تعظيم السلف الصالح للحج ومناسكه

 الحمدُ للهِ الذي دَعَا عبادَهُ الأبرار، إلى أشرفِ بيتٍ وأعظَمِ مَزَارٍ، دَعَاهُم إلى أُمِّ القُرَى لِيُجْزِلَ الضِّيافَةَ والقِرَى، ويَحُطَّ عنهمُ الذنوبَ والأوزار، فأجابُوا دَعوَتَهُ مُسرعينَ، وفارَقُوا لأَجْلِهِ الدارَ والأهلَ والبنينَ، أَحْمَدُهُ أنْ فَرَضَ الحجَّ في العُمْرِ مَرَّةً من غيرِ تَكْرَارٍ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ الْمَلِكُ الرَّحيمُ الغَفَّار، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُه أفضلُ مَنْ قلَّدَ الهَدْيَ وسَنَّ الإشعار، وأشرَفُ مَنْ طافَ بالبيتِ وسَعَى بينَ المروةِ والصَّفَا ورَمَى الْجِمَار، وجدَّدَ المناسكَ بعدَ الاندِثارِ، اللهُمَّ صلِّ وسَلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ البَرَرةِ الأطهارِ.


أمَّا بعدُ: فيا أيها الناسُ اتقوا الله تعالى فقد نُوديَ فيكم بالحجِّ فأينَ المشتاق، وتعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلمَ قال: (مَن حَجَّ للهِ فلم يَرْفُثْ، ولم يَفْسُق، رَجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري ومسلم، وتعلمون أنه صلى الله عليه وسلمَ قال: (ما مِن يومٍ أكثَرَ من أنْ يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبداً منَ النارِ، مِن يومِ عَرَفَةَ، وإنهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُباهي بهِمِ الملائكةَ، فيقولُ: ما أرادَ هؤُلاءِ؟) رواه مسلمٌ، فهلْ أحدٌ منكم تاق؟.


أيها المسلمون: لقدْ أوجبَ اللهُ الحَجَّ بقولهِ: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97]، قال ابنُ القيِّم: (تأمَّلْ كيفَ افتتحَ هذا الإيجابَ بذِكرِ محاسنِ البيتِ وعِظَمِ شأنهِ بما يدعو النفوسَ إلى قصدِه وحجِّهِ، وإنْ لم يَطْلُب ذلكَ منها، فقال: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 96، 97]، فَوَصَفَهُ بخمسِ صفاتٍ: أحدُها: أنه أسبقُ بُيُوتِ العالَمِ وَضْعَاً في الأرضِ، الثاني: أنه مُبارَكٌ والبركةُ كثرةُ الخير ودوامُه.. الثالثُ: أنه هُدَىً.. الرابع: ما تَضَمَّنَهُ من الآياتِ البيِّناتِ التي تَزِيدُ على أربعينَ آية، الخامس: الأمنُ لداخله، وفي وَصْفِهِ بهذهِ الصفاتِ دُون إيجابِ قَصْدِه ما يَبْعَثُ النُّفوسَ على حَجِّهِ، وإنْ شطَّتْ بالزائرينَ الدِّيار، وتناءت بهم الأقطار، ثمَّ أتبعَ ذلكَ بصريح الوُجوبِ الْمُؤكَّد بتلكِ التأكيدات، وهذا يَدُلُّكَ على الاعتناءِ منهُ سُبحانَهُ بهذا البيتِ العظيمِ، والتنويه بذكره، والتعظيم لشأنه، والرِّفعةِ من قدره، ولو لم يكن له شَرَفٌ إلاَّ إضافُته إيَّاه إلى نفسهِ بقوله: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾ [الحج: 26]، لكفى بهذه الإضافةِ فَضْلاً وشَرَفاً، وهذه الإضافةُ هي التي أقبلت بقُلوب العالَمين إليه وسَلَبَت نفوسَهُم حُبَّاً له وشوقاً إلى رُؤيته، فهو المثابة للمحبين، يثوبون إليه ولا يقضون منه وَطَراً أبداً، كلَّما ازدادوا له زيادةً ازدادوا له حُبَّاً وإليه اشتياقاً) انتهى.


عبادَ الله: لقد عظَّمَ السَّلَفُ الصالِحُ الحجَّ تعظيماً لِما عظَّمَهُ اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم، قال أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه: (مَن أطَاقَ الحَجَّ فلَم يَحُجَّ فسَوَاءٌ عليهِ ماتَ يَهُودِيَّاً أو نصرانيَّاً) رواه أبو بكر الإسماعيلي وصحَّحه ابن كثير.


وخَرَج رضيَ اللهُ عنه (فَرَأَى رَكْباً فقالَ: «مَنِ الرَّكْبُ؟» فقالَ: قالُوا: حَاجِّينَ، قالَ: «ما أَنْهَزَكُمْ – أخرجكم -غَيْرُهُ؟» ثلاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: لا، قالَ: «لَوْ يَعْلَمُ الرَّكْبُ بمَنْ أَناخُوا لَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بالْفَضْلِ بَعْدَ الْمَغْفِرَةِ، والذي نَفْسُ عُمَرَ بيَدِهِ، ما رَفَعَتْ ناقَةٌ خُفَّها ولا وَضَعَتْهُ إلاَّ رَفَعَ اللهُ لَهُ دَرَجَةً، وحَطَّ عنهُ بهَا خَطِيئَةً، وكَتَبَ لَهُ بهَا حَسَنَةً») رواه عبد الرزاق في مُصنَّفه.


وقد كان السَّلَفُ يُكثرونَ من الْحَجِّ رَجَاءَ أن تُختَمَ حياتُهُم بهِ، فعَنِ (الأَسْوَدِ قالَ: قالَ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ: نُسُكَانِ أَحَبَّ إليَّ أنْ يكونَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا شَعَثٌ وسَفَرٌ، قَالَ: فَسَافَرَ الأَسْوَدُ ثَمَانِينَ ما بينَ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وسافَرَ عبدُ الرحمنِ بنُ الأسْوَدِ سِتِّينَ ما بينَ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُما) رواه ابنُ أبي شيبة.


وقال ابنُ كثير في عطاءِ بنِ أبي رَباح: (وكانَ قَدْ حَجَّ سَبْعِينَ حِجَّةً، وعُمِّرَ مِائَةَ سَنَةٍ) انتهى.

 

وممن ذُكرَ من السَّلَفِ أنه حَجَّ أكثرَ من أربعين حِجَّةً: سعيد بن المسيب، ومحمد بن سوقة، وبكير بن عتيق، وابنُ أبي عمر العدني، وسعيد بن سليمان، والعباس بن سمرة، وأيوب السختياني، وهمام بن نافع، ومكي بن إبراهيم وغيرهم كثير، ومن المعاصرين الشيخ: ابنُ باز ومحمد بن قاسم وغيرهما.

 

قال طلحةُ الياميُّ رحمه الله: (كُنَّا نَتَحَدَّثُ أنهُ مَنْ خُتِمَ لهُ بإحْدَى ثلاثٍ، إمَّا قالَ: وَجَبَتْ لهُ الجنَّةُ، وإمَّا قالَ: بَرِئَ مِنَ النَّارِ: مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ فإذا انْقَضَى الشَّهْرُ ماتَ، ومَنْ خَرَجَ حَاجَّاً فإذا قَدِمَ مِنْ حَجَّتِهِ ماتَ، ومَنْ خَرَجَ مُعْتَمِراً فإذا قَدِمَ مِنْ عُمْرَتِهِ ماتَ) رواه عبد الرزاق في مُصنَّفه.


ولذلك كانوا لا يَعْدِلُون به غيرَه من الأعمالِ الصالحة، قال رجلٌ لأبي موسى الأشعري رضيَ اللهُ عنه: (إِنِّي كُنْتُ أُعَالِجُ الْحَجَّ – أيْ أُزاولُه وأُمارِسُه-، وقَدْ ضَعُفْتُ وكَبُرْتُ، فهَلْ مِنْ شيْءٍ يَعْدِلُ الحَجَّ؟ قالَ لهُ: هلْ تَسْتَطيعُ أنْ تُعْتِقَ سَبْعِينَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ مِنْ وَلَدِ إسماعِيلَ؟ فأمَّا الْحِلُّ والرَّحِيلُ فلا أَجِدُ لَهُ عِدْلاً، أوْ قالَ: مِثْلاً)، و(سُئِلَ طاوُوسٌ: الحَجُّ بعدَ الفريضةِ أفضَلُ أمِ الصَّدَقَةُ؟ فقالَ: أينَ الْحِلُّ والرَّحِيلُ، والسَّهَرُ والنَّصَبُ، والطَّوَافُ بالبَيْتِ والصَّلاةُ عِنْدَهُ، والْوُقُوفُ بعَرَفَةَ وجَمْع ورَمْيِ الجِمَارِ؟ كأنهُ يقولُ: الحَجُّ) رواهما عبد الرزاق في مُصنَّفه.


ومن فِقْهِهِم: شِدَّةُ عنايَتِهِم بتصحيح النيَّة في الحجِّ، فلا يَقْصِدُون رياءً ولا سُمْعةً اقتداءً بنيِّهِم صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فعَنْ (أَنَسِ بنِ مالكٍ قالَ: حَجَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على رَحْلٍ رَثٍّ، وقَطِيفَةٍ تُساوِي أرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أوْ لا تُسَاوِي، ثُمَّ قالَ: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لا رِيَاءَ فيها ولا سُمْعَةَ») رواه ابن ماجه وصحَّحهُ الألبانيُّ.


وهذا عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنهُ بيْنَمَا هو (في طَرِيقِ مَكَّةَ، وهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، إذ نَظَرَ إلى النَّاسِ مُحْرِمِينَ، فجَعَلَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، ثمَّ قالَ: تُشَعِّثُونَ وتُغَبِّرُونَ وتَثْفُلُونَ وتَضِجُّونَ، لا تُرِيدُونُ بذلكَ شَيْئاً مِنْ عَرَضِ الدُّنيا، ما نَعْلَمُ سَفَراً خَيْراً مِنْ هذا، يَعْني: الحَجَّ) رواه الفاكهي.


وأيضاً: كان السَّلَفُ يعتنون عنايةً خاصةً بأن تكون نَفَقَةُ حَجِّهم من حلالٍ لا شُبهةَ فيه، وذلك لقولهِ صلى الله عليه وسلم: (أيها الناسُ، إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّباً، وإن اللهَ أمَرَ المؤمنينَ بما أمَرَ بهِ المرسلينَ، فقالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثُمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغبَرَ، يَمُدُّ يديهِ إلى السماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْرَبُهُ حرَامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وغُذِيَ بالحَرَامِ، فأنى يُستَجَابُ لذلكَ؟) رواه مسلم.

 

ولَمَّا أرادَ أبو سليمانَ الدارانيّ (أنْ يُلَبِّيَ فَغُشيَ عليهِ، فلَمَّا أَفَاقَ قالَ: يا أَحْمَدُ، بَلَغَني أنَّ الرَّجُلَ إذا حَجَّ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ فقالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قالَ لهُ الرَّبُّ: لا لَبَّيْكَ ولا سَعْدَيْكَ حَتَّى تَرُدَّ ما في يَدَيْكَ، فَمَا يُؤَمِّنُني أنْ يُقَالَ لي هَذا، ثُمَّ لَبَّى) رواه أبو نُعيم.

 

الخطبة الثانية

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسولُه.


أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و(لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).


أيها المسلمون: ومن هدي السَّلَفِ في حجِّهم قلَّةُ كلامهم إلاَّ في ذكرِ اللهِ وما والاه، قال الْجُرَيْرِيُّ: (أَحْرَمَ أَنَسُ بنُ مالكٍ مِنْ ذاتِ عِرْقٍ، قالَ: فَمَا سَمِعْنَاهُ مُتَكَلِّماً إلاَّ بذِكْرِ اللهِ حتَّى حَلَّ، قالَ: فقالَ لَهُ: يا ابنَ أَخي هكذا الإحْرَامُ) رواه ابنُ سعدٍ في الطبقات الكبرى.


وعن إبراهيم النخعي قال: (كانَ يُعْجِبُهُمْ إذا قَدِمُوا مَكَّةَ أَنْ لا يَخْرُجُوا مِنْهَا حَتَّى يَخْتِمُوا الْقُرآنَ») رواه الأزرقي.


ومن هدي السَّلَفِ في حَجِّهم: كما قال ابنُ رجب: (وقد كان السلف يُواظبون في الحجِّ على نوافل الصلاة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُواظب على قيام الليل على راحلته في أسفاره كُلِّها ويُوترُ عليها) انتهى.


وعن عبدِ الصَّمَدِ بنِ أبي مَطَرٍ قالَ: (بتُّ عندَ أحمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَوَضَعَ لي صَاعِرَةَ ماءٍ، قالَ: فلَمَّا أصْبَحْتُ وَجَدَني لَمْ أَسْتَعْمِلْهُ، فقالَ: صاحِبُ حَدِيثٍ لا يكُونُ لَهُ وِرْدٌ باللَّيْلِ، قالَ: قُلْتُ: مُسَافِرٌ، قالَ: وإنْ كُنْتَ مُسَافِراً، حَجَّ مَسْرُوقٌ فَمَا نامَ إلاَّ ساجِداً) رواه البيهقي في الشُّعَب.


ومن هدي السَّلَفِ في حَجِّهم: كثرةُ عطائهم وسخائهم، قال مصعب بن ثابت: لقد بلغني والله أن حكيم بن حزام حضر يوم عرفة معه مائة رقبة، ومائة بدنة، ومائة بقرة، ومائة شاة، قال: هذا كله لله فأعتق الرقاب، وأمر بذلك.

 

ومن هديهم في عَرَفَةَ وما أدراكم ما عرفة، ذلك اليوم المهيب، والمشهد العظيم، الذي ليس في الدنيا مشهد أعظم منه: قال داود بن أبي عاصم: وقفت مع سالم بن عبد الله بعرفة أنظرُ كيف يصنع، فكان في الذكر والدعاء حتى أفاض الناس، قال ابنُ المبارك: (جئتُ إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفتَ إليَّ، فقلتُ له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظنُّ أن الله لا يغفر لهم)، ورُوي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال: (أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا – يعني: سدس درهم – أكان يردهم؟ قالوا: لا. قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق)، وقال عمر بن الورد قال لي عطاء بن أبي رباح: (إنِ استطعتَ أن تخلو بنفسك عشيَّة عرفةَ فافعل).

 

قال ابنُ القيم: (وأمَّا الحجُّ، فشأنٌ آخرُ لا يُدْرِكه إلا الحنفاءُ الذين ضربوا في المحبة بسَهْم، وشأنه أجلُّ من أن تحيط به العبارة، وهو خاصَّةُ هذا الدِّينِ الحنيف، حتى قيل في قوله تعالى:(حُنَفَاءَ لِلَّهِ)، «أي: حُجَّاجاً»، وجَعَلَ اللهُ بيتَه الحرامَ قِياماً للناسِ، فهو عَمُودُ العالَمِ الذي عليه بناؤُه، فلو تركَ الناسُ كلُّهم الْحَجَّ سَنَةً لَخرَّت السَّماءُ على الأرضِ، هكذا قال تَرْجُمَانُ القرآنِ ابنُ عبَّاسٍ.. وأمَّا أسرارُ ما في هذه العبادةِ من الإحرامِ، واجتناب العوائدِ، وكشفِ الرأسِ، ونزع الثِّياب المعتادةِ، والطَّواف، والوقوف بعرفة، ورمي الجمار، وسائر شعائر الحجِّ، فمما شَهِدت بحُسْنه العقولُ السليمة والفِطَرُ المستقيمة، وعَلِمَتْ بأنَّ الذي شَرَعَ هذا لا حكمةَ فوقَ حكمتهِ) انتهى.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.