الحج بين الأمنية والتقصير

 حجُّ بيت الله الحرام، وزيارة المشاعر المقدسة - أُمنية الكثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أمنيةٌ طالما دمعَت لها أعين، واهتزَّت لذكرها قلوبٌ، واستشعرت لعظمتها أرواحٌ.

 

كم مِن أناسٍ قضوا حياتهم ولواعج الأشواق لبيت الله تكوي قلوبهم، يزداد حنينُهم وحسرتهم كلَّما توفَّق لها مِن جانبهم أحدٌ، أو رأوها تشعُّ بالنور على شاشات التلفاز، تلك الرؤية التي لم يفوزوا بغيرها، وتجدهم فيها بأرواحهم، حتى لا تكاد تشعر بهم إلا محلِّقين في سماء المشاعر.

 

يمرُّ العقد بعد العقد ويبلغ صاحبه مبلغًا من العمر لا يكاد فيه يحمل نفسه أو يسمع حسَّه، وهو يتمنَّى أن لو زار البيت، وكيف له ذلك وقد قضى حياته كلَّها مُحتاجًا للقوت الضروري، مع ما يعترضه من متاعب الحياة ومسؤوليتها، وتحمُّله مسؤولية أهلٍ وأولادٍ، ومرضى ومعوزين، ألَا يكون حجُّ بيت الله عند مثل هذا أُمنية بعيدة المنال، مستحيلة التحقُّق!

 

حادي الشوق إلى المشاعر كم هزَّ مِن مشاعر، وكم سيطر على مشاعر آخرين طول حياتهم، حتى قضوا نحبَهم ولم يتحقق حلمهم، فهل لنا أن نلتفتَ إلى بعض الجوانب مذكِّرين ومتذكِّرين؛ لنرى إمكانية الإسهام في خيرٍ قد يحقِّقه المولى الكريم على أيادي بعض المقتدرين والمتمكِّنين ممن لو راجعوا أنفسهم، واستشعروا عظيم فضل الله عليهم في إحسانهم وتسهيلهم لغيرهم، لو فعلوا ذلك، ووصَلوا وأوصلوا، ونالوا سعادةً يشعر بها كلُّ صادقٍ وفَّقه الله في إيصال ملتعجٍ صادق، سعادةً لا تقلُّ عن سعادته التي يشعر هو بها حينما يزور بيت الله الحرام.

 

الإنسان المقتدر على الحج كل عامٍ أو أغلب المواسم، ممن آتاه الله من فضله، ورزقه مالًا وقُدرة؛ أليس من الخير العميم والإحسان العظيم أن يُسْهِم في تمكين عاجزٍ عن الوصول، ويجعله الله سببًا لتحقيق أماني أُناسٍ قد يحملون من القلوب الصادقة والأرواح الصافية ما قد يُوصله الله بدعوةٍ من أحدهم إلى مراتب الأولياء والمقرَّبين، وقد ينال بها ما لم ينل من حججه وزياراته كلِّها والله هو العليم الخبير.

 

ملاحظة أخرى نجدها في هذه الأيام، مع خيرها وفضلها، إلا أنها بحاجةٍ إلى مراجعة وإعادة نظر؛ حينما تسيِّر بعض الجهات حمَلات أو مجموعاتٍ للحج، يتم اختيار مرشد للمجموعة ومساعدٍ له أيضًا، والملحوظة هي أن أولئك المرشدين والمساعدين هم أنفسهم في كل عامٍ، نعم مِن شرط المرشد والمساعد أن يكون فاهمًا لمفردات الشعائر، ملمًّا بتفاصيلها، عارفًا بالخدمة، مستعدًّا لِما يطرأ عليه من جديد في مجاله، ولكن ألا يوجد من طلاب العلم مَن لا يقدر على القيام بذلك ممن لم يكتُب الله له زيارة البيت بعدُ! ألا يمكن لنا أن نُقيم بعض الدورات والبرامج التي بها نضيف لهؤلاء المستعدين للمهمَّة والمحرومين من الرحلة؛ نضيف لهم ما به يصلون إلى الجدارة التي نريدها في المرشد والمساعد! فنجمع بذلك بين إيصال محروم وتمكين عاجزٍ، وبين تحقيق وظيفة ونجاح مهمَّة!

 

إن كثيرًا من المسلمين لا يعرفون من هذه الشعيرة إلا اسمها، بل إن كثيرًا من طلاب العلم أنفسهم لا يعرفون تفاصيل الحجِّ العمليَّة، ومن المعلوم أنَّ الحجَّ خاصَّة لا يفقهه إلا مَن قام به؛ ألَا نرى في هذه النقطة إضافةً لما ذكرناه من وجوب تسهيل الوصول لمن لم يكتُب الله له ذلك مِن طلاب العلم وعموم المسلمين!

 

لماذا نجد أنفسنا في كثيرٍ من تفاصيل حياتنا الطبيعية والخيرية أسرى لعاداتٍ وتقاليد درجنا عليها، أو رأينا الناس يفعلون ففعَلنا، دون التفكير في إعادة نظر، أو مراجعة أثرٍ، أو تصحيح مسارٍ، أو تجويد عمل!

 

ختامًا أذكِّر:

ما أجمل أن تمسح دمعة طالما سالت بشوق، وتجبر خاطرًا طالما حنَّ بصدق، حين يوفِّقك الله سببًا لتحقيق أمنية مسلمٍ في حجِّ بيت الله، فانظر إن استطعتَ لتفعل، فقد يأتي زمانٌ يمرُّ عليك لا تتمكَّن فيه من الوصول ولا مِن الإيصال، فاكتُب الحسنة وسطِّر الإحسان والسلام.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.