بحث حول تكبيرات الإنتقال في الصلاة

 (1): الإطلال على موضع تكبيرات الانتقال

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه... أما بعد :
فقد سئلت غير مرة عن موضع تكبيرات الانتقال، فأجيب قائلاً :
اعلم – حفظك الله – أن العلماء فهموا النصوص التي جاءت في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عند تكبيرات الانتقال، أن تكون بين الركنين ، بقي منهم من زاد: أنه يمد صوته إلى أن يصل إلى الركن الثاني، ومنهم من منع.
ولا أعلم أحداً من أهل العلم قال بالتكبير أولاً، ثم إذا فرغ من التكبير انتقل إلى الركن الثاني، ونحن مطالبون باقتفاء آثار السلف بالدليل والبرهان، ونقدم أفهامهم على أفهامنا ؛ عملاً بقوله جل وعلا :( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ) ، وقوله : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) ، فهذه أقوالهم في هذه المسألة، فإليكها :
أولاً: الأدلة
الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول – وهو قائم-:(ربنا ولك الحمد)، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها. ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" متفق عليه .
تنبيه : في رواية للترمذي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر وهو يهوي" ، وفي سندها ابن جريج - وهو مدلس وقد عنعن - إلا أنها في الشواهد ؛ لذا صححها الشيخ الألباني في صحيح الترمذي، وانظر الإرواء ( 2/ 37)
الأثر الأول: عن الأسود قال :"كان عمر إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، قبل أن يقيم ظهره ، وإذا كبر كبر وهو منحط " رواه ابن أبي شيبة ، وسنده صحيح.
الأثر الثاني: عن عمرو بن دينار عن ابن الزبير قال: "ما كان يكبر إلا وهو يهوي، وفي نهضته للقيام " رواه عبدالرزاق وابن أبي شيبة، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (2/566)، وهو كما قال .
ثانياً: أقوال العلماء في هذه المسألة
1- قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب يهوي بالتكبير حين يسجد) وقال ( باب يكبر وهو ينهض من السجدتين، وكان ابن الزبير يكبر في نهضته ) .
2- قال الإمام الترمذي في سننه : "وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، قالوا: يكبر الرجل وهو يهوي للركوع والسجود". اهـ كما في تحفة الأحوذي للمباركفوري ( 2/99 ) .
3- قال الإمام النووي:" هذا دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات وبسطه عليها، فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع، ويمده حتى يصل حد الراكعين، ثم يشرع في تسبيح الركوع، ويبدأ بالتكبير حين يشرع في الهوي إلى السجود، ويمده حتى يضع جبهته على الأرض ،ثم يشرع في تسبيح السجود ،ويبدأ في قوله (سمع الله لمن حمده) حين يشرع في الرفع من الركوع ،ويمده حتى ينتصب قائماً، ثم يشرع في ذكر الاعتدال،وهو (ربنا لك الحمد) إلى آخره، ويشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول حين يشرع في الانتقال، ويمده حتى ينتصب قائماً. هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما روي عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، و به قال مالك أنه لا يكبر للقيام من الركعتين حتى يستوي قائماً، ودليل الجمهور ظاهر الحديث ". اهـ شرح صحيح مسلم للنووي(4/99) .
4- قال الإمام ابن الملقن :" قوله ( ثم يكبر حين يركع ) مقتضاه مقارنة التكبير لابتداء الركوع إلى حين انتهائه إلى حده ويمده على ذلك، ويشرع في تسبيح الركوع المشروع فيه .
قوله ( ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ) ، مقتضاه ابتداء قولة التسميع حال ابتداء الرفع من الركوع إلى حين ينتصب قائماً ويمده عليه، ويدل على أنه ذكر هذه الحالة، ولا شك أن الفعل يطلق على ابتداء الشيء وجملته حالة مباشرة، فحمله عليها ؛ لكونه مستصحباً للذكر في جميع مباشرته أولى؛ لئلا يخلو جزء من الفعل عن ذكر، ومعنى يرفع صلبه من الركعة أي حين يبتدئ الرفع.
وقال رحمه الله: قوله ( ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد) فيه دليل على أن التحميد ذكر الاعتدال من الركوع، وأن ابتداءه حال ابتداء الاعتدال حين ينتصب قائماً". اهـ الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (3/90-91) .
5- قال الحافظ ابن حجر : "فيه أن التكبير ذكر الهوي، فيبتدئ به من حين يشرع في الهوي بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجداً" انتهى . فتح الباري للحافظ ابن حجر (2/550 ) .
وقال رحمه الله: "فيه أنه يشرع في التكبير من حين ابتداء القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول، خلافاً لمن قال إنه لا يكبر حتى يستوي قائماً". اهـ المصدر نفسه (2/550) .
6- قال العلامة ابن قدامة : "ولأن الهوي إلى السجود ركن، فلا يخلو من ذكر كسائر الأركان، ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء انحطاطه وانتهاؤه مع انتهائه". اهـ المغني لابن قدامة(2/74) .
7- قال الإمام الصنعاني :"وظاهر قوله( يكبر حين كذا وحين كذا )، أن التكبير يقارن هذه الحركات فيشرع في التكبيرعند ابتدائه للركن. وأما القول بأنه يمد التكبير حتى يتم الحركة كما في الشرح وغيره، فلا وجه له، بل يأتي باللفظ من غير زيادة على أدائه ولا نقصان منه". اهـ سبل السلام للصنعاني (1/367) .
8- قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي : " تكبيرات الانتقال محلها بين ابتداء الانتقال والانتهاء؛ لأنها الذكر المشروع بين الأركان، ونفس الأركان مختصة بأذكارها المشروعة فيها، فهذا مأخذ الفقهاء لهذا التحديد". اهـ كما في توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام (2/224) .
9- قال الشيخ عبدالرحمن البسام :"قوله ( حين ) دليل على أن وقت التكبير مع الانتقال من ركن إلى ركن، فلا يتقدم عن البدء بالحركة ولا يتأخر ؛ بحيث يصل الركن الثاني وهو لم ينته من التكبير، بل يكون موضع التكبير؛ الحركة التي بين الركنين". اهـ توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/224) .
10- قال الشيخ الألباني- في تعليقه على حديث أبي هريرة بلفظ : " كان إذا أراد أن يسجد كبر ثم يسجد، وإذا قام من القعدة كبر ثم قام" – قال رحمه الله : "والحديث نص صريح في أن السنة التكبير ثم السجود، وأنه يكبر وهو قاعد ثم ينهض . ففيه إبطال لما يفعله بعض المقلدين من مد التكبير من القعود إلى القيام". اهـ السلسة الصحيحة للألباني (2/155) .
قلت - القائل أبو عمار - : لعل متوهماً يظن أن مقصد الشيخ الألباني ، أنَّ السنة في تكبيرات الانتقال ، أنْ يكبر الإمام، وبعد أن يفرغ من التكبير، ينتقل إلى الركن الثاني ، فنقول : هذا فهم خاطئ ، وإنما أراد الشيخ الألباني أن يبتدئ الإمام بالتكبير- وهو في الركن الأول- وليس أن يفرغ من التكبير ، ويدل على ذلك ، أنه قال رحمه الله – معلقاً على حديث أبي هريرة في الصحيحين - :قلت – القائل الألباني - : فقوله ( ويكبر حين يقوم من اللتين ...) أي : عند ابتداء القيام . ثم ذكر- رحمه الله -كلام الحافظ ابن حجر مقراً له ، وساق- أيضاً- كلام النووي مقراً له ، إلا أنه أنكر عليه مدَّ التكبير ، فقد ذكر الشيخ الألباني إنكار الحافظ ابن حجر عقب كلام النووي .
وعلى هذا الفهم ترجم عبداللطيف بن أبي ربيع في كتابه ( نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من فوائد ) لهذا للمبحث ، فقال ( باب / التكبير ورفع اليدين يكون عند ابتداء القيام من القعدة لابعده ) . اهـ نظم الفرائد(1/343) .
11- قال الشيخ ابن عثيمين : "قوله (مكبراً) حال من فاعل (يركع) حال مقارنة، يعني في حال هويه إلى الركوع يكبر فلا يبدأ قبل، ولا يؤخر حتى يصل إلى الركوع، أي يجب أن يكون التكبير فيما بين الانتقال والانتهاء، حتى قال الفقهاء رحمهم الله: لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي أو أتمه بعد أن يصل إلى الركوع فإنه لا يجزئه ؛ لأنهم يقولون: إن هذا تكبير في الانتقال فحمله مابين الركنين، فإن أدخله في الركن الأول لم يصح، وإن أدخله في الركن الثاني لم يصح، لأنه مكان لا يشرع فيه هذا الذكر، فالقيام لا يشرع فيه التكبير، والركوع لا يشرع فيه التكبير، إنما التكبير بين القيام وبين الركوع، ولا شك أن هذا القول له وجهة من النظر، لأن التكبير علامة على الانتقال، فينبغي أن يكون في حال الانتقال، ولكن القول بأنه إن أكمله بعد وصول الركوع أو بدأ قبل الإنحناء يبطل الصلاة ، فيه مشقة على الناس ؛ لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيراً من الناس لا يعلمون بهذا ، منهم من يكبر قبل أن يتحرك بالهوي ، ومنهم من يصل إلى الركوع قبل أن يكمل ، والغريب أن بعض الجهال اجتهد اجتهاداً خاطئاً ، وقال : لاأكبر حتى أصل إلى الركوع ، قال لأنني لو كبرت قبل أن أصل إلى الركوع ؛ لسابقني المأمومون ، فيهوون قبل أن أصل إلى الركوع ، وربما وصلوا إلى الركوع قبل أن أصل إليه ، وهذا من غرائب الاجتهاد أن تفسد عبادتك على قول بعض العلماء ؛ لتصحيح عبادة غيرك الذي ليس مأموراً بأن يسابقك ، بل أمر بمتابعتك .
ولهذا نقول هذا اجتهاد في غير محله ، ونسمي المجتهد هذا الاجتهاد "جاهلاً جهلاً مركباً" ؛ لأنه جهل ، وجهل أنه جاهل .
إذاً نقول كبر من حين أن تهوي ، واحرص على أن تنتهي قبل أن تصل إلى الركوع ، ولكن لو وصلتَ إلى الركوع قبل أن تنتهي ، فلا حرج عليك ، والقول بأن الصلاة تفسد في ذلك حرج ، ولا يمكن أن يعمل به إلا بمشقة" . اهـ الشرح الممتع لابن عثيمين ( 3/121-122) .
12- قال الشيخ صالح الفوزان : "ومحل التكبير هو من بداية الانتقال إلى نهايته، فإذا هوى إلى الركوع يكبر في أثناء هويه، وإذا هوى إلى السجود يكبر في أثناء هويه ، وإذا رفع يكبر في أثناء رفعه ، ولا يكبر قبل الانتقال، ولا يكبر بعد تمام الانتقال، وإنما هذا في أثناء الانتقال، لكن لو نسي أو كان جاهلاً ولم يكبر إلا بعد أن انتقل، فإنه يعذر بذلك، ولكن مع التعمد فإن بعض العلماء يرى أنه لا يجزئ؛ لأنه فات محله".اهـ تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام للفوزان (2/246) .
ثالثاً : الخلاصة
خلصنا من هذه النقولات أن موضع التكبير يكون بين الركنين ، وأما مد التكبير فأنكره العلماء ؛ لما في ذلك من خروج المكبر عن لفظة التكبير .. فنسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا ، وأن يثبتنا على الحق ، إنه ولي ذلك والقادر عليه
كتب البحث :أبوعمار العدني شبكة العلوم السلفية

 

( 2 ): مركز الفتوى سؤال:

عندما أكبر للسجود أسجد بسرعة فأكمل كلمة أكبر وأنا قريبة جدا من السجود وأحيانا أكون ساجدة، فهل صلاتي صحيحة أم أعيدها؟ وأحيانا نطق كلمة ـ أكبر ـ لا يكون صحيحا فأحيانا يخرج حرف الراء لاما وأحيانا تخرج ـ الله وكبر ـ بدل أكبر وأكون قد سجدت أو استقريت للجلوس بين السجدتين أو التشهد، فهل أعيدها؟ وإذا كان علي أن أعيدها، فهل أعيد الله أكبر كاملة؟ أم فقط كلمة أكبر؟ مع العلم أنني على مذهب الشافعية الذين يرون أن التكبيرات سنة، فهل على هذا الأساس هذا الخطأ لا يؤثر في الصلاة؟.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمشروع في تكبيرات الانتقال أن يؤتى بها أثناء الانتقال لا قبله ولا بعده، وأبطل كثير من الحنابلة صلاة من أتى ببعض التكبير في غير محله، لأنه أخل بواجب من واجبات الصلاة، فإن تكبيرات الانتقال واجبة عندهم، ورجح المرداوي تبعا لابن مفلح أن مثل هذا لا يبطل الصلاة، لأن الاحتراز منه يشق، قال المرداوي ـ رحمه الله ـ في الإنصاف: فائدة: قال المجد في شرحه وصاحب مجمع البحرين والحاوي الكبير وغيرهم: ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال وانتهاؤه مع انتهائه، فإن كمله في جزء منه أجزأه، لأنه لم يخرج به عن محله بلا نزاع، وإن شرع فيه قبله أو كمله بعده فوقع بعضه خارجا عنه فهو كتركه، لأنه لم يكمله في محله فأشبه من تمم قراءته راكعا أو أخذ في التشهد قبل قعوده وقالوا: هذا قياس المذهب وجزم به في المذهب كما لا يأتي بتكبيرة ركوع أو سجود فيه، ذكره القاضي وغيره وفاقا ويحتمل أن يعفى عن ذلك، لأن التحرز منه يعسر والسهو به يكثر ففي الإبطال به أو السجود له مشقة. قال ابن تميم: فيه وجهان أظهرهما الصحة وتابعه ابن مفلح في الحواشي. قلت: وهو الصواب. انتهى.

وبهذا تعلمين أنك إذا أتممت التكبير قبل أن تصلي إلى الركن فصلاتك صحيحة بالاتفاق، وإن أتيت ببعضه بعد الانتقال فصلاتك صحيحة على الراجح من قولي الحنابلة الموجبين للتكبير، وأما على قول الجمهور فالأمر واضح وذلك أن التكبيرعندهم مستحب، فمن تعمد تركه لم تبطل صلاته.

وأما إذا أخطأت في التكبير فإن أمكنك التدارك قبل الانتقال فعليك أن تأتي بالتكبير مرة أخرى، وإذا كنت قد استقررت جالسة أو راكعة أو ساجدة فقد فات محل التكبير ولا يشرع لك الإتيان به إذن، لأن محل التكبير أثناء الانتقال كما تقدم، ولا شيء عليك في هذه الحال عند الجمهور فإن تكبيرات الانتقال عندهم سنة، كما تقدم، فمن تركها عمدا لم تبطل صلاته فبالخطأ من باب أولى، وأما الحنابلة فإنهم نصوا على أن تعمد ترك التكبيرات يبطل الصلاة وأنها لا تبطل بتركها نسيانا أو جهلا ويجب جبر تركها بسجود السهو، قال في الروض المربع: أو تعمد المصلي ترك ركن أو واجب بطلت صلاته ولو تركه لشك في وجوبه وإن ترك الركن سهوا فيأتي وإن ترك الواجب سهوا أو جهلا سجد له وجوبا. انتهى.

ولم نر لهم كلاما في الخطأ والظاهر أنه ملحق بالجهل والنسيان، لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5}.

ولقوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة: 286}.

قال الله في جوابها قد فعلت. أخرجه مسلم.. والله أعلم.

 

(3) موضع تكبيرة الانتقال بين الأركان
بالنسبة لتكبيرة الانتقال بين الأركان في الصلاة، هل تكون أثناء الانتقال أم قبله أم بعده؟
الجواب للشيخ العثيمين رحمه الله :
تكون أثناءه، وبعض العلماء يشدد ويقول: إن بدأ قبل أن ينتقل أي: قبل أن يتحرك من الانتقال لم تصح، وإن كملها بعد أن وصل لا تصح، لا بد أن تكون بينهما، لكننا نرى أن في هذا تشديداً، وأنه لا يمكن العمل به، إنما الأفضل ألا ينطق بها حتى يتحرك، وأن ينهيها إذا وصل، من حين وصل يكون قد أنهاها، وأنه لو بدأ بها قبل وكملها في أثناء الحركة فلا بأس، أو بدأها في أثناء الحركة وكملها بعد الوصول لا بأس، أما إذا لم يكبر إلا إذا وصل فلا ينفع، أن يكبر قبل أن يتحرك، ولهذا لو نسي أن يقول: الله أكبر! حتى سجد لا يكبر فيسجد للسهو لأنه ترك التكبير.

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..

فتكبيرات الانتقال في الصلاة من السنن المؤكدة، ويستحب أن يكون التكبير في أثناء الانتقال، وهو الذي يعرف عند الفقهاء بـ (تعمير ما بين الركنين) وذلك بالشروع في التكبير بمجرد بدء الانتقال إلى الركن الموالي، ويستثنى من ذلك تكبيرة الانتقال من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة فيستحب أن يكون عند ما ينتصب قائماً، قال االشيخ خليل في مختصره: (وتكبيره في الشروع إلا في قيامه من اثنتين فلاستقلاله)، وقال العلامة الحطاب نقلا عن الشيخ زروق في شرح الإرشاد: (ويستحب أن يعمر الركن من أول الحركة إلى آخرها بالتكبير فإن عجل أو أبطأ فلا شيء عليه إلا في القيام من اثنتين فلا يكبر حتى يستوي قائما على المشهور).

وأما تكبيرة الإحرام فهي ركن من أركان الصلاة في الفرض والنفل، قال الشيخ النفراوي رحمه الله تعالى في الفواكه الدواني: "(والإحرام في الصلاة)، ولو نافلة ركن وصفته (أن تقول الله أكبر)...فإن تركه لم يصح إحرامه"، والله تعالى أعلم.

من لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (موقع المنبر العلمي)

( 4) سؤال لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد بتاريخ : 15/10/1429

السؤال : هل يجب أن تكون حركة الانتقال في الصلاة متوافقة مع التكبير ؟ لأننا نلاحظ إمامنا في المسجد لا يكبر إلا بعد ما يكتمل في السجود مثلاً . أفيدوني لأجل أبلغ الإمام وجزاكم الله خيراً .

الجواب : على الإمام أن يجعل انقطاع صوته بلفظ الانتقال مع انتهاء حركته واستقراره في الركن التالي ، وعلى المأموم أن لا يبدأ بالانتقال إلا بعد انقطاع صوت الإمام ووقوف حركته ، وأما ترك الإمام للفظ الانتقال إلى حين استقراره في الركن التالي فهو سبب لاضطراب حال المأمومين ممن يلحظ حركته ؛ فعليه أن يراعي ما ذُكر . والله أعلم .

(5) متى تكون تكبيرات الانتقال في الصلاة ؟ .

[السُّؤَالُ] عندما يصلي الإمام , فمتى يكبر مثلا للركوع هل يكبر قبل أن يركع أم أثناء الركوع أم بعد الركوع ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله .. المشروع لكل مصلٍّ (الإمام والمأموم والمنفرد) أن يكون تكبيره للركوع مقارنا لحركته ، فيبدأ التكبير حال انحنائه ، ويختمه قبل أن يصل إلى حد الركوع ؛ فيقع تكبيره بين الركنين ، القيام والركوع .

وقد دلت السنة على أن التكبير يقارن الحركة المقصودة من ركوع ، وسجود ، وقيام منه ، كما في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ، ثُمَّ يَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا ، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) رواه البخاري (789) ومسلم (392) .

فهذا الحديث ظاهرٌ في أن التكبير للركوع يكون أثناء انحنائه إلى الركوع ، وتكبير السجود أثناء نزوله إلى السجود ، وتكبير الرفع من السجود أثناء رفعه ...... وهكذا ، ذكره النووي في "شرح مسلم" ، وذكر أنه مذهب جمهور العلماء .

ومن الفقهاء من شدد في ذلك ، ورأى أنه لو بدأ المصلي التكبير وهو قائم قبل أن ينحني ، أو أكمله بعد وصوله إلى الركوع أن ذلك لا يجزئه ، ويكون تاركا للتكبير ؛ لأنه أتى به في غير موضعه ، وعلى القول بوجوب التكبير : تبطل صلاته إن تعمد ذلك ، وإن فعله سهوا لزمه السجود للسهو ، والصحيح أنه يعفى عن ذلك دفعاً للمشقة .

قال المرداوي في "الإنصاف" (2/59) : " قال المجد وغيره : ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال , وانتهاؤه مع انتهائه . فإن كمّله في جزء منه أجزأه [أي إذا أوقعه بين الركنين دون أن يبسطه ويمده] ; لأنه لا يخرج به عن محله بلا نزاع .

وإن شرع فيه قبله , أو كمّله بعده , فوقع بعضه خارجا عنه , فهو كتركه ; لأنه لم يكمله في محله ، فأشبه من تمم قراءته راكعا , أو أخذ في التشهد قبل قعوده .

ويحتمل أن يعفى عن ذلك ; لأن التحرز منه يعسر , والسهو به يكثر , ففي الإبطال به أو السجود له مشقة . " انتهى باختصار .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قال الفقهاء رحمهم الله : لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي ، أو أتمه بعد أن يصل إلى الركوع ؛ فإنه لا يجزئه . لأنهم يقولون : إن هذا تكبير في الانتقال فمحله ما بين الركنين ، فإن أدخله في الركن الأول لم يصح ، وإن أدخله في الركن الثاني لم يصح ؛ لأنه مكان لا يشرع فيه هذا الذكر ، فالقيام لا يشرع فيه التكبير ، والركوع لا يشرع فيه التكبير ، إنما التكبير بين القيام والركوع .

ولا شك أن هذا القول له وجهة من النظر ؛ لأن التكبير علامة على الانتقال ؛ فينبغي أن يكون في حال الانتقال .

ولكن القول بأنه إن كمله بعد وصول الركوع ، أو بدأ به قبل الانحناء يبطل الصلاة فيه مشقة على الناس ، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيرا من الناس لا يعملون بهذا ، فمنهم من يكبر قبل أن يتحرك بالهوي ، ومنهم من يصل إلى الركوع قبل أن يكمل .

والغريب أن بعض الأئمة الجهال اجتهد اجتهادا خاطئا وقال : لا أكبر حتى أصل إلى الركوع ، قال : لأنني لو كبرت قبل أن أصل إلى الركوع لسابقني المأمومون ، فيهوون قبل أن أصل إلى الركوع ، وربما وصلوا إلى الركوع قبل أن أصل إليه ، وهذا من غرائب الاجتهاد ؛ أن تفسد عبادتك على قول بعض العلماء ؛ لتصحيح عبادة غيرك ؛ الذي ليس مأمورا بأن يسابقك ، بل أمر بمتابعتك .

ولهذا نقول : هذا اجتهاد في غير محله ، ونسمي المجتهد هذا الاجتهاد : "جاهلا جهلا مركبا" ؛ لأنه جهل ، وجهل أنه جاهل .

إذا ؛ نقول : كبر من حين أن تهوي ، واحرص على أن ينتهي قبل أن تصل إلى الركوع ، ولكن لو وصلت إلى الركوع قبل أن تنتهي فلا حرج عليك .

فالصواب : أنه إذا ابتدأ التكبير قبل الهوي إلى الركوع ، وأتمه بعده فلا حرج ، ولو ابتدأه حين الهوي ، وأتمه بعد وصوله إلى الركوع فلا حرج ، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الركنين بحسب الإمكان . وهكذا يقال في : "سمع الله لمن حمده " وجميع تكبيرات الانتقال . أما لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الركن الذي يليه ، فإنه لا يعتد به " انتهى من "الشرح الممتع". والله أعلم . الْمَصْدَرُ : موقع الشيخ محمد المنجد ( الإسلام سؤال وجواب )

(6) فائدة :  تكبيرة(الانتقال) .. ودلالاتها التربوية : حسين بن علي الزومي

وقع في خاطري كيف أن كثيراً من عباد الله الخاشعين يهتم بتدبر المعاني العظيمة في صلاته.. في قيامه وركوعه وسجوده...إلخ ولا يلتفت إلى ما يقوله في انتقاله بين الأركان من (التكبير)، فانداحت الدلالات العميقة في رُوعي لهذه التكبيرة العجيبة (تكبيرة الانتقال ).. ومادام أن (الخشوع) هو روح الصلاة ؛ فإني أحسب أن معرفة المعاني والدلالات هي (روح الروح)... ـ لقد أطلق الفقهاء عبارة (تكبيرة الانتقال) أو (تكبيرة النقل) على التكبير الذي يكون في التحول من ركن إلى ركن في الصلاة.. عدا الانتقال من الركوع للقيام فقد شرع فيه (سمع الله لمن حمده) , ولعل حكمة ذلك أن هذا القيام القصير إنما هو إكمال لما بدأه المصلي من القيام قبل الركوع والذي كان أساسه سورة الحمد "الحمد لله رب العالمين" ، فناسب في الإكمال بعد الركوع استجابة الحمد.

إن المسلم يردد (تكبيرة النقل) في صلواته الخمس المكتوبة تسعاً وثمانين مرة يومياً عدا تكبيرة الإحرام ..وقد سميت بذلك للتفريق بينها وبين (تكبيرة الإحرام ) التي تكون في ابتداء الصلاة , فتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة وتركها مبطل للصلاة ولو ناسياً ، بينما تكبيرة الانتقال على أرجح الأقوال أنها واجبة _كما هو عند الحنابلة _ وإن كان الجمهور يرون استحبابها . وكل ذلك يجعلنا نتساءل : لماذا اختار الله التكبير في النقل بدلاً من التسبيح أو الحمد أو التهليل ؟ وهل نحتاج في الانتقال إلى ذكر أصلاً ؟! ولعلي أقف هنا مع عشر دلالات تربوية : ـ

1. ملء الفراغ:
حياة المسلم ليس فيها فراغ عبثي ، فما بالك إذا كان في ذات العبادة ؟ (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) .. فحتى الوقت الذي يعد بالثواني أو أقل في الانتقال بين الركن والركن .. بين السجود والجلوس .. بين القيام والركوع ...إلخ ، حتى هذا الوقت الضئيل لابد أن يملأ بالطاعة والعبادة وإن كان هو في عبادة ! حتى قال بعض العلماء أنه يستحب إطالة التكبير بالمد بمقدار وقت الانتقال لئلا يخلو جزء عن الذكر ! ومقصودهم مد اللام في لفظ الجلالة (الله)، ولو زاد عن حد المد الطبيعي فلا بأس به، أو أدخل فيه ما يسمى في علم (المقامات) بـ( القرار) أو (الجواب) فلا بأس به أيضاً والأمر في ذلك واسع ، لكن نحذر من مدّ ( أكبر) إلى (أكبار) أو مدّ الألف في بداية اللفظين فإنها تحيل المعنى ، وإن كانت لا تبطل صلاة من لم يقصد إحالة المعنى . إنه درس رباني للحفاظ على أوقاتنا المهدرة و أزمنتنا المضاعة خارج الصلاة .. فيا لله كم مرت علينا من لحظات بل ساعات وأيام ، طارت منا سدى!

2. الاقتران بين الحركة والكلام:
تأمل كيف أن القول هاهنا جاء مقترناً بالعمل .. هذا الالتصاق جاء ليؤكد أن شريعتنا قائمة على الحركة الدائبة بالدين ، إن ديننا يمقت كثرة الكلام بلا عمل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) .. وإن من عجيب تكبيرة الانتقال أنها تكون مصاحبة وموافقة للحركة حتى أن بعض الفقهاء رأى أنه إن قالها وهو مستقر سواء قبل انتقاله أو بعد انتقاله فإنها لا تجزئه! ولو جزءاً منها!! بل ربما بطلت صلاته! وألزموه بقولها في حال انتقاله بين الركنين ؛ وهذا وإن كان فيه نوع تعسير , والراجح أن في هذا الأمر سعة ، إلا أنه يدل على اتفاق الفقهاء على أن محلها هو وقت الحركة للانتقال .. ومن غرائب اجتهاد بعض الأئمة الجهلة ـ أعني في إمامتهم في الصلاة ـ تأخيرهم التكبير حتى يدخلوا في الركن التالي حرصاً منهم على حماية صلاة المأمومين من المسابقة للإمام! ثم هو لا يخشى على صلاته!

3. الاستعانة والاستقواء:
والمقصود هاهنا هو الاستعانة بذكر الله من( التكبير) على حركة الانتقال، وذلك أن السكوت وقت الانتقال قد يضعف الحركة، ولكن صوت( التكبير) يبعث حيوية وقوة في الحركة .. ألم تر أن كثيراً من العجائز إذا أرادوا القيام من قعود طويل قالوا بصوت( بسم الله) استعانة بهذا اللفظ على الحركة .. بل حتى لاعبي الرياضات القتالية إذا أرادوا استجماع قوتهم صاحوا بصوت يثير اندفاعاً لحركتهم، ولاشك أن التفاعل بين( التكبير) و(الانتقال) يساعد النفس المؤمنة في خفة الحركة العبادية،وهو نوع من الاستقواء بالذكر على العبادة . كما أن من أسرار التكبير أن يشعر المصلي أنه يأوي إلى ركن شديد، ويستعين بالكبير الذي قهر كل شيء بكبريائه وعظمته فلا يركن إلى سواه، ولا يستعين إلا به، وما الدين إلا عبادة واستعانة( إياك نعبد وإياك نستعين) كما أن الاستعانة بالصبر لا تكتمل إلا بالاستعانة بروح الصلاة(واستعينوا بالصبر والصلاة) .

4. الاستحضار والاستحياء:
فإن في النوايا خفايا وأسرار، و( تكبيرة الانتقال) تحيي استحضار الوقوف بين يدي الكبير الجبار، حين تأخذ المصلي الوساوس وتهيم به الأفكار، فيقوم بالقلب الحياء من غفلته عن ذكر القهار. ولذلك ذكر بعض الفقهاء أنه ينبغي للمصلي استحضار قصد الذكر حين( تكبيرة النقل) حتى لا يظن ظان أنها ليست من عبادة الأذكار، بل هي كالتشهد والتسبيح والاستغفار . ومن نوى أن( تكبيرة الانتقال) لإعلام المأمومين فقط من خلفه دون قصد الذكر لم تجزئه عند جمهور علماء الأمصار . ومن تدبر لفظ( التكبير) علم بشاعة الغفلة والذهول بتوافه النسيان، وهو يهتف باسم الله الأكبر، وقد قال الإمام ابن القيم(إن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل، وقد علم أن لا شيء أكبر منه وتحقق قلبه ذلك، وأَشرَبه سره، استحيا من الله ومنعه وقاره وكبرياؤه أن ينشغل قلبه بغيره ومالم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه)

5. التعظيم:
و أي شيء أعظم من لفظة( الله أكبر) والتي كان يرددها المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا صعد مرتفعاً أو جبلاً، في إشارة منه عليه السلام إلى استشعار عظمة الله عند رؤية عظيم في الدنيا، بل أن التكبير(مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة) كما قال الإمام ابن تيمية . إنها عبارة العظمة والكبرياء التي تبتدئ باسم الله الأعظم( الله) بما في هذه اللفظة من التفخيم للاّم الممتدة، ثم لاحظ معي نبع هذا الاسم من أقصى الجوف( الألف) ثم يملأ الفم ليسير مسرعاً إلى طرف اللسان( اللام) ثم ارتداده بقوة إلى أقصى الجوف مرة أخرى(الهاء).. شيء عجيب و الله! حين تجلجل تلك الفخامة في كل أرجاء المخارج الصوتية؛ وإذا اقترن هذا الاسم( الله) بلفظة الصفة( أكبر) فإنك تشعر أن(همزة القطع) قد قطعت عنك التفكير فيما سوى( الله) لينتظر ذهنك استنطاق الصفة، ثم لتفاجئ النفس بضخامة الصفة( أكبْر) بما فيها من شِدة( الكاف)الساكنة المدوية، ثم إقفالها بـ( راء) الفخامة المتكرر، حاملاً معه صوت الرنين الضارب في أعماق النفس .. ثم يحار العقل : أكبر من ماذا ؟ ماذا بعد(أفعل التفضيل)؟ أين المجرور بـ(من)؟ لماذا حذف ؟ ويأتي الجواب ببساطة : لأن لله الكبرياء المطلقة التي لا ينازعه شيء فيها، وما هو الشيء الذي يستحق أن يوضع بعد(أفعل التفضيل) ولو كان(كل شيء)؟!

ألم تر أن السيف ينقص قدره*** إذا قيل أن السيف أمضى من العصا

ومن حيث المعنى فإن(الكبرياء) أكمل من(العظمة)، ولذلك لا يصح للمصلي أن يقول(الله أعظم) بدلاً من(الله أكبر) خلافاً للأحناف.. فيصبح التكبير في مجمله في غاية العظمة بقوة لفظه وجرسه، ورفعة معناه ودلالته . وهذا ما يفسر خوف أعداء الله في المعارك من سماع هذه العبارة حتى ولو لم يفهموا معناها . إنها تربية للنفس على معرفة قدر الله( وما قدروا الله حق قدره) فكل الأفكار والمفاهيم الساذجة ينبغي أن تتصاغر أمام المصلي( المكبّر) في الصلاة، وهو تعظيم لقدر الصلاة أيضاً، فالله أكبر وأعلى وأجل من تضييع الصلاة بملهيات الدنيا.

6. طرد الشيطان:
كم يحرص الشيطان كثيراً وتتحرك ألويته لإضاعة روح الصلاة، حتى لا يكتب للمرء إلا جزء منها بقدر ما عقل، ويأتي(التكبير) أثناء الصلاة ليكون أحد أقوى الأسلحة لدحر الشيطان ووسوسته . ألم يعلمنا الأمين صلى الله عليه وسلم أن الشيطان ينفر حين سماع الأذان؛ فالتكبير هو مقدمة الأذان وهو أسّ ندائه. فإذا ما سمع الشيطان(الله أكبر) هرب بعيداً عن المصلي، بل يتصاغر و يتحاقر حتى تنطفئ وسوسته، فإن كبرياء الرب عز وجل تقمع الشيطان وفعله. ولكن كل ذلك لا يحصل إلا إذا نطق المصلي التكبير وهو يفقه معناه، وهو قاصد لمبتغاه، أما إذا سيطر الشيطان عليه حتى لم يعد يحسن استخدام سلاحه، بل هو يحمله بلا فقه ولا دراية، فقل على الصلاة العفاء، لا روح فيها ولا حياة، وكان أحق أن يصلى على هذه الصلاة صلاة الميت.

7. التجدد والتغيير:
إن( تكبيرة الانتقال) تنقلنا من حال إلى حال، ومن عبادة الله بالقيام في الصلاة، إلى عبادته بالركوع، ثم السجود والجلوس ..إلخ بل إنك تلحظ أن صلاة أصحاب الأديان الفاسدة تقتصر على حركة أو حركتين، فبعضهم يصلي وهو قائم فقط، وبعضهم وهو جالس، وبعضهم وهو ساجد، وبعض الديانات الفاسدة صلاتهم بالكلام فقط! أما هذا التنوع في حركات الانتقال فلا يوجد إلا في شرع محمد صلى الله عليه وآله وسلم . إن( تكبيرة الانتقال) تدفع المسلم في صلاته إلى تغيير حركة عبادته في الصلاة، ليعيش في روضة من الحركة الدائبة، وفي جو من التجدد الدائم . وهذا التنوع في داخل عبادة( الصلاة) يعطينا انطباعاً مهماً بأن هذا الدين يطلب منا أن نعبد الله بطرق مشروعة شتى، وأن لا نقتصر على نمط واحد، حتى لا يصاب(العابد) بالملل {فإن الله لا يملّ حتى تملّوا} .. ولذلك ينبغي للمسلم أن ينوع في حياته وسائل التقرب لربه، وذلك بالطبع وفق ما جاء مرغباً به في شريعتنا .

8: الفاصل الذهني:
هذا( التكبير) أيضاً يضع فاصلاً ذهنياً ومساحة زمنية للسباحة في ذكر آخر . ولو افترضنا أن هذه الانتقالات في الأذكار كانت بدون فاصل( التكبير) فإننا سنلاحظ تداخل الأذكار بعضها في بعض، وقد يختلط على المصلي فيقول الذكر الخاص بالسجود في جلوسه وهكذا... فهذا التكبير الفاصل بينها يضع حداً لانتهاء الذكر القبلي ـ أي قبل التكبير ـ وابتداء الذكر البعدي ـ أي بعد التكبير ـ ومع أن(تكبيرة الانتقال) هي ذكر بحد ذاتها إلا أنها تصبح مثل( اللازمة) التي تقطع وتبدأ .

9. الاستعداد:
تكون( تكبيرة النقل) كأداة للتنبيه لما يليها، فتشعر المصلي بأهمية الاستعداد لما هو آت، وأنه باستطاعته أن يستمر في صلاته ويقوي صلته بربه، فـ( الله أكبر) تعطي اندفاعة نفسية للمواصلة والتهيؤ، كما يستخدمها المجاهد في سبيل الله في ساح الوغى فيشعر بنشوة تعتريه للثبات والاستعداد والاستمداد من رب السماء . أما إذا كان المصلون في جماعة فقد اتفق العلماء على أن الإمام يجهر بالتكبير ولو كانت الصلاة سرية، وشذ فيه الخلاف، وأنكر الصحابة على بعض بني أمية الذين تركوا الجهر بالتكبير. لأن تكبير الإمام هاهنا فيه استدعاء لحركة المأمومين بالاستعداد للانتقال {فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر} في متابعة دقيقة وانتظام عجيب لا تجد مثله في الدنيا . بل أجاز الإسلام أيضاً( المسمّع) ـ وهو الذي يرفع صوته بالتكبير بعد تكبير الإمام إذا لم يسمعوا ـ حتى يستعد المأمومون جميعاً للانتقال في لحظة واحدة، وقد أسهمت(الميكروفونات) في زمننا في تغطية هذه المهمة. فيا لله، لو أن الإمام لم يشرع له الجهر بالتكبير، كيف سيكون الخبط والمناوشة في الصلاة ؟!

10. التفاؤل:
فإن في التكبير معنى الرفعة والنصر والعلو والتمكين، ومن عجيب التكبير أن فيه تفاؤل بتحقق الهداية التي طلبها المصلي بقوله"اهدنا الصراط المستقيم" وقد قال الله في آيتين بالكتاب "لتكبروا الله على ما هداكم"، وهي وإن كانتا في الصيام والحج، إلا أن في ذلك سر عظيم يدل على أن التكبير معين على الهداية . كما أن المصلي حين يردد( تكبيرة الانتقال) يشعر بمعية الله الكبير فمم يخاف ؟ فالله سبحانه أكبر من كل شيء ذاتاً وقدراً وعزة وجلالة.. هذا المعنى الذي يصب في نفسه قضية الثقة بالله وحسن الظن به، فلا يرى لما هو صغير أن يكون عقبة في حياته، ولا يخاف من مستقبل قد أوهمه التفكير المادي بظلمته . فالله أكبر من أن يتركه سدىً وقد تشبث بعلائق وعمود الدين، بالصلاة لرب العالمين .

والله المستعان

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.