الاستعداد للعيد وتهيئة المصلين..

وصايا في ليلة العيد

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فقد كانت أجواء رمضان أجواء رائعة، وفرصة يسوقها الله -تبارك وتعالى- إلينا عامًا بعد عام؛ لنعيد تحصين أنفسنا من خلال هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالنقاء والصفاء، ونعيد ترميم نفوسنا بعد أن مزقتها آلام وهموم الحياة.

يأتي رمضان كل عام كمدرسة تربوية فريدة تخرّج أجيالاً صالحة، تعرف حق ربها، وتتقي الله في مجتمعها، وتحسن إلى من حولها.

وها نحن نودع رمضان، ولم يبقَ منه إلاّ ساعات قلائل. نعم، بالأمس القريب كان معنا، كنا نستنشق عطره، ونسعد في أفيائه، ونتقلّب في ضروب نعمائه.

بالأمس القريب كنا نغترف من بركاته، ونخوض في بحار حسناته، ونرجع كل ليلة بجرّ الحقائب بما حملنا من خيراته.

بالأمس القريب كنا نقطف من روضه زهور الإيمان، ونجد في رحابه الأنس والاطمئنان، كانت تحلق فيه الأرواح، وتطير من غير ما جناح.

واليوم، أين هو شهر رمضان؟

 ألم يكن منذ لحظات بين أيدينا؟

ألم يكن ملء أسماعنا وأبصارنا؟

ألم يكن هو حديث منابرنا، زينة منائرنا، بضاعة أسواقنا، مادة موائدنا، حياة مساجدنا، فأين هو الآن؟ أين المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المتهجّدين في أسحاره؟

أين خشوع المتهجّدين في قيامهم ورقة المتعبدين في صيامهم؟! أين أقدامٌ قد اصطفت فيه لمولاها؟ أين أعين جادت فيه بجاري دمعها؟ أين قلوب حلّقت فيه بجناحين من خوف ورجاء وسارعت إلى مرضاة ربها تلتمس النجاء؟

أين أيام كانت حياة للحياة وليال كن قلائد في جيد الزمان؟ لقد تولّت كما تولّى غيرها، وتقضّت بما فيها، ولم يبق إلا الندم والأسى. نسأل الله أن يتقبل منا سائر أعمالنا، ويغفر لنا تقصيرنا.

قال ابن رجب في وداع رمضان، واسمعوا لقلوب السلف رضوان الله تعالى عليهم كيف كانت تتحرق لفراق هذا الشهر: "يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق، عسى وعسى من قبل يوم التفرق إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي، فيجبر مكسور ويقبل تائب ويعتق خطاء ويسعد من شقي. انتهى كلامه رحمه الله.(لطائف المعارف 1/232).

التذكير بسنن العيد:

إن من أجمل همسات الوداع لشهر البر والخير إذا مد الله في أعماركم، وأدركتم يوم عيدكم، فاشكروا الله بإكمال عدة شهركم، كبروا ربكم، وأدوا زكاة فطركم، واخرجوا يوم عيدكم فرحين بفضل الله ورحمته، شاكرين لنعمته، ومجتنبين ما يسخطه.

واعلموا أن للعيد سنناً وآداباً يحسن ذكرها والعمل بها.

فمن سنن العيد:

1- التكبير في عيد الفطر يكون ابتداء من دخول ليلة العيد وانتهاءً بصلاة العيد. قال الله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة:185) فنخرج يوم العيد مهللين مكبرين، نقول:الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد، أو نحو ذلك، نكبر يوم العيد لتكون العظمة والقداسة لله؛ فنقول: الله أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، وأكرم من كل كريم.

2- الاغتسال لصلاة العيد ولبس أحسن الثياب والتطيب. فنخرج يوم العيد ونحن نلبس ثيابنا الجديدة الجميلة؛ لأننا أهل الجمال، زرعنا الجمال، وسقيناه، وأنبتناه، وقطفناه، فلا جمال إلا في ديننا، والله ربنا جميل يحب الجمال، طيب يحب الطيب، لا نعترف بالدروشة، ولا نقر بالخرافة، ولا نتحاكم إلى التزمت. نظهر بالجمال في المبادئ والأفكار، ونظهر بالجمال في العقائد والمنقولات والأخبار، ونظهر بالجمال في الشعار والدثار، فنحن أهل الجمال، ولا يسبقنا إليه حي.

3- الأكل قبل الخروج من المنزل – في عيد الفطر- على تمرات أو غيرها قبل الذهاب لصلاة العيد، ويسن أن يأكلهن وتراً.

4- الجهر في التكبير في الذهاب إلى صلاة العيد.

5- الذهاب من طريق إلى المصلى والعودة من طريق آخر.

6- صلاة العيد في المصلى إذ هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن سنن العيد أن نخرج إلى المصلى، فلا تُؤدى صلاة العيد في المسجد إلا لضرورة شديدة من مطر وغيره.

7- اصطحاب النساء والأطفال والصبيان دون استثناء كما كانت سنته صلى الله عليه وسلم،ولكن النساء الحيض يعتزلن المصلى.

8- الاستماع إلى خطبة العيد.

9- التهنئة بالعيد، فعن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: تقبل منا ومنك، قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن.

التحذير من هجر المساجد بعد رمضان:

أيها الأحبة في الله: لقد رأينا المساجد معطرة في رمضان بأنفاس الصائمين، وشهدنا المساجد عامرة في رمضان بصفوف المصلين، وسمعنا للمساجد في رمضان دوياً بكتاب رب العالمين، وأسعد قلوبنا في رمضان تسابق أهل البر والجود من المحسنين، ولكن مما يؤلم القلب ويحزن النفس ويدمي العين، أن نرى المساجد بعد رمضان مباشرة خالية خاوية تشتكي حالها إلى الله جل وعلا، وأن نرى إعراضاً عن كثير من الطاعات والعبادات التي افترضها علينا رب الأرض والسماوات، وكأن الناس في رمضان يصلون لرب، ويقرءون القرآن لرب، ويعتكفون في المساجد لرب، ويتسابقون في أصناف البر والجود لرب، فإذا ما انتهى شهر رمضان وجاءت الشهور الأخرى كأن لهذه الشهور ربّاً غير رب رمضان عياذا بالله!!.

إن رب رمضان هو رب بقية الشهور، وإن الحسرة لتملك الإنسان المؤمن عندما يرى المساجد بعد رمضان خالية تشتكي حالها إلى الله جل وعلا! أين المصلون أين الصائمون أين القائمون والتالون لكتاب رب العالمين أين المحسنون وأين المنفقون بعد رمضان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون؟!

رب رمضان هو رب سائر العام:

إن من أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً، وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكريم، وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً، وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً، وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاً؛ فإن هذه الأمور لتدل على أن القلوب لم تحيا حياة كاملة بالإيمان، ولم تستنر نورها التام بالقرآن، وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة، وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً، وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهناً؛ لأننا أيها الإخوة على مدى شهر كامل دورة تدريبية على الطاعة والمسارعة إلى الخيرات والحرص على الطاعات ودوام الذكر والتلاوة، ومواصلة الدعاء والتضرع والابتهال والمسابقة في الإنفاق والبذل والإحسان ثم ينكس المرء بعد ذلك على عقبه.

أخي الكريم، يا من فرطت في رمضان وقصّرت، لا تحزن ولا تبتئس، ولا تظنن أن أبواب الخيرات قد أغلقت دونك، وأنك مطرود من رحمة الله، كلا، هناك أمل، إن رب رمضان هو رب سائر العام، متى تبت إليه قبلك، ومتى ندمت على الذنب سترك وغفر لك، فأبشر برحمة الله ومغفرته متى رجعت إليه، أسأل الله أن يختم لي ولك بخاتمة السعادة، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.