الأذان للصلاة شرف، وله ميزة عظيمة يوم القيامة حين ينشغل كل إنسان بنفسه، وللمؤذن منزلة عظيمة عند الله تعالى، فالمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة، كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس، ولا شيء إلَّا شهد له يوم القيامة».

وللتبحر أكثر في هذا الحديث كان لنا لقاء مع فضيلة الشيخ شريف عدنان مؤذن جامع حمدة بنت مرشد المزروعي في أبو ظبي.

* كيف تعينت لإشغال هذه الوظيفة؟ ولماذا اخترت مهنة الأذان؟

** أولًا، وقبل كل شيء، هذه آخر ورقة أقطفها في مجال الأذان، جاءتني الدعوة لهذا الحوار، وأنا أقدم أوراقي لأترقى إلى درجة إمام -ولله الحمد على كل حال-؛ لكني مع ذلك اخترت وآثرت أن أكتب هذا الحوار حتى أوصل الكلمة هذه المرة، ليست عن طريق مكبرات الصوت كما يفعل المؤذن؛ إنما عن طريق القلَم، طبعًا أول تعييني في الوزارة السابقة كان بدرجة مؤذن، بسبب القرار الذي ينص أنه على الإمام أن يكون حافظًا لخمسة عشر جزءًا من القرآن على الأقل، وهنا تراجعت إلى الصف الثاني لكي أصقل الحفظ وأزيد عليه حتى أتقدم للإمامة، لأنني -ولله الحمد- من الذين يحملون الشهادات العلمية، وهذا ليس انتقاصًا من قدر الأذان أبدًا، فالأذان أول كلمة جَمَعَت الناس على الحق بعد {لا إله إلا الله}، والأذان هو الراحة والطمأنينة، أو الطريق إلى الراحة والطمأنينة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أرحنا بها يا بلال». وهذا في البلاغة من باب استعمال السبب، ويريد المسبب، وهل سيدنا بلال كان إمامًا؟! بالطبع لا.

والأذان للصلاة شرف، وله ميزة عظيمة يوم القيامة حين ينشغل كل إنسان بنفسه: {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}، وأيضًا للمؤذن منزلة عظيمة عند الله تعالى. فالمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة. كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق؛ حيث قال صلى الله عليه  وسلم: «لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس، ولا شيء؛ إلَّا شهد له يوم القيامة». أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.

ويقول الله -عز وجل-: {ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين}.

تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين. وقال عكرمة: هو المؤذن أبو أمامة الباهلي، وعمل صالحًا: صلّى ركعتين بين الأذان والإقامة.

أما قضية لماذا اخترت مهنة الأذان، وكيف تم اختياري لها؟ فكما تعلم أنت أنَّ الأذان يُبنَى على شيء واحد (غير الشروط والأركان)، يبنى على حُسن الصوت؛ حتى يكون هناك مجال لجذب السامع إلى الصلاة: «علمه بلالًا؛ فإنه أندى صوتًا منك»، وهل تتضح نداوة الصوت إلَّا بحسن أدائه.

والله -عز وجل- أكرمني بصوت جميل في أداء الأذان والإمامة، وذلك فضل من الله، أرجو من الله أن يؤثر ذلك في قلوب الناس، فيكون سببًا في خشوعهم وتقرّبهم من الله أكثر؛ لأن لحُسن الصوت تأثيرًا كبيرًا على السامع، فأرجو من الله -عز وجل- القبول.

ما هو الأذان

* حدثنا عن الأذان لغة واصطلاحًا.

** الأذان لغة: الإعلام.

واصطلاحًا: ذكر مخصوص، شرعه الإسلام للإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، ولدعوة المسلمين إلى الاجتماع إليها.

والأذان سُنَّة للصلاة الحاضرة والفائتة، سُنَّة مؤكدة على الكفاية في حق الجماعة، أما بالنسبة إلى المنفرد، فهو سُنَّة عينية، وللأذان أهمية كبرى في إظهار شعيرة من شعائر الإسلام، وأما عن دليل تشريع الأذان من القرآن والسنة فهو قول الله تعالى: {وإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}. وقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم».

بداية الأذان

* منذ متى بدأ الأذان؟ وكيف كان ينادى للصلاة قبل الأذان الحالي؟

** بدأ تشريع الأذان في السنة الأُولى للهجرة، روى البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان المسلمون حينما قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أولا تبعثون رجلًا ينادى بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال قم فنادِ بالصلاة».

أما عن كيف ينادى للصلاة قبل الأذان الحالي.

فقد كان المؤذن في ذلك العصر يصعد إلى مكان مرتفع فيرفع الأذان، وسيدنا بلال -رضي الله عنه وأرضاه- مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصعد على ظهر الكعبة المشرفة فينادي للصلاة برفع الأذان.

صيغ الأذان

* هل هناك صيغ واردة للأذان؟

** لا يوجد صيغ أُخرى للأذان غير هذه الصيغة، وهي:

الله أكبر.. الله أكبر..

الله أكبر.. الله أكبر..

أشهد أنْ لا إله إلَّا الله

أشهد أنْ لا إله إلَّا الله

أشهد أنَّ محمدًا رسول الله

أشهد أنَّ محمدًا رسول الله

حي على الصلاة

حي على الصلاة

حي على الفلاح

حي على الفلاح

الله أكبر.. الله أكبر..

لا إله إلَّا الله

ونضيف في أذان الفجر بعد (حي على الفلاح) الثانية: (الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم). وقد ثبتت هذه الصيغة بالأحاديث الصحيحة عند الإمامين البخاري ومسلم، وغيرهما.

شروط الأذان

* ما الشروط التي يجب أن تتوافر في المؤذن حتى يقوم بأداء هذه المهنة الجليلة؟

** 1- الإسلام: فلا يصح الأذان من كافر؛ لعدم أهليته للعبادة.

2- التمييز: فلا يصح من صبي غير مميز؛ لعدم أهليته للعبادة أيضًا، وعدم ضبطه للوقت.

3- الذكورة: فلا يصح أذان المرأة للرجال كما لا تصح إمامتها لهم.

4- ترتيب كلمات الأذان، ولأن ترك الترتيب يوهم اللعب، ويخل بالإعلام.

5- الموالاة بين كلماته: بحيث لا يقوم فاصل كبير بين الكلمة والأخرى.

6- رفع الصوت إذا كان يؤذن لجماعة، أما إذا كان يؤذن منفردًا فيسن في مسجد وقعت فيه جماعة، خفض الصوت؛ لئلا يتوهَّم السامعون دخول الصلاة الأُخرى.

روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «إني أراك تُحبُّ الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذَّنت للصلاة، فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة».

أما جماعة النساء، فلا يُندَب لهنَّ الأذان؛ لأن في رفع صوتهنَّ يُخشى الفتنة، ويُندَب لهنَّ الإقامة؛ لأنها لاستنهاض الحاضرين وليس فيها رفع صوت كالأذان.

7- دخول الوقت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم» [رواه البخاري]، ولا تحضر الصلاة إلَّا بدخول وقتها؛ لأن الأذان شرع للإعلام بدخول الوقت.

واجبات المؤذن

* ما واجبات المؤذن في المسجد؟

** 1- فتح أبواب المسجد وتوابعه وتشغيل الإنارة والمكيفات وتشغيل جهاز "الريسيفر" للأذان الموحَّد قبل ربع ساعة، وإغلاق الجهاز بعد الأذان فورًا، والحضور قبل الأذان بربع ساعة، وبعد الصلاة تكون مغادرة المسجد بربع ساعة أيضًا، والتقيّد بموعد الأذان المحدَّد من الهيئة والانتظار حتى إقامة الصلاة حسب الوقت الذي تحدده الهيئة.

2- إغلاق أبواب المسجد ودورات المياه بعد الصلاة بساعة.

3- المشاركة في تدريس القرآن الكريم في المسجد والتدقيق على مصاحب المسجد والإمامة في حال غياب الإمام لظرف ما حصل له.

4- الإشراف على مكتبة المسجد والتدقيق على محتوياتها ومتابعة المطبوعات والمنشورات والملصقات في المسجد وإزالة المخالف منها وإبلاغ الهيئة بذلك والمسؤولية عن المسجد ومحتوياته بشكل كامل ودقيق، كإخبار المفتش عن عطل ما أو مشكلة ما في المسجد سواء في الإنارة أو في أجهزة الصوت أو في المكيفات وتزويد المفتش المختص بالتقارير المستمرة عن احتياجات المسجد.

5- عدم السماح لأي شخص بالأذان أو الإمامة أو الخطبة أو إلقاء الدروس أو تحفيظ القرآن الكريم؛ إلَّا بتصريح رسمي من الهيئة. وعدم تدخل أي شخص من خارج الهيئة في شؤون المسجد وعدم السماح بإجراء أي تغييرات في المسجد والتواصل مع الهيئة في مثل هذه الحالات.

6- إعداد تقارير شهرية عن الأمور الشرعية والإدارية والفنية في المسجد.

الأذان الموحد

* ما رأيك في الأذان الموحَّد؟

** إنَّ الأذان الموحَّد يُعتبر حَسَنَة من حَسَنَات الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف؛ وذلك لأننا كنا نسمع الأذان في السابق من خلال أصوات ليست بالصوت الحَسَن، أما الآن فإننا نسمع أصواتًا رائعة يرق لها قلب السامع، وهناك أيضًا ضبط للوقت. أما في السابق فكان البعض يؤذن قبل الوقت بدقائق والبعض الآخر يتأخر عن الوقت، ممَّا يُسبِّب الحرَجَ للناس، فأرادت الهيئة أن يكون الأذان موحدًا، وهذا حَسَن وجميل. فنرجو من الله -عز وجل- القبول.

* إذا حدث طارئ ما في الأذان الموحَّد، كيف تتصرف؟

** إذا حدث طارئ في الأذان الموحد، ولم نسمع الأذان، أقوم بإغلاق جهاز "الريسيفر" بعد خمس دقائق، ومن ثم أقوم برفع الأذان، طبعًا هذا هو الوقت الذي حددته الهيئة وقَلَّ ما يحدث مثل هذا الأمر.

الاجتماعات الشهرية

* في أي من الاجتماعات التي تنظمها الهيئة استفدت أكثر؟

** لا شك أن مثل هذه الاجتماعات التي تنظمها الهيئة مفيدة وحَسَنة، وفيها خير عظيم، وفيها يجتمع المسؤولون في الهيئة والعاملون فيها، وهذا شيء جميل؛ لأن في ذلك يكون التعاون والألفة والمحبَّة، وكذلك فيها الكثير من الدروس والمواعظ التي تُلقَى علينا مِن قِبَل الهيئة؛ وذلك من أجل ارتقاء الإمام والمؤذن على أكمل وجه؛ لأنهما هما الواجهة لدى الناس؛ حيث إن الهيئة تسعى دائمًا إلى أن يكون الإمام والمؤذن في المقدِّمة، وأن يكون مُهابًا ذا قدر عظيم عند الناس؛ لأن للإمام أو المؤذن شأنًا عظيمًا عند الله -سبحانه وتعالى-، وهو خالق الخلق، فكيف لا يكون له شأن عظيم عند الذين خلقهم الله -عز وجل-، فمن باب أولى أن يكون كذلك. ولقد أشارت الهيئة في الاجتماع، إلى أنه لابد أن يتقيَّد الإمام والمؤذن بالزي الشرعي؛ سواء أكان من خلال أن يلبس البشت والعقال (وهذا لباس الأمراء). وهذا فخر لنا. أو أن يلبس العمامة والجبَّة أو غيرهما، ممَّا يزيد من هيبة الإمام والمؤذن ممَّا كان عليه في السابق، وهناك أيضًا فوائد عظيمة لا يمكن سردها في هذا الحوار لعدم الإطالة.

طموحات وتطلع

* ما طموحاتك الوظيفية؟

** طموحاتي الوظيفية من أمر الدنيا، والدنيا لا انتهاء لمطالبها وشهواتها وملذّاتها، ولو كان لابن آدم واديان من ذهب، لابتغى الثالث؛ ولكن لي طموحات روحية، وهي أن تصل كلمة الحق ومعاني الأذان إلى أعماق كل من يقول لا إله إلا الله، ومن لا يقولها؛ لأنها تحمل بين طيَّاتها مضمون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي رسالة التوحيد ورسالة العبودية لله -عز وجل-، ورسالة الاجتماع، حي على الصلاة والتآلف والتحابُب.. رسالة السلام.

----------

نشر هذا الحوار بمجلة (منار الإسلام)، عدد مايو 2008م.