د.طارق عبد الحليم لـ"دليل المسجد": دور إمام المسجد هو دور المسجد في حياة المسلمين
قال المفكر الإسلامي المصري، الدكتور طارق عبد الحليم، أن دور إمام المسجد، هو دور المسجد في حياة الناس، محذراً الائمة من الإنزواء والأنضواء، لما له من تأثير كبير على أداء دورهم وتفعيل دور المسجد في المجتمع.
وحول مقومات الإمام الناجح، أضاف عبد الحليم في حوارٍ خاص مع موقع (دليل المسجد)، أن الإمام لابد وأن يتسلح بالعلم الشرعي والاجتماعي والعلم بالواقع، مشدداً على ضرورة حصوله على الدورات التدريبية اللازمة لتعلم فن التعامل مع الناس.
واقع المساجد ولماذا تراجع دورها، وكيف يمكن استعادته مرة أخرى، ودور الإمام في مواجهة ودحض الشبهات، هي أبرز محاور اللقاء مع الدكتور طارق عبد الحليم، فأي نص الحوار الكامل.
بداية، لكم تاريخ دعوي طويل، حدثنا عن أبرز المحطات فيه، وعن شرف الدعوة إلى الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد، فقد بدأت مسيرتي في الدعوة إلى الله، وإلى هذا الدين الحنيف، في الستينيات من القرن الماضى، حيث أدركت أن الطريق هو الله، لا غيره.
وقد سرت في طريق العلم، والتحصيل أعواماً ثم بدات مرحلة النتاج العلميّ، والتي بدأت بكتاب "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد" عام 1978، ثم أعقبه "حقيقة الإيمان" عام 1979، ثم تلا بعد ذلك العديد من الكتب في الأصول والعقيدة والفرق، كذلك المئات من المقالات والأبحاث التي غطت مساحة عريضة في موضوعات العلم الإسلامي.
واعتبر صدور كتاب "الجواب المفيد" هو المحطة الأولى في تلك المسيرة، ثم تلاها خروجي من مصر عام 1981، ثم تلاها رحيلي إلى انجلترا، حيث شاركت في إصدار مجلة البيان اللندنية، ثم هجرتي إلى كندا، بعد أن حذرني أحد العاملين في السفارة المصرية بلندن آنذاك من الرجوع إلى مصر!، ثم إصدار مجلة "أمة الإسلام" بالعربية والانجليزية في تورونتو، ثم إنشاء مركز "دار الرقم" في توروتنو، وتدريس الدبلوما في الشريعة الإسلامية مدة ثمانية أعوام، ثم إنشاء التيار السنيّ لإنقاذ مصر عام 2012.
من خلال تجربتك، ما هي أفضل الطرق والوسائل المفيدة في الدعوة إلى الله؟
الحق، أنه ليس هناك "أفضل" وسيلة للدعوة إلى الله، فشكل الدعوة يتوقف على أمور ثلاثة، الواقع، الحاجة، القدرة. فقد يكون الواقع مفتوحاً لدعوة تشمل كلّ أشكالها من قول وفعل، وقد يكون الواقع مغلقاً يحتاج إلى التحسس بها، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الدعوة بمكة.
وقد تكون هناك حاجة إلى الدعوة العلمية بالكتابة والقلم لوجود طلاب العلم، أو تكون بحاجة إلى الخطب والمنابر لكثرة العوام. أو قد تقوم الحاجة إلى شكلٍ من أشكال الدعوة، لكن لا يوجد من يقوم بها في مجالٍ أو آخر. فعلى الدعاة حساب تلك العوامل، وأخذها في الاعتبار.
برأيكم لماذا تراجع دور المسجد في حياة المسلمين، وكيف يمكن استعادة هذا الدور؟
دور المسجد يتصاعد ويهبط بحسب عدة عوامل، منها قرب العامة وبعدهم عن الدين تبعاً لفساد البيئة المحيطة، ثم عدم وعي العاملين في الدعوة إلى حقيقة دورهم، وقلة خبرتهم في التعامل مع الواقع، وقلة علمهم الشرعي، ثم الدور الحكوميّ في إعانة الدعوة أو إدانة الدعوة! فإن عرفنا ذلك، عرفنا كيف يمكن استعادة هذا الدور. فواحدة، أن يُجهّز الدعاة لهذه المهمة تجهيزاً يراعي الواقع والحاجة والقدرة كما أشرنا، ثم أن تنتشر وسائل التوعية بالدين، ومقاومة الفساد المستشرى في المجتمع مما تقوم عليه أجهزة بعض الدول تعمداً، من خلال وسائل الإعلام الرخيصة.
هل يصح للإمام أن ينزوي في مسجده؟ وبماذا ترد على من يريد أن يحصر دور الإمام في المسجد؟
هناك أمر يجب إيضاحه أولاً، وهو أنه يجب أن نفرّق بين "إمام" مسجد، وبين الفقيه أو العالم الذي يصدر الفتاوى للناس. فالأول إمامته إمامة خاصة، في الصلاة، لكن هناك إمامة العلم، وإمامة السياسة الشرعية. فإن بلغ إمام مسجد تلك الدرجة العلمية، فهو الأمثل إذن، ولا ننسى أنّ درجة الإمامة هي رتبة جِدّ عالية، إذ طلبها إبراهيم عليه السلام من ربه (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (سورة الفرقان: الآية 74)، فهي أمر لا يوصف به أحد لا يستحقه عن جدارة. ودور "إمام" المسجد، هو دور المسجد في حياة الناس، فانزوائه يعنى انزواء المسجد وانطواء دوره. بل الواجب هو أن يكون "إمام" المسجد فاعلاً فيما حوله من واقع اجتماعيّ، فتراه كلّ عائلة في محيطه وكأنه جزء منها، لا غريب يُلجأ اليه في وقت الكوارث! أمّا من يريد حصر دور إمام المسجد في المسجد، فهو نفسه من يريد حصر دور الدين في المسجد، العلمانيون والليبراليون. فهؤلاء لا يريدون أن يكون الدين حاكماً في حياة الناس، بل يرونه نشاطاً إجتماعياً قاصراً على "المسجد" الذي هو، بالنسبة لهم، منشأة إجتماعية، لا غير.
رسالة موقع "دليل المسجد" هي "إمام مسجد فاعل ومؤثر"، كيف يكون للإمام دور فاعل ومؤثر في المجتمع المحيط به؟
العلم، ثم العلم، ثم العلم، ثم التدريب. وحين نتحدث عن العلم، فنقصد به العلم الشرعيّ، والعلم الاجتماعيّ، والعلم بالواقع، لهذا كررناها ثلاثاً! أمّا التدريب، أو الخبرة، فيجب أن يكون من خلال الممارسة مع مشرف سابق، له من الخبرة في التعامل مع الناس ما ينقله إلى "الإمام" الجديد. ثم يجب أن تراعي اشتراطات خاصة في "الإمام" مثل الجرأة على الكلام، وحسن الخلق والصبر، والتأني في الردّ.
ما هي مقاييس نجاح الإمام في رسالته؟
لا شكّ أن إقبال الناس على المسجد، أو حلقات داعية ما، هي دليل مؤكدٌ على نجاحه، كذلك قدرته على تمييز واصطفاء عدد مخصوص، يرى فيهم الجدارة والاستحقاق، ليحملوا الرسالة خارج نطاق المسجد أو الحلقة، فتوالد الدعاة أمرٌ في غاية الأهمية لاستمرارية الدعوة.
ما هو دور الأئمة تجاه قضايا الأمة المصيرية والكبرى؟
الدعاة والأئمة هم صوت الدين إلى الناس، وهم حملته اليهم، فهم الدعوة همهم، ومعاناتها معاناتهم، ونجاحها نجاحهم. من ثم، فإن دور الإمام أن يعيش هموم أمته، ساعة بساعة، فتكون هي همّه، الذي لا يهمّه أكثر منه، إلا ما كان من ضروريات الحياة الآنية، ومسؤولياته الخاصة. ولا يجب أن يرى داعية أو إمام نفسه أقل من أن يتحدث في أكبر القضايا المصيرية في حياة الأمة، فهي أمته، وهي قضيته، ومن استصغر نفسه صغر في نظر الناس.
ماذا يجب على الإمام القيام به لدحض الشبهات والرد على الحاقدين والمغرضين؟
على الإمام، أولاً، أن يعرف الشبهات التي تعرّض الناس من حوله للخطر، ولفساد العقيدة وضلال الرأي، ثم أن يصب اهتمامه عليها. إذ لا فائدة في إمام أو داعية يعرف أنّ هناك جماعة تتردد على المسجد، أو تنشر سمّها حوله في عقيدة ما، ثم هو يتحدث عن نوافل الصلاة والصيام، وكيفية استعمال السواك! ثم عليه أن يدرس تلك الشبهات جيداً ويعرف الردّ عليها بكل تفاصيلها قبل أن يبدأ في دحضها، فإنه إن تردد، فإن العامة يرون ذلك ضعفاً في قضيته لا في عرضه لها.
ما النصيحة التي توجهها للأئمة من خلال موقع "دليل المسجد"؟
أقول، اتقوا الله ما استطعتم، ولا تخشوا فيه لومة لائم، وإن رأيتم في أنفسكم تراجعاً أو جبناً عن إبانة الحق، وواجب الوقت، فاعتزلوا، هو أكرم لكم وأتقى عند الله. ثم أقبلوا على العلم، ولا تحصروه في القراءات فقط، بل خذوا بحظٍ وافر من العلوم الشرعية، إذ هي مرتبطة بعضها ببعض، ولا تكتمل إلا بجمعها. واحرصوا على الدورات التدريبية في علوم الإدارة والاجتماع خاصة، إذ أنتم شكلٌ من أشكال "المديرين"، لكن في وسط اجتماعيّ مخصوص.
التعليقات