الفضائل العشر في أيام العشر

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فيا أيها القارئ الكريم، وفَّقك الله لطاعته، هذه رسالة مختصرة في بيان شيء يسير من فضائل عشر ذي الحجة، أسأل الله أن ينفعني وإياك بها، ويجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وقد اختصرتُها في هذه الفضائل العشر، وهي كما يلي:

1- التوحيد لله تعالى:

لا شك أن أمر التوحيد عظيمٌ، وهو أساس العبادة، ولا يُقْبَل العملُ دونه، وبه بعَث الله الرسلَ؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وعن أَنَس بْن مالكٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: ((ما مِنْ أحدٍ يَشْهَدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صِدْقًا مِنْ قلبِهِ، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ على النَّارِ))؛ رواه البخاري ومسلم.


وفي أيام عشر ذي الحجة يلهج المسلمون بالتكبير والتهليل والتحميد لله وحده، ويقولون: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، فهم يعتقدون ويُقرُّون بأنه لا إله إلا الله، ولا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، كما أن الحُجَّاج كذلك يعجُّون بالتلبية ويقولون: لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمدَ والنِّعْمة لك والملك لا شريك لك؛ وكل هذا لإعلاء كلمة التوحيد، والبراءة من الشرك وأهله.


2- أيام عشر ذي الحجة هي أفضل أيام الدنيا:

أقسم الله بهذه العشر لبيان عظيم فضلها ومنزلتها؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]، ذكر ابن عباس رضي الله عنهما وغيره في تفسير هذه الآية:أن المراد بها عشر ذي الحجة، وقال ابن حجر رحمه الله: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة، والصيام، والصَّدَقة، والحَجُّ، ولا يتأتَّى ذلك في غيره.


3- العمل الصالح في العشر أعظم من غيرها:

عن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((ما العملُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه))، قالوا: ولا الْجِهادُ؟ قال: ((ولا الْجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بِنَفْسِهِ ومالِهِ فلم يَرْجِعْ بشيءٍ))؛ رواه البخاري، وفي رواية الترمذي وأبي داود: وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فيهِنَّ أحَبُّ إلى اللَّهِ من هذه الأيام العشر))، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولا الْجِهادُ في سبيل اللَّهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ، فلم يَرْجِعْ مِنْ ذلك بشيء)).


فينبغي - بارك الله فيك - الحرص على اغتنام هذه الأيام بالإكثار من الأعمال الصالحة، وتشمل: الصلاة، وبِرَّ الوالدين، والصدقة، والصيام، والدعاء، وقراءة القرآن، والذكر، وسقيا الماء وغيرها.


4- أيام معلومات:

قال تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، وقد فُسِّرَتْ بأنها أيام العشر، واستحبَّ العلماءُ لذلك كثرة الذكر فيها، وهي الأيام التي أتمَّها اللهُ لموسى؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ﴾ [الأعراف: 142]، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما.


5- فضل التكبير والتهليل والتحميد:

وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر، وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيُكبِّرون ويُكبِّر الناس بتكبيرهم، وروى إسحاق رحمه الله عن فقهاء التابعين رحمة الله عليهم أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد. ويستحبُّ رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها، فرحِمَ اللهُ مَنْ أحيا هذه السُّنَّة وجَهَرَ بها.


6- فضل الحَجِّ المبرور:

قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العُمْرة إلى العُمْرة كفَّارةٌ ما بينهما، والحَجُّ المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنة))، والحج المبرور هو الذي لا إثمَ فيه.


7- مغفرة الذنوب والعتق من النار في يوم عرفة:

ثبَتَ في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق اللهُ فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)).


فيحرِص المسلم على هذا اليوم خاصة الحُجَّاج بالإكثار من الطاعة والأعمال التي يُحبُّها الله؛ ليفوز بالعِتْق من النار التي نسأل الله أن يُعيذَنا وإيَّاكم منها.


8- صيام يوم عرفة يُكفِّر ذنوب سنتين:

ثبَت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((صيام يوم عرفة أحتَسِبُ على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده))، وهذا الأمر مستحبٌّ لغير الحاجِّ، وأمَّا الحُجَّاج فالأولى لهم الفطر؛ للتَّقَوِّيعلى العبادة، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم.


9- فضل يوم النحر:

يوم النحر هو اليوم العاشر من ذي الحجة، ويُسمَّى بيوم الحج الأكبر؛ لكثرة أعمال الحَجِّ فيه، ولقد جاء في فضله قوله صلى الله عليه وسلم أنه قال)):إِنَّ أعظمَ الأيامِ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى يومُ النَّحْرِ، ثمَّ يومُ القَرِّ))؛ رواه أبو داود وغيره، وصحَّحه الألباني، والمقصود بيوم "القَرِّ" هو اليوم الذي يلي يوم النحر؛ أي: يوم الحادي عشر من ذي الحجة؛ لأن الناس يقِرُّون؛ أي: يستقرُّون فيه بمنى بعد أن فرغوا مِنْ طواف الإفاضة والنَّحْر واستراحوا.


10- فضل الأضحية:

ثَبَتَ في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمَّى وكبَّر ووضَع رِجْلَه على صفاحهما، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عَمِلَ ابنُ آدَمَ يوم النَّحْر أحَبَّ إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليُؤتَى يومَ القيامة بقُرونها وأشعارِها وأظْلافِها، وإنَّ الدم ليَقَعُ من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطِيبُوا بها نَفْسًا))؛رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحها الألباني.


ختامًا:

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يتقبَّل الطاعات، ويغفر الزلَّات، إنَّ ربي قريب مجيب الدعوات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.