صلاة واحدة في "أيا صوفيا" تثير الحقد الصليبي من جديد

مجدي داود

"أيا صوفيا" هو أول مسجد يصلي فيه المسلمون في مدينة القسطنطينية بعدما فتحها السلطان محمد الفاتح عام 1453م، وكان الصرح عبارة عن كنيسة بُنيت عام 537م بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الذي امتد حكمه من إسبانيا إلى الشرق الأوسط، وظل مبنى لا نظير له في العالم المسيحي كله.

فتح السلطان العثماني العظيم محمد الفاتح المدينة العصية بجيشه الضخم يوم الثلاثاء، وحينما حان وقت الصلاة لم يكُ ممكنًا أن يبنوا جامعًا يستوعب كل هذا الحشد الإسلامي، فاتخذ من كنيسة "أيا صوفيا" أو "الحكمة المقدسة"، مسجدًا ثم اشتراها (بموجب عقد بيع توجد نسخة منه في متحف الآثار التركية الإسلامية بإسطنبول برقم تصنيفي: 2182)، واكتفى بتغطية رسوماته الكنسية بالجبس حينها.

ظل مسجد أيا صوفيا منذ ذلك الوقت مسجدًا للمسلمين، ورمزًا من رموز عزتهم وقوتهم، إلى أن جاء مصطفى كمال أتاتورك بعد 500 عام ليحوله إلى متحف، كرهًا وحقدًا على هذا الدين الحنيف، وتاريخ تركيا الإسلامي الناصع.

نجح أتاتورك في أن يغيّر حال المسجد إلى صرح، وظل لأكثر من 79 عامًا لا تُقام فيه الصلاة، إلا أن قلوب المسلمين الأتراك، وإخوانهم في العالم كله كانت تئن وجعًا، لفقدان ذلك الرمز العظيم على قوة وعزة وكبرياء المسلمين، وكانت هناك مبادرات عدة لاستعادة المسجد مرة أخرى، ولكنها باءت بالفشل.

الأسبوع الماضي، كرّر شباب مسلمون تابعون لحزب السعادة الذي أسّسه البروفيسور نجم الدين أربكان رحمه الله، مبادرتهم للصلاة بساحته، مطالبين بعودته كجامع يؤمّه المصلون في كل صلاة، من خلال حشد مهيب لم يتكرر في محاولات سابقة، وانفضوا بعدها دون حاجة لتدخل الشرطة.

وحظيت هذه المبادرة باهتمام إعلامي بالغ، وجدل بين مؤيد على طول الخط، ومؤيد للمبادرة، ومعارض لتوقيتها، وبين معارضين لهذه الخطوة لأسباب أيديولوجية، بما نجم عنه شعور بأن الصلاة وإن جاءت عرضية وغير متكررة ولم تأتِ الدعوة إليها من حزب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلا أنها ستفتح عليه باب انتقادات من الداخل (الأحزاب العلمانية وقواها ومنظماتها وإعلامها)، ومن الخارج، خصوصًا من الجهات الكنسية بدعوى أن ذلك يحيي "ضغائن وأحقاد دينية"!.

اللافت للنظر في هذه المرة أن الصلاة بساحة مسجد أيا صوفيا تم تصويرها ورفع الأذان في ساحة المسجد، بطريقة المجاركة القديمة التي كانت تُستعمل قبل اختراع الميكروفونات، وقد أثار ذلك شجونًا في نفوس المسلمين، وانتشر الأمر كالنار في الهشيم، حتى سمع الملايين من المسلمين لأول مرة عن هذا المسجد.

اللافت أيضًا أن عددًا من وسائل الإعلام العربية تبنت تسمية "كاتدرائية أيا صوفيا"، وهو الأمر ذاته الذي فعلته بعض الصحف الأوروبية، التي ثارت حفيظتها على نحو صليبي واضح لم يجد فيه فسحة للتجمل في صياغة بيان الاعتراض الرئيس على تلك الصلاة بالساحة لفترة وجيزة.

فقد أصدرت المفوضية الأمريكية للحرية الدينية في العالم، وهي هيئة استشارية شكلها الكونجرس من أعضاء بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، بيانًا قالت فيه: إن "مثل هذا التحرك سيعرض وضع تركيا الدولي للخطر، وسيعيد إلى الأذهان إساءة معاملتها للمسيحيين خلال القرن الماضي"، معتبرة أن الإقدام على فتح أيا صوفيا "سيكون خطوة استفزازية من شأنها أن تُحدث انقسامًا".

وطالب البطريرك برثلماوس الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذوكسي في أنحاء العالم بأن يظل موقع آيا صوفيا متحفًا.

وقال لصحيفة أجوس: "إذا تغير وضعه فسيُفتح من جديد كمكان للعبادة، وحينها لن يمكن نسيان أنه بُني ككنيسة، وأن هذا يستدعي فتحه ككنيسة مرة أخرى".

ويظل مقر برثلماوث في اسطنبول رغم تقلص عدد أتباعه في تركيا إلى أقل من 3000 شخص وسط 75 مليون مسلم، وجمع رجال دين أتراك وآخرون 1000 توقيع فقط أو ما يقرب من ذلك على التماس بعدم تغيير وضع آيا صوفيا، مقابل 15 مليون توقيع جمعهم الشباب المسلم لتحويل المتحف إلى مسجد.

لم تنته المشكلة بعدُ، فلا تزال حكومة أردوغان ترفض استعادة المسجد مرة أخرى؛ خوفًا من ردات فعل قانونية وسياسية داخل وخارج تركيا، إلا أن أول الغيث قطرة ثم ينهمر، وهؤلاء الشباب الذين صلوا في ساحة "أيا صوفيا" قد بدءوا الطريق، وسارت العجلةـ ولن تتوقف إلا عند النهاية.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.