خطبة عيد الأضحى المبارك 1440هـ
♦ الركعةُ الأولى: تكبيرةُ الإحرامِ، ثمَّ يستفتحُ، ثمَّ ستُّ تكبيراتٍ.
♦ الركعةُ الثانيةُ: تكبيرةُ الانتقالِ، ثمَّ خمسُ تكبيراتٍ.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الحمدُ للهِ الذي بنعمتِهِ تتمُّ الصالحاتُ، وبعَفوِه تُغفَر الذُّنوبُ والسيِّئاتُ، وبكرَمِهِ تُقبَلُ العَطايا والقُربَاتُ، وبلُطفِه تُستَرُ العُيُوبُ والزَّلاَّتُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَأَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَدِيدًا وَأَكْثَرَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَفِيهِ أَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحَاجِّ، وَفِيهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ؛ شُكْرًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا شَرَعَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِذَبْحِهَا، وَشُكْرًا لَهُ تَعَالَى عَلَى مَا رَزَقَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَشُكْرًا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى التَّمَتُّعِ بِلُحُومِهَا ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 36، 37].
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.
اللهُ أَكْبَرُ ما أَهَلَّ الْحُجَّاجُ بِالمَنَاسِكِ، اللهُ أَكْبَرُ ما مَلَؤوا الْفِجَاجَ وَالمَسَالِكَ، اللهُ أَكْبَرُ ما وَفَدُوا مِنَ الْأَصْقَاعِ وَالمَمَالِكِ. اللهُ أَكْبَرُ ما انْتَشَرُوا فِي الْحَرَمِ وَالمَشَاعِرِ، اللهُ أَكْبَرُ ما عَظَّمُوا الْحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرَ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
عبادَ اللهِ:
وَقَفَ الْحُجَّاجُ لَربِّهِم بِالْأَمْسِ يَذْكُرُونَهُ وَيَدْعُونَهُ، وَصَامَ مَلَايِينُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا يَلْتَمِسُونَ ثَوَابَهُ، وبالأَمسِ انطلَقَتِ المسِيرةُ الأَضخَمُ والأَجمَلُ في العَالَمِ، إنَّها مَسيرةٌ للهِ وإلى اللهِ وَحدَهُ. وَفِي عَشِيَّةِ الْأَمْسِ رُفِعَتْ أَكُفُّ الْمَلَايِينِ مِنَ الدَّاعِينَ يَتَحَرَّوْنَ سَاعَةَ الإجابةِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُمْ بَيْنَ صَائِمٍ وَوَاقِفٍ بِعَرَفَةَ، فَيَا لَلَّـهِ الْعَظِيمِ مَا أَعْظَمَ عُبُودِيَّةَ الدُّعَاءِ! وَمَا أَجْمَلَ الرَّجَاءَ! وَلَيْسَ يَدْعُونَ وَلَا يَرْجُونَ إِلَّا رَبًّا كَرِيمًا، جَوَّادًا عَظِيمًا، عَفُوًّا حَلِيمًا، غَفُورًا رَحِيمًا، عَلِيمًا حَكِيمًا.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكبرُ كَبيراً.
اليومُ -أيُّها المسلمونَ- يومُ فرحٍ وسَعادةٍ, يومُ أُنسٍ وبهجةٍ، فافرَحُوا واسْعَدُوا بيومِكُم, فإنَّ فَرحَكُمْ بهذَا اليومِ عِبادةٌ تُؤجرُونَ عليهَا. اِفرَحُوا بِعِيدِكُم، وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا، ولا يَشْغَلَنَّكُمُ الذَّبحُ وتَقطيعُ اللَّحمِ في هذِه الأَيامِ عَنِ الشُّعُورِ بسعَادَةِ هذا اليومِ؛ فأَنتُم في عِيدٍ سَعيدٍ بإذنِ اللهِ, اسْعِدُوا أَطفالَكمْ ونِساءَكمْ, ولا تَنسَوا كذَلكَ مَنْ تَحتَ أَيدِيَكُمْ مِنَ الخدمِ والسائقينَ وغيرِهمْ، أَدْخِلُوا عَليهمُ الفرحَ والبهجةَ بهذا العيدِ وأَسعِدُوهُمْ بالهَدايا المُنَاسِبةِ.
ومِنْ حَقِّ أهلِ الإسلامِ في يومِ بَهجتِهِمْ أنْ يَسمَعُوا كَلامًا جَمِيلاً، وحَديثًا مُبهِجًا، وأنْ يرقُبوا آمالًا عِراضًا ومُستقبلاً زَاهِرًا لهمْ ولِدِينِهِمْ ولأُمَّتِهِمْ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
أيُّهَا المُسلِمُونَ:
إِنَّكُمْ في يَومٍ عَظِيمٍ مِن أَيَّامِ اللهِ، خُتِمَتْ بِهِ أَيَّامٌ مَعلُومَاتٌ، وَتَتلُوهُ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ، وَكُلُّهَا أَيَّامٌ شَرِيفَةٌ مُبَاركَاتٌ، شُرِعَت لِلمُسلِمِينَ فِيهَا أَعمَالٌ هِيَ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَعظَمِ الطَّاعَاتِ وَأَزكَاهَا عِندَ اللهِ، مِن حَجِّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ، وَالوُقُوفِ بِالمَشَاعِرِ العِظَامِ، وَصَلاةِ العِيدِ وَذَبحِ الهَديِ وَالأَضَاحِي، وَذِكرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّلبِيَةِ، في أَقوَالٍ وَأَعمَالٍ وَأَنسَاكٍ يَتَجَلَّى فِيهَا تَوحِيدُ اللهِ وَإِفرَادُهُ بِالعِبَادَةِ، وَالانقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالخُلُوصُ مِنَ الشِّركِ، فاحْمَدُوا اللهَ على ذَلكَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبرُ كَبيراً.
هذِه أَيامُ رَحمةٍ -يا عبادَ اللهِ-، نَعمْ أَيامُ رَحمةٍ وتَسامُحٍ وفَرحٍ وسُرورٍ، أَيامُ أَكلٍ وشُربٍ، يَحرُمُ صِيامُ يَومِ العِيدِ وأيامِ التَّشريقِ الثَّلاثةِ، ومَن كَانَ مُتخاصِمًا معَ قَريبِهِ أَو صَديقِهِ أو جَارِهِ فلْيُسامِحْ، ولْيتخَلَّقْ بخُلُقِ اللهِ، فإنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ، "ارْحَمُوا مَن في الأرضِ يَرْحَمْكُمْ مَن في السَّماءِ"، ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40] كمَا تَقرَّبتَ إلى اللهِ بالنُسُكِ والذَّبحِ والصلاةِ فتَقَرَّبْ إليهِ بصِلةِ رَحِمِكَ ومُسامحَةِ مَن أَساءَ إِليكَ، تقرَّبُوا إلى النَّاسِ بالابتسامةِ والكَلمةِ الطَّيبةِ، فالكَلمةُ الطَّيبةُ صَدقةٌ، واتقُوا النَّارَ ولو بِشِقِّ تَمرَةٍ، والهَدِيَّةُ تُؤلِّفُ بينَ القلوبِ، فتَهادُوا تَحَابُّوا، وأَلقِ السَّلامَ علَى مَن عَرفْتَ ومَن لَمْ تَعرِفْ.
انظُرْ إلى أَحوالِ البَائسينَ لِترْفَعَ عَنهُم بَأسَهُم، أَنفِقْ على المحتَاجِينَ، وسَاعِدْ ذَوِي العَاهاتِ وكِبارِ السِّنِّ، "واللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كانَ العَبدُ في عَونِ أَخيهِ".
زُورُوا الغُرباءَ والمنقَطعينَ عَن أَهلِيهِم، وارفَعُوا عَنهُم حُزنَ الغُربةِ والحَنينَ إلى الدِّيارِ والوَطنِ، وأَدخِلُوا عَليهِمُ الفَرحةَ ببعضِ الأَطعمَةِ والكَلامِ الطَّيبِ.
أُمةَ الإِسلامِ: لقدْ أَعزَّ الإِسلامُ المرأةَ، ورَفعَ مكَانَتَهَا، وأَعلَى مِن شَأنِهَا، ولهذَا أَمرهَا بالحِجابِ والسَّترِ والعَفافِ والقَرارِ في البُيوتِ، كي لا تَصِلَ إليها يَدُ العَابثينَ بالأعراضِ، قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، وقالَ تعالَى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53]، وقالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ" متفقٌ عليهِ.
ارْفُقُوا ببناتِكُم وأَخواتِكُم ومَن هُنَّ تَحتَ وِلايَتِكُم، فهُنَّ الحِجابُ مِنَ النَّارِ، وجِسرٌ إلى الجِنانِ، أَخرجَ البخاريُّ ومُسلمٌ أنَّ النبيَّ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ".
فاتَّقُوا اللهَ -أيها الناسُ- وسَهِّلُوا أَمرَ الزَّواجِ، ويَسِّروا أَمرَ المُهُورِ، واستَوصُوا بالنساءِ خَيراً، تِلْكُمْ هِيَ وَصيةُ ربِّكُم جَلَّ شَأنُهُ، فقالَ سُبحانَهُ: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" أخرجهُ التِّرمذيُّ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْعِيدِ السَّعِيدِ، وَأَعَادَهُ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمْ بِالْعُمُرِ الْمَزِيدِ لِلْأَمَدِ الْبَعيدِ. أَقَوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للَّـهِ خَالِقِ الْخَلْقِ، مَالِكِ الْمُلْكِ، مُدَبِّرِ الْأَمْرِ؛ امْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْصَرَفَتْ عَنْهُ قُلُوبُ الْمَفْتُونِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا سَخَّرَ لَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَمَا شَرَعَ لَنَا مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالْأَنْسَاكِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ إِلَّا لَهُ، وَلَا يُذْكَرُ عَلَى الذَّبِيحَةِ إِلَّا اسْمُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الذي ضَحَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ:
أمّةَ الإسلامِ: تفكَّرُوا في نِعَمِ اللهِ عليكمْ، الظاهرةِ والباطنةِ، فكلَّما تذكَّرَ العبادُ نِعَمَ اللهِ ازدادُوا شكرًا للهِ. تذكَّروا نعمةَ الإسلامِ أعظمَ النعَمِ، وتحكيمَ الشريعةِ وتطبيقَها. تذكَّرُوا أمنَكمْ واستقرارَكم. تذكَّرُوا ارتباطَ قيادتِكم معَ مواطنِيها. تذكَّروا هذهِ النعمَ، وتفكَّروا في حالِ أقوامٍ سُلِبوا هذهِ النعمَ، ادْعُوا ربَّكُم أَن يُدِيمَ أَمنكُم واستِقرَارَكُم واشْكروا نِعَمَهُ يَزدْكُمْ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
أيها المؤمنونَ:
إنَّ مِن أَعظَمِ مَا يُتقَرَّبُ بهِ إلى اللهِ في هذهِ الأَيامِ ذَبحُ الأَضاحِي فطِيبُوا بِهَا نَفْسًا، وَأَخْلِصُوا للَّـهِ تَعَالَى فِيهَا؛ وإياكمْ والمفاخرةَ بكثرتِها أوْ عُلُوِّ أَسعارِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الشَّعَائِرِ: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
أيهَا المسلمونَ:
ضَحُّوا عَن أَنفُسِكُم وعَن أَهلِيكُم مُتقرِّبينَ بذلكَ إلى ربِّكُم، مُتَّبعِينَ لسُنَّةِ نَبيِّكُم محمدٍ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ؛ حَيثُ ضَحَّى عَنهُ وعَن أَهلِ بَيتِهِ، ومَن كَانَ مِنكُم لا يَجِدُ الأُضحِيةَ فقدْ ضَحَّى عَنهُ الكَريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلم .
عبادَ اللهِ:
ضَحُّوا تقبلَ اللهُ ضحاياكُم، سَمُّوا اللهَ عندَ الذَّبحِ. وتَصَدَّقُوا وأهدُوا ولا تُعطُوا الجزَّارَ أجرَتَه منها، وأريحوا الذَّبِيحَةَ عندَ اقتيادِها ولا تؤذُوها بِحَدِّ السِّكينِ أمامَها, ومِنَ السنَّةِ كذلكَ ألاَّ تأكُلَ شيئًا قبلَ الصلاةِ، بل تَأكلُ بعدَ الصلاةِ منْ أُضحيتِكَ.
ووقتُ الأُضحِيةِ المُعتَبَرُ مِن بَعدِ صَلاةِ العِيدِ، والأَفضلُ بعدَ انتهاءِ الخُطبةِ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَمَنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَةُ الْيَوْمَ أَوْ خِلَالَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْقَادِمَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ خِلَالَ الْعَشْرِ.
واعلَمُوا أنَّه لا يَجوزُ بَيعُ جُلودِ الأَضاحِي، ولا بَأسَ أَنْ تَتصدَّقَ بهِ، أَو تَنتفِعَ بهِ، ومِنَ السُّنَّةِ تَوجِيهُهَا للقِبلةِ، وأَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ عليهاَ بقولِه: (بسمِ اللهِ واللهُ أَكبرُ، اللهمَّ هذا مِنكَ ولَكَ، اللهمَّ هذه عَن فلانٍ أو فلانةٍ)، ويُسَمِّي صَاحِبَهَا.
عبادَ اللهِ:
إنْ كانَ لعشرِ ذِي الحَجَّةِ مِنَ الفضلِ ما قدْ عَلِمتُمْ، فإنَّ لأيامِ التَّشريقِ فَضلُها ومكانتُها؛ فهيَ الأيامُ المعلوماتُ التي أُمِرْنَا بذكرِ اللهِ فيها كما قالَ سبحانَهُ: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، وقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "أيامُ التشريقِ أيامَ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ للهِ" رواهُ مسلمٌ.
وأيامُ التشريقِ ثلاثةُ أيامٍ بعدَ يومِ العيدِ. وقدْ وردَ النهيُ عنْ صيامِهَا فينبغي لنَا اغتنامُهَا بالذكرِ والتكبيرِ، وألاَّ نَقتصِرَ على الأكلِ والشربِ فحَسب، وأنَّهُ يُشرَعُ في هذهِ الأيامِ التكبيرُ المقَيَّدُ بأدبارِ الصَّلَواتِ المَكتُوبةِ, فكَبِّرُوا وارْفَعُوا بها أَصوَاتَكُم وأَحيُوا سُنَّةَ نَبيِّكمْ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّم.
أيُّها المسلمونَ:
تقبَّلَ اللهُ طاعاتِكم وصالحَ أعمالِكمْ، وقبِلَ صَيامَكُم وصَدقَاتِكمْ ودُعَاءَكمْ، وضحاياكُم وضاعفَ حسناتِكمْ، وجعلَ عيدَكم مباركًا وأيَّامَكمْ أيامَ سعادةٍ وهناءٍ وفضلٍ وإحسانٍ.
وأعادَ اللهُ علينا وعلى المسلمينَ مِنْ بركاتِ هذا العيدِ، وجعلنَا في القيامةِ منَ الآمنينَ، وحَشَرَنَا تحتَ لواءِ سيدِ المرسلينَ.
اللَّهُمَّ احْفظْ حُجَّاجَ بَيتِكَ الْحَرَامِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعِدْهِمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ؛ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَجَّهُمْ، وَاِغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ، وَاِجْعَلْ الْجَنَّةَ جَزَاءَهُمْ، الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ اخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْـرًا، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
التعليقات