الحج فرصة عظيمة لاستلهام معاني الوحدة وباب من أبواب الجنة

د. محمد مختار المهدي، رئيس الجمعية الشرعية بمصر:

 

أجرى (موقع دليل المسجد) هذا الحوار مع فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد مختار المهدي قبل أن يفارق الحياة، وحرصاً على المعلومات الثمينة رأينا إعادة النشر مرة أخرى لتعم الفائدة.

الحجُّ ركن أصيل من أركان الإسلام، والطَّاعة الوحيدة التي يُهرول لها المسلمون من شتَّى بقاع الأرض، يبذلون لأجلها الغالي والنَّفيس، يتوجَّهون إلى مكان واحد؛ حيث تهفو الأنفس، وتشتاق الأفئدة، يرفعون جميعًا أكُفَّ الضَّراعة، مردِّدين شعارًا واحدًا: (لبيك اللهم لبيك..)، ولسان حالهم يقول: {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}.

فما هي أحكام هذه الفريضة؟ والشروط الواجب توافرها فيمن يكلف بأدائها؟ وأهم الأخطاء التي يقع فيها الحجاج؟ وكيف يمكن استلهام العبر والدروس من هذه الفريضة لعلاج أمراض الأمة والنهوض بها من كبوتها؟ هذا ما سعى "  دليل المسجد " للتعرف عليه من خلال هذا الحوار مع فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد مختار المهدي عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر.

* بداية.. ما هو الحكم الشرعي لفريضة الحجِّ؟

** هناك العديد من الأدلة القرآنية والنَّبوية على وجوب فريضة الحجِّ على المسلم المستطيع، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، كما نصَّت الكثير من الأحاديث النَّبوية على فرضية هذه العبادة، منها: ما روي في الصَّحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا».

* ما هي الشروط الواجب توافرها فيمن يَقدُم على أداء فريضة الحجّ؟

** لا يكون الحجُّ واجبًا على المكلف إلَّا بتوافر شروط محدَّده، أطلق عليها العلماء اسم: "شروط وجوب الحجِّ"، إن توافرت كان الحجُّ واجبًا على المكلَّف، وإن لم تتوفر فلا وجوب عليه:

أوَّل هذه الشروط: الإسلام: فغير المسلم لا يجب عليه الحجّ، ولو أتى به لم يصح منه؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ [التوبة: 54]، فالإسلام شرط لصحة كلّ عبادة، وشرط لوجوبها.

ثانيها: التَّكليف: وهو أن يكون المسلم بالغًا عاقلاً؛ لكن لو حجَّ الصَّغير صحَّ منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبيًّا، وقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ»؛ لكن لا يجزئه ذلك عن حَجَّة الإسلام، فيلزمه أن يحجَّ مرة أخرى بعد بلوغه.

أمَّا المجنون فلا يجب عليه الحجُّ، ولا يصحُّ منه؛ لأنَّ الحجَّ لا بُدَّ فيه من نيَّة وقصد، ولا يمكن وجود ذلك من المجنون.

وثالث شروط وجوب الحج: الحرِّية: فلا يجب الحجّ على العبد لأنَّه غير مستطيع؛ لكن لو حجَّ صحَّ منه، ويلزمه أن يحجَّ حجَّة الإسلام بعد حرِّيته، كما هو الحال في صغير السن.

أمَّا رابع شروط الحجِّ وآخرها: الاستطاعة: وتكون في المال والبدن، بأن يمتلك المكلَّف مالًا يتمكن به من الحجِّ، ويكون أيضًا صحيح البدن غير عاجز عن أداء المناسك.

* ما هو فضل الحجِّ؟

** فضل الحجّ عظيم، فهو أحد النَّوافذ الهامة لدخول الجنَّة، كما في الحديث الَّذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، وفي موضع أخر قال عليه السَّلام: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ».

ومن فضائل الحجّ أيضًا: ما يكون في عشيَّة وقوف عرفة؛ حيث يتنزّل الرَّب -سبحانه وتعالى-، ويباهي ملائكته بالحُجَّاج، كما صحَّ ذلك عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟». ممَّا سبق يتَّضح أنَّ الحجَّ المبرور لا جزاء له إلَّا الجنَّة، وهل هناك فضل أعظم مكانة من الجنَّة؟!

* الحجّ شعار الوَحدة والتَّوحيد والتَّقوى.. ما تعليق فضيلتكم؟

** لا شكَّ أنَّ الحجَّ يحقِّق وَحدة المسلمين وقوتهم، فبالرغم من اختلاف ضيوف بيت الله الحرام في الوطن والعادات والتَّقاليد واللغات والألوان؛ إلَّا أنَّهم يجمعهم شيء واحد، هو: (الإسلام)، فيجتمعون في الحجَّ، ينطقون بلسان واحد، ويؤدُّون شعائر واحدة، ينتقلون من مشعر إلى مشعر في منظر يُشعر بالرَّهبة والفخر، والقوة والعزة، ويدل على أنَّ قوة المسلمين هي في اجتماعهم على كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالحجُّ يؤكد الأخوة الإسلامية؛ حيث تختفي الفوارق بين المسلمين، ويُرى بشكل واضح التَّعاون والتَّآلف والمحبة في أروع صورها، فالقوي يُعين الضعيف، ومن يمتلك الطَّعام يُطعم من لا طعام لديه، وكم هو مبهج ومفرح أن يرى المسلم مجموعات من الشَّباب والشّيب وهم يستقبلون إخوانهم في مزدلفة بعد نفورهم من عرفة، ويقدِّمون لهم الماء والعصير والطعام، وهم يردِّدون: "سبيل يا حاج"، ولا يعرف بعضهم بعضًا؛ سوى أنهم مسلمون فقط.

كما أنَّ تحقيق تقوى الله -عزَّ وجلَّ- تكون بتوحيده، وهو من أهمِّ الدُّروس المستفادة من أداء فريضة الحجّ، فالمسلم بأدائه هذا الركن العظيم يُحقِّق التقوى التي أمره الله تعالى بالتَّزوُّد منها، بعدما نهى عباده عن فعل المعاصي والآثام، وأمرهم باجتناب الرَّفث والفسوق والجدال في الحجِّ، فقال سبحانه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197].

* هل هناك من فوائد أخرى للحجّ؟

** إضافة لما سبق.. فهناك الكثير من الفوائد الإيمانية الناتجة عن أداء فريضة الحجّ؛ سواء في الدُّنيا أو الآخرة. فالحجُّ يُذكِّر بيوم القيامة؛ حيث أنَّ سير الحُجَّاج من منى إلى عرفات، ثمَّ إلى مزدلفة، ومنه إلى منى مرة أخرى، وهم يسيرون في وقت واحد، في اتجاه واحد، يُذكِّر المسلم بيوم القيامة، وقد شبَّه الله تعالى مسير النَّاس يوم القيامة كأنهم يسيرون إلى علم أو راية، فقال سبحانه: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)﴾ [المعارج: 43، 44].

ومن الفوائد الإيمانية أيضًا للحجَّ: مخالفة المشركين، وإثبات الهُوِيَّة الإسلامية، فلم يقتصر أمر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه على تحقيق التَّوحيد في التَّلبية فقط؛ بل تعدَّى إلى الأمر بمخالفة المشركين فيما كانوا يفعلونه عند حجِّهم.

كذلك فالحجُّ يعلِّم الصَّبر على طاعة الله، فلكي يؤدِّي الحاج حجَّه فإنَّه يواجه الكثير من المشقَّة والتَّعب، من زحام وغيره، وهذا يعودّه على الصَّبر على طاعة الله -عزَّ وجلَّ-.

ومن أعظم فوائد الحج: أنَّه يُكفِّر الذُّنوب. وهذا درس عظيم، وفائدة جليلة، تدل على فضل الكريم سبحانه، مِصدَاقًا لقول الصَّادق الأمين صلى الله عليه وسلم: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَديدِ».

* هناك الكثير من البدع والأخطاء التي يرتكبها الحجيج خلال أداء تلك الفريضة.. هل لفضيلتكم أن تعطونا نبذة سريعة عن أهم هذه الأخطاء؟

** بالفعل هناك عشرات الأخطاء التي يقع فيها الحجيج إمَّا عن جهالة، أو سوء فهم للفارق بين البدع والسنة. وفي كل ركن وشعيرة من شعائر وأركان الحج يقع الحجيج في كثير من الأخطاء، بداية من طواف القدوم وحتَّى طواف الوداع.

فمن الأخطاء المرتكبة في طواف القدوم: ابتداء الطواف من قِبَلِ الحجر، أي: بينه وبين الركن اليماني. وهذا من الغُلِّو في الدِّين الَّذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ عظيم، لا يصحُّ الطَّواف بفعله؛ لأنَّ الحقيقة أنَّه لم يطف بالبيت، وإنَّما طاف يبعضه.

ومن الأخطاء أيضًا: المزاحمة الشَّديدة للوصول إلى الحجر لتقبيله؛ حتَّى إنَّه يؤدي في بعض الأحيان إلى المقاتلة والمشاتمة، فيحصل من التَّضارب والأقوال المنكرة ما لا يليق بهذا العمل، ولا بهذا المكان في مسجد الله الحرام.

كذلك اعتقادهم أنَّ الحجر نافع بذاته؛ ولذلك تجدهم إذا استلموه مسحوا بأيديهم على بقية أجسامهم، أو مسحوا بها على أطفالهم الَّذين معهم. وكل هذا جهل وضلال؛ فالنَّفع والضُّر من الله وحده، كما ثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لما فرغ من الطَّواف تقدَّم إلى مقام إبراهيم، فقرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]، فصلَّي ركعتين، والمقام بينه وبين الكعبة، وقرأ في الركعة الأولى الفاتحة و: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، وفي الثانية الفاتحة و: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، والخطأ الذي يفعله بعض النَّاس هنا.. ظنُّهم أنَّه لا بُدَّ أن تكون صلاة الركعتين قريبًا من المقام، فيزدحمون على ذلك، ويؤذون الطَّائفين في أيَّام الموسم، ويعوقون سير طوافهم، وهذا الظن خطأ.

ومن الأخطاء أيضًا: أنَّ الحجيج ينزلون خارج حدود عرفة، ويبقون في منازلهم حتَّى تغرب الشمس، ثمَّ ينصرفون منها إلى مزدلفة من غير أن يقفوا بعرفة. وهذا خطأ عظيم، يفوّت به الحجّ؛ فإن الوقوف بعرفة ركن لا يصحّ الحجّ إلَّا به، فمن لم يقف بعرفة في وقت الوقوف فلا حجَّ له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجّ».

كذلك  أنهم ينصرفون من عرفة قبل غروب الشمس، وهذا حرام؛ لأنَّه خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث وقف إلى أن غربت الشمس، وغاب قرصها.

كما أنَّ هناك أخطاء عند رمي الجمرات، منها: اعتقادهم أنَّه لا بُدَّ من أخذ الحصى من مزدلفة، فيتعبون أنفسهم بلقطها في الليل، واستصحابها في أيَّام منى، وقد عُلِم أنَّه لا أصل لذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك اعتقادهم أنهم برميهم الجمار يرمون الشياطين؛ ولهذا يطلقون اسم الشياطين على الجمار، فيقولون: "رمينا الشيطان الكبير، أو الصغير"، أو "رمينا أبا الشياطين" -يعنون به الجمرة الكبرى جمرة العقبة- ونحو ذلك من العبارات التي لا تليق بهذه المشاعر.

ومن الأخطاء أيضًا في رمي الجمرات: تقدمهم إلى الجمرات بعنف وشدَّة لا يخشعون لله تعالى، ولا يرحمون عباد الله، فيحصل بفعلهم هذا الإضرار بالمسلمين.

كذلك رميهم الحصى جميعًا بكفٍّ واحدة، وهذا خطأ فاحش، وقد قال أهل العلم: إذا رمى بكفٍّ واحدة أكثر من حصاة لم يحتسب له سوى حصاة واحدة، فالواجب أن يرمي الحصا واحدة فواحدة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

أمَّا في طواف الوداع، فهناك عدد من الأخطاء الشَّائعة، منها: نزولهم من منى يوم النَّفر قبل رمي الجمرات، فيطوفون للوداع، ثمَّ يرجعوا إلى منى فيرموا الجمرات، ثمَّ يسافروا إلى بلادهم من هناك. وهذا لا يجوز؛ لأنَّه مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر عهد الحُجَّاج بالبيت، فإنَّ من رمى بعد طواف الوداع فقد جعل آخر عهده بالجمار لا بالبيت، ولأنَّ النَّبيّ -عليه السَّلام- لم يطف للوداع إلَّا عند خروجه حين استكمل جميع مناسك الحج.

كذلك التفاتهم إلى الكعبة عند باب المسجد بعد انتهائهم من طواف الوداع، ودعاؤهم هناك كالمودعين للكعبة. وهذا من البدع؛ لأنَّه لم يَرِد عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الرَّاشدين، وكل ما قصد به التَّعبد لله  تعالى وهو ممَّا لم يَرِد به الشَّرع فهو باطل مردود على صاحبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ».

* تُعاني الأمَّة الإسلامية هذه الأيَّام من أزمات ومخاطر.. ما هو تعليق فضيلتكم؟

** نعم، الأمَّة الإسلامية الآن تواجه الكثير من التَّهديدات والمخاطر، وللأسف واقعها لا يُرضي أحدًا، وهذا ليس بمستغرب، فالإسلام والمسلمين كانوا -منذ نزول الوحي على صدر المصطفى صلى الله عليه وسلم- هدفًا ثابتًا لأعداء الإسلام والتَّوحيد، وهو ما يتطلب توخي الحذر حيال تلك التَّهديدات، وضرورة العودة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما النجاة من كل شر.

* ما هي أهم الأمراض والمخاطر التي تواجه الأمَّة هذه الأيام؟

** العديد من المخاطر والأمراض التي تعترض طريق الأمَّة الإسلامية في مختلف بقاع الأرض، بعضها من الخارج، والأخر من الدَّاخل.

أمَّا بخصوص مخاطر وأمراض الخارج؛ فهي بسيطة ومعروفة، ومرجعها إلى كراهية الأمم الأخرى للإسلام والمسلمين، ومن ثَمَّ يحيكون المخططَّات والمؤامرات للنيل من وحدتها، وهدم ثوابتها.

أمَّا الكارثة فهي في المخاطر الدَّاخلية، والنَّاجمة عن الكثير من الأمراض التي استشرت في جسد الأمَّة فأوهنته، ومنها: الحسد، والكراهية، والكذب، والأمر بالمنكر، والنَّهي عن المعروف، وتفشي الفساد، وكثرة الرُّويبضة، وتفتت شمل الأمَّة، وتقسُّمها إلى أحزاب وفصائل متناحرة. كلّ هذه كوارث تهدِّد الأمَّة، وتقوِّض إمكانياتها.

* كيف يمكن للحجِّ أن يكون مصدرًا لرسائل الهمَّة والصَّبر للأمة؟

** الحجّ من العبادات القليلة التي تحمل في كلِّ حركة فيها سرًا ومؤشرًا مختلفًا عن الآخر، وهو ما لم يتوفر في بقية العبادات، بداية من قول الله تعالى في الحج: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ [البقرة: 124]؛ حيث إنَّ "إذ" هنا تعني: الذِّكر، أي: اذكروا إذ ابتلى. الَّذي تعرض له إبراهيم هو الابتلاء أولًا، طرحه في النَّار، طرده من بلده، عدم الإنجاب إلى سن متأخرة، ثمَّ يأتي الأمر بذبح إسماعيل بعد شوق طويل إليه، ويستجيب إبراهيم لكل هذه الابتلاءات، ويُضحِّي، حتَّى جاءه الفرج من عند الله -عزَّ وجلَّ-، وهذا أوَّل درس ورسالة من الحج، لا بُدَّ من الابتلاء، ثمَّ يليه التَّضحية والبذل والصَّبر ،ثمَّ يليه الفِداء، أي: النَّصر.

وهذا المعنى نستشعره في الحجِّ، في رمي الجمرات، على أساس أنَّ إبليس كان يريد تعطيل إبراهيم عن الدَّعوة، ثمَّ الصَّلاة في مقام إبراهيم، وإسلام المرء وجهه لله، والطَّاعة المتمثلة في "سمعنا وأطعنا"، هو الملمح الموجود في قصة "وإذ".

ثمَّ نرى في تفاصيل المناسك ما يؤكد تلك المعاني، ومنها: التَّوبة قبل الحجِّ. ولبس ملابس الإحرام وما تحمله من استعداد للموت. ثمَّ الذّهاب إلى بيت الله ليغفر الله للحاج، وهو حين يموت يكفن ويلجأ إلى الله للحساب. ثمَّ يتوجَّه إلى الصَّلاة في مقام إبراهيم؛ ليتذكَّر ما فعله إبراهيم. ثمَّ الطَّواف حول الكعبة الَّذي يُوحي بأنَّ المؤمن لا يخرج عن دائرة الإسلام، حياته كلَّها دائرة حول بيت الله ودين الله. والسَّعي بين الصَّفا والمروة يُذكِّره بهاجر وسعيها لإرضاع ولدها وإرواء عطشه، ثمَّ يخرج ماء زمزم، وهو ما يُؤصِّل ضرورة السَّعي دون انتظار النتائج؛ حيث خرجت المياه دون سبب، وهو ما يُؤصِّل لضرورة الأخذ بالأسباب. ثمَّ يأتي الوقوف بعرفة، وتذكرة المحشر بلباس واحد، ودعاء واحد.

كلّ مناسك الحجِّ تربط الأمَّة بالدُّنيا والآخرة -إصلاح الدُّنيا، وتذكُّر الآخرة-، فالرسائل كثيرة ومتنوعة، وعلينا كمسلمين أن نتفقَّه تلك الرسائل، وأن نحوِّلها إلى واقع عملي، ومنهج حياة.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.