ملبياً" متفق عليه وهذا لفظ مسلم . 5) يحرم على المحرم عقد النكاح والجماع وخطبة النساء ومباشرتهن بشهوة لحديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" رواه مسلم . 6) يحرم على المرأة المحرمة أن تلبس مخيطاً لوجهها كالبرقع والنقاب أو ليديها كالقفازين لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" رواه البخاري . والقفازان ما يخاط أو ينسج من الصوف أو القطن أو غيرهما على قدر اليدين ويباح لها من المخيط ما سوى ذلك كالقميص والسراويل والخفين والجوارب ونحو ذلك . 7) يحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري والمعاونة في ذلك وتنفيره من مكانه . 8) يحرم على المسلم محرماً كان أو غير محرم ذكراً كان أو أنثى قتل صيد الحرم والمعاونة في قتله بآلة أو إشارة أو نحو ذلك . ويحرم تنفيره من مكانه ويحرم قطع شجر الحرم ونباته الأخضر ولقطته إلا لمن يعرفها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن هذه البلد – يعني مكة – حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد" متفق عليه والمنشد هو المعرف والخلا هو الحشيش الرطب . ومنى ومزدلفة من الحرم وأما عرفة فمن الحل . ( تنبيه ) إن لبس المحرم مخيطاً أو غطى رأسه أو تطيب ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه ويزيل ذلك متى ذكر أو علم وهكذا من حلق رأسه أو أخذ من شعره شيئاً أو قلم أظافره ناسياً أو جاهلاً فلا شئ عليه على الصحيح ( ما يباح للمحرم مما يظنه بعض الناس محظوراً ) ) يجوز للمحرم لبس الخفاف التي ساقها دون الكعبين لكونها من جنس النعلين . 2) يجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه لعدم الدليل المقتضي للمنع . 3) يجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحكه إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة فإن سقط من رأسه شئ بسبب ذلك فلا حرج عليه . 4) يجوز للمرأة أن تحرم فيما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرهما مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم وأما تخصيص بعض العامة إحرام المرأة في الأخضر أو الأسود دون غيرهما فلا أصل له . 5) يباح (للمرأة المحرمة) سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك بلا عصابة وإن مس الخمار وجهها فلا شئ عليها لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه" أخرجه أبو داود وابن ماجه وأخرج الدار قطني من حديث أم سلمة مثله . كذلك لا بأس أن تغطي يديها بثوبها أو غيره ويجب تغطية وجهها وكفيها إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب لأنها عورة لقول الله سبحانه وتعالى :{ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } (31) سورة النــور، ولا ريب أن الوجه والكفين من أعظم الزينة ، والوجه في ذلك أشد وأعظم وقال تعالى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } (53) سورة الأحزاب ، وأما ما اعتاده كثير من النساء من جعل العصابة تحت الخمار لترفعه عن وجهها فلا أصل له في الشرع فيما نعلم ولو كان ذلك مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ولم يجز له السكوت عنه. 6) يجوز للمحرم من الرجال والنساء غسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ أو نحوه ويجوز له إبدالها بغيرها . ( صفة العمرة ) - ما يفعله (المعتمر) عند وصوله إلى الميقات - إذا وصل (المعتمر) إلى الميقات (فعل الآتي) : 1) استحب له أن يغتسل ويتطيب لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من المخيط عند الإحرام واغتسل ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كنت أُطيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرِم ولِحلِّه قبل أن يطوف بالبيت" وأمر عائشة لما حاضت وقد أحرمت بالعمرة أن تغتسل وتحرم بالحج وأمر صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس لما ولدت بذي الحليفة أن تغتسل وتستثـفر بثوب وتحرم . فدل ذلك على أن المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض أو نفساء أن تغتسل وتحرم مع الناس وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأسماء بذلك . 2) يستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظفاره وعانته وإبطيه فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه لئلا يحتاج إلى أخذ ذلك بعد الإحرام وهو مُحَرَّمٌ عليه . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء في كل وقت كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الفطرة خمس : الختان والاستحداد وقص الشارب وقلم الأظفار ونتف الآباط" وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال وُقِّتَ لنا في قص الشارب وقلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة وأخرجه النسائي بلفظ : وَقَّتَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بلفظ النسائي . وأما الرأس فلا يشرع أخذ شئ منه عند الإحرام لا في حق الرجال ولا في حق النساء . وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شئ منها في جميع الأوقات بل يجب إعفاؤها وتوفيرها لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب" وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس" وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم لِلحى ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء ولا سيما من ينتسب إلى العلم والتعليم فإنا لله وإنا إليه راجعون ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السنة والتمسك بها والدعوة إليها وإن رغب عنها الأكثرون وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . 3) يلبس الذكر إزاراً ورداءاً ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين ويستحب أن يحرم في نعلين لقول النبي صلى الله عليه وسلم "وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين" . وأما المرأة فيجوز لها أن تحرم في ما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرها مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم . 4) بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبس ثياب الإحرام ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ، ويشرع له التلفظ بما نوى فإن كانت نيته العمرة قال { لبيك عمرةً } أو { اللهم لبيك عمرةً } ، وإن كانت نيته الحج قال { لبيك حجاً } أو { اللهم لبيك حجاً } لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهل بعد ما استوى على راحلته وانبعثت به من الميقات للسير . هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم . ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له أن لا يتلفظ في شئ منها بالنية فلا يقول : نويت أن أصلي كذا وكذا ولا نويت أن أطوف كذا بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة والجهر بذلك أقبح وأشد إثماً ولو كان التلفظ مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وأوضحه للأمة بفعله أو قوله ولسبق إليه السلف الصالح فلما لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم علم أنه بدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" أخرجه مسلم في صحيحه . 5) إن خاف المحرم أن لا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني" . وفائدة هذا الشرط أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شئ عليه (و) "إذا كان لم يشترط ثم حصل عليه حادث يمنعه من التمام إن أمكنه الصبر لعله يزول أثر الحادث ثم يكمل صبر وإن لم يتمكن من ذلك فهو محصر على الصحيح والله قال في المحصر :{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } (196) سورة البقرة والصواب أن الإحصار يكون بالعدو ويكون بغير العدو فيهدي ويحلق أو يقصر ويتحلل هذا هو حكم المحصر يذبح ذبيحة في محله الذي أحصر فيه سواء كان في الحرم أو في الحل ويعطيها للفقراء في محله ولو كان خارج الحرم فإن لم يتيسر حوله أحد نقلت إلى فقراء الحرم أو إلى من حوله من الفقراء أو إلى فقراء بعض القرى ثم يحلق أو يقصر ويتحلل فإن لم يستطع الهدي صام عشرة أيام ثم حلق أو قصر وتحلل" . - ما يفعله (المعتمر) عند دخوله مكة والمسجد الحرام - إذا وصل المحرم إلى مكة (فعل الآتي) : 1) استحب له أن يغتسل قبل دخولها لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . 2) إذا وصل إلى المسجد الحرام سن له تقديم رجله اليمنى ويقول "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم افتح لي أبواب رحمتك" . ويقول ذلك عند دخول سائر المساجد وليس لدخول المسجد الحرام ذكر يخصه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم . ( الطواف ) (تنبيهات مهمة قبل الشروع في الطواف) 1) يكون (المحرم) حال الطواف متطهراً من الأحداث والأخباث خاضعاً لربه متواضعاً له . 2) إن حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تتطهر ، فإذا تطهرت طافت وسعت وقصرت من رأسها وتمت عمرتها بذلك . 3) لا يشرع الرمل والاضطباع في غير هذا الطواف ولا في السعي ولا للنساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل الرمل والاضطباع إلا في طوافه الأول الذي أتى به حين قدم مكة . 4) لا يجب في هذا الطواف ولا غيره من الأطوفة ولا في السعي ذكر مخصوص ولا دعاء مخصوص . وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة أو أدعية مخصوصة فلا أصل له . 5) لا بأس بالطواف من وراء زمزم والمقام ولا سيما عند الزحام والمسجد كله محل للطواف ولو طاف في أروقة المسجد أجزأه ذلك . ولكن طوافه قرب الكعبة أفضل إن تيسر ذلك . 6) إن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين وهو الأقل فإذا شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة جعلها ثلاثة وهكذا يفعل في السعي . 7) مما ينبغي إنكاره على النساء وتحذيرهن منه طوافهن بالزينة والروائح الطيبة وعدم التستر وهن عورة . فيجب عليهن التستر وترك الزينة حال الطواف وغيرها من الحالات التي يختلط فيها النساء مع الرجال لأنهن عورة وفتنة . ووجه المرأة هو أظهر زينتها فلا يجوز لها إبداؤه إلا لمحارمها . لقول الله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } (31) سورة النــور. فلا يجوز لهن كشف الوجه عند تقبيل الحجر الأسود إذا كان يراهن أحد من الرجال وإذا لم يتيسر لهن فسحة لاستلام الحجر وتقبيله فلا يجوز لهن مزاحمة الرجال ، بل يطفن من ورائهم وذلك خير لهن وأعظم أجراً من الطواف قرب الكعبة حال مزاحمة الرجال . ( صفة الطواف ) إذا وصل (المحرم) إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً ثم قصد الحجر الأسود واستقبله ثم يستلمه بيمنه ويقبله إن تيسر ذلك ولا يؤذي الناس بالمزاحمة ويقول عند استلامه بسم الله والله أكبر أو يقول "الله اكبر" . فإن شق التقبيل استلمه بيده أو بعصا أو نحوهما وقبل ما استلمه به . فإن شق استلامه أشار إليه وقال الله أكبر ولا يقبل ما يُشير به . ويشترط لصحة الطواف أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر لأن الطواف مثل الصلاة غير أنه رخص فيه في الكلام . ويجعل البيت عن يساره حال الطواف وإن قال في ابتداء طوافه ، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فهو حسن لأن ذلك قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ويطوف سبعة أشواط ويرمل في جميع الثلاثة الأُول من الطواف الأول ، وهو الطواف الذي يأتي به أول ما يقدم مكة سواء كان معتمراً أو متمتعاً أو محرماً بالحج وحده أو قارناً بينه وبين العمرة . ويمشي في الأربعة الباقية يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به . والرّمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطى . ويستحب له أن يضطبع في جميع هذا الطواف دون غيره . والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر . ويستحب له أن يكثر في طوافه من ذكر الله والدعاء وإن قرأ فيه شيئاً من القرآن فحسن . فإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه وقال : { بسم الله والله أكبر } ولا يقبله فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه ولا يشير إليه ولا يكبر عند محاذاته لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم . ويستحب له أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(201) سورة البقرة . وكلما حاذى الحجر الأسود استلمه وقبله وقال { الله أكبر } . فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه وكبر . وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على كتفيه وطرفيه على صدره قبل أن يصلي ركعتي الطواف . فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك وإن لم يتيسر ذلك لزحام ونحوه صلاهما في أي موضع من المسجد ، ويسن أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة "قل يا أيها الكافرون" في الركعة الأولى و "قل هو الله أحد" في الركعة الثانية هذا هو الأفضل وان قرأ بغيرهما فلا بأس ثم يقصد الحجر الأسود فيستلمه بيمينه إن تيسر ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك . (صفة السعي) ثم يخرج (المحرم) إلى الصفا من بابه فيرقاه أو يقف عنده والرقي على الصفا أفضل إن تيسر ويقرأ عند بدء الشوط الأول قوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158) سورة البقرة ، ويستحب أن يستقبل القبلة على الصفا ويحمد الله ويكبره ويقول :لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده . ثم يدعو بما تيسر من الدعاء ، رافعاً يديه ويكرر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات ، ثم ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلى العلم الثاني . أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع بين العلمين لأنها عورة وإنما المشروع لها المشي في السعي كله .ثم يمشي فيرقى المروة أو يقف عندها والرقي عليها أفضل إن تيسر ذلك ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا ماعدا قراءة الآية وهي قوله تعالى{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ } (158) سورة البقرة فهذا إنما يشرع عند الصعود إلى الصفا في الشوط الأول فقط تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم . ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا ، يفعل ذلك سبع مرات ذهابه شوط ورجوعه شوط . لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما ذكر وقال "خذوا عني مناسككم" ويستحب أن يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر وأن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر . ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك . وهكذا لو حاضت المرأة أو نفست بعد الطواف سعت وأجزأها ذلك ، لأن الطهارة ليست شرطاً في السعي وإنما هي مستحبة كما تقدم. فإذا كمل السعي حلق رأسه أو قصره والحلق للرجل أفضل ، فإن قصر وترك الحلق للحج فحسن وإذا كان قدومه مكة قريباً من وقت الحج فالتقصير في حقه افضل ليحلق بقية رأسه في الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم هو وأصحابه مكة في رابع ذي الحجة أمر من لم يسق الهدي أن يحل ويقصر ولم يأمرهم بالحلق . ولا بد في التقصير من تعميم الرأس ولا يكفي تقصير بعضه كما أن حلق بعضه لا يكفي ، والمرأة لا يشرع لها إلا التقصير والمشروع لها أن تأخذ من كل ضفيرة قد أنملة فأقل والأنملة هي رأس الإصبع ولا تأخذ المرأة زيادة على ذلك . فإذا فعل المحرم ما ذكر فقد تمت عمرته والحمد لله ، وحل له كل شئ حرم عليه بالإحرام .
التعليقات