حكم الحج وشروطه

 الحج ركن عظيم من أركان الإسلام، فرضه الله - سبحانه - على المسلم المستطيع بقوله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران:97]، ولا يزال الناس يحجون منذ رفع إبراهيم القواعد من البيت، وأذن في الناس بالحج كما أمره ربه - عز وجل - إلى يومنا هذا، ولا ينقطع الحج طالما على الأرض مؤمن، فإذا قبض الله أرواح المؤمنين، ولم يبق على ظهر الأرض إلا شرار الخلق الذين تدركهم الساعة وهم أحياء توقف سيل الحجيج إلى بيت الله الحرام .

أولاً: حكمه:
اتفق العلماء على فرضية الحج مرة في العمر، والأدلة على وجوبه ثبتت في الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
- أما الكتاب ففي قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].
- وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم.
- وأما الإجماع: فلأن الأمة أجمعت على فرضية الحج[1].
شروط وجوب الحج:
يشترط لوجوب الحج ما يلي:
أولاً: الإسلام: فغير المسلم لا يجب عليه الحج، بل ولا يصح منه لو حجَّ، ولا يجوز له دخوله مكة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28].
ثانياً: العقل: فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولو كان الإنسان مجنوناً من قبل أن يبلغ حتى مات فإنه لا يجب عليه الحج ولو كان غنياً.
ثالثاً: البلوغ: فمن كان دون البلوغ فإنه لا يجب عليه، لكن لو حج فإن حجه صحيح، ولا يُجزئه عن حجة الإسلام.
رابعاً: الحرية: فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج؛ لأنه مملوك مشغول بسيده، فهو معذور بترك الحج لا يستطيع السبيلَ إليه.
خامساً: القدرة على الحج بالمال والبدن: وتنقسم إلى أربعة أقسام:
"الأول: أن يكون غنياً قادراً ببدنه، فهذا يلزمه الحج والعمرة بنفسه.
الثاني: أن يكون قادراً ببدنه دون ماله، فيلزمه الحج والعمرة إذا لم يتوقف أداؤهما على المال، مثل أن يكون من أهل مكة لا يشق عليه الخروج إلى المشاعر.
الثالث: أن يكون قادراً بماله عاجزاً ببدنه، فيجب عليه الحج والعمرة بالإنابة.
الرابع: أن يكون عاجزاً بماله وبدنه فيسقط عنه الحج والعمرة.[2]، وألحق بعض العلماء بهذا الشرط أمن الطريق بحيث يكون الطريق آمناً لا خوف فيه[3].
وزيد للنساء شرطان:
أحدهما: أن يكون معها زوجها أو محرم لها، فإن لم يُوجد أحدهما فلا يجب عليها الحج.
الثاني: ألا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة؛ لأن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج بقوله: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1]؛ ولأن الحج يمكن أداؤه في وقت آخر.
أركان وواجبات وسنن الحج:

أركان الحج أربعة، وواجباته سبعة، وما عدا الأركان والواجبات فسنة، وها هو بيانها : 

أركان الحج:
الأول: الإحرام وهو نية الدخول في النسك لقول الرسول- صلى الله عليه وسلَّم- : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى»، وله زمان محدد وهي أشهر الحج التي ورد ذكرها في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة:197]، ومكان محدد وهي المواقيت التي يحرم الحاج منها، فمن ترك هذه النية لم ينعقد حجه.
الثاني: الوقوف بعرفة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- :«الحج عرفة» رواه أبوداود وغيره، ويبتدئ وقته من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة ويمتد إلى طلوع فجر يوم النحر، وقيل يبتدىء من طلوع فجر اليوم التاسع .
فمن حصل له في هذا الوقت وقوف بعرفة ولو لحظة واحدة فقد أدرك الوقوف.
الثالث: طواف الإفاضة، ويكون بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة لقوله سبحانه :{ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج:29] ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال - حين أُخبِرَ بأن صفية رضي الله عنها حاضت -  «أحابستنا هي ؟»، فقالوا : يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة، قال :«فلتنفر إذاً» متفق عليه، مما يدل على أن هذا الطواف لا بد منه.
الرابع: السعي بين الصفا والمروة لقوله- صلى الله عليه وسلم- : «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» رواه أحمد ولقول عائشة رضي الله عنها : " طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وطاف المسلمون- تعني بين الصفا والمروة - فكانت سنة، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة "رواه مسلم .
وهذا السعي هو سعي الحج، ووقته بالنسبة للمتمتع بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة وطواف الإفاضة، وأما القارن والمفرد فلهما السعي بعد طواف القدوم .

واجبات الحج:
وأما واجبات الحج التي يصح بدونها فهي :
الأول: الإحرام من الميقات المعتبر، لقوله - صلى الله عليه وسلم- حين وقت المواقيت : «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة» رواه البخاري .
الثاني: الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهاراً لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقف إلى الغروب وقال : «لتأخذوا عني مناسككم» .
الثالث: المبيت بمزدلفة ليلة النحر، وهو واجب عند أكثر أهل العلم، لقول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} [البقرة:198]، ولأنه - صلى الله عليه وسلم- أذن للضعفة بعد منتصف الليل فدل ذلك على وجوب المبيت بمزدلفة، وقد أمر الله بذكره عند المشعر الحرام .
الرابع: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق لأنه - صلى الله عليه وسلم- بات بها وقال: «لتأخذوا عني مناسككم» ، ولأنه أذن لعمه العباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، ورخص أيضاً لرعاة الإبل في ترك المبيت مما دل على وجوب المبيت لغير عذر، وهي ليلتان للمتعجل وثلاث ليال لغير المتعجل .
الخامس: رمي الجمرات مرتبة: جمرة العقبة يوم العيد قبل الزوال وبعده، والجمرات الثلاث أيام التشريق بعد زوال الشمس، لأن هذا هو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم-، ولأن الله تعالى قال : {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى} [البقرة:203] .
السادس: الحلق والتقصير لقول الله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]، ولأن النبي  صلى الله عليه وسلم- أمر به فقال : «وليقصر وليحلل» متفق عليه.
السابع: طواف الوداع لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» ، ولأمره - صلى الله عليه وسلم- بذلك في قوله : «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» رواه مسلم .

سنن الحج:
وما عدا هذه الأركان والواجبات من أعمال الحج فسنن ومستحبات، كالمبيت بمنى في اليوم الثامن، وطواف القدوم، والرمل في الثلاثة الأشواط الأولى، والاضطباع فيه، والاغتسال للإحرام، ولبس إزار ورداء أبيضين نظيفين، والتلبية من حين الإحرام بالحج إلى أن يرمي جمرة العقبة، واستلام الحجر وتقبيله، والإتيان بالأذكار والأدعية المأثورة، وغير ذلك من السنن التي يستحب للحاج أن يفعلها، وأن لا يفرط فيها اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم – وإن كان لا يلزمه شيء بتركها .
والفرق بين الركن والواجب والسنة : أن الركن لا يصح الحج إلا به، والواجب يصح الحج مع تركه، غير أنه يجب على من تركه دم (ذبح شاة) عند جمهور العلماء، وأما السنة فمن تركها فلا شيء عليه . 

[1] أنظر المغني لابن قدامة (3/164)، وفتح الباري لابن حجر (5/149). 
[2] الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين رحمه الله (7/11).
[3] مسند الشافعي ترتيب السندي رقم الأثر (746).

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.