مسلمو زنجبار.. "أندلس إفريقيا" تقرأ الإنجيل ولا تعرف العربية

أزمة مسلمي جنوب الفلبين، مشاكل الأقلية الإسلامية الكبيرة في غرب الصين، مشاكل الأقلية المسلمة الأكبر في الهند مع الهندوس، ومع السيخ، بل وحتى مع الأقلية المسيحية الصغيرة، اضطهاد الأقليات المسلمة في جمهورية أرمينيا، أزمات الأقلية الإسلامية الكبيرة في بلغاريا، أزمة التطهير العرقي للروهينجا في بورما، أخبار متتابعة ومتتالية ومنسقة، وكلها عنف موجه ضد المسلمين، والمسلمين فقط في كل دول العالم، منها دول أوروبا "المستنيرة"، ومنها دول شرق آسيا "الديمقراطية"، وبالتالي حينما يبرز هذا العداء في دول "نامية"، فالأمر بالنسبة للعالم "طبيعي"، ولا يستدعي مجرد تناوله في نشرات أخباره.

هذا هو حال المسلمين في أنحاء العالم، بينما حالهم في الدول النامية أسوأ بكثير، ومثالنا اليوم "مسلمو زنجبار".

تقع "زنجبار" في شرق أفريقيا، وتتشكّل من عدد من الجزر في المحيط الهندي، قُبالة دولة "تنزانيا"، وتبعد عن السواحل الأفريقية قرابة 35 كيلو متراً، وأكبر جزرها جزيرتا "زنجبار"، و"بيمبا"، أما البقية فهي جزر صغيرة تتوزع حول جزيرة "بيمبا".

وصل الإسلام إلى زنجبار، عن طريق الهجرات العربية والشيرازية، إلى شرق أفريقية في نهاية القرن الأول الهجري.

 

بداية النهاية

بناء على قاعدتها الاستعمارية المشهورة، "فرق تسد"، قامت بريطانيا بتكوين حزبين سياسيين، يعمقان الفروق العرقية بين سكان زنجبار، الحزب الأول هو حزب زنجبار الوطني عام 1955م، وقام على أساس العضوية المفتوحة، لكافة المواطنين من كل جنس، وكان علي محسن هو السكرتير العام لهذا الحزب، والحزب الثاني هو الحزب الآفروشيرازي تحت رئاسة عبيد كرومي، ثم ظهر على حلبة الصراع حزب ثالث، هو حزب الشعب برئاسة محمد شامت، وتكالب كل قوم حول حزبهم، ونشأت الصراعات بينهم، وهكذا نجحت بريطانيا في تفتيت وحدة الجزيرة، بإثارة العصبية العنصرية بين القوميات الثلاث، التي ينتمي إليها سكان الجزيرة " العرب والأفارقة والشيرازيين "، بالرغم من أنهم جميعا يدينون بدين الإسلام.

 

خلال هذا الصراع، زار الجزيرة "جوليوس نيري"، رئيس حزب تانو في تنجانيقا، ونجح في ضم الإفريقيين والشيرازيين في حزب واحد، وهو الحزب الأفروشيرازي، على أنه حزب الفقراء المدافع عن القومية الزنجبارية.

لم يكن أحد يعلم ماذا يخفي هذا الاستقلال، فقد قام وزير خارجية ممباسة، ( كميونا)، بإصدار أمر لتنفيذ مذبحة بشعة، يندر حصولها في تاريخ البشر، وشاركه في هذا رئيس شرطة زنجبار البريطاني، حيث قام بتسريح الضباط الوطنيين العرب، وأخفى مفاتيح مخازن السلاح، ثم تسلل 600 قارب صيد من مدينة دار السلام، واستولوا على باخرة أسلحة جزائرية تدعى:ابن خلدون، كانت مرسلة إلى موزمبيق، وعند إعلان الاستقلال، قام الحزب الأفروشيرازي بانقلاب مسلح، واستولى على السلطة، وخلع السلطان جمشيد بن عبد الله بن خليفة، وابتدأت المذبحة، التي خططت لها بريطانيا قبل تسع سنوات"، منذ أن بدأت فكرة الأحزاب"، وقام الأفارقة والشيرازيون بهجوم شعبي شامل، على العرب الذين في زنجبار، وخلال دقائق، أصبح قتل طفل أو شيخ أو امرأة عربية، أسهل من التفكير بقتل نملة.

تولى الحكم بعد هذه المذبحة "عبيد كرومي"، الذي حكم زنجبار، ممثلا لاتحاد تنزانيا، الذي أُعلن بعد هذا الانقلاب، وهو مؤلف من كل من زنجبار وتنجانيقا.

 

تاريخ مشوه

ترى كثيرًا من الدراسات التاريخية أن تاريخ العرب في زنجبار أو زنزبار شوه كثيرا، فألصق بالحكم العربي تجارة الرقيق، واتهم بالتعاون مع الاستعمار، وتحمل العرب والمسلمون أكثر التهم سوادا في تاريخ أوروبا وإفريقيا، فالصق بهم الميراث التاريخي الأسود، الذي اقترفه الأوروبيون، وهو بيع الآلاف من الرقيق الأفارقة لأوروبا المسيحية.

إلا أن الغالب، كما تذكره كتب التاريخ، فإنه منذ أن بدأت الوصاية البريطانية، وتغلغل نفوذ حركات التنصير في الدولة، حتى صار جميع موظفى الدولة من المسيحيين، وصار اقتصاد البلد بأيديهم، وأقاموا عشرات الكنائس، حتى بلغت نسبتها كنيسة مقابل كل مائة مسيحى، رغم عدد السكان المسلمين في هذه البلاد، الذي يصل إلى نسبة 98% من سكان البلاد.

وكان الاعتماد الرئيس لحملات التبشير في زنجبار، على عنصري السلاح والإغراء بالمال، وإجبار المسلمات على الزواج من المسيحيين، لكي تستطيع حملات التنصير، الوصول إلى تنصير اجتماعي شامل، وكذلك فقد وزعت الكتب المسيحية، باللغة المحلية "السواحلية" والأجنبية "الإنجليزية" و"العربية"، وتشكلت مكتبة ضخمة، سميت باسم "مجمع الكتب المسيحية"، وصار كل من يريد الحصول على الإنجيل يجده بلغته، وصار المسلمون يقرءون الإنجيل، ويفهمون معانيه، قبل أن يسمعوا شيئا من القرآن، لأنهم بعد المذابح الرهيبة ومخططات التذويب، التي قضت على كل ما هو عربي، عقب قيام الثورة في يناير 1964، أصبح المسلمون لا يعرفون شيئا عن اللغة العربية.

 

أكثرية مهمشة

اليوم، يمثل المسلمون في زنجبار، نسبة تفوق الـ 98 % ولكنهم يعانون من الاضطهاد والتهميش والإهمال، وسيطرة النصارى على مفاصل الحكم بالبلاد، حتى إن عدد الكنائس بها، زاد بكثرة مؤخرا على الرغم من قلة عدد النصارى.

 

وكالعادة، وفي الوقت الذي يتعمّد الإعلام الغربي، إتباع سياسة التعتيم على ما حدث، وما يحدث في "زنجبار" من انتهاكات، واعتداءات ضد المسلمين، نجد للأسف أن الإعلام العربي الإسلامي يتجاهل - بتعمّد أو بدونه - إلقاء الضوء على هذه المجازر، والانتهاكات التي تتكرّر بشكل يومي.

ولم يكتفِ المجتمع الدولي بالصمت، إزاء المجازر التي قام بها الأفارقة والنصارى، ضد العرب المسلمين في الجزيرة عام 1964م، التي صاحبت استيــلاء "تنجانيقا" (تنزانيا حالياً) على الجزيرة، بل لا يزال يصر على صمته، إزاء المذابح التي يواجهها المسلمون حاليًا،  والتي تجدّدت على مدى أكثر من ربع قرن.

فقد شهدت "زنجبار" عمليات عسكرية، لقمع مظاهرات سياسية، قام بها المسلمون احتجاجاً على تزوير الانتخابات العامة، التي أُجريت عام 2000م، وانتهت هذه المظاهرات بحصار الجزيرة، واقتحام المساجد، والاعتداء بالضرب على السكان. وفي الوقت الذي كان الجيش يحصد فيه أرواح المدنيين، كانت الشرطة تُكْمِل المهمة، بتكسير عظام ومفاصل الجرحى، وتكويمهم بعضهم فوق بعض في سيارات مكشوفة.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.