الانشغال بتغسيل ميت وتكفينه عن صلاة الجمعة

 المشروع في حق الميت هو الإسراع بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه ، وألا يؤخر تأخيرا كثيرا ؛ لما روى البخاري (1315) ومسلم (944) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ ، وَإِنْ تَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) .

ولحَدِيث اِبْن عُمَر رضي الله عنهما قال : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : (إِذَا مَاتَ أَحَدكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْره) رواه الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن كما قال الحافظ في الفتح .
فإذا كان التأخير يسيرا لتحصيل واجب ، كحضور الجمعة ونحوها : فلا حرج في ذلك .
وقد رخّص العلماء في تأخير دفن الميت وتجهيزه لأسباب كثيرة ؛ لا تصل إلى حد الضرورة ، كما قالوا في التأخير لتحصيل كافور ونحوه ، مع أن الغسل الواجب يحصل بدونه ، وكذلك قالوا في تأخير الجنازة لأجل انتظار قريب ، أو زيادة عدد الجماعة ... وغير ذلك .
والمعتبر في ذلك : أن لا يكون التأخير طويلا ؛ لأن إكرام الميت تعجيل دفنه ، ويخشى من التأخير تغير جثة الميت .
قال ابن حجر الهيتمي :
" الأفضل تأخير الميت تأخيرا يسيرا لا يخشى منه تغير بوجه لأجل تحصيل الكافور ، لأن كلامهم في باب الجنائز ناطق بأن الأولى فعل الأفضل به ، وإن أدى رعاية ذلك الأفضل إلى تأخير .
ألا ترى أن أقل الغسل يحصل بإفاضة الماء على جميع البدن ، ومع ذلك قالوا : الأولى رعاية أكمل الغسل ، مع أن الأكمل الذي ذكروه يستدعي زمنا طويلا ولم ينظروا لذلك .
وكذلك قالوا : الأولى إفراد كل ميت بالصلاة عليه ولم ينظروا إلى جمع الموتى في صلاة واحدة. وكذلك قالوا : نختار نقل الميت إلى نحو مكة ، إن لم يتغير قَبْلَه ، ولم يراعوا طول زمن تأخير دفنه لتلك المصلحة العائدة عليه .
ونظائر ذلك كثيرة في كلامهم " انتهى من "الفتاوى الكبرى للهيتمي" (2/2) .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
"لو فرض أن التأخير يسير ، ساعات قلائل من أجل كثرة الجمع، كما لو فرض أن الناس في صلاة الظهر لا يكثرون ، لأن كل واحدٍ في وظيفته، وفي صلاة العصر يكثرون : هذه ربما يتسامح فيها .
أما أن يبقى يوماً أو يومين أو ثلاثة فهذا غلط " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (202/ 13).
ففي الصورة الواردة في السؤال لن يتعدى التأخير ساعة أو ساعتين ، ومثل هذا جائز لأنه لا يتغير الميت فيه .
وذكر العلماء أن الانشغال بتجهيز الميت يكون عذرا في التخلف عن صلاة الجمعة ، وهذا فيما لم يكن عند الميت أحد يقوم بشأنه من التغسيل والإعداد الكفن والقبر ... إلخ ، وكان الميت سيتغير إذا ترك إلى ما بعد صلاة الجمعة ، كما لو مات صباح يوم الجمعة فأتاه أحد أصحابه أو جيرانه لتجهيزه ، وكان بيته بعيدا عن المسجد .
فهنا لا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة .
"قال الإمام مالك رحمه الله : "يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِ مَيِّتٍ مِنْ إخْوَانِهِ مِمَّا يَكُونُ مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ . قَالَ ابْنُ رُشْدٍ : مَعْنَاهُ : إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ ، وَخَافَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرَ . هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ بِالْوَاوِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَوْ ، وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ : إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ أَوْ تَغْيِيرَهُ" انتهى من "مواهب الجليل" (2/183) .
وقال ابن المنذر في "الأوسط" (4/24) :
"ذِكْرُ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ :
ثَابِتٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ اسْتُصْرِخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ بَعْدَمَا ارْتَفَعَ الضُّحَى، فَأتَى ابْنُ عُمَرَ بِالْعَقِيقِ ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ حِينَئِذٍ ....
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ صَاحِبَ جِنَازَةٍ يَخْشَى عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي صَاحِبِ الْجِنَازَةِ الَّتِي يَتَخَوَّفُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَغَيَّرَ؟
قَالَ: يُعْذَرُ فِي تَخَلُّفِهِ عَنِ الْجُمُعَةِ" انتهى .
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.