دور المسجد في بناء مسلم ذو شخصية مؤثرة

 

فى زمن عمت فيه المعاصى ، ولا يكاد المرء يجد مكان لا يجاهر الفرد فيه بالمعصية إلا بيوت الله ، لذلك يهرع إليها الصالحون والتائبون، أصبح للمسجد دور حيوي في مواجهة هذا الغلو، فكل مخلص يعي أن أمتنا المحاصرة والمستباحة ومنتهكة الحرمة ومنهوبة الخيرات لم تحتل أراضيها وتستباح حرماتها من قلة من فيها ، ولكن لبعدهم عن الله سبحانه وتعالى، كما يعلم المسلمون تماما أن قربهم وطاعتهم لله تعني نصرتهم  { و كان حقاً علينا نصر المؤمنين } .. وهو الدور المطلوب للمساجد فهل نملك ما نحيي به هذا الدور ؟، وهل يمكننا إعادة النظر لواقع مساجدنا اليوم لتكون قادرة على رعاية الصالحين و إعانة التائبين؟.

 

الإجابة حق صعبة، لكن علينا أن نطمئن كل مسلم أن أمتنا لن تموت بإذن الله أبداً، طالما فيها كتابه وسنة رسوله وبيوت الله " المساجد"، لذا فنحن  نريد فيها أن نرشد هؤلاء المخلصين إلى طرق يستطيعون من خلالها أن يخدموا هذا الدين ويوظفوا طاقات غيرهم من المسلمين ، ويجب أن لا نتعجل النصر ، فهذه الأمة أحوج ما تكون إلى بناء الإيمان فى نفوس أبنائها لبنة لبنة فنحن نحتاج إلى شخصية مسلمة متكاملة.

 

النصر من عند الله، لكن شروطه توافر الشخصية المسلمة ، أو مسلم ذو شخصية ، وهي لن تنمو إلا فى بيوت الله (المساجد) ملاذ الصالحين الآمن، فالذين أتوا للصلاة فى مساجد أهل السنة قد صارعوا شياطين الإنس والجن الذين صدوهم عن الصلاة.. والصلاة مع أهل الالتزام بالذات، فعلى الرغم من تشويه صورة الملتزمين وتنفير الناس من الالتزام وأهله إلا أنهم تجاوزوا كل هذه العقبات فكان لابد من الإهتمام بهم.

في البداية ولكي نصل لهدفنا الخاص بتنشئة شخصية مسلمة أو مسلم ذو شخصية، فعلينا تحديد فئات الملتزمين وزوار المساجد وما يحتاجونه .

حيث ينقسم زوار المساجد إلى فئات كبار السن والعاملين غير المتفرغين ، والشباب المتحمس، وبعض النساء وصغار السن.

ولكي نحافظ على مستوى الالتزام لهؤلاء ورفعه إلى الدرجة المقبولة لدى غير الملتزمين ، علينا الاهتمام بالجانبين التربوي والدعوي، حيث يمكننا رفع مستوى الملتزمين في النواحي العلمية و الفكرية، والتربوية والإيمانية والدعوية .

وعلى إمام المسجد أو جماعته المسئولة عن متابعة زوار بيت الله اعتماد منهج علمي وفكري عام ، يختلف بالطبع لكبار السن عن الشباب ، وللنساء عن الأطفال، ويخاطب كل فرد بقدر تعليمه وبيئته ونشأته ، مع مراعاة ظروف المكان واحتياجاته ، حيث يلزم العمل عل بناء الشخصية المتكاملة فى العقيدة – و المعاملة – و الأخلاق – و الدعوة ، مع مراعاة أحوال المتلقين بالطبع أو كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " حدثوا الناس بما يعرفون .. أتحبون أن يكذب الله و رسوله "رواه البخاري في صحيحه .

 

 و ينقسم المنهج العلمى العام الممكن اتباعه داخل المسجد إلى الخطب، و الدروس العامة، والكلمات القصيرة، و الندوات، و الدورات .

أولا : الخطابة

من أهم أوقات التلاقي التي يجب استغلالها في الخطابة هي صلاة الجمعة، وهى من أوسع الأعمال من حيث عدد المتلقين فمعظم الناس بحمد لله يحافظون على صلاة الجمعة، فيراعى فيها التركيز على الجانب الوعظى و الإيمان باليوم الأخر، وربط الأحداث الجارية بكتاب الله وربط البلاء بالمعاصى ، و ربط النصر بالتوبة، والتركيز على القضايا الكبرى مثل:- الربا و الحاكمية والولاء و البراء و التفكر فى خلق الله و الإتباع.

كما يمكن عمل دورة للخطباء لإعطائهم أصول الخطابة و كيفية تحضير الخطبة ، وترشيح بعض الموضوعات وعناصرها والإستماع إليهم وتقييم الأداء، و مكن عمل جدول للخطابة لاستيعاب الخطباء والمساجد والتوزيع الشهرى لهم وتكون بعد المغرب أو العشاء وأحياناً العصر حسب الظروف و الأحوال.

ثانيا: الدروس العامة

أما الدروس العامة فهي تعتمد على الأسلوب الميسر السهل والتكرار فى المعلومة والبعد عن التفاصيل التى لا تهم إلا طالب العلم والتى قد تشتت تركيز المستمع، فيما يمكن خلالها التعليق على الأحداث الجارية ورد الشبهات التى قد تطرأ.

وخلا الدروس العامة يمكن للإمام أن يتطرق إلى :

 1- العقيدة

تبرز أهمية دروس العقيدة فى ظل الحملة الشرسة التى تتعرض لها الأمة الإسلامية اليوم من محاولة لإحياء فكر الصوفية بعدما إزدراه الناس ، وعلموا بطلانه ، وإنه سبب أساسى فى زوال خلافتهم الإسلامية وفى انتشار البدع و المنكرات بين الناس ، فلذلك لابد من تدريس كتب العقيدة فى كل مكان لتحصين الناس من شر هذه البدع ، و كذلك لمواجهة حملات التنصير و محاولات نشر الفر الشيعى و غيره.

وعليه يمكن للإمام أو خطيب المسجد أو الداعية الاستعانة ببعض الكتب منها شرح أصول الإيمان وكتاب تطهير الجنان ثم الثمرات الزكية ، ثم أحد شروح كتاب التوحيد مع  القبول .

و لا ننسى أهمية تبسيط الأسلوب، و يكون التركيز فيها على المعتقد الصحيح ثم مظاهر الشرك تأتى بعد ذلك.

 

 2- الفقه

وهو من الأمور الهامة الواجب مراعاتها في الدروس العامة ويمكن الاستعانة بكتب كثيرة مثل "فقه السنة" أو "الملخص الفقهى" ، مع  التركيز على أبواب العبادات فى البداية، مع مراعاة إذا كان غالب الحضور من العوام عدم الخوض فى المسائل االخلافية وذكر الراجح وتوضيح الأحكام، ثم التطرق بعد ذلك إلى فقه النكاح والبيوع ثم باقى المعاملات من الكتب السابقة.

ويجب على الخطيب مراعاة فقه المواسم ( الصيام قبل رمضان – الصلاة فى رمضان – الحج قبل الحج - الزكاة قبل موسم الحصاد )، مع ربط الأحكام لفقهية بالناحية الإيمانية.

 3- التفسير

 هو جانب هام من جوانب الدروس العامة بالمسجد، ويمكن الاستفادة خلاله بتفسير آيات مختارة، أو شرح منهجى لأي من كتب التفسير ( ابن كثير – السعدى – أيسر التفاسير للأبى بكر الجزائرى ).

 

 4- الحديث

 كثير من الأئمة يجهل فائدة الحديث سواء القدسي أو الشريف في التأثير بحياة الناس ، ويمكن الاستفادة بشرح ميسر لرياض الصالحين، وكذلك شرح ميسر لصحيح مسلم، أو شرح ميسر للأربعين النووية، أو جامع علوم الحكم.

 

5- السيرة

هي من أكثر المتناولات خلال الدروس العامة بالمساجد لما لها من جانب سردي شيق، ولذلك يمكن للإمام الاستفادة من كتب " نور اليقين – وقفات تربوية للشيخ أحمد فريد – الرحيق المختوم" ، مع ربط أحداث السيرة بالواقع المعاصر وكيف كان الرسول صلى الله عليه و سلم يبنى الشخصية المسلمة ثم المجتمع المسلم.

ثالثا : الكلمات القصيرة

أما الكلمات القصيرة فيمكن اختيار توقيتات مثل بعد الفجر أو العشاء، مع مراعاة عدم تعارض المواعيد مع الدروس العامة، وأن تكون قصيرة لا تتعدى ثلث الساعة، وغالبا ما تكون - كلمة الفجر فى التفسير، وكلمة العشاء فى : السيرة من الرحيق المختوم أو صور من حياة الصحابة أو التابعيين، أو رياض الصالحين أو الترغيب و الترهيب، أو البحر الرائق أو الزهد لابن المبارك، أو كلمة فى الآداب و غيرها.

رابعا : الندوات

بالنسبة للندوات فقد تكون مرة كل شهر مثلاً تنتقل من مسجد إلى آخر، وتكون لأحد الدعاة المشهورين، وتتناول الموقف الشرعى من الأحداث الجارية ، و توجيهات عامة للمسلمين ، أو قبل مواسم الطاعات كندوة عن الصيام قبل رمضان أو عن الحج قبل موسم الحج.

 

خامسا : الدورات

أما الدورات فهي مجموعة من المحاضرات المكثفة، وتكون هذه الدورات يومان أو ثلاثة أيام من العصر إلى العشاء ، وتتكرر شهرياً أو كل شهرين و تتناول :

قضايا فكرية:- "مقالات الدعوة – العمل الجماعى – السلفية ومناهج التغيير – الجهاد – الأمر بالمعروف – فقه الخلاف – قضايا الإيمان والكفر – فرق الأمة – الاتجاهات المخالفة – محاضرات فى السلفية – قضايا عقدية – التوسل – الولاء و البراء – الحاكمية"

قضايا دعوية:- "الدعوة الفردية – صفات الداعية – طرق الدعوة – صور من دعوة الأنبياء و الصالحين لأقواهم".

قضايا تربوية:- "النواحى التربوية و التعبدية ، عمل اليوم و الليلة ، أعمال القلوب ، الآفات (الفتور – العجب – الفردية – حب الصدارة – امراض القلوب) ، آداب ، حقوق الأخوة ، بر الوالدين ، آداب طالب العلم".

 

خاتمة

ويراعى أن تضم الدورة خليطاً من القضايا السابقة حسب الحاجة، ويتم التنسيق مع المحاضرين، ومناسبة الموضوع للمحاضر، يتم عمل امتحان فى نهاية الدورة وتحديد موعد لتوزيع الجوائز، ولا مانع من تخليلها بإفطار أو قيام ليل أو إجراء حوار مع أحد الشخصيات الدعوية، كما يجب أن تغطي هذه الدورات الجانب الفكرى لمعظم الشرائح.

في الختام لابد أن نعلم أن الشخصية المسلمة متكاملة الأركان قادرة على نشر دين الله فى أى مكان توضع به و تحت أى ظروف ، و هى صمامات أمان للفكر الصحيح للإسلام من أى فكر منحرف وإن كانت الشخصية سوية كانت ثمار دعواتها كذلك شخصيات سوية و يتم ذلك عن طريق ، انتقاء جيد للأفراد الأسوياء ممن يؤمل فيه أن ينمو فى الجانب العلمى وغيره، مع انتقاء المدرس الجيد الذى يعى الأهداف المطلوبة، ووضع منهج علمى متكامل ، مع استكمال المنهج العلمى بمنهج فكرى يضم لفكر الصحيح للإسلام ويتناول قضايا عن ( السلفية و أصولها – فقه الخلاف – الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر – السلفية و مناهج التغيير – فقه الجهاد – العمل الجماعى – قضايا الإيمان و الكفر – العذر بالجهل...) وغيرها، مع ضرورة وضع تصور للارتقاء بالمستوى التربوى والإيماني.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.